تفريغ مقطع : ليست العِبرةُ أنْ تكونَ ثابتــًا

((ليست العِبرةُ أنْ تكونَ ثابتــًا))

- المسلمُ مُتَجَرِّدٌ للحقِّ، غَايَتُةُ، ورائِدُهُ الحقُّ الذي أنزلَهُ اللّهُ على رسولِهِ -صلَّى اللهُ وسلَّمَ  وبارَكَ عليهِ- ولو كان على الحقِ وحدَهُ، فإنَّ الصحابَةَ -رضوَانُ اللّهِ عليهم- يقولون: ((الجماعةُ أنْ تكونَ على الحقِّ ولو كُنتَ وحدَكَ)).

ولو سَفَّهَكَ مَنْ سَفَّهَكَ، ولَمَزَكَ مَنْ لَمَزَكَ، وشَتَمَكَ مَنْ شَتَمَكَ، وأذَاكَ مَنْ آَذَاكَ. يَنْفِرُونَ كما تَنفُرُ الحُمُرُ، يَتَهَارَجُونَ، يَتَهَارَشُونَ، لا يَفْقَهُونَ، ولا يَفْهَمُونَ، ويَجْعَلُونَ الحَقَّ تَالِيَــًا.

والأَصلُ أنَّ الإنسانَ يجعلُ لسانَهُ من وراءِ قلبِهِ، لا يجعلُ قلبَهُ وراءَ لسانِهُ، وإنَّمَا الحقُّ الحَقِيقُ أن يَكُونَ لسانُ المرءِ من وراءِ قلبِهِ، لا أنْ يجعَلَ قلبَهُ من وراءِ لسانِهِ، يُهَرِّفُ بما لا يَعرِفُ ويَخْبِطُ خَبْطَ العَشْوَاءِ؛ بل العَمْيَاءِ في متَاهَاتٍ لا مَخْلَصَ منها ولا مَعْدَى عنها.

جاءَ النبيُّ بالحقِّ -صلَّى اللّهُ وسلّم وبَاركَ عليهِ- وفَرَّقَ بينَ النَّاسِ، نعم؛ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ، ولا حقَّ إلاَّ بالتَفرِيقِ بين النَّاسِ، التَجْمِيعُ سياسةُ أهلِ الباطِلِ، التَجمِيعُ على غيرِ أصلٍ هو بعينِهِ كالثباتِ على غيرِ حقٍّ، فما أكثرُ الذين يَثبُتُونَ على الباطِلِ، وليست العِبرَةُ أنْ تكونَ ثابِتــًا، وإنَّما العِبرَةُ أنْ تكونَ على الحقِّ ثابِتــًا.

فهما أمْرَانِ:

*أن تكونَ ثابتــًا وأن تكونَ على الحقِّ، ولا يأتي الثباتُ إلاَّ لاحِقَــًا.

فلا بُدَّ أن تكونَ على الحقِّ أولًا ، فإذا كُنتَ عليهِ طُلِبْتَ بالثباتِ عليهِ، وما أكثرُ الذينَ يَثبُتُونَ على الباطِلِ حتّى المماتِ، تمثيلًا، وتَشرِيدًا، ونَفيـًا، وحَبْسَــًا، وقَتلًا، وهم على الباطلِ، لا يزدَادُونَ بهِ عن اللهِ إلاَّ بُعْدًا؛ أوَلَم يأتِكَ نَبَأُ الشيُوعِيِّينَ، هم لا يَقُولونَ إنَّ وراءَ هذهِ الدُّنيا من دارٍ، يقولونَ: إنَّ الحياة تَنتَهِي بالموتِ، وإنَّما هي دوْراتٌ وكَرَّاتٌ تَرُوحُ وتَجِيءُ، ولكِنْ إذا أُخِذَ الواحدُ منهم فعُذِّبَ ثَبَتَ؛ لِمَ يَثْبُتْ؟

إنَّ المؤمِنَ يَثبُتُ لعطاءِ ربِّهِ وثِقةً من ربِّهِ -جلَّ وعلا- بأَنَّهُ يُؤْتِيهِ أجرَهُ، وأنَّهُ ينصُرُهُ دُنيا وآخِرَة؛ وهذا الذي يقولُ إنَّ الحياةَ تَنتَهِي عِندَ حدِّ الموتِ؛ لِمَ يَثبُتْ؟ يَثبُتُونَ حتى المماتِ، يُعَذَّبُونَ، يُعدَمُونَ، يُحبَسُونَ، يُضطَّهَدُونَ، يُنفَوْنَ من أرضِهِم، وهم على إِلحَادِهِم وإنكارِ الصانِعِ العظِيمِ والرَّبِّ الكريمِ، هؤلاءِ ثابِتُونَ على أيِّ شيءٍ؟

على الضلاَلِ والكُفرِ.

ليست العِبرَةُ أن تكونَ ثابِتَــًا، أيُّ شيءٍ في هذا؟ 

يَثبُت أولئِكَ الضُلاَّلُ وغيرُهُم من أهلِ الضَلاَلِ، ولكنْ أنْ تكونَ ثابتَــًا على الحقِّ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم
  إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أَحْمِلُهُ يَسْتَطِيعُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَهُ؛ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي أَحْمِلُهُ لَيْسَ لِغَيْرِي أَنْ يَحْمِلَهُ
  طَرَفٌ مِن سِيرَةِ الإِمَامِ العَظِيمِ إِمَامِ الدُّنْيَا فِي الحَدِيثِ –البُخَارِي المُظْلُوم-
  ((4))... ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  إياك أن تنكسر
  الرَّدُّ عَلَى مُنكِرِي خِتَان الإِنَاث
  هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (5)
  لو بعث بيننا اليوم لتهكم على هيئته من لا يعرفه كانت لحيته تملأُ ما بين منكبيه صلى الله عليه وسلم
  من صورِ التبرُّج
  حول ما يجوزُ مِنْ تزكيةِ النَّفْسِ
  يوم عرفة وفضل صيامه
  قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَضَعَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ
  فليسألوا أنفسهم هؤلاء الحمقى: لمصلحة مَن يعملوا هذا العمل؟ ومَن الذي يستفيد مِن هذه الحوادث؟!
  من أعظم المقاطع فى الرد على المهرطقين أمثال البحيرى وناعوت وابراهيم عيسى ..!
  سبحانه هو الغني ((3))
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان