تفريغ مقطع : فُرْصَةٌ لِلْمُحَاسَبَةِ

((فُرْصَةٌ لِلْمُحَاسَبَةِ))

هَذِهِ فُرْصَةٌ؛ فُرْصَةُ الْمُرَاجَعَةِ وَفُرْصَةُ الْمُحَاسَبَةِ لِلنَّفْسِ كَمَا فَعَلَ حَنْظَلَةُ الْأُسَيَّدِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، الْتَفَتَ فَوَجَدَ تَفَاوُتًا فِي الْحَالِ فَعَدَّهُ نِفَاقًا، فَلَقِيَهُ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟

قَالَ: أَصْبَحْتُ مُنَافِقًا!!

قَالَ: وَيْحَكَ! انْظُرْ مَا تَقُولُ.

قَالَ: تَفَاوُتٌ -يَا أَبَا بَكْرٍ- يَأْتِي إِلَى الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ بِحَالَاتٍ تَكْسِرُ الْقَلْبَ كَسْرًا، وَتَحْطِمُ الرُّوحَ حَطْمًا، نَكُونُ عِنْدَ الرَّسُولِ ﷺ يُحَدِّثُنَا عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ الْعَيْنِ، كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا فِيهَا، وَنَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَنَعَّمُونَ، وَكَأَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَى النَّارِ وَإِلَى أَهْلِهَا فِيهَا وَكَأَنَّهُمْ فِيهَا يُعَذَبُّونَ، فَإِذَا مَا انْصَرَفَنَا إِلَى أَهْلِينَا وَضَيْعَاتِنَا وَأَزْوَاجِنَا؛ عَافَسْنَا الزَّوْجَاتِ وَالضَّيْعَاتِ وَالْأَمْوَالَ وَنَسِينَا كَثِيرًا!!

فَقَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِثْلَ الَّذِي تَقُولُ.

مُحَاسَبَةٌ.. وَهِيَ بِذَاتِهَا الَّتِي جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ -عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-، قَالَ: ((مَثَّلْتُ لِنَفْسِي الْجَنَّةَ وَأَنَا آكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ لِنَفْسِي النَّارَ، وَأَنَا أَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأَجْرَعُ مِنْ غِسْلِينِهَا، وَأَصْلَى بِحَرِّ نَارِهَا.

ثُمَّ أَقْبَلْتُ عَلَى نَفْسِي وَكَأَنَّهَا فِي النَّارِ، فَقُلْتُ لَهَا: مَاذَا تُرِيدِينَ؟

قَالَتْ -وَقَدْ تَمَثَّلَتْ أَنَّهَا فِي النَّارِ-: أَنْ أَرُدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ صَالِحًا.

قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا فَقُلْتُ: أَنْتِ فِي الدُّنْيَا فَاعْمَلِي صَالِحًا؛ إِذْ إِنَّكِ فِي الْأُمْنِيَّةِ وَلَمْ تُغَادِرِي الدُّنْيَا بَعْدُ!!

مَثَّلْتُ لِنَفْسِي الْجَنَّةَ وَمَثَّلْتُ لِنَفْسِي النَّارَ.. فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ فِي النَّارِ؛ فَمَا أُمْنِيَّتُهُ؟!!

أَنْ يُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِيَعْمَلَ صَالِحًا، فَيَا مَنْ لَمْ تَمُتْ بَعْدُ! أَنْتَ فِي الدُّنْيَا فَلِمَ لَا تَعْمَلْ صَالِحًا؟!!

بِهَذِهِ الْمُحَاسَبَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَشَهْرٌ جَاءَ وَشَهْرٌ انْصَرَمَ، وَأَيَّامٌ تَوَلَّتْ، وَلَيَالٍ قَضَتْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمَرْءُ أَعْظَمَ إِثْمًا، وَأَكْبَرَ وِزْرًا، وَقَدْ رَغِمَ أَنْفُهُ وَصَارَ ذَلِيلًا كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ فِي تَأْمِينِهِ عَلَى دُعَاءِ جِبْرِيلَ: ((وَرَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ انْسَلَخَ عَنْهُ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، قُلْ آمِين!

فَقَالَ: ((آمِين)) ﷺ.

فَهِيَ فُرْصَةٌ عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُمَتِّعَنَا بِهَا فَنَبْتَهِلَهَا حَتَّى لَا نَكُونَ مِنَ النَّادِمِينَ وَلَا الْخَزَايَا الْمَحْزُونِينَ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْقُدْسُ وَالْأَقْصَى
  أنا ملتح ولست إخوانيًا ولا إرهابيًا جبانًا
  الإيجاز في أحكام الصيام
  أين يسكن الجن ..؟
  مَن لم يحْكمْه الدينُ؛ لم يكُن له حاكمٌ سِوَى هواه وشيطانِهِ
  جملة من البدع والمحدثات تقع في شهر رجب
  قاعدة الإسلام الذهبية... مَن بيده السلطان ينبغي أن يُطاع في غيرمعصية
  الشِّرْكُ
  الدين يحكمك في كل شيء... في ضحكك وفي بكائك وفي كلامك وفي صمتك...
  الرد على شبهة وجود قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسجده...
  تزكية فضيلة الشيخ العلامة رسلان -حفظه الله- لابنه عبد الله
  جملة من أعمال واعتقادات فاسدة تدمر عقيدة المسلم
  إِذَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِي المَقَابِرِ فَاعْلَمْ أَنَّ قَلْبَكَ قَدْ مَاتَ!
  النــــاس يسألـــون فــــى أى جماعـــة ! ! ! ! نكـــــــــون؟
  مَن الذِي يَتَمَسَّكُ بِالإسلَامِ إِنْ تَرَكَهُ أَهلُه؟!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان