((مَجْمُوعُ الْخُطَبِ الْمِنْبَرِيَّةِ))
((الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَسَطِيَّةِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَسَطِيَّةِ فِي الْمَشَاعِرِ))
فَفِي ((صَحِيحِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)): ((أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لِابْنِ الْكَوَّاءِ: ((أَتَدْرِي مَاذَا قَالَ الْأَوَّلُونَ؟ إِذَا أَحْبَبْتَ فَأَحْبِبْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى حَبِيبُكَ أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَأَبْغِضْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى بَغِيضُكَ أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)).
وَفِيهِ: أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لِأَسْلَمَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا)).
قَالَ: ((وَكَيْفَ ذَاكَ؟)).
قَالَ: ((إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصَّبِيِّ -وَهُوَ الْوُلُوعُ بِالشَّيْءِ فِي غَايَتِهِ مَعَ انْشِغَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ بِهِ-، قَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصَّبِيِّ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ أَحْبَبْتَ لِصَاحِبِكَ التَّلَفَ)).
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوْصَى الرَّجُلَ عِنْدَمَا اسْتَوْصَى الرَّسُولَ ﷺ مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْصِنِي)).
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا تَغْضَبْ)).
لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا ﷺ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا.
كُلَّمَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ((أَوْصِنِي))، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا تَغْضَبْ)).
وَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ غَيْرُ جَامِعَةٍ، وَلَمْ يَجُلْ بِفِكْرِهِ أَنَّهَا جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ، فَاسْتَزَادَ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ الْأُولَى ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: ((لَا تَغْضَبْ)).
الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ هُوَ دِينُ الْوَسَطِ، {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
أُمَّةٌ وَسَطٌ فِي الْعَقِيدَةِ، وَفِي الْعِبَادَةِ، وَفِي الْمُعَامَلَةِ، وَفِي الْأَخْلَاقِ..
أُمَّةٌ وَسَطٌ فِي الْعَلَاقَاتِ..
أُمَّةٌ وَسَطٌ فِي الزَّمَانِ وَفِي الْمَكَانِ؛ حَتَّى فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، أُمَّةٌ وَسَطٌ مَكَانًا؛ لِأَنَّهَا فِي سُرَّةِ الْأَرْضِ، فَهِيَ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا، أُمَّةٌ وَسَطٌ فِي الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ طُفُولَةِ الْإِنْسَانِ تَحْرُسُ رُشْدَهُ وَقَدْ بَلَغَهُ، قَدْ بَلَغَ الْإِنْسَانُ رُشْدَهُ بِمَجِيءِ نَبِيٍّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﷺ؛ فَهِيَ أُمَّةٌ وَسَطٌ زَمَانًا وَمَكَانًا.
أُمَّةٌ وَسَطٌ تَرْعَى الْمِثَالِيَّةَ، وَتَرْعَى الْوَاقِعِيَّةَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ..
أُمَّةٌ وَسَطٌ تَنْظُرُ فِي أَمْرِ الرُّوحِ كَمَا تَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْجَسَدِ..
أُمَّةٌ وَسَطٌ حَتَّى فِي الِانْفِعَالَاتِ -كَمَا مَرَّ، وَكَمَا سَمِعْتَ- يَحْكُمُ تِلْكَ الِانْفِعَالَاتِ قَانُونٌ سَمَاوِيٌّ رَاشِدٌ يَأْتِي بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ؛ لِكَيْ يَسْعَدُوا بِهِ، لِكَيْ يَهْتَدُوا بِهِ، لِكَيْ يَسْتَنِيرُوا بِهِ، لِكَيْ يَفُوزُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لِلرَّجُلِ وَقَدِ اسْتَوْصَاهُ: ((لَا تَغْضَبْ))، فَكَيْفَ تُفَسِّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ))؟ كَيْفَ تَضُمُّ الْأَطْرَافَ عَلَى الْأَطْرَافِ، وَكَيْفَ تَأْتِي بِالسَّابِقِ مَشْرُوحًا بِاللَّاحِقِ مِنْ غَيْرِ مُجَافَاةٍ وَلَا تَنَاقُضٍ، وَلَا تَبَايُنٍ وَلَا اخْتِلَافٍ؟
الرَّسُولُ ﷺ إِنَّمَا أَرَادَ آثَارَ الْغَضَبِ، وَلَمْ يُرِدْ غَرِيزَتَهُ فِي ذَاتِهَا، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لِلرَّجُلِ: ((لَا تَغْضَبْ)).
يَعْنِي: إِذَا غَضِبْتَ فَاكْظِمْ غَيْظَكَ، وَهَدِّأْ مِنْ ثَائِرِ غَضَبِكَ، وَحَاوِلْ جَاهِدًا أَنْ تَكُونَ مَالِكًا لِزِمَامِ نَفْسِكَ، غَيْرَ مُنْفِذٍ لِغَضَبِكَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَلَا مَرْضِيٍّ، فَكَأَنَّكَ لَمْ تَغْضَبْ بَدْءًا.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا تَغْضَبْ))، فَيُرِيدُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَقَعَ الْمُوَازَنَةُ هَاهُنَا بَيْنَ تِلْكَ الْغَرَائِزِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْجَسَدِ الْحَيِّ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ أَبَدًا، يَجْعَلُ النَّبِيُّ ﷺ التَّوَازُنَ قَائِمًا بَيْنَ هَذَا الْجَسَدِ بِغَرَائِزِهِ، وَبَيْنَ الدِّينِ بِالْتِزَامِ سُلُوكِهِ وَاتِّبَاعِ تَعَالِيمِهِ، يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: ((لَا تَغْضَبْ)).
وَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عَلِيٌّ مَا قَالَ مِنْ أَمْرِ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلنَّفْسِ، غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنَ الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَدَرٌ مُلَازِمٌ، وَقَضَاءٌ مُصَاحِبٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ لَهُ دَفْعًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ مَعَهُ تَعَامُلًا وَلَا رَفْعًا.
يَا لَائِمِي فِي هَوَاهُ وَالْهَوَى قَدَرٌ = لَوْ شَفَّكَ الْوَجْدُ لَمْ تَعْذِلْ وَلَمْ تَلُمِ
يَقُولُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِابْنِ الْكَوَّاءِ: ((إِذَا أَحْبَبْتَ فَأَحْبِبْ هَوْنًا مَا)).
امْشِ الْهُوَيْنَى فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ، وَلَا تَغْلُ فِيهِ!
((إِذَا أَحْبَبْتَ فَأَحْبِبْ هَوْنًا مَا))؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ الَّذِي يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ، وَالَّذِي قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ؛ لَعَلَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ يُصَرِّفُ الْقُلُوبَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وُجْهَةٍ أُخْرَى؛ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ حِينَئِذٍ؟!
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ -وَهَذَا قَدْ صَحَّ مَرْفُوعًا، وَأَمَّا عِنْدَ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ؛ فَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَرْفُوعًا إِلَيْهِ؛ فَهُوَ صَحِيحُ النِّسْبَةِ إِلَيْهِ ﷺ؛ وَإِذَنْ فَلْنَعْلُ دَرَجَةً-، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا أَحْبَبْتَ فَأَحْبِبْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى حَبِيبُكَ أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا)).
وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ يَعْلَمُهُ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَيَعْلَمُهُ كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا قَلْبٍ حَيٍّ، يُقَلِّبُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَلْبَهُ كَيْفَ يَشَاءُ؛ فَكَمْ مِنْ مَحَبَّةٍ اسْتَحَالَتْ عَدَاءً؟! وَكَمْ مِنْ قُرْبٍ صَارَ جَفَاءً؟! {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68].
يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: ((وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَأَبْغِضْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى بَغِيضُكَ أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)).
لَا تَدْرِي مَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِآتٍ فِي غَدٍ، اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْقَسَمِ قَالَ: ((لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ!)).
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا -فِي خَوَاطِرِهِ وَوَارِدِهِ وَصَادِرِهِ، وَمَا يَعْتَمِلُ فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْهَوَاجِسِ، وَمِنْ تِلْكَ النَّزَغَاتِ وَالنَّزَعَاتِ- لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلْيَا)).
الْقَلْبُ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ فِي غَلَيَانِهَا.
النَّبِيُّ ﷺ كَأَنَّمَا يَدُلُّنَا عَلَى حَقِيقَةٍ الْتَفَتَ إِلَيْهَا الْعَرَبُ قَبْلُ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: ((مَا سُمِّيَ الْقَلْبَ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ)).
وَيَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ لِكَيْ يَجْعَلَكَ عَلَى الْوَسَطِ الْقَاصِدِ وَالصِّرَاطِ اللَّاحِبِ مِنْ غَيْرِ أَمْتٍ وَلَا عِوَجٍ، مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ مُتَوازِنًا عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ، وَقَلِيلٌ هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ فِي الْحَيَاةِ يَتَمَتَّعُونَ بِالسَّوَاءِ النَّفْسِيِّ، وَأَمَّا اضْطِرَابَاتُ النُّفُوسِ -بَلْ وَأَمْرَاضُهَا- فَحَدِّثْ عَنْ ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ وَلَا حَرَجَ!
النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ كَأَنَّمَا يَأْتِي بِالْوِقَايَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنَ الْعِلَاجِ: ((إِذَا أَحْبَبْتَ فَأَحْبِبْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى حَبِيبُكَ أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَأَبْغِضْ هَوْنًا مَا؛ عَسَى بَغِيضُكَ أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)).
وَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْمُلْهَمُ الْمُحَدَّثُ.. عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَلْتَقِطُهَا مُهْتَبِلًا إِيَّاهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَيَقُولُ لِأَسْلَمَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا)).
قَالَ: ((وَكَيْفَ ذَاكَ؟)).
قَالَ: ((إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصَّبِيِّ -كَالصَّبِيِّ يَرَى اللُّعْبَةَ يَأْبَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَأْبَى إِلَّا أَنْ يَتَحَصَّلَ عَلَيْهَا، وَلَوْ عُوِّضَ عَنْهَا بِمَتَاعِ الدُّنْيَا جَمِيعِهِ مَا رَضِيَهُ بَدِيلًا، وَمَا انْصَبَّتْ إِلَّا إِلَيْهَا نَفْسُهُ انْصِبَابًا، لَا يَقْبَلُ أَبَدًا بِحَالٍ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْهَا وَلَوْ لَحْظَةً-، يَقُولُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصَّبِيِّ -وُلُوعًا، وَتَعَلُّقًا، وَاشْتِيَاقًا، وَامْتِنَاعًا-، وَإِذَا أَبْغَضْتَ أَحْبَبْتَ لِصَاحِبِكَ التَّلَفَ)).
((أُمَّةٌ وَسَطٌ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ))
هَذِهِ النُّصُوصُ فِي جُمْلَتِهَا مَضْمُومَةٌ إِلَى قَوْلِ رَبِّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}: وَسَطًا فِي الْمَشَاعِرِ، وَسَطًا فِي الْعَوَاطِفِ، وَسَطًا فِي تَصْرِيفِ الْغَرَائِزِ، وَسَطًا فِي تَصْرِيفِ الشَّهَوَاتِ وَالنَّزَعَاتِ وَالنَّزَغَاتِ، وَسَطًا فِي السُّلُوكِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ، وَسَطًا فِي الْعِبَادَةِ، وَسَطًا فِي الِاعْتِقَادِ بَيْنَ الْمَادِّيَّةِ الْجَارِفَةِ وَالتَّجْرِيدِ الْكَامِلِ الَّذِي يَعْبُدُ الْعَدَمَ.
يَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ بِالْأُمَّةِ الْوَسَطِ فِي الْمَنْهَجِ الْوَسَطِ لِلْأُمَّةِ الْوَسَطِ.
وَيَقُولُ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
{وَكَذَلِكَ}: جَاءَتْ تَعْقِيبًا عَلَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 142-143]: لَا شَرْقِيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى أَمْتٍ مُسْتَقِيمٍ، وَعَلَى صِرَاطٍ لَاحِبٍ، هُوَ أَقْصَرُ الطُّرُقِ إِلَى النِّهَايَةِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
النَّبِيُّ ﷺ يَأْخُذُ بِيَدِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهَا؛ اعْتِقَادًا كَانَ أَمْ عِبَادَةً، أَمْ مُعَامَلَةً أَمْ أَخْلَاقًا، أَمْ سُلُوكًا أَمْ عَاطِفَةً أَمْ غَرِيزَةً، يَأْخُذُ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِ الْأُمَّةِ لِكَيْ تَتَوَازَنَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسِيَّةُ، لِكَيْ تَكُونَ عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ بِغَيْرِ غُلُوٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ بِإِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ.
يَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ لِكَيْ يَأْتِيَ بِالشَّارِدِ الَّذِي شَرَدَ فَبَعُدَ لِيُقِيمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْأَوْسَطِ الْخَالِدِ، وَلِكَيْ يَمُدَّ الْيَدَ بِالْمُسَاعَدَةِ إِلَى الْمُقَصِّرِ الَّذِي قَدْ سُبِقَ لِكَيْ يُقِيمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
((الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَسَطِيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ))
النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَعَلَى الْأَمْتِ اللَّاحِبِ مِنْ غَيْرِ مَا عِوَجٍ، وَمِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- رَأَى رَجُلًا قَائِمًا وَهُوَ يَخْطُبُ ﷺ، ((بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ)).
رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ لَا يَسْتَظِلُّ، ضَاحِيًا لَا يَسْتَظِلُّ، وَقَدْ وَقَفَ وَقْفَةً مُرِيبَةً، فَسَأَلَ عَنْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَعَنْهُ.. قَدْ سَأَلَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟!
فَقَالُوا: ((أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ)).
نَذَرَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَظَلَّ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ لَا يَسْتَظِلُّ، وَأَنْ يَظَلَّ قَائِمًا لَا يَقْعُدُ، وَأَلَّا يُكَلِّمَ أَحَدًا، وَأَنْ يَصُومَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَجْمَعُ الشُّرَّادَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ لِكَيْ يُقِيمَهُمْ عَلَى الْوَسَطِ الْأَعْدَلِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- لَمَّا ذَكَرَ لَنَا وَسَطِيَّةَ الْأُمَّةِ، وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}: الْوَسَطُ بِمَعْنَى: الْأَعْدَلُ وَالْأَكْمَلُ، وَالْوَسَطُ بِمَعْنى: الْأَجْمَلُ وَالْأَبْهَى، وَالْوَسَطُ بِمَعْنَى: التَّوَسُّطُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَمَعْلُومٌ فِي بَدَاهَةِ الْعَقْلِ أَنَّ كُلَّ فَضِيلَةٍ إِنَّمَا هِيَ وَسَطٌ بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ، كُلُّ فَضِيلَةٍ فِي الْحَيَاةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ وَسَطًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ؛ فَالشَّجَاعَةُ وَسَطٌ بَيْنَ التَّهَوُّرِ -وَهُوَ رَذِيلَةٌ-، وَكَذَلِكَ فِي الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ الْجُبْنُ وَالتَّقَاعُسُ -وَهُوَ رَذِيلَةٌ-؛ فَالشَّجَاعَةُ وَسَطٌ بَيْنَ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ، وَكَذَلِكَ الْكَرَمُ وَسَطٌ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْبُخْلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فَضِيلَةٍ فِي الْحَيَاةِ إِنَّمَا هِيَ وَسَطٌ مُتَوَسِّطٌ عَادِلٌ مُعْتَدِلٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ هُمَا رَذِيلَتَانِ مَمْقُوتَتَانِ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ مِنَ النَّاسِ.
النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا رَأَى أَبَا إِسْرَائِيلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَائِمًا فِي الشَّمْسِ لَا يَقْعُدُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ، فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَأُخْبِرَ بِهِ؛ قَالَ: ((مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)) ﷺ.
مَا مَعْنَى هَذِهِ الْإِلْزَامَاتِ الَّتِي أَلْزَمَ بِهَا هَذَا الصَّحَابِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نَفْسَهُ؟
هَذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ؛ وَأَيُّ حَاجَةٍ للهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي أَنْ يُعَذِّبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ؟!
وَهَذَا نَذَرَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِغَيْرِ تَكْلِيفٍ أَنْ يَصْمُتَ وَيَسْكُتَ وَلَا يَتَكَلَّمَ؛ وَأَيُّ حَاجَةٍ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي صَمْتِهِ وَسُكُوتِهِ وَعَدَمِ كَلَامِهِ كَلَامًا شَرْعِيًّا مُنْتِجًا مُثْمِرًا؟!
وَأَيُّ حَاجَةٍ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي أَنْ يَقِفَ أَبُو إِسْرَائِيلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الشَّمْسِ ضَاحِيًا لَا يَسْتَظِلُّ؟!
وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُمْضِيهِ، يَقُولُ: ((مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ)): فَهَذَا الَّذِي امْتَنَعَ عَنْهُ، وَأَلْزَمَ بِهِ نَفْسَهُ، لَا جَدْوَى فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْأُمَّةِ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ تَجَاوَزَ الْحُدُودَ بَدْءًا وَمُنْتَهًى.
((وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)): فَهَذِهِ عِبَادَةٌ مَرْضِيَّةٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ الَّذِي هُوَ بِعَيْنِهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ أَبَا إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ كَانَ لَهُ فِي الصَّوْمِ مُرَاجَعَاتٌ وَمُرَاجَعَاتٌ؛ فَالنَّبِيُّ ﷺ مَعَ الثَّلَاثَةِ النَّفَرِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى أَبْيَاتِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَعِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ ظَاهِرَةٌ وَخَفِيَّةٌ؛ ظَاهِرَةٌ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَكُونُ فِي حَرَكَةِ حَيَاتِهِ ﷺ، فِي اجْتِمَاعَاتِهِ مَعَ خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِي سَيْرِهِ وَفِي قُعُودِهِ، وَفِي حَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ، فِيمَا كَانَ بَادِيًا عِنْدَمَا يَكُونُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَعِبَادَةٌ خَفِيَّةٌ يَأْتِي بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِهِ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا أَزْوَاجُهُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِنَّ-.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ )).
فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا؛ فَقَالُوا: ((أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟!)).
فَالثَّلَاثَةُ النَّفَرِ يَعْلَمُونَ عِبَادَةَ النَّبِيِّ ﷺ فِي ظَاهِرِهَا، وَأَمَّا مَا خَفِيَ، وَمَا كَانَ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ فِي جَوْفِ الظَّلَامِ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ كَانَ شَدِيدَ الْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ الْهُمَامِ ﷺ؛ فَقَدْ ذَهَبُوا يَسْأَلُونَ عَنْهَا وَعَنْ كَيْفِيَّتِهَا، فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِنَّ-؛ كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا -يَعْنِي: عَدُّوهَا قَلِيلَةً-.
قَالُوا: هَذَا النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ غَفَرَ لَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا يَقْتَصِدُ فِي الْعِبَادَةِ إِلَّا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَمَا يَقْتَصِدُ فِي الْعِبَادَةِ ﷺ إِلَّا لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ!
((فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَصُومُ النَّهَارَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا)).
قَالُوا مَقُولَاتِهِمْ وَمَضَوْا رَاشِدِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ أُخْبِرَ بِمَا قَالُوا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوا، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟!))، وَكَذَلِكَ يَكُونُ التَّثَبُّتُ مِنَ النَّبِيِّ الْمُنْصِفِ ﷺ عَلَى الْعَدْلِ كُلِّهِ، قَرَّرَهُمْ أَوَّلًا ﷺ.
فَلَمَّا أَقَرُّوا رَاجَعَهُمْ فِيمَا قَالُوا، وَأَرْشَدَهُمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟! أَمَا وَاللَّهِ! إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) ﷺ.
قِيَامٌ وَرُقُودٌ، وَصِيَامٌ وَفُطُورٌ، النَّبِيُّ ﷺ يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ ﷺ.
وَعَلَيْهِ؛ فَحَرَكَةُ الْحَيَاةِ مُتَوَازِنَةٌ تَوَازُنًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا حَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَحَمَّلَهَا فَوْقَ مَا تَطِيقُ فَإِنَّهُ لَنْ يَلْبَثَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَنْقَطِعَ، وَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا ظَهْرًا أَبْقَى، وَلَا أَرْضًا قَطَعَ، الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الْفَلَوَاتِ حَمْلًا شَدِيدًا وَهِيَ مَرْكَبُهُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ مَا يُرِيدُ أَنْ يَبْلُغَ مِنْ غَايَتِهِ، يَحْمِلُ عَلَى دَابَّتِهِ حَمْلًا شَدِيدًا حَتَّى يُكَلِّفَهَا مَا لَا تَطِيقُ، فَتَنْقَطِعُ بِهِ الدَّابَّةُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ؛ فَمَاذَا يَكُونُ شَأْنُهُ؟!
شَأْنُهُ أَنَّهُ قَدِ انْبَتَّ -يَعْنِي: انْقَطَعَ-، لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا غَايَةً إِلَيْهَا قَدْ وَصَلَ، وَهُوَ -أَيْضًا- قَدِ انْقَطَعَ، فَلَا ظَهْرًا أَبْقَى، وَلَا دَابَّةٌ تَحْتَمِلُهُ قَدْ بَقِيَتْ لَهُ، إِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى.
فَالنَّبِيُّ ﷺ الَّذِي أَمَرَ أَبَا إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ هُنَاكَ هَاهُنَا يَأْمُرُ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى سُنَّتِهِ الْقَاصِدَةِ ﷺ، النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-- يَقُولُ: ((إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ)). كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.
لَا يَدْرِي وَقَدْ أَخَذَ النُّعَاسُ بِمَعَاقِدِ أَجْفَانِهِ، لَا يَدْرِي وَقَدِ انْتَابَتْهُ حَالَةٌ مِنَ الذُّهُولِ وَالْغَفْلَةِ، لَا يَدْرِي وَقَدْ أَصْبَحَ هَكَذَا وَاقِعًا مُتَرَاوِحًا بَيْنَ الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ؛ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ فَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ -بِأَمْرٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ-.
فَهَذَا أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: ((دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ)) يَعْنِي: وَجَدَ حَبْلًا قَدْ مُدَّ بَيْنَ عَمُودَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهَذِهِ هَيْئَةٌ مُسْتَنْكَرَةٌ، لِأَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟!
وَالْأَصْلُ طَالَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ أَلَّا يَتَأَتَّى مِنَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ عَمَلٌ، وَأَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ قَوْلٌ وَلَا لَفْظٌ إِلَّا عَلَى مِقْيَاسِ قَانُونِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَاسْتَنْكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكُونَ فِي مَسْجِدِهِ حَبْلٌ قَدْ مُدَّ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، قَالَ: ((مَا هَذَا الْحَبْلُ؟)).
قَالُوا: ((هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ)).
بِاتِّفَاقِ الشُّرَّاحِ -شُرَّاحِ الْحَدِيثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَتَهَجَّدُ -يَعْنِي: تُصَلِّي قِيَامَ اللَّيْلِ- فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ، قَرِيبًا مِنْ حُجْرَتِهَا -بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ-، قَالُوا: ((هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ)).
مَا الْعِلَّةُ -إِذَنْ- فِي شَدِّهِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ؟!
يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ((تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ)).
إِنَّهَا تَقُومُ تُصَلِّي، فَإِذَا فَتَرَتْ.. إِذَا كَسِلَتْ.. إِذَا مَا لَمْ تَجِدْ نَشَاطًا تَعَلَّقَتْ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَبْعَثَ النَّشَاطَ فِي الْجَسَدِ الَّذِي فَتَرَ، وَفِي النَّفْسِ الَّتِي كَسِلَتْ.
أُمَّةٌ وَسَطٌ..
أُمَّةٌ مُتَوَازِنَةٌ مِنْ حَيْثُ الشُّعُورُ..
أُمَّةٌ مُتَوَازِنَةٌ مِنْ حَيْثُ الْقُلُوبُ..
أُمَّةٌ عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ، لَا تَجِدُ فِيهَا اضْطِرَابًا نَفْسِيًّا يَشْمَلُ أَفْرَادَهَا، بَلْهَ مَجْمُوعَهَا -نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ-، لَا تَجِدُ فِيهَا اضْطِرَابًا نَفْسِيًّا، وَلَا تَجِدُ فِيهَا مَرَضًا نَفْسِيًّا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ فِي مَجْمُوعِهَا بِإِحْسَاسِهَا بِالِانْكِسَارِ، وَرُوحِ الْهَزِيمَةِ الْمُتَغَلْغِلَةِ فِي ذَوَاتِهَا بِإِحْسَاسِهَا بِالِاحْتِقَارِ النَّفْسِيِّ، وَالِانْهِزَامِ الدَّاخِلِيِّ، وَهُوَ أَخْطَرُ مَرَضٍ يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَ أُمَّةً تَرْجُو الْحَيَاةَ، وَتُؤَمِّلُ فِي الْبَقَاءِ؛ أَنْ تَحْتَقِرَ الْأُمَّةُ نَفْسَهَا دَاخِلِيًّا، وَأَنْ تَنْكَسِرَ الْأُمَّةُ غَرِيزِيًّا مِنْ حَيْثُ الْقُلُوبُ، وَأَنْ تُحِسَّ الْأُمَّةُ بِالِاحْتِقَارِ النَّفْسِيِّ، وَالِانْهِزَامِ الدَّاخِلِيِّ.
وَأَمَّا الْأُمَّةُ الْمُتَوَازِنَةُ الَّتِي جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُنْشِأَهَا -وَقَدْ أَنْشَأَهَا بِالْفِعْلِ-؛ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهَا فَأَقَامَهَا عَلَى التَّوَازُنِ الْحَقِّ عَقَدِيًّا، وَعِبَادِيًّا، وَمُعَامَلَةً وَأَخْلَاقًا وَسُلُوكًا، وَشُعُورًا وَغَرِيزَةً وَعَاطِفَةً وَإِحْسَاسًا.
أَقَامَهَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ، فَلَا اضْطِرَابَ وَلَا مَرَضَ، وَلَا قَلَقَ وَلَا مَلَلَ، بَلْ قَامَتِ الْأُمَّةُ فِي عُقُودٍ يَسِيرَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ فِي الْعَدِّ أَصَابِعَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، فِي عُقُودٍ يَسِيرَةٍ قَامَتِ الْأُمَّةُ فَحَطَّمَتْ جَمِيعَ مَقَايِيسِ التَّارِيخِ السَّابِقَةِ.
أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: إِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- قَدْ نَعَتَهَا بِالْأُمَّةِ الْوَسَطِ؟! فَهِيَ وَسَطٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَطَّمَتْ جَمِيعَ قَوَاعِدِ التَّارِيخِ، وَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى الْمَفَاتِيحِ الْكَامِنَةِ فِي هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الذُّرْوَةَ فِي التَّقَدُّمِ، وَالَّتِي قَدْ سَيْطَرَتْ عَلَى ذَلِكَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ فِي أَوَانِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ، وُضِعَتْ مَفَاتِيحُ الْقُلُوبِ -قُلُوبِ أَقْفَالِ الْأُمَمِ- وُضِعَتْ فِي أَيْدِي الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَوَازِنِينَ، كَانُوا عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ، فَلَا تَجِدُ فِي الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَرَضًا، لَا بِغُلُوٍّ وَلَا بِتَفْرِيطٍ، وَإِنَّمَا كَانُوا مُتَوَازِنِينَ حَقًّا دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا؛ فِي جَمِيعِ أَلْوَانِ وَمَظَاهِرِ الْحَيَاةِ ظَاهِرًا، وَفِي جَمِيعِ الْغَرَائِزِ وَالْمَشَاعِرِ وَالْأَحَاسِيسِ بَاطِنًا، فَدَانَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.
النَّبِيُّ ﷺ يَرُدُّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِشُرَّادِهَا لِكَيْ تَكُونَ عَلَى الْوَسَطِ الْأَعْدَلِ.
النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((لَا، حُلُّوهُ)) أَيْ: حُلُّوا الْحَبْلَ الْمَمْدُودَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، شَدَّتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، ثُمَّ قَالَ قَانُونًا أَبَدِيًّا خَالِدًا يَجْعَلُ الْمَرْءَ عَلَى السَّوَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)) ﷺ.
((لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ)): اللَّامُ هَاهُنَا لِلْأَمْرِ، ((لَيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ)): مَنْصُوبَةً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ وَقْتَ نَشَاطِهِ، فَإِذَا أَحَسَّ كَسَلًا أَوْ آنَسَ فُتُورًا فَلْيَرْقُدْ، وَهُوَ فِي رِقْدَتِهِ -وَفِي رَقْدَتِهِ- عَابِدٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا كَانَ مُسْتَجِمًّا، يَأْخُذُ مِنَ الرَّاحَةِ قِسْطًا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ النَّاسَ، وَهُوَ أَدْرَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَنْعَتُهُ، وَلِأَنَّهُمْ خَلْقُهُ، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَجْعَلُ لَهُمُ الْقَانُونَ الَّذِي بِهِ يَصْلُحُونَ؛ لِذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ الْمَأْمُونُ ﷺ: ((هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)) قَالَهَا ثَلَاثًا ﷺ.
أَمَّا الْمُتَنَطِّعُونَ فَهُمُ الْمُتَعَمِّقُونَ الَّذِينَ يَتَغَلْغَلُونَ وَرَاءَ ظَوَاهِرِ الْآيَاتِ، يَتَعَمَّقُونَ فِي تِلْكَ النُّصُوصِ، وَلَوْ أَنَّ الْإِيرَادَاتِ الْعَقْلِيَّةَ قَدْ تَغَلْغَلَتْ فِي ثَنَايَا النُّصُوصِ كِتَابًا وَسُنَّةً؛ مَا صَحَّ لَنَا نَصٌّ يُمْكِنُ أَنْ نَعْمَلَ بِهِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ نَأْخُذَ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ، وَأَنْ نَدَعَ جَانِبًا تِلْكَ الْأَوْهَامَ، وَتِلْكَ الْخَيَالَاتِ، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي طَاعَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَفِي الْقَصِّ عَلَى أَثَرِ سَيِّدِ الْكَائِنَاتِ ﷺ.
((دِينُ الْوَسَطِيَّةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَشُؤُونِ الْحَيَاةِ))
النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ لِحَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الْأُسَيِّدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ يَقُولُ لَهُ: ((وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ! سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً)).
وَأَمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ هَانَ عَلَيْهِمْ دِينُهُمْ؛ فَيَجْتَرِؤُونَ عَلَى مَا لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ قَدِيمًا، فَيَشْرَحُونَ الْحَدِيثَ مِنْ قُمَامَاتِ زِبَالَاتِ أَفْكَارِهِمْ، فَيَقُولُونَ: سَاعَةً لِرَبِّكَ، وَسَاعَةً لِقَلْبِكَ وَحَظِّكَ! فَهَذَا شَيْءٌ مَرْذُولٌ بِحَقٍّ، وَهَذَا مِنْ سُقْمِهِ، وَهَذَا مِنْ عِلَّتِهِ، وُلِدَ عَلِيلًا، لَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ إِلَى مَوْتٍ وَإِلَى مَمَاتٍ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَكْرَمُ بِالْعَقْلِ الَّذِي يَحْتَرِمُ نَفْسَهُ أَلَّا يَنْظُرَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ النَّصَّ عَلَى النَّصِّ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَرَى مَا قَالَهُ الرَّسُولُ ﷺ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ.
أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يُقِيمَنَا عَلَى الْوَسَطِ الْأَعْدَلِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ قَوْلَ اللهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} شَهَادَةُ الدُّنْيَا، وَشَهَادَةُ الْمَوْقِفِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ: ((يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ ﷺ وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهُوَ قَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143])).
ضُمَّ النُّصُوصَ إِلَى النُّصُوصِ -عَبْدَ اللهِ- مِنْ أَجْلِ أَنْ تَصِلَ إِلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُسَيِّدِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: ((كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟)).
فَقَالَ: ((نَافَقَ حَنْظَلَةُ)).
فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟!)).
قَالَ: ((نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ -كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَيْهَا رَأْيَ الْعَيْنِ، فَنَرَاهَا بِأَعْيُنِنَا الْبَاصِرَةِ، لَا بِأَعْيُنِ الْقُلُوبِ الْمُبْصِرَةِ، وَإِنَّمَا نَرَاهَا بِأَعْيُنِ رُؤُوسِنَا-، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ -يَعْنِي: عَالَجْنَا-، وَكُنَّا فِي هَذَا الْهَمِّ الْمُقْعِدِ الْمُقِيمِ مِنْ هَمِّ الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ وَالضَّيْعَاتِ -أَيِ: الْمُمْتَلَكَاتِ-، فَنَسِينَا كَثِيرًا)).
فَعِنْدَئِذٍ يَنْحَطُّ بِنَا الْحَالُ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وَأَبُو بَكْرٍ -لِفِقْهِهِ وَثَبَاتِ يَقِينِهِ- لَمْ يَرْمِ نَفْسَهُ بِنِفَاقٍ، وَقَالَ: ((فَوَاللَّهِ! إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا!)).
سُبْحَانَ اللهِ! إِنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِثْلَ الَّذِي تَقُولُ!
فَذَهَبَا إِلَى الرَّسُولِ ﷺ، فَطَرَحَا الْأَمْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنَثَرَ نَفْسَهُ عِنْدَ نَبِيِّهِ ﷺ، فَقَالَ: ((نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ!)).
قَالَ: ((وَمَا ذَاكَ؟!)).
قَالَ: ((يا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا)).
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً)) قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ﷺ )).
فَأَيُّ شَرْحٍ، وَأَيُّ تَفْسِيرٍ؟!
هُوَ الشَّرْحُ الَّذِي قَالَهُ سَلْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَخِيهِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، ((وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً -يَعْنِي: فِي لُبْسَةِ الْمُتَفَضِّلِ، لَا تَهْتَمُّ، كَأَنَّهَا غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ تَتَزَيَّنُ لَهُ وَتَتَجَمَّلُ، لَا تُبَالِي بَالَةً إِلَى ثِيَابِهَا وَزِينَتِهَا-، فَقَالَ لَهَا: ((مَا شَأْنُكِ؟)).
قَالَتْ: ((أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا)) يَعْنِي: لَا يَلْتَفِتُ إِلَى النِّسَاءِ، صَوَّامُ أَيَّامٍ، قَوَّامُ لَيَالٍ، هَذَا رَجُلٌ لَا يَكْشِفُ لَنَا سِتْرًا، وَلَا يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِحَالٍ؛ وَعِنْدَئِذٍ كَانَتْ فِي تِلْكَ اللِّبْسَةِ الَّتِي لَمْ تَرُقْ لِسَلْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنِ امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ.
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: ((كُلْ)).
قَالَ: ((فَإِنِّي صَائِمٌ)).
قَالَ: ((مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ)).
قَالَ: ((فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ)).
وَنَزَلَ سَلْمَانُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ عَلَى أَخِيهِ بِمُؤَاخَاةِ الرَّسُولِ ﷺ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ الْهِجْرَةِ آخَى بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ؛ حَتَّى كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بَيْنَهُمَا -وَبَيْنَهُمْ إِنْ شِئْتَ- فِي بَدْءِ الْأَمْرِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهُ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75]، كَانَ الْأَنْصَارُ وَالْمُهَاجِرُونَ مِمَّنْ آخَى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَارَثُونَ كَمَا يَرِثُ الْأَخُ مِنَ الْعَصَبِ أَخَاهُ، لَا كَمَا يَرِثُ الْأَخُ مِنَ الْمُؤَاخَاةِ أَخَاهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ هُوَ الَّذِي قَضَى وَحَكَمَ ﷺ.
ذَهَبَ سَلْمَانُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ يَبِيتُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، فَقَامَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُصَلِّيَ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: ((نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ)).
فَقَالَ: ((نَمْ)).
فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: ((قُمِ الْآنَ))، فَصَلَّيَا.
يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا صَلَّيَا جَمَاعَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا صَلَّيَا جَمِيعًا -يَعْنِي: فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا حَرَجَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ النَّفْلَ فِي جَمَاعَةٍ -أَحْيَانًا- لَا عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى قِيَامَ اللَّيْلِ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- جَمِيعًا؛ وَلَكِنْ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ؛ وَإِلَّا فَهِيَ بِدْعَةٌ إِضَافِيَّةٌ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-.
صَلَّيَا جَمِيعًا، فَلَمَّا أَنْ قَامَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَخْرُجَا إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ؛ خَرَجَتْ قَوْلَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَهَا النَّبِيُّ ﷺ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ سَلْمَانُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ: ((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).
فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَدَقَ سَلْمَانُ)).
((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)).
((سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً))، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ لِحَنْظَلَةَ.
فَضُمَّ النَّصَّ إِلَى النَّصِّ -عَبْدَ اللهِ-؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَصِلَ إِلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
النَّبِيُّ ﷺ كَمَا أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَوَجَدَ عِنْدَهَا امْرَأَةً، فَقَالَ: ((مَنْ هَذِهِ؟)).
قَالَتْ: ((فُلَانَةُ))، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا -يَعْنِي: مِنْ صَلَاتِهَا بِاللَّيْلِ-.
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَهْ)): وَمَهْ كَـ(صَهْ) اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ، بِمَعْنَى: اسْكُتْ، بِمَعْنَى: كُفَّ، كَمَا أَنَّ: (صَهْ) اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ بِمَعْنَى: اسْكُتْ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَهْ! عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ -كَمَا قَالَ هُنَاكَ ﷺ-؛ فَوَاللَّهِ! لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا)).
تَقُولُ عَائِشَةُ: ((وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ)).
كَانَ أَعْجَبُ الْعِبَادَةِ وَأَحَبُّهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ أَدْوَمَهَا وَإِنْ قَلَّ.
وَيَا للهِ الْعَجَبُ لِهَذَا النَّبِيِّ الْوَسَطِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الْوَسَطِ -نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْوَسَطِ فِي وَسَطِهَا، مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ بِإِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ-، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَهْ! عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ؛ فَوَاللَّهِ! لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا)).
وَالْجَسَدُ مَرْكَبُكَ فِي طَرِيقِ سَيْرِكَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأَنْتَ إِذَا حَمَلْتَ عَلَى الْمَرْكَبِ حَمْلًا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَلِّغُكَ الْغَايَةَ أَبَدًا، وَأَيْضًا لَا يَجْعَلَنَّكَ ذَلِكَ تَارِكًا مَرْكَبَكَ يَرْتَعُ فِي أَوْدِيَةِ الضَّلَالِ، وَفِي أَوْدِيَةِ الْغِوَايَةِ يَهِيمُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَأْكُلُ مِلْءَ شِدْقَيْهِ، وَيَضْحَكُ مِلْءَ شِدْقَيْهِ، وَيَأْكُلُ مِلْءَ مَاضِغَيْهِ، وَيَنَامُ مِلْءَ جَفْنَيْهِ، وَلَا يُرَى إِلَّا لَاعِبًا عَابِثًا لَاهِيًا؛ كَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْفَائِزِينَ؟!
الْمُسْلِمُ الَّذِي يَأْكُلُ مِلْءَ مَاضِغَيْهِ، وَالَّذِي يَضْحَكُ مِلْءَ شِدْقَيْهِ، وَالَّذِي يَنَامُ مِلْءَ جَفْنَيْهِ، وَالَّذِي لَا يُرَى إِلَّا عَابِثًا لَاهِيًا ضَاحِكًا؛ قُلْ لِي بِرَبِّكَ مَتَى يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْفَائِزِينَ؟!
وَإِنَّ سَيْفَ الْمَوْتِ لَمُعَلَّقٌ بِالرِّقَابِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يُبَيِّنُ لَنَا -فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ- فَائِدَةً عَظِيمَةً جِدًّا، لَمَّا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا امْرَأَةً قَالَ: ((مَنْ هَذِهِ؟)).
قَالَتْ: ((فُلَانَةُ)).
وَلِذَلِكَ يُسَنُّ لِلرَّجُلِ إِذَا دَخَلَ فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ أُخْرَى أَنْ يَسْأَلَ: ((مَنْ هَذِهِ؟)): مَنِ الَّتِي عِنْدَكِ، وَمَنِ الَّتِي دَخَلَتِ الْبَيْتَ -يَعْنِي: فِي غِيَابِهِ-؟
لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْلِمَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَلَرُبَّمَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ مَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَهُ، وَلَرُبَّمَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ مَنْ تُفْسِدُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَتُخَبِّبُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ.
فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا دَخَلَ فَوَجَدَ الْمَرْأَةَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَالَ: ((مَنْ هَذِهِ؟)).
فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- النَّبِيَّ ﷺ بِالَّذِي كَانَ.
وَعَلَيْهِ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَازَنَ -عِبَادَ اللهِ-!
((الْعَالَمُ كُلُّهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى أُمَّةِ الْوَسَطِيَّةِ))
إِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ بُعِثَتْ مِنْ أَكْفَانِ خُمُولِهَا، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ قُبُورِ تَفْرِيطِهَا، وَقَدِ اسْتَقَامَتْ عَلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ مُتَوَازِنَةً مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ.
إِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ ذَنْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي رِقَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّ الْعَالَمَ إِذَا بَحَثَ عَنِ الْهِدَايَةِ فَأَيْنَ يَجِدُهَا؟! الْعَالَمُ إِذَا بَحَثَ عَنِ الْهِدَايَةِ فَأَيْنَ يَجِدُهَا -عِبَادَ اللهِ-؟!
لَا تُوجَدُ الْهِدَايَةُ إِلَّا فِي كِتَابِ اللهِ، وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهَذَا خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْوَسَطِ، بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ، فَإِذَا فَرَّطَتِ الْأُمَّةُ فِي الْأَمَانَةِ فَقُلْ لِي بِرَبِّكَ كَيْفَ يَهْتَدِي الْعَالَمُ؟!
كَيْفَ يَخْرُجُ مِنْ دَيَاجِيرِ ظُلْمَتِهِ؟!
كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْعَالَمُ عَلَى الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، فَيُطَلِّقُ الظُّلْمَ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَيَنْحَرِفُ عَنِ الْإِسَاءَةِ انْحِرَافًا قَاصِدًا إِلَى الِاسْتِقَامَةِ الَّتِي هِيَ مَعْلُومَةٌ فِي دِينِ النَّبِيِّ ﷺ؟!
قُلْ لِي بِرَبِّكَ إِذَا فَرَّطَتِ الْأُمَّةُ فِي حَمْلِ الْأَمَانَةِ فَمِنْ أَيْنَ تَتَأَتَّى الْهِدَايَةُ لِهَذَا الْعَالَمِ كُلِّهِ؟!
وَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُ إِنَّمَا قَدْ عُلِّقَ فِي رَقَبَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِمَّا أَنْ تَنْهَضَ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى الْهِدَايَةِ حَمْلًا؛ لِأَنَّهَا أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ؛ كَالْغَيْثِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ.
هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ عِنْدَهَا الْعِصْمَةُ الْكَامِلَةُ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ لَهَا خَصَائِصَ تَنَحَّى عَنْهَا الْهَزِيمَةَ مِنَ الْخَارِجِ، فَلَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أَنْ تُهْزَمَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ مِنْ خَارِجٍ، مِنْ عَدُوٍّ خَارِجِيٍّ عَنْهَا، وَإِنَّمَا تُهْزَمُ مِنْ دَاخِلِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّه لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلَّا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا -أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا-)).
إِذَنْ؛ فَمِمَّا تَخَافُ الْأُمَّةُ -عِبَادَ اللهِ- وَانْكِسَارُهَا انْكِسَارٌ دَاخِلِيٌّ، وَانْهِزَامُهَا انْهِزَامٌ نَفْسِيٌّ، إِذَا احْتَقَرَتِ الْأُمَّةُ نَفْسَهَا بَاطِنًا، وَلَمْ تَسْتَوِ الْأُمَّةُ عَلَى الصِّرَاطِ الْأَعْدَلِ، وَوَقَفَتْ بِإِفْرَاطٍ أَوْ غَالَتْ فِي هَذَا الْمَنْهَجِ فَوْقَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، أَوْ فَرَّطَتْ فِي هَذَا الْمَنْهَجِ دُونَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ؛ فَعَلَى أَيِّ سَبِيلٍ تَسْتَقِيمُ -حِينَئِذٍ- وَالْعَالَمُ كُلُّهُ إِنَّمَا تَعَلَّقَتْ هِدَايَتُهُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْعَالَمُ كُلُّهُ يَنْتَظِرُ الْهِدَايَةَ تَنْبَثِقُ بِأَنْوَارِهَا مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟!
عِنْدَنَا مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِنَا بِحَالٍ أَبَدًا، عِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهِدَايَةُ، وَفِيهِ النُّورُ، هُوَ رُوحٌ، كَمَا قَالَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]، يَمَسُّ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ فَيُحْيِيهَا -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، يَمَسُّ الْجَمَادَ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ نَاطِقٌ مُتَحَرِّكٌ، عِنْدَنَا مَا قَدْ عَزَّ وِجْدَانُهُ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ.
يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ بِفَضْلِ اللهِ، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كِتَابُ اللهِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ فَضْلًا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُفْرَحُ بِهِ؛ فَقُلْ لِي بِرَبِّكَ مَا هُوَ الْفَضْلُ حِينَئِذٍ؟!
مَا هُوَ الْفَضْلُ الَّذِي يُفْرَحُ بِهِ إِنْ لَمْ يُفْرَحْ بِهَذَا الْفَضْلِ الْأَكْمَلِ، بِهَذَا الْفَضْلِ الْأَعْظَمِ، بِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْعُظْمَى الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَابِغَةَ الذُّيُولِ عَلَى أُمَّةِ الْخَلِيلِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟!
حَذَارِ أَنْ يَنْهَزِمَ الْوَاحِدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَاخِلِيًّا!
حَذَارِ أَنْ يَحْتَقِرَ نَفْسَهُ قَلْبِيًّا!
حَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ اضْطِرَابٌ أَوْ قَلَقٌ، أَوْ يَأْتِيَ إِلَى قَلْبِهِ مَرَضٌ يُؤَرِّقُهُ، وَيُقِضُّ مَضْجَعَهُ؛ فَأَنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ -عِبَادَ اللهِ-.
أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَيْنَا لِنَشْقَى، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ} [طه: 1-2]، أَبَدًا، إِنَّمَا أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ لِنَسْعَدَ فِي الدُّنْيَا، وَنَسْعَدَ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا إِذَا مَا تَحَوَّلَ الْأَمْرُ إِلَى الشَّقَاءِ فَإِنَّنَا لَسْنَا الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
((الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَسَطِيَّةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ التَّوَازُنَ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ مَا جَاءَ الدِّينُ لِيُحَقِّقَهُ فِي دُنْيَا اللهِ؛ لِكَيْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَوَازِنًا بَيْنَ الْمِثَالِيَّةِ وَالْوَاقِعِيَّةِ، لِكَيْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَوَازِنًا بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ الرُّوحِ وَحَاجَاتِ الْجَسَدِ، لِكَيْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَوَازِنًا بَيْنَ حَاجَاتِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْآخِرَةِ.
أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ..
أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: إِنَّهَا أُمَّةٌ وَسَطٌ؟! كَذَلِكَ قَالَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
اللهم اهْدِنَا وَاهْدِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا.
اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ.
اللهم أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَاسْقِنَا مِنْهُ شَرْبَةً هَنِيئَةً لَا نَظْمَأُ مِنْ بَعْدِهَا أَبَدًا.
اللهم اجْعَلْنَا تَحْتَ رَايَتِهِ، اجْعَلْنَا تَحْتَ رَايَتِهِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، اجْمَعْنَا مَعَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ تَحْتَ سَقْفِ عَرْشِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، مَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ فِي الْجَنَّةِ.
اللهم قَدْ ضَاقَتْ صُدُورُنَا، ضَاقَتْ صُدُورُنَا، وَضَاقَتْ عَلَيْنَا مَسَالِكُنَا، وَضَاقَتْ عَلَيْنَا الْحَيَاةُ بِرَحَابَتِهَا، اجْعَلْ لَنَا فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، اجْعَلْ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.
اللهم أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَحِّدْ صُفُوفَ الْمُسْلِمِينَ، اجْمَعْ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ، اجْمَعْ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ، أَعْلِ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ، نَكِّسْ رَايَاتِ الْكَافِرِينَ، لَا تَجْعَلْ لِكَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ وِلَايَةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِين.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
المصدر:الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَسَطِيَّةِ