وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ

وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ

((وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ))

الِاثْنَيْن 8 مِنْ شَعْبَانَ 1426هـ / 12 9 2005م

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- أَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ، جَدُّهُ حَزْنُ -وَالْحَزْنُ ضِدُّ السَّهْلِ-، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَا اسْمُكَ؟)).

قَالَ: ((اسْمِي حَزْنُ)).

فَقَالَ: ((بَلْ أَنْتَ سَهْلُ)).

قَالَ: ((مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي)).

قَالَ سَعِيدٌ عَنْ فِعْلِ جَدِّهِ هَذَا: ((فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ)).

مَا زَالَتِ الصُّعُوبَةُ فِينَا مِنْ يَوْمِئِذٍ؛ إِذْ رَفَضَ تَغْيِيرَ اسْمِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

رَأَى سَعِيدٌ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- وَهُوَ سَيِّدُ التَّابِعِينَ.. رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَاتٍ يُطِيلُ فِي السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ: ((لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَدْ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ)).

فَقَالَ لَهُ: ((يَا سَعِيدُ! أَيُعَذِّبُنِي رَبِّي -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى الصَّلَاةِ؟!)).

قَالَ: ((لَا، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ)).

هَذَا إِشْكَالٌ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ عِنْدَمَا يُعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ مَعَ النُّصُوصِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْمَعْصُومُ ﷺ تَحْدُثُ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ وَخَلْطٌ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّ الدِّينَ تَوْقِيفِيٌّ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ، وَلَا أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ، الدِّينُ تَوْقِيفِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَبَّانِيُّ الْمَصْدَرِ، لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ شَيْئًا؛ وَإِلَّا كَانَ مُشَرِّعًا مَعَ اللهِ.

فَدِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِي أَكْمَلَهُ وَأَتَمَّ بِهِ النِّعْمَةَ، وَهَدَانَا إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ عَنْ طَرِيقِ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ ﷺ؛ هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ؛ كُلُّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا فِي ذِهْنِ الْمُسْلِمِ بَلْ وَفِي اعْتِقَادِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا أَرْسَلَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ خَيْرُ الْمُرْسَلِينَ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.

الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: ((يَا إِمَامُ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ)).

فَقَالَ: ((صَحِبَتْكَ السَّلَامَةُ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكَ)).

قَالَ: ((فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ؛ فَمِنْ أَيْنَ؟)).

قَالَ: ((مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ )).

قَالَ: ((وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ مِنْ عِنْدِ الْقَبْرِ))؛ مِنْ عِنْدِ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

قَالَ: ((لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ خَشِيتُ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ)).

فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ! وَأَيُّ فِتْنَةٍ! إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا)).

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحْرِمَ وَأَنْتَ فِي الْمَدِينَةِ فَمِيقَاتُ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي وَقَّتَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهُ هُوَ مِنْ (ذِي الْحُلَيْفَةِ)، مِنْ (أَبْيَارِ عَلِيٍّ).

وَلَا حَرَجَ إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مُسَافِرًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عُذْرٌ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَيْثُ يَسْكُنُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُحْرِمَ كَمَا أَحْرَمَ الرَّسُولُ ﷺ.

فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ عِنْدِ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ قَالَ: ((أَخْشَى عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ)).

قَالَ: ((وَأَيُّ فِتْنَةٍ! إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا)).

يَذْهَبُ إِلَى الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَيُحْرِمُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ (ذِي الْحُلَيْفَةِ) مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

فَقَالَ: ((أَيُّ فِتْنَةٍ! إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا)).

فَقَالَ: ((وَأَيُّ فِتْنَةٍ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ!)).

ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ قَوْلَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63])).

أَخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الْفِتْنَةِ؛ مِنَ الشِّرْكِ، مِنَ الزَّيْغِ، مِنَ الضَّلَالِ، مِنَ الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ إِنْ خَالَفْتَ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ الْهُمَامِ ﷺ.

هَذَا أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ الْعَظِيمَةِ فِي دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِاتِّبَاعِهِ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

المصدر:وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ

 

 

 

 

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ
  طَلَاقَةُ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ
  فَضَائِلُ الْعَشْرِ وَمَفْهُومُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
  من أحداث الهجرة
  الْآدَابُ وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّهِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ​((الدَّرْسُ الْعَاشِرُ: الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَثَمَرَاتُهُ))
  الرد على الملحدين:دليل العناية، وبيان ما يتعلق بهداية بعض الحيوان
  الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ
  جريمة تكفير المجتمعات الإسلامية
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ((الدَّرْسُ الْأَوَّلُ: رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ))
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان