تفريغ مقطع : كيف يسترد المسلمون فلسطين

فَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هَذَا السُّؤَالَ:

كَيْفَ يَسْتَرِدُّ المُسْلِمُونَ فِلَسْطِينَ؟

فَأَجَابَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَرِدُّوهَا إِلَّا بِاسْمِ الإِسْلَامِ، عَلَى مَا كَانَ عَلَيِّهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف: 128].

وَمَهْمَا حَاوَلَ الْعَرَبُ، وَمَهْمَا مَلَئُوا الدُّنْيَا مِنَ الأَقْوَالِ وَالْاِحْتِجَاجَاتِ، فَإِنَّهَمْ لَنْ يُفْلِحُوا أَبَدًا حَتَّى يُنَادُوا بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْهَا بِاسْمِ دِينِ الإِسْلَامِ، بَعْدَ أَنْ يُطَبِقُوهُ فِي أَنْفِسِهِمْ، فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَسَوْفَ يَتَحَقَّقُ لَهُمْ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ)). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رَوَايَةِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه-.

فَالشَّجَرُ وَالْحَجَرُ يَدُلَّانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ يَقُولُ: ((يَا عَبْدَ اللَّهِ)) بِاسْمِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ، وَيَقُولُ: ((يَا مُسْلِمُ)) بِاسْمِ الْإِسْلَامِ، والرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ: ((يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ))، وَلَمْ يَقُلْ: يُقَاتِلُ الْعَرَبُ.

وَلِهَذَا أَقُولُ: إِنَّنَا لَنْ نَنْتَصِرَ عَلَى الْيَهُودِ بِاسْمِ الْعُرُوبَةِ أَبَدًا؛ لَنْ نَنْتَصِرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِاسْمِ الإِسْلَامِ؛ وَمَنْ يَشَاءُ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105].

فَجَعَلَ المِيرَاثَ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمَا عُلِّقَ بِوَصْفٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِوُجُودِهِ، وَيَنْتَفِي بِانْتَفَائِهِ؛ فَإِذَا كُنَّا عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ وَرِثْنَاهَا بِكُلِّ سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، وَبِدُونِ هَذِهِ الْمَشَقَّاتِ، وَالْمَتَاعِبِ، وَالْمَصَاعِبِ، وَالْكَلَامِ الطَّوِيلِ الْعَرِيضِ الَّذِي لَا يَنْتَهِي أَبَدًا!! نَسْتَحِلُّهَا بِنَصْرِ اللهِ -عز وجل-، وَبِكِتَابَةِ اللهِ لَنَا ذَلِكَ، وَمَا أَيْسَرَهُ عَلَى اللهِ!

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا مَلَكُوا فِلَسْطِينَ فِي عَهْدِ الْإِسْلَامِ الزَّاهِرِ إِلَّا بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَا اسْتَوْلَوْا عَلَى (الْمَدَائِنِ) عَاصِمَةِ الْفُرْسِ، وَلَا عَلَى عَاصِمَةِ الرُّومِ، وَلَا عَلَى عَاصِمَةِ الْقِبْطِ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ؛ وَلِذَلِكَ لَيْتَ شَبَابَنَا يَعُونَ وَعْيًا صَحِيحًا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ، لَا إِسْلَامِ الهُوِيَّةِ بِالْبِطَاقَةِ الشَّخْصِيَّةِ!

وَأَقُولُ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ-: لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَرَدَّ الشَّامُ وَأَخُصُّ بِذَلِكَ فِلَسْطِينَ- إِلَّا بِمَا اسْتُرِدَّتْ بِهِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بِقِيَادَةٍ كِقِيَادَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه-، وَبِرِجَالٍ كَجُنُودِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ سَيُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ خَلْفَ الشَّجَرَةِ فَتُنَادِي الشَّجَرَةُ: يَا مُسْلِمُ! يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ.

أَمَّا مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْيَهُودِ عَلَى أَنَّهَا عَصَبِيَّةٌ قَوْمِيَّةٌ فَلَنْ نُفْلِحَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ اللهَ لَنْ يَنْصُرَ إِلَّا مَنْ يَنْصُرُهُ، كَمَا قَالَ اللهُ جل وعلا-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:40-41] .

فَنَحْنُ إِذَا رَأَيْنَا صَدْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، نَجِدُ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ عَلَى أَسَاسِ التَّوْحِيدِ؛ الْإِخْلَاصِ للهِ وَالِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالْبُعْدِ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، وَعَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَعَنْ تَقْلِيدِ الْأَعْدَاءِ.

وَالْمُشْكِلُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ مَنْ يَرَى أَنَّ تَقْلِيدَ الْكُفَّارِ عَزٌّ وَشَرَفٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ وَأَصْحَابُهُ تَأَخُّرٌ وَتَقَهْقُرٌ، طِبْقَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] .

فَعَلَيْنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَنْ نَرْجِعَ؛ لِنَقْرَأَ وَنَتَأَمَّلَ فِيمَا سَبَقَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى نَأْخُذَ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَمَسُّكٍ وَعُبُودِيَّةٍ، وَحِينَئِذٍ يُكْتَبُ لَنَا النَّصْرُ.

وَإِنِّي أَقُولُ وَأُكَرِّرُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ نَحْذَرَ مِنْ شُرُورِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَنَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ لَنَا وَلَكُمُ النَّصْرَ لِدِينِهِ، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِهِ وَأَنْ يَنْصُرَهُ بِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

اِنْتَهَى جَوَابُهُ رحمه الله-، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمُسَلَّمَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ؛ وَهِيَ أَنَّ الْحُرُوبَ الَّتِي اسْتَعَرَتْ وَتَسْتَعِرُ نَارُهَا فِي طِبَاقِ الْأَرْضِ حُرُوبٌ أَيْدُولُوجِيَّةٌ عَقِيدِيَّةٌ، حَتَّى الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِإِلَهٍ وَيَقُولُونَ: لَا إِلَهَ، وَالْكَوْنُ مَادَّةٌ؛ يُحَارِبُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِلَهِ حَقًّا كَانَ أَمْ بَاطِلًا، يُحَارِبُونَهُمْ حَرْبًا عَقِيدِيَّةٍ، وَالْمُتَقَاتِلُونَ فِي بِقَاعِ الْأَرْضِ يَتَقَاتَلُونَ بِسَبَبِ مَا يَعْتَقِدُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ وَحْدَهُمْ يُرَادُ لَهُمْ وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ وَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا دُونَ خَلْقِ اللهِ جَمِيعًا بِلَا عَقِيدَةٍ وَلَا دِينٍ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  تَعَرَّف عَلَى أَنْوَاعِ الإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى
  أمر هام لكل من أراد أن يضحي
  تبديل المواطن العقدية!! .. هذه هي القضية
  رحمك الله يا أمي
  إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
  كَفَّرُوهُم!! جَعَلُوهُم مُرْتَدِّينَ!! إِذَنْ حَلَالٌ دَمُهُم؛ حَرامٌ حَيَاتُهُم, حَلَالٌ أَعْرَاضُهُم؛ حَرَامٌ بَقَاؤُهُم, فَلْيَذْهَبُوا إِلَى الجَحِيمِ!!
  أبكيكِ
  تفسير آية الكرسي
  صيغ التكبير الواردة عن السلف
  اِجْتَمِعُوا عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ وَلَا تَتَفَرَّقُوا
  لحظة تراجع الرسلان عن خطأ أخطأه
  الاِسْتِئْذانُ الذي لا يَفْعَلُهُ إلا القَلِيلْ
  شيخ الحدادية المصرية يصف علماء الممكلة بأنهم لا يحسنون قراءة القرآن !
  هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ صَكٌّ وَبَرَاءَةٌ أَنْ يَمُوتَ مُسْلِمًا؟!
  حلــم الشيعــة هـدم الكعبـة والمسجـد النبـوى وحـرق أبوبكـر وعمـر رضى الله عنهما
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان