احْتِرَامُ الْكَبِيرِ

احْتِرَامُ الْكَبِيرِ

مَجْمُوعُ الْخُطَبِ الْمِنْبَرِيَّةِ

((احْتِرَامُ الْكَبِيرِ))

الْجُمُعَةُ 13 مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ 1444هـ / 2-6-2023م

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((شَرِيعَةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ))

فَمِنْ جَمَالِ وَكَمَالِ شَرِيعَتِنَا الْغَرَّاءِ: أَنَّهَا جَاءَتْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، وَحَذَّرَتْ مِنْ رَذِيلِ الْأَخْلَاقِ وَسَفْسَافِهَا.

قَالَ ﷺ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

فَحُسْنُ الْخُلُقِ مِمَّا دَعَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُبَارَكَةُ، فَدَعَتْ إِلَى الْأَدَبِ الْكَامِلِ وَالْخُلُقِ الرَّفِيعِ مَعَ اللهِ -تَعَالَى-، وَمَعَ رَسُولِهِ ﷺ، وَمَعَ عِبَادِ اللهِ، وَهِيَ آدَابٌ مُبَارَكَةٌ وَأَخْلَاقٌ رَفِيعَةٌ تَتَجَلَّى فِيهَا مَتَانَةُ هَذَا الدِّينِ، وَكَمَالُهُ وَتَمَامُهُ، وَرِفْعَتُهُ، وَأَنَّهُ دِينُ الْمَحَاسِنِ فِي عَقَائِدِهِ، وَعِبَادَاتِهِ، وَآدَابِهِ، وَأَخْلَاقِهِ.

((إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)).

((جُمْلَةٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ))

* أَلَا وَإِنَّ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: إِفْشَاءَ السَّلَامِ بَيْنَكُمْ؛ فَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ تَلْقَوْنَهُ مِنْ إِخْوَانِكُمْ؛ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، سَلِّمُوا عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ، سَلِّمُوا بِاللَّفْظِ، وَلَا تُسَلِّمُوا بِالْإِشَارَةِ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ لَا يَسْمَعُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ، فَاجْمَعُوا بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ.

وَرُدُّوا السَّلَامَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِبَشَاشَةٍ وَبِشْرٍ وَطَلَاقَةٍ؛ فَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، رُدُّوا السَّلَامَ بِاللَّفْظِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ.

وَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَلْيُعِدِ السَّلَامَ مَرَّةً، ثُمَّ مَرَّةً، لَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ، وَإِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى مَنْ فَارَقَهُمْ.

* أَلَا وَإِنَّ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ، وَافِيًا بِوَعْدِهِ، صَرِيحًا فِي أَمْرِهِ، رَحِيمًا بِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ، مُعَظِّمًا لَهُمُ التَّعْظِيمَ اللَّائِقَ بِهِمْ؛ ((فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ)).

* أَلَا وَإِنَّ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ حَسَنَ الْمُعَامَلَةِ فِي أَهْلِهِ وَمَنْ يَتَّصِلُ بِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُؤُونِ حَيَاتِهِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((رَحِمَ اللهُ امْرَأً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي (أُفٍّ) قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَهُ؟)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

* وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: أَنْ تَحْمِلَ مَا يَحْصُلُ مِنْ إِخْوَانِكَ عَلَى أَحْسَنِ الْمَحَامِلِ إِذَا وَجَدْتَ لَهُ مَحْمَلًا؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا يُطْلِقُ الْكَلِمَةَ، أَوْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لَا يُلْقِي لَهُ بَالًا، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا فِعْلُهُ عَنْ سُوءِ نِيَّةٍ، وَلَا خُبْثِ طَوِيَّةٍ، وَإِذَا اعْتَذَرَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ؛ فَإِنَّهُ ((مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا)).

* وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَالِكًا لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَلَا يَقُولُ مَا لَا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ، وَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى مُجَابَهَةِ الْأُمُورِ، وَلْيَتَلَقَّهَا بِحَزْمٍ وَانْشِرَاحٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ بِهِ عَنِ الْغَضَبِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

((مِنَ الْأُصُولِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْكُبْرَى احْتِرَامُ الْكَبِيرِ))

وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ: احْتِرَامُ الْكَبِيرِ، وَالرَّحْمَةُ بِالصَّغِيرِ، وَمَعْرِفَةُ الْفَضْلِ لِأَهْلِ الْفَضْلِ.

لَقَدْ جَاءَ هَدْيُ الْإِسْلَامِ يَحُضُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى احْتِرَامِ النَّاسِ، لَا عَلَى احْتِقَارِهِمْ وَازْدِرَائِهِمْ؛ وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانُوا جَدِيرِينَ بِالتَّقْدِيرِ وَالِاحْتِرَامِ؛ بَلْ إِنَّهُ لَيَعُدُّ احْتِرَامَ الْكَبِيرِ وَالْعَالِمِ وَصَاحِبِ الْفَضْلِ مِنَ الْأُصُولِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْكُبْرَى الَّتِي تُعْطِي الْمُسْلِمَ هُوِيَّتَهُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَمَنْ فَقَدَهَا انْخَلَعَ مِنْ عُضْوِيَّةِ هَذَا الْمُجْتَمَعِ، وَجُرِّدَ مِنْ شَرَفِ الِانْتِسَابِ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

((اهْتِمَامُ النَّبِيِّ ﷺ بِقِيمَةِ احْتِرَامِ الْكَبِيرِ وَشَوَاهِدُهُ))

إِنَّ احْتِرَامَ الْكَبِيرِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَتَقْدِيمَهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ دَلِيلُ رُقِيِّ ذَلِكَ الْمُجْتَمَعِ، وَآيَةُ فَهْمِ أَعْضَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِقَوَاعِدِ الْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَعَلَامَةٌ عَلَى سُمُوِّ نُفُوسِهِمْ وَتَهْذِيبِهَا.

وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُؤَكِّدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَرْفَعُ قَوَاعِدَ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَيُرْسِي دَعَائِمَ الْأَخْلَاقِ فِيهِ.

وَمِنْ شَوَاهِدِ حِرْصِهِ ﷺ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: قَوْلُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ؛ إِذْ رَآهُ يَتَكَلَّمُ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فِي الْوَفْدِ الْمَاثِلِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ ﷺ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا، قَالَ: ((كَبِّرْ كَبِّرْ)).

أَيْ: لِيَتَكَلَّمِ الْأَكْبَرُ.

فَسَكَتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَتَكَلَّمَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ)).

وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَيَذْهَبُ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى أَبْعَدِ مَدًى فِي تَقْدِيرِ الْكِبَارِ وَأَصْحَابِ الْفَضْلِ، فَيَجْعَلُ إِكْرَامَهُمْ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷺ: ((إنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ -أَيْ: غَيْرِ التَّارِكِ لَهُ، الْبَعِيدِ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ- إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ -أَيِ: الْعَادِلِ-)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

((نَمَاذِجُ مِنَ احْتِرَامِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْكِبَارِ))

وَلَقَدْ أَثْمَرَتْ هَذِهِ التَّرْبِيَةُ فِي نُفُوسِ الْجِيلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْشَأَتْ رِجَالًا تَجَسَّدَتْ فِيهِمْ تِلْكَ الْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ، فَكَانُوا نَمَاذِجَ فَذَّةً فِي إِجْلَالِ الْكِبَارِ وَأَصْحَابِ الْفَضْلِ.

مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: أَبُو سَعِيدٍ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذِي يَقُولُ: ((لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي)). كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَمِنْ هَذِهِ النَّمَاذِجِ الَّتِي يَحْتَاجُ كُلُّ مُسْلِمٍ إِلَى التَّأَسِّي بِهَا فِي إِجْلَالِ الْكِبَارِ وَأَصْحَابِ الْفَضْلِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ فَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَفِي الْمَجْلِسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سُؤَالًا عَرَفَ ابْنُ عُمَرَ جَوَابَهُ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمِ احْتِرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، لَا تَحُتُّ وَرَقَهَا)).

قَالَ: ((فَوَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ -أَيْ: هُنَاكَ- أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ)).

فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((هِيَ النَّخْلَةُ)).

فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: ((يَا أَبَتِ! وَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ)).

قَالَ: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا، لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا)).

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لِأَبِيهِ: ((مَا مَنَعَنِي إِلَّا لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا، فَكَرِهْتُ -أَيْ: أَنْ أَتَكَلَّمَ-)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

((إِنْزَالُ الْكَبِيرِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مَنَازِلَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ))

لَقَدْ أَنْزَلَ الْإِسْلَامُ النَّاسَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ مَنَازِلَهُمْ، وَذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ الصَّحِيحِ فَقَالَ: ((وَذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ)).

  فَيُقَدَّمُ الْعُلَمَاءُ، وَحَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَأَصْحَابُ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ، وَأَهْلُ الْفَضْلِ؛ ذَلِكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ مَكَانَتَهُمُ الْمَرْمُوقَةَ الْعَالِيَةَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ مَا دَامُوا أُمَنَاءَ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ، صَدَّاعِينَ بِالْحَقِّ، حُرَّاسًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَقَدْ بَوَّأَهُمُ اللهُ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ الْكَرِيمَةَ؛ إِذْ قَالَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}  [الزمر: 9].

وَلِحَمَلَةِ الْقُرْآنِ مَنْزِلَتُهُمُ الْعَالِيَةُ -أَيْضًا- فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، نَوَّهَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَجَعَلَتْ لَهُمُ الْإِمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّدَارَةَ وَالْإِجْلَالَ فِي الْمَجَالِسِ؛ قَالَ ﷺ: ((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ -أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ-، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ -أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ-، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنَهِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَالثَّلَاثَةُ وَيُضَمُّ إِلَيْهِمُ الْحَاكِمُ أَوِ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ إِكْرَامُهُمْ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِجْلَالُهُ -سُبْحَانَهُ- أَجَلُّ الْمَطَالِبِ، وَأَنْبَلُ الْمَقَاصِدِ، وَالتَّقْصِيرُ فِي هَذَا الْوَاجِبِ تَقْصِيرٌ فِي إِجْلَالِ اللهِ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ دَعَاكَ لِهَذَا الْأَمْرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، فَإِنْ قَصَّرْتَ فَتَقْصِيرُكَ ضَعْفٌ فِي قِيَامِكَ بِإِجْلَالِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقِيَامُكَ بِهَذَا الْإِكْرَامِ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مِنْ إِجْلَالِكَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْمَكَانَةِ الْعَالِيَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْعَالِيَةِ السَّامِيَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي تَبَوَّأَهَا هَذَا الْحَقُّ الَّذِي هُوَ حَقُّ كَبِيرِ السِّنِّ، ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ.

((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ)) أَيْ: مِنْ تَبْجِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ -جَلَّ وَعَلَا- ((إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ)).

تَعْظِيمُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَالرِّفْقِ بِهِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللهِ -تَعَالَى- لِحُرْمَةِ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ -سُبْحَانَهُ-.

((وَحَامِلِ الْقُرْآنِ)): قَارِئِهِ وَمُفَسِّرِهِ، وَسَمَّاهُ حَامِلًا لَهُ؛ لِمَا تَحَمَّلَ مِنْ مَشَاقَّ كَثِيرَةٍ تَزِيدُ عَلَى الْأَحْمَالِ الْمَادِّيَّةِ الْكَثِيرَةِ، ((غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ)): الْغُلُوُّ فِي الشَّيْءِ: التَّشَدُّدُ فِيهِ، وَمُجَاوَزَةُ حَدِّهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا: الْقَصْدَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، ((غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ)) أَيْ: غَيْرِ الْمُجَاوِزِ فِيهِ الْحَدَّ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ كَالْمُوَسْوِسِينَ وَالشَّكَّاكِينَ، وَالْمُرَائِينَ، أَوْ فِي مَعْنَى: يَغْلُو فِيهِ بِتَأْوِيلِهِ الْبَاطِلِ كَسَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ.

وَمِنَ الْغُلُوِّ: الْمُبَالَغَةُ فِي التَّجْوِيدِ، أَوِ الْإِسْرَاعُ فِي الْقِرَاءَةِ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ تَدَبُّرِ الْمَعْنَى.

((وَلَا الْجَافِي عَنْهُ)): الْجَفَاءُ: تَرْكُ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ، وَالْبُعْدُ عَنِ الشَّيْءِ، فَأَمَرَ بِتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ، وَعَدَمِ الِابْتِعَادِ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ، وَالْجَفَاءُ أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَمَا عَلِمَهُ؛ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ قَدْ نَسِيَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُدَّ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ لِذَلِكَ قِيلَ: ((اشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُكَ عَنِ الْعَمَلِ، وَاشْتَغِلْ بِالْعَمَلِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُكَ عَنِ الْعِلْمِ)).

وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ مَذْمُومٌ، وَالْمَحْمُودُ الْعَدْلُ الْمُطَابِقُ لِحَالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ.

وَالَّذِي يَتَدَبَّرُ مُتَأَمِّلًا يَرَى أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَعْلَمُ سُمُوَّ مَنْزِلَتِهَا؛ فَإِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- وَمِنْ تَعْظِيمِهِ: أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ حَقَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا!))

فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا)). أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا)) بَدَلَ: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي)).

وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُجِلَّ كَبِيرَنَا)). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ((وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا)).

قَوْلُهُ ﷺ: ((لَيْسَ مِنَّا)) وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ابْتَدَأَتْ بِلَفْظِ: ((لَيْسَ مِنَّا))، وَتَعَدَّدَتْ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَيَانِ ذَلِكَ.

فَمَرَّةً قَالُوا: ((لَيْسَ مِنَّا)): لَيْسَ مِثْلَنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِنَ الْعَامِلِينَ بِسُنَّتِنَا، الْجَارِينَ عَلَى طَرِيقَتِنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: ((لَيْسَ مِنَّا)): لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا، وَمِنْهُ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)). كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ إِخْرَاجَهُ مِنَ الدِّينِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ: ((لَيْسَ مِنَّا)): الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ: الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدْعِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ مُعَاتَبَتِهِ: لَسْتُ مِنْكَ، وَلَسْتَ مِنِّي، أَيْ: مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي.

حُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيَقُولُ: ((يَنْبَغِي أَنْ يُمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ، وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ)).

وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَيْسَ عَلَى دِينِنَا الْكَامِلِ، أَيْ: أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الدِّينِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ وَرَدَ بِلَفْظ: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا...)). الْحَدِيثَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ: ((وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا))، وَفِي لَفْظٍ: ((وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَالتَّوْقِيرُ: التَّعْظِيمُ وَالتَّرْزِينُ، وَهُوَ الِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ: وَقَّرْتُ الرَّجُلَ إِذَا عَظَّمْتَهُ.

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْأَحَادِيثِ: تَأْكِيدٌ نَبَوِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الرَّحْمَةِ بِالصِّغَارِ، وَالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ، وَالشَّفَقَةِ بِهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ.

وَتَأْكِيدٌ نَبَوِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ الْكِبَارِ، وَإِجْلَالِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: بَيَانُ فَضِيلَةِ وَأَسَاسِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، مَعَ بَيَانِ الْخَيْرِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجْتَمَعُ الْفَاضِلُ؛ لِأَنَّ خَلَلًا عَظِيمًا جِدًّا يَحْدُثُ فِي مُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا لَا يُعْرَفُ لِلْكَبِيرِ حَقُّهُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ شَدَّدَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ.

وَقَوْلُهُ ﷺ: ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا)) يَعْنِي: صِغَارَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِعَجْزِ هَذَا الصَّغِيرِ الْمُسْلِمِ وَبَرَاءَتِهِ عَنْ قَبَائِحِ الْإِثْمِ وَمَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى رَحْمَةُ الصَّغِيرِ فِي الْمَعْنَى، لَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا بِالصَّغِيرِ حَقِيقَةً وَسِنًّا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى رَحْمَةُ الصَّغِيرِ فِي الْمَعْنَى.. عَلَى تَقَدُّمِ سِنِّهِ؛ لِجَهْلِهِ، أَوْ غَبَاوَتِهِ، أَوْ خَرَقِهِ، أَوْ نَزَقِهِ، أَوْ غَفْلَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يُرْحَمُ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ وَالشَّفَقَةِ.

وَقَوْلُهُ ﷺ: ((وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا)): (الْوَاوُ) بِمَعْنَى (أَوْ) فَالتَّحْذِيرُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُعَامَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيقُ بِهِ؛ فَلْيَحْذَرْ أَلَّا يُرْحَمَ الصَّغِيرُ، كَمَا يَحْذَرُ أَلَّا يُعْرَفَ حَقُّ الْكَبِيرِ، فَيُعْطِي الصَّغِيرَ حَقَّهُ مِنَ الرِّفْقِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بِهِ، وَيُعْطِي الْكَبِيرَ حَقَّهُ مِنَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ؛ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنَ السَّبْقِ فِي الْوُجُودِ، وَتَجْرِبَةِ الْأُمُورِ.

((كَبِّرْ كَبِّرْ!))

وَإِجْلَالُ الْكَبِيرِ هُوَ حَقُّ سِنِّهِ؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ فِي الْعُبُودِيَّةِ للهِ فِي أَمَدٍ طَوِيلٍ، وَرَحْمَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- رَفَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفَ.

وَفِي هَذَا مِنْ مَعَانِيهِ: التَّوْسِعَةُ لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا أَمْكَنَ التَّوْسِيعُ لَهُ؛ سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ مِنَ الشُّيُوخِ؛ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْأَوْسَطِ))، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ أَبِي يَحْيَى، وَقِيلَ: أَبِي مُحَمَّدٍ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ -بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ- الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((كَبِّرْ، كَبِّرْ)). وَكَانَ أَحْدَثَ الْقَوْمِ، فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا.

فَقَالَ: ((أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟)). وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

قَالَ ابْنُ عَلَّانَ: ((قَالَ الْعَاقُولِيُّ: قَوْلُهُ ﷺ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: ((كَبِّرْ، كَبِّرْ)): إِرْشَادٌ وَتَأْدِيبٌ؛ لِأَنَّهُمَا أَبْنَاءُ عَمِّ أَبِيهِ، وَقَدْ حَضَرَا مَعَهُ لِنُصْرَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يُوَقِّرْهُمَا بِأَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ إِلَيْهِمَا فَقَدْ أَضَاعَ حَقَّهُمَا؛ إِذْ لَا نَصِيبَ لَهُمَا فِي الْإِرْثِ، وَلَا تَرَكَ لَهُمَا مَجَالًا فِي الْقَوْلِ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَتَسَلَّى بِأَحَدِ هَذَيْنِ: مَالٍ يَأْخُذُهُ، أَوْ كَلَامٍ يُنْصَتُ إِلَيْهِ فِيهِ وَيُجْعَلُ لَهُ.

فَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ: اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ سِنًّا؛ لِأَنَّ حُوَيِّصَةَ أَسَنُّ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَعْلَى رُتْبَةً؛ فَإِنَّهُ فِي عِدَادِ وَالِدِهِ)).

وَأَرْشَدَهُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَنَّ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ، فَإِذَا نَسِيَ شَيْئًا أَوِ احْتَاجَ إِلَى مُسَاعَدَةٍ تَكَلَّمَ الْأَصْغَرُ، وَهَكَذَا يَعْرِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَكَانَهُ، وَلَا يَتَعَدَّى حَدَّهُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِذَلِكَ أَمْرًا جَازِمًا فَيَقُولُ ﷺ: ((كَبِّرْ، كَبِّرْ))، وَإِذَا الْتُزِمَ بِذَلِكَ صَارَ الْمُجْتَمَعُ فِي طَرِيقِهِ الْمَنْشُودِ فِي هُدُوءٍ وَحُبٍّ وَاطْمِئْنَانٍ، بِلَا حَزَازَاتٍ، وَلَا خَوَرٍ فِي الْفِكْرِ، وَبِلَا تَصَدُّعٍ فِي الْأَخْلَاقِ.

وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي التَّعَامُلِ، وَهِيَ تَقْدِيمُ الْأَكْبَرِ؛ احْتِرَامًا وَتَقْدِيرًا لِسِنِّهِ وَمَكَانَتِهِ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ -أَيْ: مِنْهُمَا- فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْهُمَا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُسْنَدًا، وَالْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا.

وَالْحَدِيثُ يَحْكِي مَوْقِفًا طَرِيفًا فِي رُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ.

وَقَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: ((أُرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ)): فِيهِ جِنَاسٌ بَيْنَ ((أَتَسَوَّكُ)) وَ ((بِسِوَاكٍ)) يُوَضِّحُ الْمَعْنَى بِبَيَانِ الصِّلَةِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ الَّذِي وَقَعَ مَفْعُولًا لَهُ.

وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ تَضَادٌّ يُفْصِحُ عَنْ جَوْهَرِ الْقَضِيَّةِ؛ حَيْثُ بَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأَصْغَرِ فَنَاوَلَهُ السِّوَاكَ، فَقِيلَ لَهُ: ((كَبِّرْ، كَبِّرْ)) أَيِ: ابْدَأْ بِالْكَبِيرِ، أَوْ قَدِّمِ الْكَبِيرَ.

وَقَوْلُهُ: ((فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْهُمَا)): يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْبِدَايَةَ بِالْكَبِيرِ صَارَتْ سُنَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ﷺ فِي الْمَنَامِ كَفِعْلِهِ فِي الْيَقَظَةِ، وَهَذَا تَرْغِيبٌ فِي تَقْدِيمِ ذِي السِّنِّ فِي السِّوَاكِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ ذِي السِّنِّ فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالْكَلَامِ، وَالْمَشْيِ، وَالْكِتَابِ، وَكُلِّ مَنْزِلَةٍ؛ قِيَاسًا عَلَى السِّوَاكِ؛ مَا لَمْ يَتَرَتَّبِ الْقَوْمُ فِي الْجُلُوسِ، فَإِذَا تَرَتَّبُوا فِي الْجُلُوسِ فَالسِّنُّ -حِينَئِذٍ- لَا يُعْتَبَرُ، وَالسُّنَّةُ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ، كَمَا هُوَ فِي السُّنَّةِ فِي الشُّرْبِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: احْتِرَامُ الْكَبِيرِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حَقُّ الطِّفْلِ وَالنَّشْءِ وَرِعَايَتُهُ بَيْنَ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ وَالتَّحْسِينِيَّاتِ
  مَخَاطِرُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانِفْلَاتِ الْأَخْلَاقِيِّ
  مصر وحرب الاستنزاف الإرهابية
  تحذير الشباب من مشابهة الخوارج
  مواعظ رمضانية - الجزء الثاني
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ​((الدَّرْسُ الْعَاشِرُ: الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَثَمَرَاتُهُ))
  مظاهر التوحيد في عبادة الحج
  الْإِدْمَانُ وَأَثَرُهُ الْمُدَمِّرُ عَلَى الْفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَسُبُلُ مُوَاجَهَتِهِ
  الْاسْتِعْدَادُ لِرَمَضَانَ... وَكَيْفَ نَحْيَاهُ؟
  مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان