تفريغ مقطع : صِفَاتُ الذَّاتِ وَصِفَاتُ الفِعْلِ

((الرَّحْمَةُ)): صِفَةُ ذَاتٍ باعتبارِ تَعَلُّقِهَا بِالذَّاتِ, حَيْثُ لا تَنْفَكُّ عَن الذَّاتِ وَلَا تَنْفَكُّ عَنْهَا الذَّاتُ, وَأَمَّا مِن حَيْثَ تَعَلُّقُ الرَّحْمَةِ بِالمَشِيئَةِ وَإِعْمَالُ هَذِهِ الرَّحْمَةِ لِمَنْ يَرْحَمُهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ؛ فَهَذِهِ صِفَةُ فِعْلٍ, فَهِي هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالمَشِيئَةِ.

*هُنَاكَ صِفَاتٌ تَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ باعْتِبَارٍ وَصِفَةَ فِعْلٍ باعْتبَارٍ:

((صِفَةُ الخَلْقِ)): صِفَةُ ذَاتٍ باعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالذَّاتِ, فَذَاتُ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةِ الخّلْقِ وَلَا مَخْلُوق, فاللهُ رَبُّ العَالَمِينَ هُوَ الخَلَّاقُ العَظِيمُ، وَلَهُ هذه الصِّفَةُ العَظِيمةُ، وَأَمَّا عِنْدَ خَلْقِ الخَلْقِ وَذَرْئِهِم وَتَعَلُّقِ هَذِهِ الصِفَةِ بِالمَشِيئَةِ لِخَلْقِهِم؛ فَهِيَ حِينَئِذٍ تَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ. كَذَلِكَ ((صِفَةُ الكَلَامِ)): فَذَاتُ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَوْصُوفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ, وَأَمَّا إِذَا تَكَلَّمَ بِالوَحيِ -جَلَّ وَعَلَا- وَبِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ -سْبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ لِتَعَلُّقِ الصِفَةِ بِالمَشِيئَةِ.

هَذَا الحَدِيثُ الَّذِي مَعَنَا وَفِيهِ انْقِسَامُ صِفَةِ الرَّحْمَةِ إِلَى مِائةِ جُزْءٍ: ((جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ في مِائةِ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءً، وَأَنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءً وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلِدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ)).

صَفَةُ الفِعْلِ: هي التي تَقْبَلُ هَذِهِ القِسْمَةَ.

وَأَمَّا صِفَةُ الذَّاتِ: فَهِيَ مَوْصُوفٌ بِهَا الذَّات لَا تَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ وَلَا تَنْفَكُّ عَنْهَا الذَّاتُ.

لا يُمْكِنُ للوَاصِفِينَ أَنْ يُعَبِّرُوا عَن جُزْءٍ يَسِيرٍ جِدًّا مِن رَحْمَةِ اللهِ التي بَثَّهَا وَنَشَرَهَا عَلَى العِبَادِ.

وَأَنْتَ لَو تَأَمَّلْتَ العَالَمَ بِعَيْنِ البَصِيرَةِ لَرَأيتَهُ مُمْتَلئٍ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ الوَاحِدَةِ كَامْتِلَاءَ البَحْرِ بِمَائِهِ وَالجَوِّ بِهَوَائِهِ, وَمِن أَمْثَالِ هَذِهِ الرَّحْمَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا أَنَّ الدَّابَةَ تَرْفَعُ حَافِرَهَا عَن وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ.

وَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ -تَعَالَى مِنَ الرَّحْمَةِ الوَاحِدَةِ عَطَايَا كَرِيمَةً عَزِيزَةً، فَقَدْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ ابْتِدَاءً بِأَجْزَلِ المَوَاهِبِ وَأَفْضَلِ العَطَايَا؛ مِنْ حُسْنِ الصُّورَةِ، وَكَمَالِ الخِلْقَةِ، وَقِوَامِ البِنْيَةِ، وَإِعْدَادِ الآلَةِ، وَإِتْمَامِ الإِرَادَةِ، وَتَعْدِيلِ القَامَةِ، وَتَمَامِ الأَدَاةِ، وَمَا مَتَّعَكَ مِنْ رُوحِ الحَيَاةِ، وَفَضَّلَكَ بِهِ مِن حَيَاةِ الأَرْوَاحِ وَمَا أَكْرَمَكَ بِهِ مِنْ قَبُولِ العِلْمِ، وَهَدَاكَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ الَّتِي هِيَ أَثْنَى جَوَائِزِهِ، وَمَنَّ عَلَيْكَ بِالإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَهُمَا أَجَلُّ النِّعَمِ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَالكَوْنِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُومَةِ.

وَمَنَّ عَلَيْكَ بِمَعْرِفَةِ السُّنَّة وَالجَمَاعَة إلى سَائِرِ مَا لَديْكَ مِن النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ, فَمَرْجُوٌّ مِن فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَنْ بَدَأَ بِالإِحْسَانِ فَعَلَيْهِ الإِتْمَامَ، وَيَجْعَلُ لَكَ مِنْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ رَحْمَةً الحَظَّ الوَافِر.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَلَّا يُخَيِّبَ آمَالَنَا مِنْ فَضْلِهِ العَظِيمِ بِفَضْلِهِ إِنَّهُ الجَوَادُ الكَرِيمُ الرَّاحِمُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  هو الرحمن الرحيم ((7))
  عقوبات أخروية وعقوبات دنيوية للخارج على الإمام
  بأي لونٍ أخط الحرف يا عرب
  تنوع العبادات في ليالي رمضان
  حرب العاشر من رمضان مفخرة المسلمين فى هذا العصر
  أنواع الحج
  الرَّدُّ عَلَى مُنكِرِي خِتَان الإِنَاث
  رسالة الى الذين يفسفسون على الفيس بوك ...
  ضع خدي على الأرض عسى أن يرى ذلي فيرحمني..
  ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله
  أَهَمُّ شَيْءٍ في الحياةِ: هو دِينُ الله
  مات بسبب آية من كتاب الله سمعها!!
  ذكرى إعتصام الخوارج
  إسقاط النظام الآن يعني: الحرب الأهلية
  الذين يعبدون الصنم والبقر... يعظمون معابدهم!! ويحكم أيها المسلمون أين تعظيم مساجدكم؟
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان