تفريغ مقطع : الظالم والمظلوم

وعلى الإنسانِ أنْ يجتهدَ في الإتيانِ بالعدلِ على وجهِهِ بتخليصِ قلبِهِ مِن كلِّ ما يَشوبُهُ مِن شِرْكٍ وهَوى واتباعٍ للنَّفْسِ في سُلطانِهَا ونَزَوَاتِهَا وشَهواتِهَا، واتَّقِي دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين اللهِ حِجَاب، وإذا تظالمَ المجتمعُ فَصَارَ على قِسميْن: ظالمٌ ومظلومٌ، وتَوَفَّرَ المَظلومونَ آناءَ الليلِ وأطرافَ النَّهَارِ على الدُّعَاءِ على ظُلْمِ الظالمين؛ فَسَدَ أَمْرَ المجتمعِ وصارَ إلى تَفَكُّكٍ وانهيارٍ؛ ﻷنهُ لا يُقيمُ اﻷمرَ في اﻷرضِ إلَّا العدل، ولا يُؤَسَّسُ مُلْكٌ صحيحٌ إلَّا عليه، وإنَّ الذي يَنْخَرُ في جميعِ بِنَايَاتِ الأُمَّةِ، في جميعِ أحوالِهَا وفي جميعِ مُدَدِهَا إِنَّمَا هو الظُّلْمُ، أمَّا إذا مَا أُسِّسَ اﻷمرُ على العَدْلِ فَأَبْشِر بِأُمَّةٍ قائمةٍ عزيزةٍ مُسْتَبْشِرَةٍ بنَصْرِ اللهِ رَبِّ العالمين؛ ﻷنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لا يُؤيِّدُ ظَالِمًا ولا ينصرُهُ وإنَّما يَخْذُلُهُ وَيَقْتَصُّ مِنْهُ ويُقيمُ عليه الأَمْرَ دُنيا وآخرة.

وفي ((الصحيحين)) عن عروة بن الزُّبير أنَّ سعيدَ بن زيد بن عَمرو بن نُفَيْل خَاصَمَتْهُ أَرْوَى بِنْتُ قَيْسٍ عند مَروان بن الحَكَم في أرضٍ ادَّعَت أنه اغْتَصَبَهَا مِنْهَا، فَأَرْسَلَ إليه فَجَاءَ، فَتَليَت عَريضةَ الدَّعْوَى بين يديْهِ.

فقال: أنا كُنْتُ آخذُ مِن أَرْضِهَا شيئًا بَعْدَ الذي سَمعتُهُ مِن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!

قال مروان: وما سَمعْتَ مِن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-؟

قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((مَن اغتصبَ شِبْرًا مِن أرضٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أَراضين)).

قال: لا أسألُكَ بَيِّنَةً بَعْدَهَا.

إلَّا أنَّ مَسَّ الظُّلمِ أليم، إلَّا أنَّ وَقْعَهُ شديدٌ.

وسعيدُ بن زَيْدٍ -رضي اللهُ عنه- مِن العَشَرَةِ المُبَشَّرينَ بِالجنَّةِ وهو مِن السَّابقينَ الثَّابتينَ الصالحينَ -رضي اللهُ عنه- وعن الصحابةِ أجمعين.

لوَقْعِ الظلمِ وعِظَم الافتراء لَم يُطِق، فَقَالَ: ((اللهم إنْ كانت كاذبةً فَأَعْمِي بَصَرَهَا واقْتُلْهَا في أرضِهَا؟))، فَأَعْمَى اللهُ -تبارك وتعالى- بَعْدُ بَصَرَهَا، فكانت تتلمسُ الجُدُرَ لا تَدْرِي طريقَهَا، فَوَقَعَت في بئرٍ في اﻷرضِ التي خَاصَمَت سَعيدًا فيها، فكانت قَبْرَهَا.

لَمَّا دَعَا عليها استُجِيبَ له فيها.

فلا تَظْلِم؛ فإنَّ دعوةَ المظلومِ ليس بَيْنَهَا وبينَ اللهِ حِجَاب، وَمَهْمَا عَاديتَ مِن أَحَدٍ بِحَقٍّ فالتزمتَ فيه أَمْرَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ كنتَ عليه بالحُجَّةِ فَالِجًا وفي اﻷمرِ كلِّهِ منصورًا، فإذا ظَلمتَ تَوَرطتَ، فَأَمْسَكَ بِكَ مِن رَقَبتِكَ -بمعنى أنَّ اللهَ -جَلَّ وعلا- يَقتصُّ مِن الأَبْعَدِ إذ ظَلَم؛ ﻷنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- حَرَّمَ الظُّلْمَ وجَعَلَهُ بين العبادِ مُحَرَّمًا.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  حول الصحابي المسيء في صلاته رضي الله عنه
  توحيد الربوبية لا ينكره أحد
  لِمَ الكيل بمكيالين في توصيف الدول
  متى يا عبد الله تستقيم علي أمر الله
  الصراع بين الحق والباطل
  النقاب فى زمان العرى والإنحلال والدياثة
  حكم قول علي كرّم الله وجهه
  أَقُولُ لَكُم طُرْفَة –بِاللُّغَةِ إيَّها-
  لا تتكلم فيما لا يعنيك
  لا يُلقي السلام على الناس إعتقادًا منه أنهم لن يردوا عليه!!
  فليسألوا أنفسهم هؤلاء الحمقى: لمصلحة مَن يعملوا هذا العمل؟ ومَن الذي يستفيد مِن هذه الحوادث؟!
  أنواع الحج
  أَكثَرُ النَّاس يُنازِع مِن أَجلِ التَّحسِينَيات!!
  جملة من البدع والمحدثات تقع في شهر رجب
  تزكية فضيلة الشيخ العلامة رسلان -حفظه الله- لابنه عبد الله
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان