تفريغ مقطع : هو الله

فَلَا يَشغَلُهُ سَمعٌ عَن سَمع، وَلَا تُغلِطُه كَثرَةُ المَسائل، وَلَا يَتبَرَّمُ بإِلحَاحِ المُلِحِّينَ ذَوي الحَاجَات، وَأَحاطَ بَصَرُه بِجمِيع المَرئيَّات، فَيَرَى دَبِيبَ النمَلَةِ السَّوداءِ علَى الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيلةِ الظَّلمَاءِ, فَالغَيبُ عِندَهُ شهَادَة، وَالسرُّ عِندَه عَلانِيَة، يَعلَمُ السرَّ وَأخفَى مِنَ السرِّ -فَالسِّر مَا انطَوَى عَليهِ ضَميرُ العَبدِ وَخَطَرَ بقَلبِه، وَلَم تَتحَرَّك بِهِ شَفتَاهُ، وَأَخفَى مِنَ السرِّ مَا لَم يَخطُر بقَلبِهِ بَعدُ، فَيَعلَمُ أَنَّهُ سيَخطُرُ بقَلبِهِ كَذَا وَكَذَا فِي وَقتِ كَذَا وَكَذَا-.
لَهُ الخَلقُ وَالأَمر، وَلَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمد، وَلَهُ الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَلَهُ النِّعمَةُ وَلَهُ الفَضل، وَلَهُ الثنَاءُ الحَسَن، وَلَهُ المُلكُ كُلُّه، وَلَهُ الحَمدُ كُلُّه، وَبِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّه، وَإِلَيهِ يُرجَع الأَمرُ كُلُّه، شَمِلَت قُدرَتُهُ كُلَّ شَيء، وَوَسِعَت رَحمَتُه كُلَّ شَيء، وَوَصَلَت نِعمَتُه إِلَى كُلِّ حَيٍّ: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
يَغفِرُ ذَنبًا، وَيُفَرِّجُ هَمًّا، وَيَكشِفُ كَربًا، وَيَجبُرُ كَسِيرًا، وَيُغنِي فَقيرًا، وَيُعلِّمُ جَاهِلًا، وَيَهدِي ضَالًا، وَيُرشِدُ حَيرَان، وَيُغِيثُ لَهْفَان، وَيَفُكُّ عَانِيًا، وَيُشبِعُ جَائعًا، وَيَكسُو عَارِيًا، وَيَشفِي مَريضًا، وَيُعَافِي مُبتَلىً، وَيَقبَلُ تائبًا، وَيَجزِي مُحسِنًا، وَيَنصُرُ مَظلُومًا، وَيَقصِمُ جَبَّارًا، وَيُقيلُ عَثرَة، وَيَستُرُ عَورَة، وَيُؤمِّنُ رَوعَة، وَيَرفَعُ أَقوامًا وَيَضَعُ آخرِين.
لَا يَنَام، وَلَا يَنبَغِي لَهُ أَنْ يَنامَ، يُخفِضُ القِسطَ وَيَرفَعُه، يُرفَعُ إِلَيه عَمَلُ اللَّيلِ قَبلَ النَّهَار، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبلَ اللَّيل، حِجَابِهِ النُّور، لَو كَشَفَهُ لَأحرَقَت سُبُحَاتُ وَجهِهِ مَا انتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ.
يَمِينُه مَلأَى لَا تُغِيضُهَا نَفقَة، سَحَّاءُ اللَّيلَ وَالنَّهار، أَرَأَيتُم مَا أَنفَق مُنذُ خَلقَ الخَلق، فإنَّهُ لَم يَغِضْ مَا فِي يَمِينِه، قُلوبُ العِبادِ وَنَواصِيهِم بيَدِه، وَأَزِمَّةُ الأُمورِ مَعقُودةٌ بقَضَائهِ وَقَدَرِهِ، الأَرضُ جمِيعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَة، وَالسَّمَاوَاتُ مَطوِيَّاتٌ بيَمِينِه، يَقبِضُ سمَاوَاتِهِ كُلَّهَا بيَدِه الكَرِيمَة، وَالأَرضَ بِاليدِ الأُخرَى، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِك، أَنَا المَلِك، أَنَا الذِي بَدأتُ الدُّنيَا وَلَم تَكُن شَيئًا، وَأَنَا الذِي أُعِيدُهَا كمَا بَدأتُهَا، لَا يَتعَاظَمُهُ ذَنبٌ أَنْ يَغفِرَهُ، وَلَا حَاجَةٌ يُسألُهَا أَنْ يُعطِيَهَا.
لَوْ أَنَّ أَهلَ سَمَاوَاتِه، وَأَهلَ أَرضِه، وَأَوَّلَ خَلقِه وَآخِرَهُم, وَإِنسَهُم وَجِنَّهُم،كَانوا علَى أَتْقَى قَلبِ رَجُلٍ مِنهُم؛ مَا زَادَ ذَلِك فِي مُلكِه شَيئًا, وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَ خَلقِه وَآخِرَهُم, وَإِنسَهُم وَجِنَّهُم،كَانوا علَى أَفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ مِنهُم؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلكِهِ شَيئًا.
وَلَوْ أَنَّ أَهلَ سَمَاوَاتِه، وَأَهلَ أَرضِه, وَإِنسَهُم وَجِنَّهُم, وَحَيَّهُم وَمَيِّتَهُم، وَرَطبَهُم وَيَابِسَهُم قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوهُ، فَأَعطَى كُلًّا مِنهُم مَسألَتَه؛ مَا نَقصَ ذَلِكَ مِمَّا عِندَهُ مِثقَالَ ذَرَّة.
وَلَوْ أَنَّ أَشجَارَ الأَرضِ كُلَّهَا -مِن حِينَ وُجِدَت إِلَى أَنْ تَنقَضِي الدُّنيَا- أَقلَامٌ، وَالبَحرَ وَرَاءَهُ سَبعَةُ أَبحُرٍ تَمُدُّهُ مِن بَعدِهِ بِمِدَادٍ، فَكُتِبَ بِتِلكَ الأَقلَامِ وَذَلِك المِدَاد؛ لَفَنِيَت الأَقلَامُ، وَنَفِذِ المِدَادُ، وَلَم تَنفَذ كَلِمَاتُ الخَالِق -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ وَكَيفَ تَفنَى كَلِمَاتُهُ -جَلَّ جَلَالُه- وَهِيَ لَا بِدَايَة لهَا وَلَا نِهَايَة؟! وَالمَخلُوقُ لَهُ بِدَايةٌ وَنِهَايَة؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِالفَنَاءِ وَالنَّفَادِ, وَكَيفَ يُفِني المَخلُوق غَيرَ المَخلُوق؟!
هُوَ الأَوَّلُ الذِي لَيسَ قَبلَهُ شَيء، وَالآخِرُ الذِي لَيسَ بَعدَهُ شَيء، وَالظَّاهِرُ الذِي لَيسَ فَوقَهُ شَيء، وَالبَاطِنُ الذِي لَيسَ دُونَهُ شَيء -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, أَحَقُّ مَن ذُكِر، وَأَحَقُّ مَن عُبِد، وَأَحَقُّ مَن حُمِد، وَأَوْلَى مَن شُكِر، وَأَنصَرُ مَن ابتُغِيَ، وَأَرأَفُ مَن مَلَك، وَأَجوَدُ مَن سُئِل، وَأَعفَى مَن قَدَر، وَأَكرَمُ مَن قُصِد، وَأَعدَلُ مَن انتَقَم، حِلمُه بَعدَ عِلمِه، وَعَفوُه بَعدَ قُدرَتِه، وَمَغفِرَتُه عَن عِزَّتِه، وَمَنعُه عَن حِكمَتِه، وَمُوالَاتُه عَن إِحسَانِه وَرَحمَتِه.
مَا لِلعِبَادِ عَليهِ حَقٌّ وَاجِبُ ... كَلَّا وَلَا سَعيٌ إِلَيهِ ضَائعُ
إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدلِهِ أَوْ نُعِّمُوا ... فَبِفَضلِهِ وَهُوَ الكَريمُ الوَاسِعُ
هُوَ المَلِكُ الذِي لَا شَريكَ لَهُ، وَالفَردُ الذِي لَا نِدَّ لَهُ، وَالغَنِيُّ فَلَا ظَهِيرَ لَهُ، وَالصَّمَدُ فَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ، وَالعَلِيٌّ فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا سَمِيَّ لَهُ، كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ، وَكُلُّ مُلكٍ زائلٌ إِلَّا مُلكَهُ، وَكُلُّ ظِلٍ قَالِصٌ إِلَّا ظِلَّه، وَكُلُّ فَضلٍ مُنقَطِعٌ إِلَّا فَضلَه، لَن يُطاعَ إِلَّا بإِذنِهِ وَرَحمَتِه، وَلَن يُعصَى إِلَّا بعِلمِهِ وَحِكمَتِه، يُطاعُ فَيَشكُر، وَيُعصَى فَيَتجَاوَز وَيَغفِر، كُلُّ نِقمَةٍ مِنهُ عَدل، وَكُلُّ نِعمَةٍ مِنهُ فَضل، أَقرَبُ شَهِيد، وَأَدنَى حَفِيظ، حَالَ دُونَ النِّفُوس، وَأَخَذَ بِالنَّواصِي، وَسَجَّلَ الآثَار، وَكَتَبَ الآجَال؛ فَالقُلوبُ لَهُ مُفضِيَة، وَالسِّرُّ عِندَهُ عَلَانِيَة، وَالغَيبُ عِندَهُ شهَادَة، عَطَاؤهُ كَلَام، وَعَذَابُهُ كَلَام: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فِيكُونُ} [يس: 82].

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  ما الذي قدموه؟ بنطال محزق مرقع! خلاعة ومجون!!
  طَعْنُ شَيْخِ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ فِي الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ
  الإيجاز في أحكام الصيام
  كَفَّرُوهُم!! جَعَلُوهُم مُرْتَدِّينَ!! إِذَنْ حَلَالٌ دَمُهُم؛ حَرامٌ حَيَاتُهُم, حَلَالٌ أَعْرَاضُهُم؛ حَرَامٌ بَقَاؤُهُم, فَلْيَذْهَبُوا إِلَى الجَحِيمِ!!
  القِصَّةُ الكَامِلَةُ لِمَقْتَلِ الحُسَيْن –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
  ولكننا من جهلنا قل ذكرنا
  جرب هذا قبل أن تُقدم على أي معصية
  كُفر طوائف الحكام عند الخوارج
  شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ يُكَفِّرُ الْأُمَّةَ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ
  كيف تعرفُ الخارجيَّ
  تفصيل القول في مسألة صيام العشر من ذي الحجة
  حُكْمُ مُصَادَقَةِ أَهْلِ البِدَعِ وَالأَهْوَاءِ عَلَى النِّتِ
  حقق عقيدتك أوَّلًا حتى تعرف ربك وتعرف دينك وتعرف عقيدتك
  هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ صَكٌّ وَبَرَاءَةٌ أَنْ يَمُوتَ مُسْلِمًا؟!
  ابتعد عن الفحش والفواحش
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان