مُتَطَلَّبَاتُ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ

مُتَطَلَّبَاتُ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ

((مُتَطَلَّبَاتُ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ))

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((نِعْمَةُ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ))

فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وَقَدْ قَرَنَ اللهُ -تَعَالَى- الْأَمْنَ بِالْعِبَادَةِ؛ وَذَلِكَ لِعَظِيمِ قِيمَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].

وَالِابْتِدَاءُ بِطَلَبِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا بِهِ.

وَقَدْ أَجَابَ اللهُ -تَعَالَى- دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ (سلم)، فَجَعَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ آمِنًا، وَجَعَلَ مَكَّةَ بَلَدًا آمِنًا، تُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنْهُ تَعَالَى وَتَفَضُّلًا.وَقَرَنَ اللهُ تَعَالَى الْأَمْنَ بِالرِّزْقِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].

وَامْتَنَّ اللهُ عَلَى أَهْلِ حَرَمِهِ الْآمِنِ بِالْأَمْنِ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]؛ أَيْ: أَجَهِلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قِيمَةَ النِّعْمَةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَلَمْ يُدْرِكُوا وَيُشَاهِدُوا أَنَّا جَعَلْنَا بَلَدَهُمْ مَكَّةَ حَرَمًا آمِنًا، يَأْمَنُونَ فِيهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَعَلَى أَعْرَاضِهِمْ وَالْحَالُ أَنَّ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَعْتَدِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟!!

وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ حَوْلَ مَكَّةَ يَغْزُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَغَاوَرُونَ وَيَتَنَاهَبُونَ، يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَنْهَبُ بَعْضُهُمْ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ مُسْتَقِرُّونَ فِيهَا آمِنُونَ، لَا يُعْتَدَى عَلَيْهِمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ غَيْرِهِمْ، فَذَكَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ -بِنِعْمَةِ الْأَمْنِ-.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} لِلتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلِلتَّوْبِيخِ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْجُحُودِ وَالْكُفْرِ لِنِعَمِ اللهِ -تَعَالَى-.

أَفَبَعْدَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْأَصْنَامِ، وَبِنِعْمَةِ اللهِ الَّتِي تَسْتَدْعِي اسْتِجَابَتَهُمْ لِلْحَقِّ يَكْفُرُونَ؟!!.

وَكَانَ أَمْنُ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ مَدَحَهُ اللهُ -تَعَالَى- مَدْحًا عَظِيمًا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا} [آل عمران: 97]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125].

فَجَعَلَهُ اللهُ مَرْجِعًا لِلنَّاسِ، يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَلَاذًا وَحِصْنًا لَهُمْ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، فَهُوَ مَوْضِعُ أَمْنِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} [قريش: 3-4].

وَذَكَرَ -تَعَالَى- مِنَّتَهُ عَلَى سَبَأٍ، فَقَالَ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ} [سبأ: 18].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».

فَتَأَمَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَازَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ؛ فَكَأَنَّهُ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا.

أَوَّلًا: الْأَمْنُ فِي النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْأَهْلِ، وَالْعِيَالِ، وَالدَّارِ.

ثَانِيًا: الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ فِي الْجَسَدِ.

ثَالِثًا: تَوَفُّرُ قُوتِ الْيَوْمِ.

فَبَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِنِعْمَةِ الْأَمْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ بِنِعْمَةِ الْعَافِيَةِ وَلَا بِنِعْمَةِ الطَّعَامِ إِلَّا بِوُجُودِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ.

فَقَوْلُهُ ﷺ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ)) أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ((آمِنًا)) غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ عَدُوٍّ ((فِي سِرْبِهِ))؛ أَيْ: فِي نَفْسِهِ، وَقِيلَ: السِّرْبُ: الْجَمَاعَةُ، وَالْمَعْنَى: فِي أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ السِّينِ؛ أَيْ: فِي مَسْلَكِهِ وَطَرِيقِهِ، وَقِيلَ: بِفَتْحَتَيْنِ؛ أَيْ: فِي بَيْتِهِ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: ((يُقَالُ: فُلَانٌ آمِنٌ فِي سِرْبِهِ بِالْكَسْرِ-؛ أَيْ: فِي نَفْسِهِ)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ عِظَمَ قَدْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ، وَهِيَ أَنْ يُصْبِحَ الْمَرْءُ آمِنًا فِي نَفْسِهِ، وَفِي أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، وَفِي مَسْلَكِهِ وَطَرِيقِهِ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ مَا ذَكَرَ بَعْدُ ﷺ مِنْ عَافِيَةِ الْجَسَدِ، وَمِنْ نِعْمَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.

وَمَنْ آتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ؛ فَكَأَنَّمَا مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا.

 ((حُبُّ الْأَوْطَانِ فِطْرَةٌ وَغَرِيزَةٌ))

إِنَّ حُبَّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ؛ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ مِنَ الْحَشَرَاتِ -مِثَالٌ-، فَهِيَ تَبْنِي أَوْطَانَهَا، وَتَأْوِي إِلَيْهَا، وَتُدَافِعُ عَنْهَا، وَالْأَسْمَاكُ مِنْهَا مُهَاجِرٌ يَقْطَعُ الْبِحَارَ سِبَاحَةً، ثُمَّ تَؤُوبُ بَعْدُ إِلَى أَوْطَانِهَا.

وَالطُّيُورُ مِنْهَا مُهَاجِرٌ يَقْطَعُ أَلْفَ مِيلٍ فَوْقَ مِيَاهِ الْبِحَارِ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى وُكْنَاتِهَا -إِلَى أَعْشَاشِهَا-، وَتَأْوِي إِلَى أَوْطَانِهَا.

وَالْحَيَوَانَاتُ تَأْلَفُ مَوَاطِنَهَا، وَتُدَافِعُ عَنْهَا، وَتَأْوِي إِلَيْهَا -حَتَّى الْحَمِيرُ-!!

قَالَ الْأُسْتَاذُ يَحْيَى حَقِّي -وَهُوَ يَرْوِي بَعْضَ مَا وَقَعَ لَهُ عِنْدَمَا كَانَ وَكِيلًا لِلنَّائِبِ الْعَامِّ فِي إِحْدَى مُحَافَظَاتِ الصَّعِيدِ-: ((أُعِيدَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ أُحَقِّقَ فِي قَضِيَّةٍ تَنَازَعَ فِيهَا رَجُلَانِ عَلَى حِمَارٍ، كَانَ الْأَوَّلُ يَسِيرُ فِي سُوقِ الْقَرْيَةِ، فَإِذَا بِهِ يَهْجُمُ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُدِيرِيَّةِ، وَيُمْسِكُ بِخِنَاقِهِ، وَيَتَّهِمُهُ بِأَنَّ حِمَارَهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ هُوَ، يُقْسِمُ أَغْلَظَ الْأَيْمَانِ، وَالثَّانِي يُقْسِمُ بِأَيْمَانٍ أَغْلَظَ أَنَّ التُّهْمَةَ كَاذِبَةٌ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْحَمِيرِ كَمَا يَصِحُّ فِي النَّاسِ -يَخْلُقُ مِنَ الشَّبَهِ أَرْبَعِينَ!!-.

قَالَ: قُمْتُ مِنَ الْمَرْكَزِ وَمَعِي الْمُتَخَاصِمَانِ وَالْحِمَارُ، حَتَّى بَلَغْنَا قَرْيَةَ الْأَوَّلِ -الْمُدَّعِي-، وَوَقَفْنَا عَلَى مَشَارِفِهَا مِنْ بَعِيدٍ، ثُمَّ أَطْلَقْنَا الْحِمَارَ، فَجَرَى وَاخْتَارَ.. اخْتَارَ مِنَ الدُّرُوبِ الْيَمِينَ، ثُمَّ الْيَسَارَ، ثُمَّ مَرَقَ بَيْنَ مَنَازِلِ الْقَرْيَةِ لَا يَتَرَيَّثُ حَتَّى دَخَلَ جَرْيًا بَيْتَ الرَّجُلِ، يَكَادُ يَحْطِمُ الْبَابَ بِنَطْحَةٍ مِنْ رَأْسِهِ، وَكَانَ قَدْ مَضَى عَلَى السَّرِقَةِ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ؛ هَلْ بَعْدَ هَذَا دَلِيلٌ؟!!

قَالَ: شَاهِدُ الْإِثْبَاتِ الْوَحِيدُ هُوَ الْحِمَارُ!! الْحِمَارُ نَفْسُهُ!! وَهَيْهَاتَ أَنْ نَسُوقَهُ لِيَقِفَ أَمَامَ الْقَاضِي، فَلَا مَفَرَّ مِنْ أَنْ أَذْهَبَ أَنَا لِلْمَحْكَمَةِ، وَأَقُولُ لَهَا: أَنَا شَاهِدٌ حَاضِرٌ عَنِ الْحِمَارِ يَا أَفَنْدِم!!)).

حَتَّى الْحَمِيرُ تَأْلَفُ أَوْطَانَهَا، وَتُحِبُّهَا، وَتَأْوِي إِلَيْهَا؛ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ مِنَ الْبَشَرِ يُبْغِضُونَ أَوْطَانَهُمْ، وَيَسْعَوْنَ فِي هَدْمِهَا، وَتَقْوِيضِ أَرْكَانِهَا، وَإِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَالْخَرَابِ فِيهَا؟!!

أَلَمْ يَبْلُغُوا -بَعْدُ- مَبَالِغَ الْحَمِيرِ؟!!

حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، وَكُلُّ سَوِيٍّ مِنَ الْبَشَرِ يُحِبُّ وَطَنَهُ، وَيَنْتَمِي إِلَيْهِ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فِي نَفْسِهِ.. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فِي قَلْبِهِ.. مَنْ لَمْ يَجِدْ فِي ضَمِيرِهِ وَعَقْلِهِ حُبَّ وَطَنِهِ؛ فَهُوَ شَاذٌّ عَنِ الْإِنْسَانِيَّةِ، مُنْحَرِفٌ عَنِ الْفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ، وَهُوَ بِحَاجَةٍ إِلَى عِلَاجٍ وَدَوَاءٍ!!

لَمَّا أُخْرِجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ قَالَ -وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَنْظُرُ مِنْ خَلَلِ دُمُوعِهِ؛ كَأَنَّمَا تَغْسِلُ الدُّورَ غَسْلًا، بَعْدَ مَا لَوَّثَ الْمُشْرِكُونَ الْأَجْوَاءَ، وَبَعْدَمَا عَاثُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ- يَقُولُ ﷺ لِمَكَّةَ: ((وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَلَوْ لَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)).

فَرَسُولُ اللهِ يَجِدُ هَذَا الْحُبَّ فِي قَلْبِهِ لِمَكَّةَ -زَادَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شَرَفًا-، وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ؛ كَانَتْ لَوَاعِجُ الْحُبِّ تَلْذَعُ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ لَذْعًا، وَكَانُوا بِاللَّيْلِ يَتَقَلَّبُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ، أَوْ عَلَى مِثْلِ الْإِبَرِ، لَا يَهْدَأُ لَهُمْ بَالٌ، وَلَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ قَرَارٌ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي هَذَا الْجَوَى اللَّاعِجِ؛ كَالنَّارِ الَّتِي تَسْرِي فِي الْعُرُوقِ؛ فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: ((اللهم حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ)).

فَكَانَ مَا طَلَبَهُ رَسُولُ اللهِ وَمَا دَعَا بِهِ اللهَ.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ حُبَّ وَطَنِهِ فِي قَلْبِهِ وَضَمِيرِهِ وَنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ؛ فَهُوَ شَاذٌّ عَنِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَعَنِ الْفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ؛ فَلْيَبْحَثْ لِنَفْسِهِ عَنْ عِلَاجٍ وَدَوَاءٍ.

قَالَ أَعْرَابِيٌّ يَتَشَوَّقُ إِلَى وَطَنِهِ:

ذَكَرْتُ بِلَادِي فَاسْتَهَلَّتْ مَدَامِعِي=بِشَوْقِي إِلَى عَهْدِ الصِّبَا الْمُتَقَادِمِ

حَنَنْتُ إِلَى أَرْضٍ بِهَا اخْضَرَّ شَارِبِي=وَحُلَّتْ بِهَا عَنِّي عُقُودُ التَّمَائِمِ

وَالتَّمَائِمُ: جَمْعُ تَمِيمَةٍ؛ وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى صِبْيَانِهَا، يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ -فِي زَعْمِهِمْ-، فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ، فَهَذَا يَذْكُرُ مَا كَانَ.

أَخَذَ ابْنُ الرُّومِيِّ هَذَا الْبَيْتَ، فَقَالَ:

بَلَدٌ صَحِبْتُ بِهِ الشَّبِيبَةَ وَالصِّبَا=وَلَبِسْتُ فِيهِ الْعَيْشَ وَهْوَ جَدِيدُ

فَإِذَا تَمَثَّلَ فِي الضَّمِيرِ رَأَيْتُهُ=وَعَلَيْهِ أَفْنَانُ الشَّبَابِ تَمِيدُ

 ((مَعَانِي الْوَطَنِيَّةِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ))

(الْوَطَنُ) كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَلَكِنَّ مَعْنَاهَا عَظِيمٌ جَلِيلٌ، فَهُوَ التُّرْبَةُ الَّتِي مِنْهَا خَرَجْنَا، وَعَلَيْهَا دَرَجْنَا، وَفِيهَا حَيَاتُنَا، وَإِلَيْهَا مَرْجِعُنَا وَمَآبُنَا.

وَهَلْ كَانَ الْوَطَنُ إِلَّا أَنْتَ وَتِلْكَ الْعِظَامَ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِأَرْضِهِ مِنْ عِظَامِ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ مِنَ الْقِدَمِ؟!!

فَأَنْتَ بَعْضُ الْوَطَنِ، وَالْوَطَنُ كُلُّكَ؛ فِي حَيَاتِهِ حَيَاتُكَ وَلَوْ مُتَّ، وَفِي مَوْتِهِ مَوْتُكَ وَلَوْ حَيِيتَ.

وَلَا تَحْسَبَنَّ حَيَاتَكَ هِيَ تِلْكَ الْأَيَّامَ الْقَصِيرَةَ الَّتِي تَقْضِيهَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ، وَتَلْهُو وَتَلْعَبُ؛ إِنَّمَا حَيَاتُكَ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ، هِيَ ذِكْرَى الْمَاضِي، وَعِظَةُ الْحَاضِرِ، وَأَمَلُ الْمُسْتَقْبَلِ، هِيَ كُلُّ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا هُوَ الْوَطَنُ.

الْوَطَنُ هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي طَوَيْنَا فِيهَا ثَوْبَ طُفُولَتِنَا الْمَرِحَةِ، وَلَا نَزَالُ نَطْوِي فِيهَا رِدَاءَ شَبَابِنَا وَشَيْخُوخَتِنَا، وَالَّتِي نَشَأْنَا فِيهَا، وَأَحْبَبْنَاهَا وَفَضَّلْنَاهَا -بِحُكْمِ الطَّبْعِ وَاللُّغَةِ وَالنَّشْأَةِ- عَلَى كُلِّ بَلَدٍ سِوَاهَا.

هَذِهِ هِيَ فِطْرَةُ الْإِنْسَانِ، وَتِلْكَ هِيَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ.

الِانْتِمَاءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الِانْتِسَابُ وَالِاعْتِزَاءُ.

«وَالسُّؤَالُ: هَلْ يُحَرِّمُ الْإِسْلَامُ أَوْ يَمْنَعُ أَنْ يَنْتَسِبَ الْمُسْلِمُ إِلَى وَطَنِهِ، أَوْ دَوْلَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟!!

وَالسُّؤَالُ تَحْدِيدًا هُوَ: هَلْ الِانْتِسَابُ إِلَى الْوَطَنِ وَالدَّوْلَةِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ؟!!

هَلِ الْوَطَنِيَّةُ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْوَثَنِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ؟!!

الِانْتِمَاءُ إِلَى الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرْعِ، فَالْمُسْلِمُونَ أُمَّةٌ عُدُولٌ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 143].

وَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ؛ قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].

وَهُمْ أَتْبَاعُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ؛ يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].

وَالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].

وَسَمَّانَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مُسْلِمِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

وَالِانْتِمَاءُ إِلَى الْقَبِيلَةِ مِمَّا أَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَيَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13])).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ)) . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((الصَّحِيحَةِ)).

فَالِانْتِسَابُ إِلَى الْقَبِيلَةِ وَالشَّعْبِ أَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْأَمْرُ؛ فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى قَبَائِلِهِمْ وَأَقْوَامِهِمْ أَمَامَ الرَّسُولِ ﷺ، وَلَمْ يُنْكِرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَالِانْتِمَاءُ إِلَى الْأُسْرَةِ -بِأَنْ يُنْسَبَ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ- مِمَّا أَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ؛ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 5].

بَلْ وَحَذَّرَ ﷺ مِنْ أَنْ يَنْتَسِبَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ أَبِيهِ؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ -وَهُوَ يَعْلَمُهُ- إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) .

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «... وَمَنِ ادَّعَى مَا ليْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ...»)) .

وَحُبُّ الْوَطَنِ يَعْفُو.. وَقَدْ يَمُوتُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ الَّتِي شَغَلَتْهَا الْأَثَرَةُ وَالْأَنَانِيَّةُ، أَمَّا كِبَارُ النُّفُوسِ؛ فَلَا يَشْغَلُهُمْ شَاغِلٌ عَنْ حُبِّ وَطَنِهِمْ، وَالْعَمَلِ لِرِفْعَتِهِ.

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ -حَتَّى الْخَوَاصَّ- يَخْلِطُونَ بَيْنَ الْوَطَنِيَّةِ وَالشَّهْوَةِ السِّيَاسِيَّةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْوَطَنِيَّةُ أَسَاسَهَا؛ وَلَكِنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطَنِ حِينَ يَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ تَكُونُ أَقَلَّ مَا يُفَكَّرُ فِيهِ، تَدْفَعُنَا إِلَيْهِ الْبَغْضَاءُ، ثُمَّ الْعِنَادُ وَالِانْتِفَاعُ الْأَعْمَى.

الَّذِي يُوَجِّهُ إِلَى حُبِّ الْغَلَبِ مَا لَنَا مِنَ الْأَفْكَارِ وَالْمَشَاعِرِ وَالْقُوَى، ثُمَّ مَا لَنَا مِنَ الطَّمَعِ وَالْمَنْفَعَةِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي هِيَ الشُّغُلُ الشَّاغِلُ لِلْإِنْسَانِ أَبَدًا.

يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأَعْمَالٍ وَطَنِيَّةٍ -وَلَوْ عَنْ رَغْبَةٍ- أَنْ يَفْحَصَ عَنْ قَلْبِهِ، وَيَسْأَلَ نَفْسَهُ: أَيُرِيدُ مَجْدَ وَطَنِهِ حَقًّا، أَمْ يُرِيدُ نَجَاحَ فَرِيقٍ مُعَيَّنٍ؟!!

إِنَّ لَنَا مَهَارَةً فِي إِخْفَاءِ شَهَوَاتٍ رَدِيئَةٍ تَحْتَ أَلْفَاظٍ فَخْمَةٍ؛ حَتَّى إِنَّنَا لَنَخْدَعُ أَنْفُسَنَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ، نَعْرِفُ طَهَارَةَ نِيَّاتِنَا إِذَا أَحْسَسْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الْعَجْزَ عَنْ تَغْيِيرِ شُعُورِنَا أَوْ سِيرَتِنَا بِتَغَيُّرِ الْحَظِّ.

وَإِذَا كُنَّا مُسْتَعِدِّينَ لِلْعَمَلِ فِي أَيِّ صَفٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَطْمَعَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوْ فِي السَّاقَةِ.. عَلَى السَّوَاءِ.

وَإِذَا كُنَّا نُحِبُّ كُلَّ مَا هُوَ خَيْرٌ لِلْوَطَنِ؛ وَإِنْ لَمْ يَنَلْهُ الْوَطَنُ عَلَى أَيْدِينَا أَوْ عَلَى أَيْدِي مَنْ نُحِبُّ.

((إِنَّ الْمَدْرَسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِلْإِنْسَانِيَّةِ هِيَ الْوَطَنِيَّةُ، وَمَدْرَسَةُ الْوَطَنِيَّةِ هِيَ فِكْرَةُ الْأُسْرَةِ، إِنَّمَا نَتَعَلَّمُ حُبَّ النَّاسِ وَالْوَطَنِ بِجَانِبِ مَهْدِ أَطْفَالِنَا.

كُلُّ الْمَشَاعِرِ الطَّيِّبَةِ تَنْشَأُ مِنْ هَذَا الْيَنْبُوعِ؛ كَأَنَّهَا نَتِيجَةُ عَدْوَى صَالِحَةٌ رَاضِيَةٌ، فَكَمَا أَنَّ عَقْلِي يَسْلُكُ طَرِيقَةَ التَّحْلِيلِ، وَلَا يَشْمَلُ الْعَالَمَ بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَقَلْبِي يُحِبُّ أَوَّلًا مَنْ يُجَاوِرُنِي، ثُمَّ يَقْوَى فَيَمْتَدُّ حَنَانُهُ إِلَى الْإِنْسَانِيَّةِ)).

 ((مُقْتَضَيَاتُ الِانْتِمَاءِ الْحَقِيقِيِّ لِلْوَطَنِ))

إِنَّ الِانْتِمَاءَ لِلْوَطَنِ يُوجِبُ عَلَى أَبْنَائِهِ أَنْ يَعْتَزُّوا بِهِ، وَأَنْ يَتَكَاتَفُوا جَمِيعًا لِلْحِفَاظِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُسْهِمُوا بِقُوَّةٍ فِي نَهْضَتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ، وَالْمُرَابَطَةِ عَلَى ثُغُورِهِ لِتَأْمِينِ حُدُودِهِ، وَرَدْعِ كُلِّ مُعْتَدٍ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ الَّتِي تَخْدُمُ الْمُجْتَمَعَ.

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الصَّلَاةُ والصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَطْ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ فَاتَّقِ اللهَ فِي عِبَادَةِ مَوْلَاكَ، لَا تُفَرِّطْ فِيهَا، وَاتَّقِ اللهَ فِي إِخْوَانِكَ، لَا تُؤْذِ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَاتَّقِ اللهَ فِي بَلَدِكَ، لَا تَخُنْهُ، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ، وَلَا تُهْمِلْ فِي صِحَّتِكَ، وَلَا تَتَخَلَّقْ بِسِوَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ».

اتَّقِ اللهَ فِي وَطَنِكَ، لَا تَخُنْهُ، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَلَا تَدْفَعْهُ إِلَى الْفَوْضَى وَالشِّقَاقِ.

 ((إِنَّ الْوَطَنَ هُوَ مَدْرَسَةُ الْحَقِّ وَالْوَاجِبِ، يَقْضِي الْعُمُرَ فِيهَا الطَّالِبُ، حَقُّ اللهِ وَمَا أَقْدَسَهُ وَأَقْدَمَهُ، وَحَقُّ الْوَالِدَيْنِ وَمَا أَعْظَمَهُ، وَحَقُّ النَّفْسِ وَمَا أَلْزَمَهُ، إِلَى أَخٍ تُنْصِفُهُ، أَوْ جَارٍ تُسْعِفُهُ، أَوْ رَفِيقٍ فِي رِحَالِ الْحَيَاةِ تَتَأَلَّفُهُ، أَوْ فَضْلٍ لِلرِّجَالِ تُزَيِّنُهُ وَلَا تُزَيِّفُهُ.

فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْوَطَنِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَعْبَاءِ أَمَانَاتِهِ الْمُعَظَّمَةِ: صِيَانَةُ بِنَائِهِ، وَالضَّنَانَةُ بِأَشْيَائِهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِأَبْنَائِهِ، وَالْمَوْتُ دُونَ لِوَائِهِ، قُيُودٌ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عَدَدٍ، يَكْسِرُهَا الْمَوْتُ وَهُوَ قَيْدُ الْأَبَدِ.

رَأْسُ مَالِ الْأُمَمِ فِيهِ مِنْ كُلِّ ثَمَرٍ كَرِيمٍ، وَأَثَرٍ ضَئِيلٍ أَوْ عَظِيمٍ، وَمُدَّخَرٍ حَدِيثٍ أَوْ قَدِيمٍ، يَنْمُو عَلَى الدِّرْهَمِ كَمَا يَنْمُو عَلَى الدِّينَارِ، وَيَرْبُو عَلَى الرَّذَاذِ كَمَا يَرْبُو عَلَى الْوَابِلِ الْمِدْرَارِ، بَحْرٌ يَتَقَبَّلُ مِنَ السُّحُبِ وَيَتَقَبَّلُ مِنَ الْأَنْهَارِ.

فَيَا خَادِمَ الْوَطَنِ! مَاذَا أَعْدَدْتَ لِلْبِنَاءِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ زِدْتَ فِي الْفِنَاءِ مِنْ شَجَرٍ؟!!

عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ الْجَهْدَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَبْنِيَ السَّدَّ؛ فَإِنَّمَا الْوَطَنُ كَالْبُنْيَانِ، فَقِيرٌ إِلَى الرَّأْسِ الْعَاقِلِ، وَالسَّاعِدِ الْعَامِلِ، وَإِلَى الْعَتَبِ الْوَضِيعَةِ، وَالسُّقُوفِ الرَّفِيعَةِ.

وَكَالرَّوْضِ مُحْتَاجٌ إِلَى رَخِيصِ الشَّجَرِ وَثَمِينِهِ، وَنَجِيبِ النَّبَاتِ وَهَجِينِهِ؛ إِذْ كَانَ ائْتِلَافُهُ فِي اخْتِلَافِ رَيَاحِينِهِ».

إِنَّ الْوَلَاءَ لِلْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءَ لَهُ يُحَتِّمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي أَعْمَالِهِ، لَا يَكْذِبُ وَطَنَهُ، وَلَا يَخُونُ أَهْلَهُ، وَلَا يَغُشُّهُمْ، وَلَا يَخْدَعُهُمْ، وَلَا يَتَآمَرُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَبِيعُ قَضَايَاهُمْ بِأَيِّ ثَمَنٍ؛ إِنِّي لَأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الْخَائِنُونَ؟!!

أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!

إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!

إِنَّ الْوَطَنِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ بِنَاءٌ لَا هَدْمٌ، إِعْمَارٌ لَا تَخْرِيبٌ، إِنَّ الْوَطَنِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ سَبِيلُ عِمَارَةِ الْكَوْنِ،  لَا سَبِيلُ الْمَوْتِ وَالْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]؛ أَيْ: جَعَلَكُمْ فِيهَا لِتَعْمُرُوهَا، وَمَكَّنَكُمْ بِمَا آتَاكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].

هَلْ يَسْعَى إِنْسَانٌ إِلَى أَنْ يُحْرَمَ مِنْ وَطَنِهِ بِالتَّشَرُّدِ فِي الْأَرْضِ، أَوْ بِجَعْلِ وَطَنِهِ مَسْرَحًا لِلْفَوْضَى وَالِانْتِهَاكَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ؟!!

هَلْ يَسْعَدُ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ سَوِيٌّ بِذَلِكَ؟!!

إِنَّ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ قَدْ أَصْبَحَ عَدُوًّا لِدِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، عَدُوًّا لِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَوَطَنِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَتْدَرِي مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟!!

إِنَّهُ عَدُوٌّ لِأَهْلِهِ، عَدُوٌّ لِأَقَارِبِهِ، عَدُوٌّ لِجِيرَانِهِ، إِنَّهُ بِفِعْلِهِ الْمَذْمُومِ قَدْ تَنَكَّرَ لِلْجَمِيعِ، وَقَابَلَ الْإِحْسَانَ بِالْإِسَاءَةِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْخَلَلِ الْكَبِيرِ، إِنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ فِطْرَتُهُ عَنْ فِطْرَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَهَلْ يُوجَدُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟!!

نَعَمْ، يُوجَدُ.. وَهُمْ كَثِيرُونَ، لَا يَهْتَمُّونَ بِشَيْءٍ وَلَا لِشَيْءٍ!! وَهَمُّهُمْ تَمْزِيقُ الْبُلْدَانِ الْمُسْلِمَةِ، وَتَفْرِيقُ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَشْتِيتُ الْحَرَائِرِ فِي طِبَاقِ الْأَرْضِ، وَتَمْكِينُ الْمُجْرِمِينَ الْكَافِرِينَ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، يُوجَدُ مِنْهُمُ الْكَثِيرُ؛ لَكِنْ لَا يَقَعُ ذَلِكَ إِلَّا مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ، وَابْتَعَدَ عَنْ هُدَى اللهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ.

قَالَ حُذَيْفَةُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الصِّنْفِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ: رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ؛ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ)).

قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ؛ الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟

قَالَ: ((بَلِ الرَّامِي)). أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ((صَحِيحِهِ))، وَالْبُخَارِيُّ فِي ((التَّارِيخِ الْكَبِيرِ))، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي ((التَّفْسِيرِ))، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الضَّالِّ كَيْفَ أَدَّاهُ ضَلَالُهُ إِلَى قِتَالِ مَنْ؟!!

إِلَى قِتَالِ جَارِهِ!! مَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهَا، ثُمَّ لِإِيغَالِهِ فِي الضَّلَالِ يَنْسُبُ هَذَا الْقِتَالَ إِلَى شَرْعِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُبَرِّرُهُ بِأَنَّهُ جِهَادٌ؛ فَهُوَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا!!

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَلِمَهُ الْجَمِيعُ -مِنْ قَاصٍ وَدَانٍ، وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ-، وَضَاعَتْ بِسَبَبِهِ أَوْطَانٌ، كَمَا وَقَعَ فِي (سُورِيَّا)، وَكَمَا وَقَعَ فِي (لِيبْيَا)، وَكَمَا وَقَعَ فِي (الْيَمَنِ)، وَكَمَا أَرَادُوا أَنْ يَقَعَ فِي مِصْرَ -حَفِظَ اللهُ جَمِيعَ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ-.

هَؤُلَاءِ الضُّلَّالُ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِقَامَةَ شَرْعِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَمَا النَّتَائِجُ الَّتِي آلَتْ إِلَيْهَا أُمُورُهُمْ وَسَعْيُهُمْ؟!!

يَعْلَمُهَا الْجَمِيعُ، يَرَوْنَهَا وَيَسْمَعُونَهَا، وَلَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ!!

كَيْفَ يَكُونُ الْوَطَنُ الْإِسْلَامِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى صُورَةِ إِشَاعَةِ الْقَتْلِ فِيهِ وَالنَّهْبِ وَالْفَوْضَى؛ حَتَّى لَا يَصْلُحَ مَكَانًا لِلسَّكَنِ وَإِقَامَةِ شَعَائِرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-!!

فَصُوَرُ الْعَدَاءِ لِلْوَطَنِ -وَطَنِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ- كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ فَكُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفْسِدَ الْبِلَادَ عَلَى أَهْلِهَا، أَوْ يُسِيءَ إِلَيْهَا بِكَلِمَةٍ تُعِينُ عَلَى الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ بِكُلِّ صُورَةٍ -يَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْفَسَادُ مِنَ الْمَعَاصِي أَوِ الذُّنُوبِ أَوِ الْمُنْكَرَاتِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ الْغُلُوُّ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا--؛ فَكُلُّ ذَلِكَ عَدَاءٌ لِلدِّينِ، وَعَدَاءٌ لِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَكْرٌ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِثْلُ هَذَا -أَيْضًا- إِحْدَاثُ الْأَحْزَابِ الْخَارِجَةِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ.

وَهَكَذَا عَدَمُ احْتِرَامِ الْمَالِ الْعَامِّ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، وَالتَّضْيِيعِ لَهُ؛ كَإِفْسَادِ الشَّوَارِعِ، أَوْ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الَّتِي غَرَسَهَا الْمُسْلِمُونَ لِلظِّلِّ وَالزِّينَةِ، وَهَذَا يَقَعُ فِي كُلِّ بَلَدٍ تُصَابُ بِالْفَوْضَى وَمَا يُسَمَّى بِالثَّوْرَةِ.

مَا ذَنْبُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُرْزَؤُوا فِي أَمْوَالِهِمْ؟!!

مَا ذَنْبُهُمْ حَتَّى تُدَمَّرَ ثَرْوَاتُهُمْ، وَحَتَّى تُخَرَّبَ مُنْشَآتُهُمْ، وَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مِنَ الْمَالِ الْعَامِّ؟!!

هَكَذَا عَدَمُ احْتِرَامِ الْمَالِ الْعَامِّ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، وَالتَّضْيِيعِ لَهُ؛ كَإِفْسَادِ الشَّوَارِعِ، أَوْ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الَّتِي غَرَسَهَا الْمُسْلِمُونَ لِلظِّلِّ وَالزِّينَةِ.

وَهَكَذَا نَجِدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ رَاعَى حُقُوقَ الْوَطَنِ مَا دَامَ مَحَلًّا لِإِقَامَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَكَانًا لِقِيَامِ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ؛ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ)). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ الْأَلْبَانِيُّ بِالْحُسْنِ لِغَيْرِهِ.

الطَّرِيقُ جُزْءٌ مِنْ أَرْضِ الْوَطَنِ.. مِنْ تُرَابِهِ، وَهَكَذَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا لَهَا ارْتِبَاطٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهِيَ كَثِيرَةٌ لَا تُسْتَقْصَى.

هَذِهِ هِيَ وَطَنِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ..

ومِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ، فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.

وَالْوَلَاءُ وَالِانْتِمَاءُ لِلْوَطَنِ يُوجِبَانِ تَحَمُّلَ الْجَمِيعِ الْمَسْؤُولِيَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَالْقَوْمِ الَّذِينَ فِي سَفِينَةٍ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَبَيْنَ عَوَاصِفِهِ، وَفِي ظُلُمَاتٍ مُحِيطَاتٍ إِذَا أَخْرَجَ الْمَرْءُ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَصِيرُهُمْ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) : ((مَثَلُ الْقَائِمِ فِي حُدُودِ اللهِ -تَعَالَى- وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا؛ فَنَسْتَقِيَ مِنَ الْمَاءِ، وَلَا نُؤْذِيَ مَنْ فَوْقَنَا.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : فَلَوْ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُمْ؛ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَلَوْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ؛ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)).

فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ يُبَيِّنُ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ فِي السَّفِينَةِ، فِي الْخَطَرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَصِيرِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ نَجَتِ السَّفِينَةُ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ هَلَكَتِ السَّفِينَةُ هَلَكُوا جَمِيعًا.

وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْوَطَنِيَّةَ تُوجِبُ ((أَنْ يَبْذُلَ الْمَرْءُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَالِ، وَالْخِبْرَةِ، وَالنُّصْحِ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ لِمَنْفَعَةِ بَنِي وَطَنِهِ، فَيَسْتَقِيمُ فِي وَظِيفَتِهِ، وَيَنْصَحُ فِي تِجَارَتِهِ، وَلَا يَغُشُّ فِي حِرْفَتِهِ، وَيَبْذُلُ جُهْدَهُ فِي تَحْسِينِ حَالَتِهِ؛ وَلَوْ بِالسَّفَرِ إِلَى الْمَمَالِكِ الْبَعِيدَةِ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ يُفِيدُ بِهِ قَوْمَهُ، أَوْ صَنْعَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا فِي وَطَنِهِ، أَوْ تِجَارَةٍ يَجْلِبُ مِنْهَا لِبِلَادِهِ مَا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ».

 ((دَوْرُ الْمُؤَسَّسَاتِ فِي تَحْقِيقِ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ))

إِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنَّا وَاجِبًا تِجَاهَ بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ السَّوِيَّةِ الْمُتَدَيِّنَةِ الْوَطَنِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَقُومَ بِهِ، بِدَايَةً مِنَ الْأُسْرَةِ، وَالْمَسْجِدِ، وَالْمَدْرَسَةِ، وَالْجَامِعَةِ؛ يَنْبَغِي أَنْ نُعَلِّمَ أَبْنَاءَنَا أَنَّ: حُبَّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ مِصْرَ دُرَّةُ التَّاجِ عَلَى جَبِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، حَمَلَتْ كِتَابَ اللهِ، وَأَدَّتْهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانَ لَهَا مُشَارَكَةٌ جَيِّدَةٌ فِي حِفْظِ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَفِي نَشْرِهَا، وَكَانَتْ حَاضِرَةَ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ لَمَّا انْحَسَرَتْ شَمْسُ الْخِلَافَةِ عَنْ بَغْدَادَ وَدِمَشْقَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْرَقَتْ شَمْسُهَا فِي الْقَاهِرَةِ.

وَكَذَلِكَ الْمُؤَسَّسَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْإِعْلَامِيَّةُ لَهَا دَوْرٌ هَامٌّ فِي تَفْنِيدِ الْإِشَاعَاتِ وَالْأَرَاجِيفِ، وَنَشْرِ الْحَقَائِقِ، وَبَيَانِ حَقِّ الْوَطَنِ عَلَى أَهْلِهِ، إِنَّ الْعَامِلِينَ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ مِنْ أَفْرَادٍ وَمَسْؤُولِينَ يُمَارِسُونَ دَوْرًا مِنْ أَخْطَرِ الْأُمُورِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-؛ لِيُوَفِّقَهُمُ اللهُ إِلَى مَرَاضِيهِ.

وَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِعْلَامِيِّ أَنْ يَسْتَشْعِرَ عَظِيمَ الْأَمَانَةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَنَّهُ عَلَى ثَغْرٍ عَظِيمٍ؛ فَلْيُخْلِصْ لِلَّهِ قَصْدَهُ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي مُوَافَقَةِ مَرْضَاتِهِ.

وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَزِيدُ الْأَمْرُ فِي حَقِّ الْإِعْلَامِيِّ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَصِلُ إِلَى شَرِيحَةٍ كَبِيرَةٍ، وَيَتَأَثَّرُ بِهِ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ.

وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظٌ لِمُسْلِمِ.

وَلْيَحْذَرِ الْإِعْلَامِيُّونَ مِنَ الْكَذِبِ أَشَدَّ الْحَذَرِ تَحْتَ أَيِّ ذَرِيعَةٍ؛ سَوَاءٌ بِذَرِيعَةِ الْفَوْزِ بِالسَّبْقِ الْإِعْلَامِيِّ -كَمَا يُقَالُ-، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنَ الذَّرَائِعِ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكْذِبُ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

وَلَا يُعْفَى الْإِعْلَامِيُّ الْمُسْلِمُ أَنْ يَنْقُلَ كَلَامَ الْغَيْرِ بِلَا تَحَرٍّ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((بِئْسَ مَطِيَّةُ الْقَوْمِ [زَعَمُوا])) .

وَفِي رِوَايَةٍ: ((بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا)).

وَعَلَى الْإِعْلَامِيِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّثَبُّتِ مِنَ الْأَخْبَارِ؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَقًّا، وَلَا كُلُّ مَا يُنْشَرُ صِدْقًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

وَعَلَى الْإِعْلَامِيِّ أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّأَنِّي فِي التَّعَاطِي مَعَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ عُظْمَى لِلْأُمَّةِ؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ يُقَالُ؛ وَلَوْ كَانَ حَقًّا وَصِدْقًا.

يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

فَالطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَ وُرُودِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِأَمْنٍ أَوْ خَوْفٍ: أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، فَمَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ فِي نَشْرِهِ وَإِذَاعَتِهِ نُشِرَ، وَمَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ فِي عَدَمِ نَشْرِهِ لَا يُنْشَرُ؛ حِفَاظًا عَلَى دِينِ النَّاسِ وَأَمْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).

وَالَّذِي يُقَدِّرُ الْخَيْرَ مِنْ عَدَمِهِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ هُمْ أُولُوا الْأَمْرِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ فِيهَا.

وَالْإِعْلَامِيُّ الْمُسْلِمُ لَا تَقْتَصِرُ مُهِمَّتُهُ عَلَى نَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، وَلَا تَقِفُ مَسْؤُولِيَّتُهُ عِنْدَ تَحْلِيلِ الْأَخْبَارِ، كَلَّا؛ بَلْ رِسَالَةُ الْإِعْلَامِيِّ الْمُسْلِمِ تَذْهَبُ إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، فَالْإِعْلَامِيُّ يَحْمِلُ أَعْظَمَ رِسَالَةٍ إِعْلَامِيَّةٍ يَحْمِلُهَا إِعْلَامِيٌّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عِنْدَمَا يَكُونُ مُسْلِمًا، إِنَّهَا رِسَالَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْعَى فِي إِبْلَاغِهَا؛ كُلٌّ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَنَشْرُ الْإِعْلَامِيِّ الْمُسْلِمِ لِعِلْمِ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَبَثُّهُ فِي النَّاسِ؛ لِيُعَرِّفَهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى، وَمَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ فِعْلُهُ، وَيَرْسُمُ لَهُمُ الْمَنْهَجَ الصَّحِيحَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحَسَبِهِ.

كُلُّ هَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِعْلَامِيِّ الْمُسْلِمِ، وَهِيَ رِسَالَةٌ سَامِيَةٌ لَا يُمْكِنُ لِغَيْرِ الْإِعْلَامِيِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَصِلَ لِدَرَجَتِهَا، وَلَا يُدَانِيَهَا؛ مَهْمَا كَانَتْ رِسَالَتُهُ الْإِعْلَامِيَّةُ.

الْإِعْلَامُ يَجِبُ أَنْ يَبُثَّ صُورَةً مُشْرِقَةً وَصَحِيحَةً لِلدِّينِ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْعَقَدِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ قُدْوَةً لِغَيْرِهِ فِي نَشْرِ الْخَيْرَاتِ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

وَيَقُولُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

وَفِي حَالِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَاشْتِدَادِ الْأُمُورِ وَاضْطِرَابِهَا يَكُونُ لِلْإِعْلَامِ وَقْعٌ كَبِيرٌ وَدَوْرٌ عَظِيمٌ فِي تَسْيِيرِ الْأَحْدَاثِ.

وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ فِي عَصْرِنَا هَذَا الَّذِي بَاتَ الْإِعْلَامُ فِي حَالِ الْمُدْلَهِمَّاتِ وَعَظَائِمِ الْأُمُورِ يُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا بَالِغًا فِي نُفُوسِ النَّاسِ، بِإِثَارَتِهَا أَوْ تَثْبِيطِهَا، بِتَخْوِيفِهَا أَوْ تَأْمِينِهَا؛ لِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْحَذَرَ فِي التَّعَاطِي مَعَ الْأَحْدَاثِ الْجَسِيمَةِ، فَلَا تَنْقُلْ مَا يُثَبِّطُ الْمُسْلِمِينَ وَيَفُتُّ فِي عَضُدِهِمْ، وَلَا مَا يُثِيرُهُمْ وَيُرْجِفُ بِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ، وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أُنَاسٌ يَسْتَغِلُّونَ الْأَحْدَاثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَفَضَحَ اللهُ أَمْرَهُمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 81].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 60].

فَمَا مَوْقِفُ الْإِعْلَامِ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْجِسَامِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْأُمَّةِ؟!!

إِنَّ مَوْقِفَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقِفَ الْمُؤْمِنِ الثَّابِتِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ الْإِعْلَامُ لِتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعْزِيزِ تَعَلُّقِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ.

فَهَذِهِ بَعْضُ الضَّوَابِطِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَهَا الْإِعْلَامِيُّ، وَأَنْ يَتَّقِيَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أُمَّتِهِ.

وَيُقَالُ لِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ: لَئِنِ احْتَفَلَ غَيْرُكُمْ وَفَرِحُوا وَتَفَاخَرُوا بِسُرْعَةِ نَقْلِ الْأَخْبَارِ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، مُصِحًّا أَوْ مُسْقِمًا، لَئِنْ تَبَجَّحُوا بِنَشْرِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِصُنُوفِهِ؛ فَإِنَّهُ حَقِيقٌ بِكُمْ -أَيُّهَا الْإِعْلَامِيُّونَ- أَنْ تَرْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ بِهَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ الَّذِي يَبْنِي إِعْلَامًا صَادِقًا مُخْلِصًا مُقَرِّرًا لِلْحَقِّ، دَاحِضًا لِلْبَاطِلِ، نَاشِرًا لِلْفَضِيلَةِ، مُحَارِبًا لِلرَّذِيلَةِ، يَسْتَمِدُّ تَعَالِيمَهُ وَضَوَابِطَهُ مِنَ الْوَحْيِ الصَّادِقِ، مِنْ كِتَابِ اللهِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

 ((مِنْ آثَارِ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ:

احْتِرَامُ الدَّوْلَةِ وَوَلِيِّ أَمْرِهَا))

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ الْوَلَاءَ وَالِانْتِمَاءَ لِلْوَطَنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي احْتِرَامِ الدَّوْلَةِ وَوَلِيِّ أَمْرِهَا وَجَيْشِهَا وَشُرْطَتِهَا، كَمَا يَظْهَرُ فِي الْحِفَاظِ عَلَى سَائِرِ مُؤَسَّسَاتِهَا الْوَطَنِيَّةِ، كَمَا يَتَجَسَّدُ عَمَلِيًّا مِنْ خِلَالِ الْأَعْمَالِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا رُقِيُّ الْوَطَنِ وَاسْتِقْرَارُهُ؛ فَحُبُّ الْوَطَنِ، وَحُسْنُ الِانْتِمَاءِ إِلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَالْحِرْصُ عَلَى رِفْعَةِ شَأْنِهِ يُحَمِّلُ صَاحِبَهُ أَمَانَةً وَمَسْؤُولِيَّةً تَجْعَلُهُ يَتَفَانَى فِي رَفْعِ شَأْنِ وَطَنِهِ، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَمَيْدَانِهِ، إِنَّ الِانْتِمَاءَ إِلَى الدَّوْلَةِ هُوَ الِانْتِمَاءُ إِلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ تَحْتَ وَلِيِّ الْأَمْرِ الْمُخْتَارِ أَوِ الْمُتَغَلِّبِ، وَجَوَازُ هَذَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ)).

وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الِانْتِمَاءَ إِلَى الدَّوْلَةِ وَالْقَوْمِيَّةِ عَلَى أَسَاسِ الدِّينِ أَمْرٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ.

وَالْوَطَنِيَّةُ فِي الشَّرْعِ: هِيَ انْتِمَاءُ الْمُسْلِمِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا، وَالدَّوْلَةِ الَّتِي يَعِيشُ مَعَهَا، وَالْقَوْمِيَّةِ الَّتِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهَا عَلَى أَسَاسِ الدِّينِ.

أَوْ هِيَ الِانْتِمَاءُ إِلَى الْأَرْضِ بِرِبَاطِ الدِّينِ بِمَا لَا يُخَالِفُ شَرْعَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالْمُوَاطَنَةُ: تَفْعِيلُ هَذَا الِانْتِمَاءِ؛ فَحُبُّ الْوَطَنِ -بِمَعْنَى : أَرْضِ الْمَوْلِدِ وَمَحَلِّ الْإِقَامَةِ- مِنَ الْإِيمَانِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِسْلَامِ، وَالْقَوْمِيَّةُ الَّتِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهَا تُرَاعَى فِي حُدُودِ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ.

وَمُقَوِّمَاتُ الْمُوَاطَنَةِ:

*تَفْعِيلُ الشُّعُورِ بِالِانْتِمَاءِ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلدَّوْلَةِ.

*وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ.

*وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

فَهَذِهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ هِيَ مُقَوِّمَاتُ الْمُوَاطَنَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)) . أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ بَعْضُ شَيْءٍ مِنَ السِّيَاقِ الَّذِي مَرَّ.

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ: الْبَدْءُ بِأَسَاسِ الْجَمَاعَةِ وَأَصْلِهِ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.

وَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللهِ الَّذِي هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَعَدَمُ التَّفَرُّقِ.

وَمُنَاصَحَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ.

وَهَذِهِ الثَّلَاثُ قَدْ نُصَّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثُ خِصَالٍ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ -وَفِي رِوَايَةٍ- تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ)).

وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ جَمَعَتْ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُ النَّاسِ وَدُنْيَاهُمْ.

((وَلَمْ يَقَعْ خَلَلٌ فِي دِينِ النَّاسِ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْضِهَا)).

وَأَسَاسُ الْجَمَاعَةِ وَائْتِلَافُ الْقُلُوبِ الثَّابِتُ أَمَامَ إِرْهَابِ الْفِتَنِ هُوَ التَّوْحِيدُ؛ وَالْوَطَنِيَّةُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ تُحَقِّقُ ذَلِكَ جَمِيعَهُ)).

((الْوَطَنِيَّةُ صِفَةٌ، وَهِيَ الْعَاطِفَةُ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ وَلَاءِ الْمَرْءِ لِبَلَدِهِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنْ يَكُونَ وَلَاءُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِبَلَدِهِ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الظَّاهِرَةِ، وَشَرَائِعِ الدِّينِ الْمُطَبَّقَةِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَطَنِيَّةَ: هِيَ قِيَامُ الْفَرْدِ الْمُسْلِمِ بِحُقُوقِ وَطَنِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ.

فَالْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ أَنْ يُحِبَّ وَطَنَهُ، وَيَتَشَبَّثَ بِالْعَيْشِ فِيهِ، وَلَا يُفَارِقَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَعْنِي هَذَا انْقِطَاعَ الْحَنِينِ وَالْحُبِّ لِلْوَطَنِ، وَالتَّعَلُّقِ بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ، كَمَا كَانَ بِلَالٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ مَكَّةَ.

وَحُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ، تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْبَقَاءِ فِيهِ، وَيَحِنُّ إِلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ إِذَا هُوجِمَ، وَيَغْضَبُ لَهُ إِذَا انْتُقِصَ».

الْوَطَنِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ عَاطِفَةٌ تُعَبِّرُ عَنِ انْتِمَاءِ الْمَرْءِ لِبَلَدِهِ؛ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ انْتِمَاءُ الْمُسْلِمِ لِبَلَدِهِ وَوَطَنِهِ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الطَّاهِرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَشَرَائِعِ الدِّينِ الْمُعْلَنَةِ، وَمِنْ حَيْثُ هِيَ قِيَامُ الْمُسْلِمِ بِحُقُوقِ وَطَنِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ، الْوَطَنِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ.

كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ)).

((وَانْتِمَاءُ الْمَرْءِ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ كَانَ.. لَا يَتَنَافَى مَعَ انْتِمَائِهِ إِلَى بَلَدِهِ وَقَوْمِيَّتِهِ وَدَوْلَتِهِ بِمَا لَا يُعَارِضُ شَرْعَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، كَمَا أَنَّ انْتِمَاءَهُ إِلَى قَوْمِيَّتِهِ لَا يَتَنَافَى مَعَ انْتِمَائِهِ إِلَى دَوْلَتِهِ وَأُمَّتِهِ بِمَا لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ شَرْعِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَلْنَأْخُذْ مِثَالًا لِذَلِكَ: فَمَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ وَالْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ يَنْتَمِي إِلَيْهِمَا كُلُّ مُسْلِمٍ؛ فَهُوَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَيَقْصِدُ مَكَّةَ مَرَّةً فِي عُمُرِهِ عَلَى الْأَقَلِّ لِلْحَجِّ، وَيَحْرِصُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ لِنَيْلِ الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ فِي ذَلِكَ؛ فَهَلْ يَتَنَافَى هَذَا مَعَ انْتِمَائِهِ إِلَى قَوْمِيَّتِهِ وَدَوْلَتِهِ وَبَلَدِهِ؟!!

وَكَذَا الِانْتِمَاءُ إِلَى الدَّوْلَةِ وَالْوَطَنِ مَحَلِّ الْمَوْلِدِ وَالنَّشْأَةِ لَا يَتَنَافَى مَعَ الِانْتِمَاءِ إِلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ طَالَمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ حُدُودُ الْإِسْلَامِ!!

وَالدَّوْلَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ انْقَسَمَتْ إِلَى دُوَلِ وَدُوَيْلَاتٍ مُنْذُ انْتِهَاءِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ؛ فَقَدْ كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ فِي الْمَشْرِقِ، وَقَامَتِ الدَّوْلَةُ الْأُمَوِيَّةُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَلَمْ يُنْكِرِ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزْعُمْ أَحَدٌ أَلَّا وِلَايَةَ لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ أَوْ تِلْكَ عَلَى رَعَايَاهَا.

بَلِ انْقَسَمَتِ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ إِلَى وِلَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلِكُلِّ دَوْلَةٍ حُدُودُهَا وَنِظَامُهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: إِنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ بَيْنَ الدُّوَلِ بَاطِلَةٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِهَا!!

فَإِقْرَارُ الْحُدُودِ بَيْنَ الدُّوَلِ، وَإِقْرَارُ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ فِي كُلِّ جِهَةٍ لِمَنْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ)).

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ إِمَامٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقُونَ نُوَّابُهُ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْأُمَّةَ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لِمَعْصِيَةٍ مِنْ بَعْضِهَا، وَعَجْزٍ مِنَ الْبَاقِينَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ لَهَا عِدَّةُ أَئِمَّةٍ؛ لَكَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، وَيَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ)).

وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي ((تَفْسِيرِهِ)) قَالَ: ((وَهَذَا يُشْبِهُ حَالَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْعِرَاقِ وَالْأُمَوِيِّينَ بِالْمَغْرِبِ)).

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُجَدِّدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الْأَئِمَّةُ مُجْمِعُونَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَغَلَّبَ عَلَى بَلَدٍ أَوْ بُلْدَانٍ؛ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.

وَلَوْ لَا هَذَا مَا اسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مَا اجْتَمَعُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَعْرِفُونَ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْأَحْكَامِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ)).

وَقَالَ أَيْضًا -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مِنْ تَمَامِ الِاجْتِمَاعِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِمَنْ تَأَمَّرَ عَلَيْنَا؛ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ هَذَا بَيَانًا شَائِعًا ذَائِعًا بِوُجُوهٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ شَرْعًا وَقَدَرًا، ثُمَّ صَارَ هَذَا الْأَصْلُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَكْثَرِ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ؛ فَكَيْفَ الْعَمَلُ بِهِ؟!!)).

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَمَّا اتَّسَعَتْ أَقْطَارُ الْإِسْلَامِ، وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَهْلِهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى كُلِّ قُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ سُلْطَانٌ؛ اتَّفَقَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ؛ بَادَرُوا بِنَصْبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.

وَهَذَا مَعْلُومٌ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ؛ بَلْ هُوَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ)).

وَحَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ لَمَّا صَوَّرَهَا الْفُقَهَاءُ، وَذَكَرُوا مَحَلَّ جِهَادِ الدَّفْعِ؛ وَقَعَ تَصْوِيرُهُ عَلَى أَسَاسِ أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ بُلْدَانًا مُتَعَدِّدَةً، فَقَالُوا: إِذَا هَجَمَ الْكُفَّارُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ؛ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ دَفْعُهُمْ؛ فَإِنْ عَجَزُوا وَجَبَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَهُمْ نُصْرَتُهُمْ، فَإِنْ عَجَزُوا وَجَبَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَهُمْ نُصْرَتُهُمْ، حَتَّى يَعُمَّ الْوُجُوبُ الْجَمِيعَ!

وَأَنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ؛ وَجَدْتَهَا قَائِمَةً عَلَى أَسَاسِ التَّسْلِيمِ بِالْحُدُودِ لِكُلِّ بَلَدٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ)).

أَلِي فِي الْهَوَى مَا لِي وَلِلَّائِمِ الْعُذْرُ؟!=أَمَا يَعْلَمُ اللُّوَّامُ أَنَّ الْهَوَى مِصْرُ؟!!

فَإِنْ يَسْأَلُوا مَا حُبُّ مِصْرَ فَإِنَّهُ=دَمِي وَفُؤَادِي وَالْجَوَانِحُ وَالصَّدْرُ

لِنَفْسِي وَفَائِي إِنْ وَفَيْتُ بِعَهْدِهَا=وَبِي لَا بِهَا إِنْ خُنْتُ حُرْمَتَهَا الْغَدْرُ

أَخَافُ وَأَرْجُو وَهْيَ جَهْدُ مَخَافَتِي=وَمَرْمَى رَجَائِي لَا خَفَاءٌ وَلَا نُكْرُ

هِيَ الْعَيْشُ وَالْمَوْتُ الْمُبَغَّضُ وَالْغِنَى=لِأَبْنَائِهَا وَالْفَقْرُ وَالْأَمْنُ وَالذُّعْرُ

أَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُوَحِّدَ صَفَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَجْمَعَ شَمْلَهُمْ، وَأَنْ يَقِيَهُمُ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

اللهم احْفَظْ وَطَنَنَا.

اللهم احْفَظْ وَطَنَنَا.

اللهم احْفَظْ وَطَنَنَا.

وَاحْفَظْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

وَاحْفَظْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

وَاحْفَظْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِمَا فِيهِ خَيْرُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: مُتَطَلَّبَاتُ الْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  أَهَمِّيَّةُ الْعَمَلِ وَالتَّخْطِيطِ فِي الْإِسْلَامِ وَسُبُلُ التَّغْيِيرِ
  الْقَضِيَّةُ الْفِلَسْطِينِيَّةُ وَأَحْدَاثُ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ سِبْتَمْبِر
  مَفْهُومُ عَهْدِ الْأَمَانِ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  موقف المسلم من العلم المادي
  حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  الرد على الملحدين:تحديد الصلة بين المدنية الحديثة والإسلام، وبيان أن العلم الحديث قرآني في موضوعه
  الْمَسْجِدُ.. مَكَانَتُهُ وَآدَابُهُ وَدَوْرُهُ فِي الْمُجْتَمَعِ
  الْأُسْرَةُ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ
  الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان