((عَلَامَ تَبِيعُ الْجَنَّةَ؟!!))
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((عَقَبَةُ تَحْرِيرِ النِّيَّةِ فِي طَرِيقِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ))
فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي ((شُعَبِ الْإِيمَانِ)) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟)).
قَالَ: ((هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَلَا يَفْعَلُونَ، وَيَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ)).
فَهَذِهِ هِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى الْكَؤُودُ فِي سَبِيلِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ -يَعْنِي: مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ-، فَأُتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعَرَّفَهُ -أَيِ: اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- نِعَمَهُ عَلَيْهِ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
فَيَقُولُ لَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: كَذَبْتَ، وَإِنَّمَا قَاتَلْتَ لِكَيْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، وَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ)).
فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْإِنْسَانِ لِلثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ إِذَا مَا اسْتَأْصَلَ كُلَّ دَوَاعِي النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ فِي نَفْسِهِ، وَحَلَّ فِي قَلْبِهِ بِالْمَقَامِ الْأَعْلَى؛ فَإِنَّهُ يُوَازِي أَنْ يُضَحِّيَ الْإِنْسَانُ بِعُمُرِهِ، وَأَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ، وَأَنْ تُرَاقَ دِمَاؤُهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَحْمَدَةِ وَحُبِّ الثَّنَاءِ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا؛ فَهَذَا رَجُلٌ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ حُبِّ الْمَحْمَدَةِ، وَهُوَ يَزْعُمُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يُقَاتِلُ للهِ؛ وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا الزَّيْفِ لَا يَرُوجُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ((فَيُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُعَرِّفُهُ اللهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، فَيَعْرِفُهَا، فَيَقُولُ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
فَيَقُولُ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
فَيَقُولُ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا قَاتَلْتَ كَيْ يُقَالَ فِيكَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، وَقَدْ قِيلَ!
فَهَذَا حَظُّكَ، وَهَذَا نَصِيبُكَ، وَهَذَا مَا كُنْتَ تَبْغِي قَدْ تَحَصَّلْتَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يُلْقَى فِي النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارُ)). نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فِيهَا: ((فَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَيُؤْتَى بِهِ، فَيُعَرِّفُهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، فَيَعْرِفُهَا، فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا صَنَعْتَ فِيهَا؟
فَيَقُولُ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتَهُ لِأَجْلِكَ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَإِنَّمَا تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتَهُ لِكَيْ يُقَالَ: فُلَانٌ عَالِمٌ، وَقَدْ قِيلَ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِكَيْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ، وَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ)).
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَنَّهُ رَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ جَمِعيِهِ، وَأَعْطَاهُ؛ فَهُوَ يُنْفِقُ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ للهِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِالْأَصْبَاحِ وَبِالْأَمْسَاءِ؛ فَيُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ فَيَعْرِفَهَا: فَمَا صَنَعْتَ فِيهَا؟
فَيَقُولُ: أَنْفَقْتُ لَكَ وَلِأَجْلِكَ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَإِنَّمَا أَنْفَقْتَ الْمَالَ لِكَيْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، وَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ)).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ -يَعْنِي: أَمْعَاؤُهُ وَمَصَارِينُهُ-، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ! مَا لَكَ؟!! أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟
فَيَقُولُ: بَلَى؛ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ)).
فَهَذِهِ هِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى الْكَؤُودُ فِي سَبِيلِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ تَحْرِيرُ النِّيَّةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَفِي الْأَقْوَالِ الْمُعْلَنَةِ، وَالْأَقْوَالِ الْمَخْفِيَّةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي سَوَاءِ الضَّمِيرِ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَجَبَلِ الْجَلِيدِ، لَا يَبْدُو مِنْهُ فَوْقَ السَّطْحِ إِلَّا رُبُعُهُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِهِ، وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَغَائِصٌ هُنَاكَ مِنْ تَحْتِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ رُبَّمَا اشْتَبَهَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي غَابَةِ الدَّوَافِعِ، وَفِي غَابَةِ الْبَوَاعِثِ، وَفِي غَابَةِ الْمُرَادَاتِ؛ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُحَرِّرَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا يَقْصِدُهُ، وَلَا طَرِيقًا يَؤُمُّهُ، وَلَا سَمْتًا يَسِيرُ عَلَى دَرْبِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّرَ النِّيَّةَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَهَذِهِ عَقَبَةٌ كَؤُودٌ فِي سَبِيلِ السَّيْرِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
((عَقَبَةُ الْخَاتِمَةِ الْحَسَنَةِ))
وَالْعَجَبُ أَنَّهَا لَوْ مَرَّ مِنْهَا الْإِنْسَانُ صَحِيحًا مُعَافًى؛ تُوَاجِهُهُ مِنْ بَعْدُ عَقَبَةٌ كَمِثْلِهَا فِي الشِّدَّةِ، وَكَمِثْلِهَا فِي الضَّرَاوَةِ وَالْعُنْفِ، قَلَّمَا يَجُوزُهَا الْإِنْسَانُ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمِنَّتِهِ، وَهِيَ عَقَبَةُ الْخَاتِمَةِ الْحَسَنَةِ؛ لِأَنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ مُحِيطٌ بِالْخَلْقِ؛ حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)).
فَيُقَالُ لَهُ: ((يَا نَبِيَّ اللهِ! آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؛ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟!)).
فَيَقُولُ: ((نَعَمْ، إِنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)).
النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ مُعَلِّمًا أُمَّتَهُ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)).
وَيَقُولُ: ((إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)).
وَيَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)).
فَاللهم سَلِّمْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: ((وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي جَنْبِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ)).
وَكَانَ يَأْخُذُ بِلِسَانِ نَفْسِهِ وَيَقُولُ: ((هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ)).
وَكَانَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ مَنْ هُوَ (أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) رِضْوَانُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى صَحَابَةِ النَّبِيِّ أَجْمَعِينَ- كَثِيرًا مَا يَشْكُو إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَضْرَعُ إِلَيْهِ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ، وَمِنَ الرُّكُونِ إِلَى الْهَوَى؛ لِأَنَّ طُولَ الْأَمَلِ يُورِثُ عَدَمَ الْخَشْيَةِ، وَعَدَمَ الْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ؛ وَلِأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُورِثُ بُغْضَةَ الْحَقِّ، وَيُورِثُ النُّفُورَ مِنَ الْعَدْلِ؛ فَكَانَ كَثِيرًا مَا يَضْرَعُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -وَهُوَ مَنْ هُوَ- أَنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهُمَا.
وَكَانَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ لِلنَّاسِ: ((إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ مُوَلِّيَةً، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ -قَدْ أَقْبَلَتِ الْآخِرَةُ، وَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا-؛ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ)).
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ فِي مِحْرَابِهِ لَيْلًا طَوِيلًا .. لَيْلًا طَوِيلًا يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَبْكِي وَيَقُولُ: ((اللهم إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ سَاكِنَ الْجَنَّةِ مِنْ سَاكِن النَّارِ؛ فَفِي أَيِّهِمَا مَسْكَنُ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ)).
اللهم سَلِّمْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
إِنَّ رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِنَا الْكِبَارِ دَخَلَ يَوْمًا عَلَى رَجُلٍ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ وَفِي حَالِ الِاحْتِضَارِ، وَالنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ يَقُولُونَ لَهُ: ((قُلْ كَلِمَةَ الْحَقِّ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَهُوَ يَرُدُّهَا، وَيَتَمَلْمَلُ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ وَفِي حَالِ الِاحْتِضَارِ، وَفِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ؛ فَكَانَ آخِرَ مَا قَالَهُ: هُوَ كَافِرٌ بِهَا، وَرَدَّهَا، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَسَأَلَ عَنْهُ رَجُلُنَا الصَّالِحُ قَرَابَتَهُ وَعَارِفِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مُدْمِنُ خَمْرٍ.
فَقَالَ: مِنْهَا أُوتِيَ)).
فَاتَّقُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الذُّنُوبَ؛ فَإِنَّهَا تُدَعْثِرُ الرَّجُلَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ؛ فَلَا يَنْطِقُ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي ((مَنْ كَانَتْ آخِرَ كَلَامِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ))، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.
إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَمْرٌ مَهُولٌ جِدًّا، وَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي، كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ سِيَاقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي وَصْفِ الْحَالِ؛ فَيُخْبِرُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ؛ فَقَالُوا: ((مَا أَجْزَأَ -أَيْ: مَا أَغْنَى وَمَا كَفَى- مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ)): كَانَ يَكُونُ مِنَ الْعَدُوِّ بِمَوْقِعِ الْمَوْتِ الْأَحْمَرِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)).
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: ((أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا)).
قَالَ: ((فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: ((أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ)).
قَالَ: ((وَمَا ذَاكَ؟)).
قَالَ: ((الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ))، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ)).
فَمَاتَ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ مُنْتَحِرًا، فَدَخَلَ النَّارَ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ!!
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ فَأَثْبَتَتْهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي تَحَدَّثْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَدْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، فَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ)).
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)).
فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَابُ، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ، فَانْتَزَعَ مِنْهَا سَهْمًا فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ)).
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ)).
ثُمَّ إِنَّهُ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا)).
فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُخْتَمُ لِلْمَرْءِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاهُ؟!!
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلِيمٌ بِسَاكِنِ الْجَنَّةِ، وَسَاكِنِ النَّارِ؛ فَفِي أَيِّهِمَا مَسْكَنُنَا؟!!
لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا الْعَلِيمُ بِخَفِيَّاتِ الْأَسْرَارِ؛ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ الْمُنْتَقِمُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ؛ فَاللهم سَلِّمْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
إِنَّهَا عَقَبَةُ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ الْمَرْءُ إِلَيْهَا، وَأَنْ يَجُوزَهَا بِفَضْلٍ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَإِلَّا فَقَدْ دُعْثِرَ فِي أَوَّلِ الْمَقَامَاتِ، وَقَدْ أَنْهَى الرِّحْلَةَ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَهَا، وَهُوَ عَامِلٌ فِي غَيْرِ عَمَلٍ، وَسَائِرٌ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، وَسَالِكٌ فِي سُبُلِ الْغِوَايَةِ وَالضَّلَالِ، وَمُجَانِبٌ لِسُبُلِ الْهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَنِيَّةٌ صَادِقَةٌ صَالِحَةٌ؛ وَإِلَّا فَالنَّارُ وَبِئْسَ الْقَرَارُ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.
ثُمَّ إِنَّ الْعَقَبَاتِ -كَمَا هِيَ هِيَ- تَأْتِي مِنْ بَعْدِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ خَاتِمَةٌ لَا يَدْرِي الْمَرْءُ بِمَا يَخْتِمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلْإِنْسَانِ بِهَا، أَيَخْتِمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلْإِنْسَانِ بِالْحُسْنَى، وَإِنَّهُ لِيُكْثِرُ مِنَ الصَّالِحَاتِ؛ فَهَذِهِ الْجَنَّةُ، وَنِعْمَ الْقَرَارُ، أَمْ يَخْتِمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلْإِنْسَانِ بِالْأُخْرَى؛ فَهِيَ السُّوأَى، وَبِئْسَ الْقَرَارُ؟!!
وَلَا يَغُرَّنَّ إِنْسَانًا فِي طَرِيقِ السُّلُوكِ أَنَّهُ يُكْثِرُ مِنْ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا)).
وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- إِذَا لَقِيَ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ قَالَ لَهُ: ((يَا فُلَانُ! اجْلِسْ بِنَا سَاعَةً نَبْكِي عَلَى عِلْمِ اللهِ فِينَا))؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَى سَبِيلِ عَمَايَةٍ بِغَيْرِ قَرَارٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُنْتَهَى؛ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ، وَإِمَّا فِي النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارُ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَمَّا مَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا؛ فَهَذَا عَلَى غَيْرِ سَبِيلٍ، وَعَلَى غَيْرِ هُدًى يَسِيرُ، وَأَمَّا الصَّالِحُونَ فَيُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ.
((طَرَفٌ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ نَارًا تَلَظَّى -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-، وَاسْمَعْ إِلَى نَبِيِّكَ ﷺ فِي وَصْفِ حَالِ بَعْضِ أَهْلِ النَّارِ؛ فَيَقُولُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ فِي وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الْأُخْدُودِ، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُنُ لَجَرَتْ)).
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((يُرْسَلُ -وَيُسَلَّطُ- الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ))؛ حَسْرَةً وَنَدَمًا، وَلَاتَ حِينَ مَنْدَمِ، فَيَبْكُونَ فِي النَّارِ وَيَجْأَرُونَ، وَلَاتَ حِينَ مُسْتَجِيبٍ لَهُمْ، وَإِنَّ دُمُوعَهُمْ لَتَجْرِي حَتَّى تَفْنَى، وَحَتَّى تَنْفَدَ، وَحَتَّى تَنْقَطِعَ، فَتُغَذِّي غُدَدَهُمُ الدَّمْعِيَّةَ فِي هَذِهِ الْعُيُونِ الْمَصْلِيَّةِ بِنَارِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْقَرَارُ.. تُغَذِّيهَا الدِّمَاءُ، فَيَبْكُونَ الدِّمَاءَ، فَتَجْرِي الدِّمَاءُ فِي مِثْلِ الْأَخَادِيدِ، فِي مِثْلِ الشُّقُوقِ الْعَظِيمَةِ فِي خُدُودِهِمْ، كَمِثْلِ أَخَادِيدِ الْأَنْهَارِ تَجْرِي فِيهَا أَمْوَاهُهَا، وَتَتَلَاطَمُ وَتَسِيرُ وَتَضْطَرِبُ، فَدِمَاؤُهُمْ تَجْرِي فِي الْأَخَادِيدِ الْمَحْفُورَةِ مِنْ دِمَائِهِمْ عَلَى خُدُودِهِمْ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: هَذِهِ الْأَخَادِيدُ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا دِمَاءُ أَهْلِ النَّارِ ((لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَجَرَتْ))؛ فِي تِلْكَ الْأَخَادِيدِ.
وَلَا تَعْجَبَنَّ، وَلَا تَقُولَنَّ إِنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﷺ، وَقَدْ قَالَ ﷺ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ: ((إِنَّ غِلَظَ -سُمْكَ- جِلْدِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ)): ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ أَخَادِيدَ فِي خُدُودِهِمْ، وَمِنْ تِلْكَ الشُّقُوقِ تَجْرِي فِيهَا الدِّمَاءُ، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَسَارَتْ فِي تِلْكَ الْأَخَادِيدِ بِدِمَائِهَا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَجْلِسُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ -يَعْنِي: لَوْ أَنَّهُ جَلَسَ فَالْمَكَانُ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ- كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ)).
وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ كِيلُو مِتْر (500كم)، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِلْقَاصِي وَالدَّانِي، وَكَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 22].
وَهِيَ صُورَةٌ عَجِيبَةٌ جِدًّا؛ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ قُطِّعَتْ، وَلَمْ يَقُلْ: قَدْ قُطِعَتْ، وَإِنَّمَا هِيَ مُفَصَّلَةٌ مُقَطَّعَةٌ، ثِيَابٌ عَجِيبَةٌ جِدًّا، هِيَ أَعْجَبُ الثِّيَابِ قَاطِبَةً؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ مُقَطَّعَةٌ مُفَصَّلَةٌ عَلَى قَدِّهِمْ، فَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ مُلَاصِقَةٌ لِأَجْسَادِهِمْ، كَمَا تَكُونُ الثِّيَابُ فِي حَالِ الدُّنْيَا، تَأْخُذُ صُورَةَ الْجِسْمِ وَتُجَسِّمُهُ، ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ قَدْ قُطِّعَتْ لِلْكَافِرِينَ فِي النَّارِ.
ثُمَّ يَأْتِي الْأَمْرُ الْعَجِيبُ الَّذِي لَا يَفْرُغُ مِنْهُ الْعَجَبُ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَ حَمِيمًا فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ غَلَيَانِهِ إِذَا أَصَابَ نَارًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُطْفِئَهَا، وَأَمَّا هَذَا الْمَاءُ الْحَمِيمُ الَّذِي يُصَبُّ فَوْقَ رُؤُوسِ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ فِي سَوَاءِ النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارُ؛ فَإِنَّهُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، فَهُوَ أَشَدُّ عَمَلًا فِي تِلْكَ الْجُلُودِ مِنَ النَّارِ الَّتِي سَلَّطَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ فِيهَا.
وَانْظُرْ إِلَى الْمُفَاجَئَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تُحِيطُ بِهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَمَا يَرَوْنَ الْمَاءَ نَازِلًا مِنْ فَوْقِهِمْ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ؛ عِنْدَمَا يَرَوْنَ الْمَاءَ نَازِلًا يُؤَمِّلُونَ فِي الْمَاءِ خَيْرًا، فَيَكُونُ الْمَاءُ أَشَدَّ وَقْعًا عَلَيْهِمْ مِنَ النَّارِ الَّتِي تَتَلَهَّبُ مِنْهَا الْجُلُودُ.
وَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَجَاعِلٌ النَّارَ فِي النَّارِ وَاصِلَةً إِلَى الْأَفْئِدَةِ، مُطَّلِعَةً عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَعَامِلَةٌ فِي الْجُلُودِ إِنْضَاجًا وَحَرْقًا، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56]؛ كُلَّمَا احْتَوَشَتِ النَّارُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ، هَؤُلَاءِ الضُّلَّالَ الْمُعَانِدِينَ، كُلَّمَا أَتَتْهُمُ النَّارُ فَأَحْرَقَتْ مِنْهُمُ الْجُلُودَ، وَأَفْنَتْ تِلْكَ الْجُلُودَ، وَنَضِجَتْ عَلَى تَعْبِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ يَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}..
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}، وَهُوَ أَمْرٌ مُهِينٌ جِدًّا، يُطْرَقُونَ بِتِلْكَ الْمَقَامِعِ مِنْ زَبَانِيَةِ النَّارِ، فَكُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا أَيْدِيَهُمْ جُنَّةً وَوِقَايَةً عَلَى رُؤُوسِهِمْ؛ أَتَتْهُمْ عَلَى بُطُونِهِمْ وَعَلَى ظُهُورِهِمْ، فَكُلَّمَا جَعَلُوا الْأَيْدِيَ دُرُوعًا عَلَى الصُّدُورِ أَوِ الظُّهُورِ أَتَتْهُمُ الْمَقَامِعُ بِالضَّرْبِ عَلَى الرُّؤُوسِ، {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا} مِنَ الْغَمِّ الْمُحِيطِ بِهِمْ، وَإِنَّ الْغَمَّ الْمُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ لَيَكْفِي لَهُمْ عَذَابًا؛ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا شَدِيدِي الْوَطْأَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا؛ فَالْيَوْمَ يُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِاللهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، وَبِمَا يَعْتَدُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}؛ فَهُوَ عَذَابٌ لِلْحَرِيقِ وَبِالْحَرِيقِ وَإِلَى الْحَرِيقِ -نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَنَا بِرَحْمَتِهِ-.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.. فَصُورَةٌ أُخْرَى نَقِيَّةٌ صَافِيَةٌ فِيهَا الْعَطَاءُ، وَفِيهَا الْأَمْنُ، وَفِيهَا الْأَمَانُ، وَفِيهَا السَّلَامَةُ، وَفِيهَا الْإِسْلَامُ، وَفِيهَا الرِّفْقُ كُلُّهُ، وَفِيهَا الشَّفَقَةُ كُلُّهَا؛ يُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا}: أَيَّ شَيْءٍ فِي مُقَابِلِ الثِّيَابِ الْمُقَطَّعَةِ مِنَ النَّارِ لِأُولَئِكَ الْمُعَذَّبِينَ؟! هَاهُنَا هَؤُلَاءِ يُحَلَّوْنَ فِيهَا عُقُودَ لُؤْلُؤٍ وَذَهَبٍ، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالِ وَالنَّعِيمِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي مُقَابِلِ الْمَقَامِعِ مِنْ حَدِيدٍ لَهُمْ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَسْوِرَةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ نَضِيدٍ، وَأَمَّا ثِيَابُهُمْ فِيهَا فَحَرِيرٌ مُفَصَّلٌ بِقُدْرَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَارِنِ الْآنَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ؛ بَيْنَ صُورَةِ الْحَدِيدِ بِالْمَقَامِعِ، وَبَيْنَ صُورَةِ الذَّهَبِ بِأَسَاوِرِهِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ!
وَقَارِنِ الْآنَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ؛ بَيْنَ ثَوْبٍ مُفَصَّلٍ قَدْ قُدَّ عَلَى الْقَدِّ، وَقَدْ قُطِّعَ بِالْمَقَاسِ عَلَى الْمُعَذَّبِ، وَهُوَ مَقْطُوعٌ مُقَطَّعٌ مِنَ النَّارِ، وَآخَرُ ثِيَابٌ مِنْ حَرِيرٍ!
((عَلَامَ تَبِيعُ الْجَنَّةَ؟!!))
فَهَذَا أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ؛ حَتَّى لَا يُهْلِكَ نَفْسَهُ فِي مُقَابِلِ لَا شَيْءَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ! هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟
فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ!
وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ! هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟
فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ! مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)).
يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ غُمِسَ فِيهَا غَمْسَةً وَاحِدَةً، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ وَجَدْتَ نَعِيمًا قَطُّ؟ هَلْ وَجَدْتَ رِضًا قَطُّ؟
فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ وَعِزَّتِكَ! مَا وَجَدْتُ نَعِيمًا قَطُّ، وَلَا وَجَدْتُ نُعْمَى قَطُّ.
وَيُؤْتَى بِأَبْأَسِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُغْمَسُ فِي الْجَنَّةِ غَمْسَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَسْأَلُهُ رَبُّهُ: هَلْ وَجَدْتَ -يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا وَكُنْتَ أَبْأَسَ خَلْقِ اللهِ فِيهَا، وَكُنْتَ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً وَابْتِلَاءً فِيهَا؛ وَلَكِنْ فِي مُقَابِلِ غَمْسَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْجَنَّةِ يُسْأَلُ: هَلْ وَجَدْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ وَجَدْتَ شَقَاءً قَطُّ؟
فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ وَعِزَّتِكَ! مَا وَجَدْتُ شَقَاءً قَطُّ، وَلَا وَجَدْتُ بُؤْسًا قَطُّ.
فَهَذَا نَعِيمُ الدُّنْيَا بِكُلِّ مَا فِيهِ لَا يَعْدِلُ غَمْسَةً وَاحِدَةً فِي النَّارِ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.
وَهَذَا شَقَاءُ الدُّنْيَا بِكُلِّ مَا فِيهِ لَا يَعْدِلُ غَمْسَةً وَاحِدَةً فِي الْجَنَّةِ -وَللهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.
فَعَلَامَ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟!!
فَعَلَامَ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِلَذَّةٍ فَانِيَةٍ كَغَضِّ الطَّرْفِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؟!!
عَلَامَ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِفِتْرٍ بَيْنَ فَخِذِ امْرَأَةٍ يَصِلُ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِذَلِكَ إِلَى الْحَرَامِ؟!!
عَلَامَ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِتِلْكَ الْمِسَاحَةِ الَّتِي لَا تُسَاوِي شَيْئًا؟!! ثُمَّ إِنَّ فِيهَا مِنَ الْآفَاتِ مَا فِيهَا، وَيَكْفِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْتَكِبُ بِهَا مَا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ!!
((إِنَّ الْجَنَّةَ -كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ- قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ)).
فَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ بِرَحْمَتِهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ))
فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ! لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِالْجَنَّةِ، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ! لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ.
قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا؛ فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ! لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ! لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا)).
((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)). كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ.
((مَشْهَدُ سَوْقِ الْكَافِرِينَ إِلَى النَّارِ))
إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَعَدَّ النَّارَ لِلْخَاطِئِينَ الْمُخْطِئِينَ، وَهَذِهِ النَّارُ تَلَظَّى نِيرَانُهَا كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ، وَاسْمَعْ إِلَيْهِ يَقُولُ: ((اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا -مِنْ شِدَّةِ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الضِّرَامِ وَالتَّلَهُّبِ، وَالْغَلْيِ بِالْحَمِيمِ وَالسَّعِيرِ- فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: فَأَذِنَ لِي أَتَنَفَّسُ -وَكَأَنَّهَا وَجَدَتْ فُرْصَةً فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ لِكَيْ تَتَنَفَّسَ وَلَوْ نَفَسًا مِمَّا أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا-، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ)).
اللهم سَلِّمْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَسُوقُ لَنَا مَشْهَدًا مِنَ الْمَشَاهِدِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [الصافات: 19].
وَانْظُرْ قَوْلَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يُحْشَرُ}: فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ حَشْرَ الْبَهَائِمِ بِمَوْقِفٍ مُذِلٍّ مُهِينٍ، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ}: وَهَلْ يُطِيقُ بَشَرٌ.. وَهَلْ يُطِيقُ خَلْقٌ كَيْفَمَا كَانَ وَمَنْ كَانَ أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}: يُوقَفُ أَوَائِلُهُمْ حَتَّى يُرَدَّ عَلَى أَوَائِلِهِمْ أَوَاخِرُهُمْ يُسَاقُونَ سَوْقَ الْقَطِيعِ، وَيُحْشَرُونَ حَشْرَ الْبَهَائِمِ فِي الْمَوْقِفِ الْمُذِلِّ الْمُهِينِ.
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 19-23].
نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ!
إِنَّ هَذَا الْمَوْقِفَ الْعَظِيمَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُصَوِّرُهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَفِي سِيَاقَاتِهِ، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}: سَوْقَ الْقَطِيعِ، يُسَاقُونَ فِي الْمَذَلَّةِ، وَفِي الْمِحْنَةِ، وَفِي الْإِهَانَةِ وَالْخَسْفِ، يُسَاقُونَ بِأَوَائِلِهِمْ وَأَوَاخِرِهِمْ مَحْشُورُونَ إِلَى النَّارِ، وَبِئْسَ الْقَرَارُ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ يُقْبِلُونَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَجُلُودِهِمْ بَعْدَ الْمَوْقِفِ الْعَجِيبِ فِي الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَخْتِمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]: بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ، بِمَا كَانُوا يَأْتَفِكُونَ، بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْخَلْوَةِ لَا فِي الْجَلْوَةِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُبْصِرُهُمْ، وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الشُّهُودَ قَدْ فُقِدُوا جَمِيعًا؛ فَيَأْتِيهِمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِشُهُودٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَسْمَاعُهُمْ، وَأَبْصَارُهُمْ، وَجُلُودُهُمْ؛ لِأَنَّ اللهَ يَخْتِمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ، وَتَنْطِقُ الْأَبْصَارُ تَقُولُ: نَظَرْنَا، وَتَلَصَّصْنَا، وَتَجَسَّسْنَا، وَعَبَثْنَا، وَفَسَقْنَا، وَتَقُولُ الْأَسْمَاعُ: تَجَسَّسْنَا، وَتَلَصَّصْنَا، وَاسْتَمَعْنَا الْخَنَا، وَاسْتَمَعْنَا الْوِشَايَاتِ وَالْكَذِبَ، وَاسْتَمَعْنَا مَا لَا يُرْضِي اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا الْعَجَبُ الْعَاجِبُ فَفِي نُطْقِ الْجُلُودِ؛ لِأَنَّ اللهَ يَجْعَلُ الْمَرْءَ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ بِكُفْرِهِ أَبْعَاضًا يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَيَتَنَكَّرُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ عِنْدَمَا يُقْبِلُونَ بَعْدَ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ عَلَى سَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَجُلُودِهِمْ قَائِلِينَ لَهُمْ فِي لَوْمٍ لَائِمٍ: {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}؟! أَلَمْ نَكُنْ نُحَاجُّ عَنْكُمْ وَنُدَافِعُ؟! أَلَسْنَا إِذَا دَخَلْنَا النَّارَ تَعَذَّبْنَا جَمِيعًا؟!
فَتَنْطِقُ الْأَسْمَاعُ، وَالْأَبْصَارُ، وَالْجُلُودُ قَائِلَةً لَهُمْ: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، وَهُمْ لَا يُقْبِلُونَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَلَا عَلَى أَبْصَارِهِمْ لَائِمِينَ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ مَعَ الْجُلُودِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُسْتَقْبَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوَجِّهَ الْكَلَامَ إِلَى بَصَرِهِ مُبَاشَرَةً، وَلَا إِلَى سَمْعِهِ مُبَاشَرَةً، وَإِنَّمَا يُقْبِلُ عَلَى جِلْدِهِ الَّذِي نَطَقَ، عَلَى يَدِهِ وَرِجْلِهِ، عَلَى فَخِذِهِ وَقَدَمِهِ؛ فَيُقْبِلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَائِمًا: {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}؟! أَلَسْتُمْ تَتَعَذَّبُونَ مَعَنَا إِنْ دَخَلْنَا النَّارَ؟!
فَيَتَبَرَّأُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ بِمَقَالَةِ الْغَرِيبِ لِلْغَرِيبِ قَائِلِينَ: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ}.
أَهَذَا قَوْلُ الْجُلُودِ، وَالْأَسْمَاعِ، وَالْأَبْصَارِ؟
يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ.
أَهُوَ تَعْقِيبٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِتَبْكِيتٍ فِي الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ، بِالْفَضِيحَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى الْإِنْسَانِ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَجِلْدُهُ بِالْخِزْيِ وَالْفَضِيحَةِ وَسَوْقِ النَّدَامَةِ، يَجُوزُ، وَهَذَا قَوْلٌ -أَيْضًا- لِلْمُفَسِّرِينَ.
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ لِأَمْرٍ عَجِيبٍ؛ فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (({وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفٍ -أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ- فِي بَيْتٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟!
قَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ.
فَأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَجْعَلُ الشُّهَدَاءَ مِنْكُمْ؛ لِكَيْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَبَعْدَمَا أَنْطَقَ عَلَى الْمَرْءِ بِشَاهِدٍ مِنْ نَفْسِهِ.
فَإِذَا مَا أَرَدْتَ أَنْ تَصْنَعَ الْخَطِيئَةَ، وَأَنْ تَهْجُمَ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَأَنْ تَأْتِيَ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنْكَرِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَقْصِدَ مَكَانًا لَا يَسْمَعُكَ فِيهِ سَمْعُكَ، وَلَا يُبْصِرُكَ فِيهِ طَرْفُكَ، وَلَا يَرَاكَ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْكَ فِيهِ جِلْدُكَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُحِيطٌ بِكَ، عَالِمٌ بِسِرِّكَ، أَعْلَى وَأَجَلُّ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْجِلْدُ، وَالْفُؤَادُ.
فَاللهم سَلِّمْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا.
اللهم خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ.
اللهم اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَقِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، اللهم قِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، قِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، اللهم قِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ.
الله ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى نَلْقَاكَ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلَامِنَا مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
المصدر:عَلَامَ تَبِيعُ الْجَنَّةَ؟!!