تفريغ مقطع : يَسُب ويَلعَن ويَشتم ويتعارك مع الناس وإذا سألته لمَ؟ يقول إني صائم!!

يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ الخَيْرَ، وَلَا نَجْعَلَ الصَّوْمَ تُكَأَةً مِنْ أَجْلِ إِخْرَاجِ خَبَائِثِ النَّفْسِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ -إِذَا صَادَفَ بِقَدَرِ الرَّحِيمِ الرَّحمَن أَيَّامَ حَرٍّ وَقَيْظٍ-؛ يُطْلِقُونَ النَّفْسَ مَعَ رُعُونَاتِهَا, وَيُخَلُّونَ بَيْنَ النُّفُوسِ وَطَبْعِهَا، فَإِذَا رُوجِعَ قَالَ: إِنَّهُ صَائِم!!

وَلَمْ يَعْلَم المِسْكِينُ أَنَّهُ يُقِيمُ بِهَذَا الكَلَامِ الحُجَّةَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الصَّوْمَ كَانَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ؛ أَنْ يَكُفَّهُ عَن رُعُونَاتِ النَّفْسِ, وَعَنْ طُغْيَانِهَا, وَأَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ حَتَّى لَا يُفْلِتَ بِالجَهْلِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالصَّخَبِ وَالرَّفَثِ، لِأَنَّ الصِّيَامَ إِنَّمَا جُعِلَ لِإِمْسَاكِ اللِّسَانِ وَالقَلْبِ وَالجَوَارِحِ عَنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

فَتَجِدُ النَّاسَ يَتَشَاجَرُونَ أَكْثَرَ مَا يَتَشَاجَرُونَ فِي رَمَضَانَ!!

لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ صَائِمِينَ؛ الصِّيَامَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ, وَأَتَى بِهِ نَبِيُّهُ الأَمِين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

فَالصَّائِمُ مُنْكَسِرٌ للَّهِ, خَاضِعٌ بِتَقْوَاهُ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؛ الَّذِي أَمَرَهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي سَكِينَةٍ وَدَعَةٍ، وَأَنْ يُقَدِّمَ المَعْرُوفَ, وَأَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ جَمِيعِ المُنْكَرَاتِ.

النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ أَنَّهُ: ((إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ؛ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ, وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ, وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ))، وَلَكِنَّ شَيَاطِينَ الإِنْسِ فِي الكَوْنِ يَرْتَعُون، وَهُمْ أَعْتَى وَأَقْذَرُ مَوْقِعًا مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ؛ لِأَنَّ شَيْطَانَ الجِنِّ إِذَا اسْتَعَاذَ الإِنْسَانُ مِنْهُ؛ خَنَسَ، وَنَجَّى اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ مِنْهُ العَبْدَ، أَمَّا شَيْطَانَ الإِنْسِ فَلَوْ قَرَأْتَ عَلَيْهِ الخَتْمَةَ كُلَّهَا؛ لَا يَزْدَادُ إِلَّا عُتُوًّا!!

أَمَّا شَيْطَانُ الإِنْسِ فَلَا يَزْدَادُ عَلَى التَّذْكِيرِ إِلَّا عُتُوًّا وَطُغْيَانًا؛ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ!!

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي هَذَا المُوْسِمِ العَظِيمِ فِي أَحْوَالِنَا, وَأَنْ نَقِفَ عَلَى رَأْسِ طَرِيقِنَا؛ لِكَيْ نُرَاجِعَ مَا مَرَّ مِنْ أَعْمَارِنَا، لِكَيْ نَنْظُرَ فِيمَا مَرَّ -مُنْذُ الاحْتِلَام إِلَى هَذَا الوَقْتِ- نَظْرَةً فَاحِصَةً مُتَأَمِّلَةً وَاعِيَةً ثَاقِبَةً، وَأَنْ يَجْتَهِدَ الإِنْسَانُ فِي بَيَانِ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ, وَفِي النَّظَرِ فِي تَقْوِيمِ وَتَثْمِينِ نَفْسِهِ.

أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-؟

وَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الخُضُوعِ لِدِينِ رَبِّكَ بِأَحْكَامِهِ وَشَرِيعَتِهِ؟

وَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ الَّتِي تَوَاضَعَتْ عَلَيْهَا الأُمَمُّ حَتَّى وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إِرْشَادٍ بِدِينٍ؟

فَإِنَّ النَّاسَ -كُمَا هُوَ مَعْلُومٌ- يَسْتَقْبِحُونَ أُمُورًا تُخِلُّ بِالمُرُوءَةِ وَتَضَعُ مِنَ القَدْرِ، وَأَصْحَابُ المُرُوءَةِ مِنْهُم؛ يَقُولُ -قَائِلُهُم وَالإِمَامُ فِيهِم- الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ المَاءِ البَارِدِ يَثْلُمُ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ)).

لَا يَضَعُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي مَوَاضِعِ الذِّلَّةِ وَالهَوَان، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ، كُنْ رَجُلًا مُسْلِمًا؛ رَجُلًا فِيكَ صِفَاتُ الرُّجُولَةِ، مُسْلِمًا؛ صُبِغَت رُجُولَتُكَ بِإِسْلَامِك؛ فَازْدَادَت كَمَالًا إِلَى كَمَالِهَا, وَحُسْنًا إِلَى حُسْنِهَا، وَمَا تُعْلَمُ أَخْلَاقُ الرِّجَالُ إِلَّا مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ.

دَعْكَ مِنَ السَّفَاسِفِ وَارْتَفِع فَوْقَهَا، وَتَأَمَّلْ فِي المَعَالِي -مَعَالِي الأُمُورِ-, وَإِيَّاكَ وَالدُّونَ, وَلَا تَكُنْ آخِذًا بِمَا يَثْلُمُ مُرُوءَتَكَ، وَإِيَّاكَ وَمَوَاطِنِ الهَوَانِ وَمَوَاضِعِ الذِّلَّة.

كُنْ رَجُلًا مُسْلِمًا؛ فَإِنَّ الأُمَّةَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْكَ عَلَى هَذَا الوَصْفِ وَحْدَهُ؛ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمًا حُقِّقَت فِيكَ رُجُولَةُ المُسْلِمِ الحَقّ. الأُمَّةُ تَحْتَاجُ هَؤُلَاءِ...

وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ خَرَجَ أَسْلَافُهُم الأَوَّلُونَ لمَّا حَقَّقُوا الدِّينَ المَتِينَ؛ أَطَاحُوا بِالتِّيجَانِ, وَثَلُّوا العُرُوشَ -أَذهَبُوا سُلْطَانَهُم-, وَنَشَرُوا الهُدَى وَالخَيْر، وَأَصْلَحُوا فَسَادَ الحَيَاةِ فِي جَوَانِبِهَا الدِّينِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ، وَفِي جَوَانِبِهَا التَّعَامُلِيَّةِ، وَفِي كُلِّ جَوَانِبِ الحَيَاةِ مِنْ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، فَحَمَلُوا الدِّينَ وَحَقَّقُوهُ فِي أَنْفُسِهِم.

لَمْ يَحْمِلُوا تَعَالِيمَ فَارِغَة؛ وَإِنَّمَا حَقَّقُوا التَّعَالِيمَ فِي أَنْفُسِهِم، وَمَا كَانَت يَوْمًا فَارِغَة، وَأَمَّا غَيْرُهُم فَيَحْمِلُ شَقْشَقَاتِ اللِّسَانِ, وَيَرْسُبُ فِي أَوَّلِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ امْتِحَانٍ، وَمَا كَذَلِكَ الرَّجُلُ المُحَقِّقُ الحَقّ؛ إِذَا حَقَّقَ إِسْلَامَهُ وَصَدَقَ فِي إِيمَانِهِ.

عَلَيْكَ أَنْ تَتَغَيَّرَ، غَيِّرْ مِنْ نَفْسِكَ، وَتَأَمَّل فِي طَوِيَّتِكَ، وَفَتِّشْ فِي قَلْبِكَ، وَتَأَمَّلْ فِي جَوَانِحِكَ, وَرَاجِع حَيَاتِك، مَاذَا صَنَعْتَ؟ فَإِنَّكَ نَسِيتَ؛ وَقَدْ أُحْصَيَ عَلَيْكَ، وَإِنَّكَ قَدْ أَلْقَيْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ؛ وَسَتَجِدُ أَمَامَكَ!!

اتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِك وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِك، وَاسْتَعِن بِاللَّهِ رَبكَ وَأَخْلِص، وَصَفِّي حَتَّى يُصَفَّى لَكَ، وَلَا تُخَلِّط حَتَّى لَا يُخْلَّطَ عَلَيْكَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  صلاة العيد بالمُصلى والتحذير من التكبير الجماعي ومن الاختلاط والسفور!!
  الزنا والنظر للمحرمات دين سيرد من عرضك
  أين يذهب المصريون إن وقعت الفوضى في هذا الوطن؟!
  ((1)) سبحانه هو الغنيُّ
  أنواع الحج
  الدفاع عن الشيخ المُجَدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسألة التكفير بلا مُوجِب
  ليس كل مَن نهى عن الخروج على ذي سلطان يكونُ مقرًّا فعلَه ولا راضيًا بأمره ولا مقرًّا لحُكمِه!!
  إيَّاكَ أنْ تقولَ على اللهِ ما لا تَعْلَم
  مذاهب الناس في قتل الحسين ـ رضي الله عنه-
  إعلامُ الأمة بحُرمةِ دماءِ المُستأمَنين
  لَا نَمْلُكُ مَخَاطِرَ الصِّرَاعِ عَلَى السُّلْطَةِ
  الحثُّ على قَوْلِ الخيرِ أو الصَّمت
  كيفية الجلوس في حِلَقِ العلم
  إنما يطول الليل علي المستهين المستهتر
  أراد أن يمثل القرآن بحركات فكيف كان الجواب؟!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان