تفريغ مقطع : ‫لَقَدْ سُرِقْنَا‬

وَارْجِع إِلَى كِتَابِ ((تَارِيخ العِلْم)) لِجُورْج سَارتُون, ارْجِع فَقَد شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا.

وَارْجِع إِلَى ((شَمْسُ اللَّه تُشرِقُ عَلَى الغَرْبِ)) أَوْ ((شَمْسُ الإِسْلَامِ تُشرِقُ عَلَى الغَرْبِ)) أَوْ فِي التَّحرِيفِ الأَخِيرِ لِلاسْمِ سَمَّوْا الكِتَابَ ((شَمْسُ العَرَبِ تُشرِقُ عَلَى الغَرْبِ)) لِزَغْرِيد هُونْكَه.

وَهِي امْرَأَةٌ أَلْمَانِيَّةٌ مُنْصِفَةٌ, وَقَد كَتَبَت فِي هَذَا الكِتَابِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَلتِفِتَ إِلَيْهِ كُلُّ مُثَقَّفٍ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ لِكَيْ يَتَأَمَّل فِي حَضَارَةِ أَسْلَافِهِ, حَتَّى لَا يُحِسَّ بِالهَزِيمَةِ النَّفْسِيَّةِ.

كُلّ مَا حَدَثَ أَنَّنَا تَوَقَّفْنَا عِنْدَ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ, فَجَاءَ الأَخَرُونَ فَأَخَذُوا الزِّمَامَ فَتَقَدَّمُوا وَمَازِلْنَا وَاقِفِين, ثُمَّ يُرَادُ الآنَ إِقْنَاعُنَا بِأنَّنَا لَا هُنَا وَلَا هُنَاك, وَأَنَّنَا لَيْسَ لَنَا مُشَارَكةٌ فِي العِلْمِ وَلَا فِي الحَضَارَةِ.

وَآبَاءُ العِلْمِ فِي جَمِيعِ فُرُوعِ المَعْرِفَةِ مِنَّا نَحْنُ وَقَدْ سُرِقْنَا, نَحْنُ سُرِقْنَا.

مَنْ الَّذِي اكْتَشَفَ الدَّوْرَةَ الدَّمَوِيَّة؟

ابن النَّفِيس. وَمَن الَّذِي سَرَقَهَا؟

وِلْيَام هَارْفِي, سَرَقَهَا سَرِقَة قَبِيحَة, وَكَذَلِكَ مَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ ابن الهَيْثَم فِي مَسْأَلَةِ البَصَرِيَّات, مَازَالَ تُرَاثًا إِلَى اليَومِ مُعْجِبًا جِدًّا, وَقَائمًا عَلَى أُصُولٍ عِلمِيَّةٍ أَسَاسِيَّةٍ لَا تَخْتَل. وَسُرِقَ هَذَا التُّرَاثُ كُلُّهُ!!

نُسِخَ وَمُسِخَ ثُمَّ نُسِبَ إِلَى الآخَرِينَ, وَنَحْنُ مَازِلنَا إِلَى اليَومِ نَتَفَرَّجُ وَهِيَ فَصِيَحَة- عَلَى هَذَا الرَّكْبِ يَسِيرُ وَكَأَنَّ الأَمرَ لَا يَعنِينَا فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ, وَالأَمرُ جِدُّ خَطِير.

هَذَا المُحتَوَى اللُّغَوِي تَحَمَّل هَذِهِ العُلُوم فِي حِرفِيَّاتِهَا وَتِقنِيَّاتِهَا... كَذَا نَقُولُ؛ نَعَمْ نَحنُ الَّذِينَ أَسَّسْنَا فِكْرَةَ المُحَرِّكِ السُّدَاسِي, الَّذِي غَيَّرَ وَجْهَ الأَرْض, وَتَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ أُصُول وَسُبُل وَصُوَر الحَضَارَة.

نَحنُ الَّذِينَ صَنَعْنَاهُ, المُسْلِمُونَ هُم الَّذِين وَضَعُوا هَذِهِ الأُصُول؛ بَلْ عَمِلُوا بِهَا. وَقَدْ تَظُن أَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا حِرْفِيِّينَ بِدَرَجةٍ فَائِقَةٍ, فَلَا يَدْرُونَ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ شَيئًا.

كَلَّا, الإِمامُ القَرَافِي المَالِكي -إِمَامٌ أُصُولِي فَقِيه- مِنْ أَعْظَمِ الأَئمَّة, وَمِنْ أَعْظَمِ الفُقَهَاءِ فِي مَذْهَبِ مِالِك, وَمِنْ أَعْظَمِ العُلَمَاءِ عَلَى مَدَارِ تَارِيخِ هَذِهِ الحَضَارَةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي المَسَائلِ العَمَلِيَّةِ, وَلَيْسَ فِي المَسَائِلِ النَّظَرِيَّةِ, وَهَذَا الرَّجُل صَنَعَ أَمرًا غَرِيبًا -فَقِيه أُصُولِي يَكتُب فِي ((تَنْقِيحِ الفُصُول)) كَلَام فِي الأُصُولِ لَا يَفْهَمُهُ الآنَ إِلَّا أَقَلُّ القَلِيلِ -الرَّجُل صَنعَ صَنِيعًا بَدِيعًا عَجِيبًا..

صَنعَ آلَة لهَا شُرُفَات مِنْ أَعْلَى, وَهَذِهِ الشُّرُفَات تَدُورُ مَعَ دَوَرانِ الآلَةِ, عَلَى مِحْورٍ بِطَرِيقَةٍ مَا صَمَّمَهَا هُوَ, وَوَضَعَ أُصُولَهَا وَنَظرِيَّاتهَا, وَقَامَ عَلَى أسَاسِهَا هَذَا الاخْتِرَاعِ الَّذِي اخْتَرَعَهُ, بِحَيْثُ أَنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَة أَنوارٌ مُختَلِفَات فِي اثْنَي عَشْرَ مَنفَذًا, تُفَتَحُ شُرْفَتَان مِنْ كُلِّ مَنفَذ بِضَوءٍ مُعَيَّنٍ, وَيَخرُجُ مِنْهَا دِيكٌ يُعْلِنُ عَنِ السَّاعَة.

فَهَذِهِ سَاعَةٌ مُتَحَرِّكَةٌ صَنَعَهَا الرَّجُلُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ- وَلَكِن يَقُولُ: مَعَ الأَسَى وَالأَسَفِ وَلَكِنِّي لَمْ اسْتَطِع أَنْ اجْعَلَ الدِّيكَ يَصِيح رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ-!!

وَهُوَ فَقِيِهٌ أُصُولِيٌّ نَظَّارٌ! لَا عَلَاقَة لَهُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الأَشْيَاء!!

هَذِهِ تُسَمَّى عِنْدَ العَرَبِ المُتَقَدِّمِين؛ الحِيَل المِيكَانِيِكِيَّة.

وَهُم الَّذِينَ اكْتَشَفُوا قُوَّةَ البُخَار, وَلَكِن كَانَ رَكْبُ العِلْمِ المَادِيِّ يَتَقَدَّمُ, وَرَكْبُ الإِدَارَةِ يَتَخَلَّف, وَوَقَعَتْ الأُمَّةُ فِي الخِلَافِ المَذْهَبِيِّ مِنْ حَيْثُ الفِقْهُ, وَمِنْ حَيْثُ الاعتِقَادُ, وَمِنْ حَيْثُ الأَجْنَاسُ؛ فَصَارَت دُوَيْلَاتٍ مُتَطَاحِنَاتٍ, وَحِينَئذٍ تَخَلَّفَت الأُمَّةُ عَنْ مُسَايَرَةِ الرَّكْبِ, مِنْ حَيْثُ مُوَاصَلَة هَذَا الطَّرِيق العِلْمِي إِلَى نِهَايَتِهِ, وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَتَلَمَّظُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَلْتَهِمَ هَذَا الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ العَرَبُ وَالمُسْلِمُونَ عَامَّةً..

فَلَمَّا ضَعُفَ العَرَبُ وَضَعُفَ المُسْلِمُونَ؛ أَتَى هَؤلاءِ فَأَسَّسُوا عِلْمًا عَلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ العَرَبُ, وَأمَّا نَحْنُ فَرُحْنَا فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ!!

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  تفسير آية الكرسي
  أَحْيَاكَ اللهُ كَما أحْيَيْتَنِي
  ألا تشعر بأنك تُعاقب بالنظر إلى الحرام
  الظالم والمظلوم
  حول مراقبة الرب جل وعلا
  الصراع بين الحق والباطل
  وَاللَّهِ لَا أَزُورُ أَخِي مَا حَيِيت!!
  الأمة مُهددةٌ في سويدائِها؛ بتغيير شريعتها ودينها
  الطريق إلى القدس لا يمر بالقاهرة
  ((الحلقة الثانية))((أعلام الإلحاد والقواسم المشتركة بينهم))
  لَا يُمَكَّنُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَبَدًا
  السر الأكبر لقراءة الرسلان من الورق..؟
  قاعدة الإسلام الذهبية... مَن بيده السلطان ينبغي أن يُطاع في غيرمعصية
  سبحانه هو الغني ((2))
  ألا تخشى سوء الخاتمة
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان