تفريغ مقطع : فَلَقَد قَالَت لِي رُوحِي...

((فَلَقَد قَالَت لِي رُوحِي...))

فلَقَد قَالَت لِي رُوحِي حَييتُ الفَائِتَ مِن عُمْرِي والسَّالِفَ مِن أَجَلِي في بَيْدَاءِ الحَيَاةِ الكاحِلَةِ ودُرُوبِهَا المُمْحِلَةِ بين عُوَاءِ الذئابِ وَفَحِيحِ الأفَاعي وَوَحْشَةِ الطريقِ بلا أنيسٍ ولا رَفيقٍ ولا حَبِيبٍ ولا صديقٍ، فأيُّ غُرْبَةٍ مُوحِشةٍ، وأيُّ وَحْشَةٍ مُغْرِبَةٍ، وأيُّ كُرْبَةٍ كَارِبَةٍ، أَسْمَعُ صَوْتَ الصَّمْتِ يُدَوِّي صَاخِبًا في الجَنَبَاتِ، وَأَرَى الغِيلَانَ تتغوَّلُ في الطُّرُقَاتِ وفي الفَلَوَاتِ.

قُلْتُ: يَا رُوحِي اهْدَئِي ولا تَبْتَئِسِي، فَلَقَدْ عِشْتِ مَعَ ذَلِكَ شَرِيفَةً أَمِينَةً، لَا لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَحِقُّونَ الشَّرَفَ وَالأَمَانَةَ، وَلَكِنْ لأَنَّكِ أَنْتِ لَا تَسْتَحِقِّينَ الضَّعَةَ وَالخِيَانَةَ، يَا رُوحِي غِنَاكِ فِي ذَاتِكِ، وَقِيمَتُكِ في عَمَلِكِ، وَبَوَاعِثُكِ أَحْرَى بِالعنايَةِ مِن غَايتِكِ، ولا تَنْتَظرِي مِن النَّاسِ شَيْئًا.

وَمِن سَعَادَةِ النَّفْسِ البَشَريَّةِ أنها لا تُحِسُّ في الحَالِ بِفِقْدَانِ مَن تُحُبُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَلَقَد تَكُونُ شَوَاهِدُ الفِقْدَانِ مَبْثُوثَةً مِن حَوْلِهَا، ولكنَّهَا لا تستطيعُ أنْ تُصَدِّقَ بالفَنَاءِ واسْتِحَالَةِ اللِّقَاءِ طُولَ الأَبَدِ، وَتِلْكَ فَتْرَةٌ يَفصِلُ بِهَا اللهُ بين اليَقِينِ بِالخَسَارَةِ وَبَيْنَ الشُّعُورِ بِالحَقِيقَةِ كَمَا تَفصِلُ الحَوَاسُّ بَيْنَ رؤيَةِ العَيْنِ لِهُويِّ الفَأْسِ فَوْقَ الجِزعِ وبين سماعِ الأُذُنِ لضربتِهَا تَرِنُّ طَوِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ، تِلْكَ الفَتْرَةُ تُخَفِّفُ سَوْرَةَ الحُزْنِ، وَتُكَفْكِفُ غَرْبَ الأَلَمِ بِالمُغَالَطَةِ والتَّحَايُلِ.

فَيَا رُوحِي القَلِقَة اهْدَئِي، إِنَّكِ إِذَا فَقَدْتِ مَنْ تُحِبِّينَ فَلَنْ تَفْقِدِيه مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يَحْيَا فِيكِ رَدْحًا مِن الزَّمَنِ، وَشَبِيهُ ذَلِكَ أَنَّ العَيْنَ إِذَا أَطَالَت النَّظَرَ إِلَى الشَّمْسِ وَهِيَ تَغْرُبُ بَقِيَت في العَيْنِ أَشِعَّتُهَا بَعْدَ أُفُولِهَا وَغُرُوبِهَا؛ لأَنَّهَا لَا تَزَالُ مُتَلألِئَةً في ذَاتِهَا مُشْرِقَةً في نَفْسِهَا، وَهَيْهَات أنْ تُدْرِكِ الفِقْدَانَ التَّامَّ وَالحِرْمَانَ المُطْلَقَ إِلَّا إِذَا أَدْرَكَ شُعُورَكِ القُصُورُ وَحَدَّدَهُ الفُتُورُ، فَتَسْتَطعِينَ حِينئذٍ أَنْ تَقُولِي: لَقَد مَاتَ فيَّ، ذَلِكَ لأنَّ المَوْتَ لَا يَتِمُّ بِالفِقْدَانِ، إِنَّمَا يَتِمُّ المَوْتُ بِالنِّسْيَانِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  جانب من حياء الرسول صلى الله عليه وسلم
  مختصر أحكام الأضحيَّة
  رسالة الى الذين يفسفسون على الفيس بوك ...
  فليسألوا أنفسهم هؤلاء الحمقى: لمصلحة مَن يعملوا هذا العمل؟ ومَن الذي يستفيد مِن هذه الحوادث؟!
  العلامة رسلان: خطورة تكفير المسلمين بلا مُوجِب
  هل الاستمناء في نهار رمضان يفسد الصيام؟
  تأمل في أصول عقائد الشيعة التي نخالفهم فيها
  متى يا عبد الله تستقيم علي أمر الله
  أين يذهب المصريون إن وقعت الفوضى في هذا الوطن؟!
  هل تعلم أين تقع بورما وما الذى يحدث فيها ولماذا العالم يقف ساكتا على هذه الوحشية..؟
  يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم
  أَوْلَادُ الخَنَا وَمُرَوِّجُو الزِّنَا يَسُبُّونَ أَشْرَفَ الخَلْقِ!!!
  إنما يطول الليل علي المستهين المستهتر
  سؤال هـام لكل مسلم... هل تعرف مَن تعبُد؟!
  إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان