تفريغ مقطع : حُكْمُ الحَلِفِ بِالأَمَانَةِ, وَالحَلِفِ بِالنَّبِيِّ, وَالحَلِفِ بِرَأْسِ فُلَانٍ, وَالحَلِفِ بِحَيَاةِ فُلَانٍ, وَالحَلِفِ بِالكَعْبَةِ!!

حُكْمُ الحَلِفِ بِالأَمَانَةِ, وَالحَلِفِ بِالنَّبِيِّ, وَالحَلِفِ بِالكَعْبَةِ!

فَهَذَا الحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شِرْكٌ أَصْغَر لَا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ؛ وَلَكِنَّهُ يُنَافِي التَّوْحِيد فِي كَمَالِهِ وَيُنْقِصُهُ، وَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ وَأَنْ يَتَوَرَّعَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَلَابِسَهُ بِحَالٍ.

وَقَدْ يَكُونُ أَكْبَرُ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى!!

الحَلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- شِرْك؛ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَد وَالتَّرْمِذِيُّ عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالحَاكِم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)), هَذَا الحَدِيث حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ نَاصِر.

فِيهِ قَوْلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)).

(أَوْ) هَاهُنَا قَدْ تَكُونُ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي، شَكَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَصًّا، هَلْ قَالَ كَفَرَ أَوْ قَالَ أَشْرَكَ؛ فَأَتَى بِهِ عَلَى التَّرَدُّدِ شَكًّا -قَدْ تَكُونُ شَكًّا مِنَ الرَّاوِيِ-.

((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)), يَعْنِي قَالَ: كَفَرَ أَوْ قَالَ أَشْرَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ (أَوْ) بِمَعْنَى (الوَاو)، وَيَكُونُ المَعْنَى هَاهُنَا: أَنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ -يَعْنِي: الكُفْرَ الَّذِي دُونَ الكُفْرِ, وَالشِّرْك الَّذِي دُونَ الشِّرك-.

مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ, ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)). هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

كَثُرَ مِنَ النَّاسِ اليَوْم مَنْ يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَنْ يَحْلِفُ بِالأَمَانَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ شَائِعٌ عَلَى أَلْسِنَةِ المُسْلِمِينَ، يَحْلِفُونَ بِالأَمَانَةِ، وَالحَلِفُ بِالأَمَانَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَالحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِرْكٌ.

فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يَحْلِفَ المُسْلِمُ بِالأَمَانَةِ, أَوْ يَحْلِفَ المُسْلِمُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا شَائِعٌ جِدًّا عَلَى أَلْسِنَةِ المُسْلِمِينَ، يَحْلِفُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ لِمَنْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ المُسْلِمُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ لَهُ: كَأَنَّك تَنْتَقِصُ مِنْ قَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ!!

يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ!! بَلْ إِنَّ الَّذِي يَحْلِفُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؛ هُوَ الَّذِي لَا يُطِيعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الَّذِي قَالَ: ((مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت)), هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي قَالَ: ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)).

فَالَّذِي يَقُولُ لَا تَحْلِفُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؛ هُوَ مُوَقِّرٌ لِلنَّبِيِّ، مُعَزِّرٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مُطِيعٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مُصَدِّقٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

فَكَثُرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الحَلِفُ بِالأَمَانَةِ, وَالحَلِفُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, وَالحَلِفُ بِالكَعْبَةِ, وَالحَلِفُ بِحَيَاةِ فُلَانٍ وَحَيَاةِ فُلَان، وَرَأْسِ فُلَانٍ وَرَأْسِ فُلَان، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, وَقَدْ نَهَى عَنْهُ دِينُنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَظَّمَ مِنْ شَأْنِهِ جِدًّا ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)).

شِرْكًا دُونَ شِرْك، يَعْنِي: أَشْرَكَ شِركًا دُونَ شِرْك، وَكَفَرَ كُفْرًا دُونَ كُفْر!!

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-، الحَلِفُ بِالشَّيْءِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَالَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُحْلَفَ بِهِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ-، وَالحَلِفُ بِغَيْرِهِ شِرْكٌ وَجَرِيمَةٌ عُظْمَى.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ((لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا)).

يَعْنِي: أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَاذِبًا أَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ وَأَخَفُّ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صَادِقًا-.

مَا تَوْجِيهُ هَذَا القَوْل مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ-؟

الحَلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا كَبِيرَةٌ منَ الكَبَائِرِ، وَلَكِنَّ الشِّرْكَ؛ وَهُوَ الحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ, وَإِنْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَر، لِأَنَّ الشِّرْكَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، بَلْ هُوَ أَكْبَرُ الكَبَائِر أَنْ يُشْرِكَ العَبْد بِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, وَلِذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ-: ((لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا)).

عَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ حَلِفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلَامِ....)), وَهَذَا شَائِعٌ أَيْضًا عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، يَحْلِفُ بِالبَرَاءَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَبِالخُرُوجِ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ، وَبِأَنَّهُ عَلَى مِلَّةِ كَذَا وَكَذَا مِنَ المِلَلِ البَاطِلَةِ سِوَى مِلَّةِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ!!

فَيَقُولُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ حَلِفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا يَعْنِي: فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ- فَلَنْ يَعُودِ إِلَى الإِسْلَامِ سَالِمًا)). هَذَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَه, وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَهُوَ يَسِير يَعْنِي: فِي مَسِيرٍ-, فَأَدْرَكَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ, وَعُمَرُ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُم رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((أَلَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ- يَنْهَاكُم أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت)). هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ وَبِجَدِّهِ، وَبَرَحْمَةِ أَبِيهِ وَبِرَحْمَةِ جَدِّهِ، وَبِتُرْبَةِ أَبِيهِ وَتُرْبَةِ جَدِّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-!!

كُلَّ ذَلِكَ شِرْكٌ بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَالعَبْدُ المُسْلِمُ الحَرِيصُ عَلَى دِينِهِ وَيَقِينِهِ يَجْتَهِدُ فِي أَلَّا يَحْلِفَ إِلَّا بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((أَلَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ- يَنْهَاكُم أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت)).

((لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم)) -كَمَا فِي الرِّوَايَةِ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))-, فَنَهَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ نَهَانَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا: ((أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُم أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم)).

وَعَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا)). يَعْنِي: لَيْسَ مِنْ طَرِيقَتِنَا, وَلَا عَلَى هَدْيِنَا؛ لِأَنَّ الحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الجُمْلَةِ شِرْكٌ أَصْغَرُ، وَقَدْ يَرْتَقِي أَوْ يَسْفُل -إِنْ شِئْتَ الصَّوَاب- حَتَّى يَصِيرَ شِرْكًا أَكَبْر، -يَعْنِي: يُخْرِجُ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ-، نَسْأَلُ اللَّهَ الثَّبَاتَ وَالعَافِيَةَ.

((مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا))، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَة دَائِرَةٌ بِكَثْرَةٍ كَاثِرَةٍ عَلَى أَلْسِنَةِ المُسْلِمِينَ!! يَحْلِفُ الوَاحِدُ بِالأَمَانَةِ وَلَا يُبَالِي، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا)). هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد, وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

عَنْ قُتَيْلَةَ -وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّكُم تُنَدِّدُونَ, وَإِنَّكُم تُشْرِكُونَ!! هَذَا اليَهُودِيُّ جَاءَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ هَذَا القَوْلَ الكَبِير!!

إِنَّكُمْ يَعْنِي: المُسْلِمِينَ- تُنَدِّدُونَ يَعْنِي: تَتَّخِذُونَ مَعَ اللَّهِ أَنْدَادًا-، وَإِنَّكُم تُشْرِكُونَ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّد، وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَة.

تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّد؛ هَذَا تَنْدِيدٌ -يَعْنِي: اتَّخَاذُ نِدٍّ مَعَ اللَّهِ-, كَمَا سَيَأْتِي فِي صَرِيحِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتُشْرِكُونَ يَعْنِي: تَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ- فَيَقُولُ الرَّجُلُ: وَالْكَعْبَة؛ وَهَذَا شِرْكٌ بِاللَّهِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَمَرَهُم: ((أَنَّ الوَاحِدَ إِذَا إِرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: وَرَبِّ الكَعْبَة -فَلَا تَقُلْ: وَالكَعْبَةِ؛ وَلَكِنْ قُلْ: وَرَبِّ الكَعْبَة-, وَيَقُول: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ)). هَذَا الحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.

الحَلِفُ بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ, ((مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت)).

الحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ نَهَى اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

الحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شِرْكٌ أَصْغَر، وَلَكِنَّهُ إِذَا قَامَ بِقَلْبِ الحَالِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِمَا يَحْلِفُ بِهِ مِثْلَ مَا يُوَازِي أَوْ يُسَاوِي تَعْظِيمَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِنْدَ الحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ شِرْكٌ أَكْبَر؛ فَيَكْفُرُ بِهِ.

إِذَا حَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, وَكَانَ مُعَظِّمًا لِمَا يَحْلِفُ بِهِ مِنْ دُونَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَتَعْظِيمِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ شِرْكًا أَكْبَرَ يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ.

بَعْضُ القُضَاةِ فِي مَحْكَمَةٍ مِنٍ مَحَاكِمِ وَسَطِ الدِّلْتَا شَكَّ فِي شَاهِدٍ أَرَادَ أَنْ يُدْلِيَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَكَانَ قَدْ أَقْسَمَ اليَّمِينَ -حَلَفَ بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَتَلَجْلَجُ-, فَقَالَ لَهُ: فَلْتَحْلِف بِالبَدَوِيِّ أَنَّكَ تَقُولُ الصِّدْق؛ فَخَارَت قُوَاهُ حَتَّى أَسْنَدُوهُ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ بِالبَدَوِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَجْلَج فِي الحَلِفِ بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَاذِبًا!!!

مِثْلُ هَذَا يُعَظِّمُ مَنْ يَحْلِفُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعَظِّمُ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى!! فَمِثْلُ هَذَا يَنْتَقِلُ مِنَ الأَصْغَرِ إِلَى الأَكْبَرِ!!

فَالحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّاهُ المُسْلِمُ، وَأَنْ يَبْتَعِدَ عَنْهُ, وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَطْهِيرِ لِسَانِهِ مِنْهُ، فَلَا يَحْلِفُ بِالنَّبِيِّ, وَلَا يَحْلِفُ بِالكَعْبَةِ, وَلَا يَحْلِفُ بِأَبِيهِ, وَلَا يَحْلِفُ بِشَيْءٍ, وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا أَمَرَنَا الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِف بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت)).

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  ألا تخشى سوء الخاتمة
  أنواع الحج
  عقيدتُنَا منظومةِ: منهجِ الحقِّ للعلَّامة السعديِّ –رحمهُ اللهُ-
  حال المؤمن عند الأمر وعند الإخبار
  فَلْنَرْحَمْ أَنْفُسَنَا مِنْ مَعَاصِينَا!
  فَلَقَد قَالَت لِي رُوحِي...
  حافِظ على مال زوجتِك
  يتزوج امرأته مرتين مرة عند المأذون ومرة في المسجد... يعقد في المعقود!!
  ويحك! اثبت واحذر أن يُؤتى المسلمون من قبلك
  اللَّهُمَّ إنَّكَ تعلمُ أنِّي أُحِبُّ أنْ أَدُلَّ عَليك
  عقوبات أخروية وعقوبات دنيوية للخارج على الإمام
  شؤم المعصية.. هل تظنون أنكم أفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
  لن يستطيعَ أنْ يَرُدَّ على أفكارِ التكفيرِ والتفجيرِ إلَّا أَهْل السُّنَّة
  رسالة قوية إلى أئمة المساجد
  يريد أن يطلق زوجته لانه لم يعد يحبها،، فماذا قال له الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟؟
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان