تفريغ مقطع : موَاصَلَةُ الْعَمَلِ بَعْدَ رَمَضَانَ

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَا كَانَ يَقْطَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِانْقِضَاءِ مَوْسِمٍ، مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَكُفُّ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ لِانْتِهَاءِ رَمَضَانَ، مَا كَانَ يَكُفُّ عَنِ الصِّيَامِ لِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ؛ بَلْ صِيَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَتَى شِئْتَ أَنْ تَرَاهُ وَجَدْتَهُ، فَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَاهُ مُفْطِرًا وَجَدْتَهُ، ((كَانَ يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَكَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ))، وَكَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَدْ دَلَّنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا يَنْفَعُنَا، فَقَالَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كِصِيَامِ الدَّهْرِ))، ثُمَّ شَرَحَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فَقَالَ: ((شَهْرُ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ؛ فَذَلِكَ تَمَامُ الْعَامِ))؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَـ ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ؛ فَكَأَنَّمَا صَامَ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ، وَمَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ؛ فَكَأَنَّمَا صَامَ شَهْرَيْنِ))، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

كَانَ يَدُلُّ عَلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْأَيَّامِ الْبِيضِ، وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ هِجْرِيٍّ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((صِيَامُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ))، وَوَحَرُ الصَّدْرِ: وَسَاوِسُهُ، وَغِشُّهُ، وَآفَاتُهُ؛ مِنَ الْحِقْدِ، وَالْحَسَدِ، وَالدَّغَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ.

فَهَذَا عِلَاجٌ نَبَوِيٌّ أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَمَا فِيهِ.

((صِيَامُ شَهْرِ الصَّبْرِ)) يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ ((وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ)).

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا أَنَّ: ((الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِكُلِّ مَنْ نَظَرَ فِي عَمَلِهِ؛ إِلَّا لِاثْنَيْنِ: لِمُشْرِكٍ، أَوْ رَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَخِّرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))، وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْخِصَامِ، يَرْفَعُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِسَبَبِهِ الْخَيْرَ، وَيَحْجُبُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِسَبَبِهِ الرَّحْمَةَ، كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ((خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَاسْتَبَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ يَعْنِي: رُفِعَ عِلْمُهَا بِتَحْدِيدٍ قَاطِعٍ-، قَالَ: وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ)).

فَبَيَّنَ لَنَا نَبِيُّناَ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى رَبِّنَا كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لِرَجُلَيْنِ: إِلَّا لِمُشْرِكٍ، أَوْ مُشَاحِنٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ خُصُومَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِي اللَّهِ، وَأَمَّا الْبُغْضُ فِي اللَّهِ؛ فَبِذَلِكَ يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُسْلِمُ إِلَى اللَّهِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ نُحِبَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نُحِبَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نُهَادِنَ الَّذِينَ يُحَادُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

((صِيَامُ دَاوُدَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا)).

لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْطَعُ الصِّيَامَ بِانْتِهَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَكُفُّ عَنِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ مَا تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ، مَا تَرَكَ الْوِتْرَ؛ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ؛ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ فِي حَالِ مَرَضِهِ يُصَلِّي إِذَا مَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ قَاعِدًا، وَلَا يَدَعُ الْوِتْرَ بِحَالٍ، وَهُوَ الَّذِي تَدَرَّبْنَا عَلَيْهِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّيهَا الْعَبْدُ بِمَا تَيَسَّرَ، لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا مَا لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ بِوِتْرٍ؛ حَتَّى وَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا أَنَّهُ ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ))، ثُمَّ بَيَّنَ الِاثْنَتَيْنِ فَقَالَ: ((رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَالًا؛ فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ؛ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ)).

وَبَيَّنَ أَنَّ ((الْعَبْدَ إِذَا نَامَ؛ عَقَدَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ أَيْ: عَلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، عَلَى قَفَاهُ- ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا تَوَضَّأَ انْحلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ)) كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

 

لَا بُدَّ مِنْ قِيَامٍ بِاللَّيْلِ، لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ بِاللَّيْلِ؛ وَلَوْ كَحَلْبِ شَاةٍ، ((رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ تُصَلِّي؛ وَإِلَّا نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا لِيُصَلِّيَ، فَإِنْ قَامَ وَإِلَّا نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ)).

وَ ((مَنْ صَلَّى بِعَشْرِ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ؛ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ صَلَّى بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ؛ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِأَلْفِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ؛ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ)) أَيِ: الَّذِينَ لَهُمْ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((مِنْ أَوَّلِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ جُزْآنِ- أَلْفُ آيَةٍ))، فَمَنْ قَامَ بِهَذَيْنِ الْجُزْأَيْنِ فِي لَيْلَةٍ؛ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ))، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  رسالة الرسلان للذين يطعنون فيه....!
  عندما يتراجع الرسلان عن نقل نقله من كتاب الظلال لسيد قطب
  توحيد الربوبية لا ينكره أحد
  رحمك الله يا أمي
  رسالة لكل زوج ضع هذه القاعدة أمام عينيك دائما حتى لا تتعب فى حياتك الزوجية!
  هكذا تكون الراحة في الصلاة... وحقيقة الافتقار إلى الله
  بيان حول مقتل الدكتور نادر العمراني
  القرآنُ كلام اللهِ..شفاءٌ للقلوبِ العليلة
  لَا يُمَكَّنُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَبَدًا
  هَلْ يَتَعَارَضُ الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ مَعَ الدِّينِ؟
  كيفَ نُؤمِنُ بالقَضاءِ والقَدرِ إيمانًا صَحِيحًا؟
  شيخ الحدادية المصرية يصف علماء الممكلة بأنهم لا يحسنون قراءة القرآن !
  الحَسَدُ... أيَحسدُ المؤمن؟!
  مَن لم يحْكمْه الدينُ؛ لم يكُن له حاكمٌ سِوَى هواه وشيطانِهِ
  الشيعة يرمون أم المؤمنين عائشة بالفاحشة!!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان