إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ

إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ

((إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

فَإِنَّ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا عَلَيْنَا فِي هَذَا الْعَصْرِ؛ فَهِيَ بَابٌ لِلْخَيْرِ، وَمِنْبَرٌ لِلدَّعْوَةِ، وَوَسِيلَةٌ لِلتَّوَاصُلِ النَّافِعِ، فَبِهَا تَتَحَقَّقُ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

((يُخْبِرُ -تَعَالَى- أَنَّهُ خَلَقَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَيَرْجِعُونَ جَمِيعُهُمْ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَفَرَّقَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ، أَيْ: قَبَائِلَ صِغَارًا وَكِبَارًا؛ وَذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَعَارَفُوا؛ فَإِنَّهُمْ لَوِ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ التَّعَارُفُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّنَاصُرُ، وَالتَّعَاوُنُ، وَالتَّوَارُثُ، وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الْأَقَارِبِ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِأَجْلِ أَنْ تَحْصُلَ هَذِهِ الْأُمُورُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَارُفِ وَلُحُوقِ الْأَنْسَابِ)).

فَوَسَائِلُ التَّوَاصُلِ بَابٌ لِلْخَيْرِ، وَمِنْبَرٌ لِلدَّعْوَةِ، وَوَسِيلَةٌ لِلتَّوَاصُلِ النَّافِعِ، فَبِهَا تَتَحَقَّقُ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ؛ لَكِنْ بِشَرْطٍ: أَنْ تُسْتَخْدَمَ فِيمَا يَعُودُ بِالنَّفْعِ وَالْخَيْرِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ وَإِلَّا كَانَتْ وَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ إِهْدَارِ الْأَوْقَاتِ، وَتَضْيِيعِ عُمُرِ الْإِنْسَانِ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَلَا يَنْفَعُ.

((ضَوَابِطُ التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

ضَوَابِطُ التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ:

* النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مِنَ اسْتِخْدَامِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ خِدْمَةَ دِينِ اللهِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنَشْرَ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالتَّوَاصُلَ الْإِيجَابِيَّ مَعَ الْآخَرِينَ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)).

* وَكَذَلِكَ مِنَ الضَّوَابِطِ: الْبُعْدُ عَنْ تَرْوِيجِ الْإِشَاعَاتِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَكَمْ مِنْ شَائِعَةٍ رُوِّجَتْ، وَفِتْنَةٍ أُشْعِلَتْ بِسَبَبِ مَنْشُورٍ كَاذِبٍ، أَوْ مَقْطَعٍ مُفَبْرَكٍ!

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ: عَدَمُ تَرْوِيجِ الْمُحْتَوَيَاتِ الْمُنَافِيَةِ لِلْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ: مُرَاعَاةُ الْخُصُوصِيَّةِ، وَعَدَمُ التَّجَسُّسِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12].

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ: احْتِرَامُ نِعْمَةِ الْوَقْتِ، الْأَصْلُ فِي صِنَاعَةِ هَذِهِ الْأَجْهِزَةِ، وَتَصْمِيمِ هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِاخْتِزَالِ الْوَقْتِ وَالْجُهْدِ، وَتَجْعَلُكَ تَصِلُ إِلَى الْمَعْلُومَةِ الَّتِي تُرِيدُ بِأَقَلَّ وَقْتٍ وَأَدْنَى جُهْدٍ، وَأَنْ تَتَوَاصَلَ مَعَ مَنْ تُرِيدُ مِنْ غَيْرِ تَكْلِفَةٍ وَلَا تَضْيِيعِ وَقْتٍ؛ لَكِنَّنَا لِلْأَسَفِ نَجِدُ أَكْثَرَ الَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ مَعَ هَذِهِ الْوَسَائِلِ يَصْرِفُونَ أَوْقَاتَهُمْ، وَيُضَيِّعُونَ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِالِانْكِبَابِ عَلَيْهَا السَّاعَاتِ الطُّوَالَ؛ بَلْ حَتَّى فِي اللِّقَاءَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ يَنْشَغِلُ بِهَذِهِ الْأَجْهِزَةِ عَنْ جَلِيسِهِ الَّذِي هُوَ يُشَارِكُهُ -أَيْضًا- فِي الِانْصِرَافِ إِلَى جِهَازِهِ النَّقَّالِ!

وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ دَعَانَا لِاغْتِنَامِ أَوْقَاتِنَا، وَحَذَّرَنَا مِنْ عَاقِبَةِ التَّفْرِيطِ فِي أَعْمَارِنَا، وَعَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ؛ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)).

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ -أَيْضًا-: عَدَمُ الْخَوْضِ فِيمَا يَجْهَلُهُ الْإِنْسَانُ أَوْ لَا يُحْسِنُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ: الْبُعْدُ عَنِ السُّخْرِيَةِ وَالتَّنَمُّرِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11].

* وَمِنَ الضَّوَابِطِ -أَيْضًا- فِي اسْتِعْمَالِ تِلْكَ النِّعْمَةِ: تَجَنُّبُ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَبْرَ الْمُحَادَثَاتِ الْخَاصَّةِ مَعَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، وَالَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

* كَذَلِكَ مِنَ الضَّوَابِطِ: الْحَذَرُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْهَدَفُ مِنَ النَّشْرِ وَجْهَ اللهِ -تَعَالَى-، وَلَيْسَ التَّفَاخُرَ، وَالرِّيَاءَ، وَطَلَبَ الشُّهْرَةِ.

قَالَ ﷺ: ((مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

* وَكَذَلِكَ الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ الْعَالَمِ الِافْتِرَاضِيِّ وَالْعَالَمِ الْوَاقِعِيِّ؛ فَيَجِبُ أَلَّا تَطْغَى الْعَلَاقَاتُ الِافْتِرَاضِيَّةُ عَلَى الْعَلَاقَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ مَعَ الْأَهْلِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ؛ فَالْعَلَاقَاتُ الْأُسَرِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ لَهَا الْأَوْلَوِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ.

* وَمِنْ ضَوَابِطِ التَّعَامُلِ مَعَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ: تَحْقِيقُ السَّلَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ مِنْ خِلَالِهَا؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ السَّلَامِ مَعَ النَّاسِ؛ فَلَا ظُلْمَ، وَلَا عُدْوَانَ، وَلَا سَبَّ، وَلَا لَعْنَ.

فِي تَحْقِيقِ السَّلَامِ فِي السُّلُوكِ الْعَامِّ؛ فَلَا اعْتِدَاءَ فِي الطَّرِيقِ، وَلَا إِيذَاءَ فِي الْمُوَصِّلَاتِ، وَلَا سِبَابَ فِي الإِنْتَرْنِت وَالسُّوشْيَال مِيدْيَا.

اجْعَلْ كُلَّ مَا تَكْتُبُهُ وَتُشَارِكُهُ فِي السُّوشْيَال مِيدْيَا سَفِيرًا لِسَلَامِ الْإِسْلَامِ؛ فَمَنْ لَمْ يَسْلَمِ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ عَلَى الإِنْتَرْنِت فَلَيْسَ بِمُسَالِمٍ وَلَا بِمُسْلِمٍ بِحَقٍّ.

لَا تَبْدَأْ تَعْلِيقًا بِعِبَارَاتٍ هُجُومِيَّةٍ أَوْ عَدَائِيَّةٍ، بَلِ ابْدَأْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ بِكَلِمَاتٍ مِثْل: بَارَكَ اللهُ فِيكَ، أَوْ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا!

لَا تُرْسِلْ مَا يُشْعِلُ الْفِتَنَ، قَالَ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]؛ فَلَا تَنْشُرْ مَقَاطِعَ الْعُنْفِ، وَلَا أَخْبَارَ الْكَرَاهِيَةِ، وَلَا السُّخْرِيَةِ مِنَ الْآخَرِينَ.

كُنْ مِمَّنْ يَنْشُرُ السَّكِينَةَ لَا السِّبَابَ، وَكُنْ مِمَّنْ يَبْنِي وَلَا يَهْدِمُ!

وَبَعْضُ النِّقَاشَاتِ وَالْحِوَارَاتِ تَتَحَوَّلُ إِلَى شَتَائِمَ وَفَضَائِحَ، فَإِذَا شَعَرْتَ أَنَّ النِّقَاشَ سَيَتَحَوَّلُ إِلَى خِصَامٍ فَقُلْ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].

كُنْ دَاعِيَةَ سَلَامٍ، لَا دَاعِيَةَ شَتَاتٍ، فَلَا تَكُنْ سَبَبًا فِي تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ، وَلَا فِي بَثِّ الْعُنْفِ الطَّائِفِيِّ أَوِ الْعُنْصُرِيِّ!

كُنْ صَانِعَ مُحْتَوًى نَافِعٍ، مُصْلِحًا بَيْنَ النَّاسِ، نَاشِرًا لِلْخَيْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْهُدُوءِ، وَلَا تُشَوِّهْ مَنْ يُخَالِفُكَ، وَلَا تُقَلِّلْ مِنْ شَأْنِ الْآخَرِينَ، وَلَا تَفْتَرِ عَلَى النَّاسِ الْفِرَى بِالْمَنْشُورَاتِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8].

ادْعُ لِلنَّاسِ، وَلَا تَدْعُ عَلَى النَّاسِ!

بَدَلًا مِن: ((يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْكَ))؛ قُل: ((اللهم أَصْلِحْ)).

وَبَدَلًا مِنَ التَّشَفِّي قُل: ((اللهم اجْعَلْ هَذَا الْمَوْقِفَ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ)).

((إِيجَابِيَّاتُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

لَقَدْ غَدَا الْعَالَمُ الْيَوْمَ قَرْيَةً صَغِيرَةً بِفَضْلِ التَّقَدُّمِ التُّكْنُولُوجِيِّ الْهَائِلِ، وَمِنْ إِيجَابِيَّاتِ هَذَا التَّطَوُّرِ التُّكْنُولُوجِيِّ: هُوَ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَذَلِكَ فَلَهَا إِيجَابِيَّاتٌ:

* مِنْهَا: تَوْسِيعُ دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ وَالْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَبْرَ الْمَسَافَاتِ الْبَعِيدَةِ.

* وَمِنْهَا: سُرْعَةُ الْوُصُولِ إِلَى الْمَعْلُومَةِ.

* وَمِنْهَا: التَّعْبِيرُ عَنِ الرَّأْيِ، وَالْمُشَارَكَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الْهَادِفَةُ.

* وَالتَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ، وَالتَّطْوِيرُ الذَّاتِيُّ.

((سَلْبِيَّاتُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَهَمِّيَّةِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَإِيجَابِيَّاتِهَا الْكَثِيرَةِ فَإِنَّ لَهَا سَلْبِيَّاتٍ مِنَ الْخُطُورَةِ فِي غَايَةٍ:

* مِنْهَا: ضَيَاعُ الْأَوْقَاتِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ.

* وَمِنْهَا: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ الْإِلِكْتُرُونِيَّةُ؛ فَالتَّعْلِيقَاتُ السَّلْبِيَّةُ عَلَى صُوَرِ النَّاسِ، أَوْ فَضْحُ أَخْطَائِهِمْ، أَوْ إِعَادَةُ نَشْرِ فَضَائِحِهِمْ غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: نَشْرُ الْفَوَاحِشِ، وَالْمُجَاهَرَةُ بِالْمَعَاصِي.

* وَمِنْهَا: التَّجَسُّسُ وَتَتَبُّعُ الْعَوْرَاتِ؛ كَتَصَفُّحِ الصُّوَرِ الْخَاصَّةِ بِالنَّاسِ، وَالدُّخُولِ لِحِسَابَاتِهِمْ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَيْهِمْ.

فَمَا يَتَّخِذُهُ النَّاسُ الْآنَ مِنْ أَمْثَالِ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ الَّتِي تُقَرِّبُ لَهُمُ الْبَعِيدَ، وَتُطْلِعُهُمْ عَلَى أَحْوَالِ الْخَلْقِ، وَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُهَا وَسِيلَةً لِلشَّتْمِ أَوْ لِلسَّبِّ، أَوْ لِلتَّكْفِيرِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ؛ هَذِهِ كُلُّهَا وَسَائِلُ لِلتَّجَسُّسِ، وَكُلَّمَا ارْتَقَتْ أَخَذَ الْآخَرُونَ الْبَيَانَاتِ الصَّحِيحَةَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءٍ!

فَعِنْدَكَ الْآنَ كَثِيرٌ مِنَ الْآلَاتِ إِنَّمَا تُفْتَحُ أَجْهِزَتُهَا بِبَصْمَتِكَ؛ فَأَنْتَ أَعْطَيْتَ بَصْمَتَكَ، تَذْهَبُ إِلَى مَكَانٍ مَا، وَكَمَا يَقُولُونَ فِي لُغَةِ الْإِدَارِيَّاتِ: الْأَرْشِيفُ يَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ، وَبَعْضُهُمْ يَدْخُلُ بِبَصْمَةِ الصَّوْتِ، أَوْ حَتَّى بِبَصْمَةِ الْعَيْنِ، وَيَفْرَحُ لِأَنَّهُ صَارَ مُحَصَّنًا مِنَ الِاخْتِرَاقِ، وَمِنَ الْعَبَثِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ أَسْرَارِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمِسْكِينُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَارَ مَكْشُوفًا ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُحَصَّلُ.

وَلَا يَخْفَى عَنْكُمْ مَا وَقَعَ قَرِيبًا مِنَ الْفَضِيحَةِ الَّتِي تَعَرَّضَتْ لَهَا أَمِرِيكَا مِنْ مَسْأَلَةِ التَّجَسُّسِ، وَالثَّابِتُ الْآنَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَجَسَّسُونَ عَلَى خَمْسَةِ مِلْيَارَاتٍ مِنَ الْبَشَرِ حَوْلَ الْعَالَمِ؛ وَسَائِلُ اتِّصَالِهِمْ، وَهَوَاتِفُهُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ كُلُّ ذَلِكَ.. التَّجَسُّسُ يُحِيطُ بِأَسْرَارِ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، خَمْسَةُ مِلْيَارَاتٍ يَتَجَسَّسُ عَلَيْهَا حَوْلَ الْعَالَمِ الْمُخَابَرَاتُ الْمَرْكَزِيَّةُ الْأَمِرِيكِيَّةُ.

وَالْوَسَائِلُ الْحَدِيثَةُ تُؤَدِّي إِلَى التَّجَسُّسِ عَلَى النَّاسِ بِالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ؛ حَتَّى فِي أَخَصِّ خُصُوصِيَّاتِهِمْ؛ فَالْمَرْءُ فِي حَالِ اسْتِحْمَامِهِ يُنْقَلُ بِالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ مُبَاشَرَةً؛ بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ لِلرَّئِيسِ الصِّينِيِّ عَلَى طَائِرَةٍ أَمِرِيكِيَّةٍ أُهْدِيَتْ إِلَى الصِّينِ، أَوْ رَكِبَهَا هُوَ، فَلَمَّا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ كَانَ التَّصْوِيرُ فَاعِلًا، وَعُرِفَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، وَكَانَتْ مِنَ الْأَزْمَاتِ الْكَبِيرَةِ!

الْإِنْسَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْيَا هَكَذَا؛ فَهَذَا الَّذِي تَتَوَقَّاهُ وَتَخَافُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى اتِّجَاهٍ آخَرَ، فَالْآنَ أَنْتَ تَتَوَقَّى هَذَا، إِذَا كَلَّمْتَ إِنْسَانًا فَأَنْتَ فِي خَاطِرِكَ أَنَّهُ يُسَجِّلُ لَكَ، أَوْ يُحْصِي عَلَيْكَ، أَوْ أَنَّ هُنَالِكَ مَنْ يَتَّخِذُ الْوَسَائِلَ الْحَدِيثَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُصَوِّرَكَ مِنْ حَيْثُ تَدْرِي وَلَا تَدْرِي بِأَقْلَامٍ وَسَاعَاتٍ؛ أُمُورٌ يَضِلُّ الْخَيَالُ فِي تَصَوُّرِهَا؛ فَلِمَاذَا لَا تَجْعَلُ هَذَا فِي الِاتِّجَاهِ الصَّحِيحِ؟!

هُنَاكَ مَنْ يُحْصِي عَلَيْكَ بِرِقَابَةٍ هِيَ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الرِّقَابَةِ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا عَبَثٌ مَحْضٌ، فَيُحْصَى عَلَى الْمَرْءِ كُلُّ شَيْءٍ؛ فَلِمَاذَا لَا تَتَوَقَّى؟! يَعْنِي: لِمَاذَا لَا تَتَوَقَّى مِنَ الْإِحْصَاءِ الْحَقِيقِيِّ؟!

{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29].

فَهَذَا كُلُّهُ يُسْتَنْسَخُ، وَيُعَادُ مَرَّةً ثَانِيَةً.

فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَإِذَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَالْتِفَاتُهُ إِلَيْهِ فِي أَشَدِّ حَالَاتِ الضَّعْفِ!

وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَشَرِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّى ذَلِكَ غَايَةَ التَّوَقِّي.

مِنَ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْعَصْرِ: أَنَّ مَهْمَا أَتَى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى وَلَوْ أَزَالَهُ، كَمَا يَكُونُ عَلَى حَاسُوبِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَسَائِلِهِ؛ أَنَّهُ يُسْتَرْجَعُ مَرَّةً ثَانِيَةً!

مُهَاتَفَاتُهُ الَّتِي تَخَلَّصَ مِنْهَا مَوْجُودَةٌ، وَتُسْتَرْجَعُ؛ حَتَّى مِنْ جِهَازِهِ هُوَ بِوَسَائِلَ يَعْرِفُونَهَا.

فَهَلْ لَكَ خُصُوصِيَّةٌ الْآنَ؟!

هَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْمَادِّيَّةُ، وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي فَاللهُ يَعْلَمُهُ؛ فَمَا الَّذِي يَكُونُ بَعْدُ؟!

وَكَيْفَ يَحْيَا الْإِنْسَانُ فِي مِثْلِ هَذَا؟!

حَتَّى إِنَّكَ سَتَرَى بَعْدَ حِينٍ -وَهَذَا يُمَهَّدُ لَهُ الْآنَ- أَنَّ مَسَائِلَ الْأَسْرَارِ الشَّخْصِيَّةِ، وَأَنَّ الْخَوْفَ مِنَ الْفَضِيحَةِ، وَنَشْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِ الْإِنْسَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ سَتَجِدُ بَعْدَ حِينٍ أَنَّ هَذَا صَارَ أَمْرًا لَا يُخَافُ مِنْهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: مَا يَشْكُو مِنْهُ النَّاسُ مِنْ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ الْحَدِيثَةِ، وَالتَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْمَعْرُوفِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَشْكُونَ؛ يَقُولُونَ: كَمٌّ مِنَ الْبَذَاءَاتِ لَا يُعْهَدُ وَلَا يُتَصَوَّرُ، كَمَا مَثَّلَ لِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: هُنَالِكَ مَاسُورَةٌ مِنَ الْمَجَارِي فُتِحَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ فَأَغْرَقَتْهُ!

فَأَدَقُّ الدَّقَائِقِ الْآنَ يُتَلَصَّصُ عَلَيْهَا تَطَوُّعًا مِنْ بَشَرٍ لَا عَلَاقَةَ لَهُمْ بِأَجْهِزَةٍ وَلَا شَيْءٍ، النَّاسُ مَعَ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ كَلَأً مُشَاعًا لِلنَّاسِ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَفَرَّجَ فَلْيَتَفَرَّجْ بِلَا مُقَابِلٍ؛ فَالَّذِي يَبْدُو سِرُّهُ سَيَتَأَلَّمُ بِلَا شَكٍّ؛ وَلَكِنَّهُ سَيَتَمَرَّسُ عَلَى هَذَا بَعْدَ حِينٍ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ غَيْرَ إِنْسَانٍ؛ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ، وَلَا يَتَأَلَّمُ لِشَيْءٍ، وَلَا يَهْتَمُّ بِقِيمَةٍ، وَلَا يَأْسَى عَلَى فَضِيلَةٍ، وَلَا يَخْشَى مِنْ فَضِيحَةٍ، كُلُّ النَّاسِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ- مَفْضُوحُونَ!

نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: تَفَكُّكُ الْعَلَاقَاتِ الْأُسَرِيَّةِ؛ حَيْثُ يَجْلِسُ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْأَبْنَاءُ عَلَى مَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ غَارِقٌ فِي هَاتِفِهِ، فَلَا حِوَارَ، وَلَا تَوَاصُلَ، وَلَا مَوَدَّةَ.

* وَمِنْهَا: نَقْلُ الشَّائِعَاتِ، وَتَفْكِيكُ الْمُجْتَمَعِ بِنَقْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْشُرُ خَبَرًا كَاذِبًا، فَتَقُومُ فِتْنَةٌ، أَوْ يُتَّهَمُ بَرِيءٌ، أَوْ يَفْزَعُ النَّاسُ بِغَيْرِ دَاعٍ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: الْعَلَاقَاتُ الْوَهْمِيَّةُ، حَيْثُ الْعَلَاقَاتُ الْقَائِمَةُ عَلَى الْإِعْجَابَاتِ وَالتَّعْلِيقَاتِ؛ لَكِنَّهَا بِلَا وَفَاءٍ وَلَا عُمْقٍ، وَتَنْتَهِي لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: الْقَلَقُ وَالِاكْتِئَابُ بِسَبَبِ الْمُقَارَنَاتِ؛ فَحِينَ يَرَى الشَّابُّ صُوَرَ الْأَثْرِيَاءِ، وَالسَّفَرَ، وَالزِّينَةَ يَحْزَنُ عَلَى حَالِهِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ فَاشِلٌ، مَعَ أَنَّ مَا يَرَاهُ رُبَّمَا يَكُونُ وَاجِهَةً مُزَيَّفَةً.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: حُبُّ الظُّهُورِ، وَطَلَبُ الشُّهْرَةِ؛ حَيْثُ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَعِيشُ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِأَجْلِ مَا يُرْضِي مُتَابِعِيهِ، يَفْرَحُ بِعَدَدِ الْإِعْجَابَاتِ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ آخَرَ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ: الْعُزْلَةُ وَالِانْفِصَالُ عَنِ الْوَاقِعِ، فَرَغْمَ أَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ الْمَرْءُ أَنَّهُ مُحَاطٌ بِالنَّاسِ؛ لَكِنَّهُ يَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ؛ لِأَنَّ تَوَاصُلَهُ مُجَرَّدُ شَاشَةٍ لَا رُوحَ فِيهَا.

* وَمِنْهَا: تَصَدُّرُ رُؤُوسٍ جُهَّالٍ لِلْفَتْوَى، وَالتَّخَوُّضُ فِي الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ مِمَّنْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلتَّخَصُّصِ، وَدُونَ فَهْمٍ لِآلِيَّاتِ النَّصِّ، وَمَعْرِفَةِ إِسْقَاطِهِ عَلَى الْوَاقِعِ الْمَعِيشِ، وَالْإِحَاطَةِ بِفِقْهِ الْمَآلَاتِ، وَالْإِحَاطَةِ بِالْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْفَتْوَى؛ وَهِيَ: تَغَيُّرُ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالْأَحْوَالِ، وَالْأَشْخَاصِ.

* وَمِنْ سَلْبِيَّاتِهَا: تَهْيِيجُ الْجَمَاهِيرِ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَإِحْدَاثُ الثَّوْرَاتِ الْمُدَمِّرَةِ؛ فَالَّذِينَ يَجْلِسُونَ لَيْلَ نَهَارَ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الَّتِي اخْتَرَعَهَا لَهُمُ الْيَهُودُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ قُلُوبَهُمْ، وَعُقُولَهُمْ، وَأَرْوَاحَهُمْ، وَيُبَدِّدُوا ثَرْوَاتِهِمْ وَأَوْقَاتَهُمْ؛ يَجْلِسُونَ عَلَى تِلْكَ الْمَوَاقِعِ بِالتَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ يُشِيعُونَ الْقَالَةَ، وَهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ الْقَعَدِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُهَيِّجُونَ أَصْحَابَ الْفُسُولَةِ فِي الرَّأْيِ، أَصْحَابَ الْغَبَاءِ فِي الْعَقْلِ، أَصْحَابَ الضِّيقِ فِي النَّظَرِ وَالْأُفُقِ، يُهَيِّجُونَهُمْ عَلَى وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، فَيَقَعُ التَّنْفِيرُ، ثُمَّ التَّكْفِيرُ، ثُمَّ التَّفْجِيرُ!

وَهَذِهِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ الشَّرِيفَةُ أَمْرُهَا عَجِيبٌ، إِذَا لَمْ يُسَارِعْ أَهْلُهَا بِتَعْرِيبِ الْمُصْطَلَحِ الْوَافِدِ فَإِنَّهَا تَقُومُ بِتَعْرِيبِهِ هِيَ مِنْ غَيْرِ مَا قَانُونٍ ضَابِطٍ؛ فَالَّذِينَ يَجْلِسُونَ -مَثَلًا- عَلَى (الْفِيس) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ يُفَسْفِسُونَ، فَتَحْتَوِي اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ هَذَا الْمُصْطَلَحَ الْوَاحِدَ؛ فَسْفَسَ يُفَسْفِسُ، فَهُوَ مُفَسْفِسٌ فَسْفَسَةً وَفِسْفَاسًا!

فَالْحَمْقَى الَّذِينَ يَجْلِسُونَ يُفَسْفِسُونَ لَيْلَ نَهَارَ لَا هَمَّ لَهُمْ وَلَا شَاغِلَ إِلَّا قِيلَ وَقَالَ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ؛ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَفِيئُوا إِلَى الْحَقِّ، وَأَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الصِّدْقِ، وَأَنْ يَدَعُوا الْأَكَاذِيبَ وَالتَّهْيِيجَ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ فِي مُنْعَطَفٍ خَطِيرٍ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

مَا مَرَّتِ الْأُمَّةُ فِي تَارِيخِهَا مُنْذُ جَاءَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ مَا مَرَّتِ الْأُمَّةُ بِمِثْلِ مَا تَمُرُّ بِهِ الْآنَ، فِي مُنْعَطَفٍ خَطِيرٍ، وَقَدْ تَكَالَبَ عَلَيْهَا مَنْ بِأَقْطَارِهَا، وَلَوْ أَنَّ أَبْنَاءَهَا كَانُوا فِي يَقَظَةٍ، عُقُولُهُمْ فِي رُؤُوسِهِمْ؛ مَا ضَرَّهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ وَلَكِنَّ أَبْنَاءَ الْأُمَّةِ هُمُ الَّذِينَ يُعِينُونَ عَلَى الْأُمَّةِ، وَهُمْ أَشَدُّ عَلَيْهَا خَطَرًا وَوَطْأَةً مِنْ أَعْدَائِهَا، فَمَا تَقُولُ!! إِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!

((سُبُلُ مُوَاجَهَةِ سَلْبِيَّاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

وَمِنْ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ سَلْبِيَّاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ:

* الْعِنَايَةُ وَالْمُتَابَعَةُ وَالِاهْتِمَامُ الْأَبَوِيُّ وَالْأُسَرِيُّ.

* وَمِنْهَا: التَّثَبُّتُ مِنَ الْأَخْبَارِ.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

* وَمِنْ وَسَائِلِ الْخُرُوجِ مِنْ سَلْبِيَّاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ: مُرَاقَبَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ حَرَكَاتِكَ وَسَكَنَاتِكَ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].

* وَمِنْهَا: اسْتِشْعَارُ أَمَانَةِ الْكَلِمَةِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116-117].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ -أَوْ: يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

* وَمِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ الَّتِي يُتَخَلَّصُ بِهَا مِنْ سَلْبِيَّاتِ وَسَيِّئَاتِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ: تَحَرِّي أَكْلِ الْحَلَالِ عَبْرَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ؛ فَلْيَحْذَرْ كُلُّ مَنْ يَتَصَدَّرُ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ مِنَ التَّكَسُّبِ مِنْ وَرَاءِ الْبَرَامِجِ وَالْمَقَاطِعِ الَّتِي تَسْتَهْدِفُ أَعْرَاضَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ يَأْكُلُ حَرَامًا، وَلَا تَغُرَّنَّهُ الشُّهْرَةُ، وَكَثْرَةُ الْمُتَابَعَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ؛ فَهُوَ أَمْرٌ لَوْ عَلِمَهُ عَظِيمٌ.

عَنْ وَقَّاصِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْمَسْتَوْرِدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَالَ وَالطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَسَائِرَ مَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ نَاتِجًا بِسَبَبِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالنَّاسِ، وَالسُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ، أَوِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، أَوْ إِيغَارِ صُدُورِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ فَإِنَّ مَصِيرَ كُلِّ ذَلِكَ إِلَى جَهَنَّمَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى-.

((خَطَرُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ عَلَى الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ))

إِنَّ الْأُسْرَةَ هِيَ أَعْرَقُ مُؤَسَّسَةٍ فِي التَّارِيخِ الْإِنْسَانِيِّ؛ فَالْأُسْرَةُ اللَّبِنَةُ الرَّئِيسَةُ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنْهَا الْمُجْتَمَعُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ حَضَارَةٌ دُونَ تَمَاسُكِ الْأُسْرَةِ.

وَلَقَدْ تَطَوَّرَتِ الْأُسْرَةُ عَبْرَ التَّارِيخِ، وَتَعَرَّضَتْ لِتَحَدِّيَاتٍ وَتَغَيُّرَاتٍ، وَمَا تَزَالُ وَسَتَبْقَى تُوَاجِهُ تِلْكَ التَّحَدِّيَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ.

لَقَدْ ظَلَّ الشَّرْقُ وَالْغَرْبُ يُبْدُونَ إِعْجَابَهُمْ بِالنَّمُوذَجِ الْفَرِيدِ لِلْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَيَحْسُدُونَنَا عَلَى مُؤَسَّسَةِ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ، مِنْ حَيْثُ مُدْخَلَاتُهَا -أَيْ: فِي طَرِيقَةِ بِنَائِهَا-، وَفِي عَمَلِيَّاتِهَا، وَفِي مُخْرَجَاتِهَا؛ مِنَ النَّشْءِ الصَّالِحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَفِي زَمَنٍ تَشَابَكَتْ فِيهِ الشَّاشَاتُ مَعَ الْأَرْوَاحِ، وَتَدَاخَلَ فِيهِ الْعَالَمَانِ: الِافْتِرَاضِيُّ مَعَ الْوَاقِعِيِّ؛ وَجَدَتِ الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ نَفْسَهَا فِي مُوَاجَهَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ مَعَ تَيَّارَاتٍ إِعْلَامِيَّةٍ لَا تَهْدَأُ، وَرَسَائِلَ خَفِيَّةٍ وَظَاهِرَةٍ تُعِيدُ تَشْكِيلَ الْوَعْيِ وَالْقِيَمِ وَالهُوِيَّةِ، وَتَنْمِيطِ الْبَشَرِ وَفْقَ ثَقَافَةِ الْوَافِدِ الْعَاتِي.

لَمْ يَعُدِ الْإِعْلَامُ الْجَدِيدُ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ، بَلْ صَارَتْ قُوَّةً تَغْيِيرِيَّةً جَبَّارَةً تُسْهِمُ فِي صِنَاعَةِ الْأَنْمَاطِ السُّلُوكِيَّةِ، وَتَوْجِيهِ الْعُقُولِ؛ بَلْ وَإِعَادَةِ تَعْرِيفِ مَفْهُومِ الْأُسْرَةِ ذَاتِهِ.

وَفِي خِضَمِّ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ الْمُتَسَارِعَةِ تَخُوضُ مُؤَسَّسَةُ الْأُسْرَةِ مَعَارِكَ يَوْمِيَّةً بَلْ لَحْظِيَّةً قَدْ لَا تُرَى؛ لَكِنَّهَا تُضْعِفُ الْبُنْيَانَ، وَتُنْهِكُ الْقُوَى إِذَا لَمْ تُعَزَّزْ، وَتَهُزُّ الْقِيَمَ إِذَا لَمْ تُحْمَ، وَتُفَتِّتُ الرَّوَابِطَ إِذَا لَمْ تُرَاعَ، إِنَّهَا اخْتِرَاقَاتٌ وَمَعَارِكُ عَلَى الْهُوِيَّةِ، وَالثَّوَابِتِ، وَالْقِيَمِ، وَالتَّقَالِيدِ، وَالْأَعْرَافِ، وَالْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ، وَعَلَى الْمَرْجِعِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ، وَعَلَى اللُّغَةِ، وَالذَّوْقِ، وَالْفِكْرِ، وَالْعَقِيدَةِ.

وَبَاتَ الصُّمُودُ فِي وَجْهِ هَذِهِ الْعَوَاصِفِ وَاجِبًا دِينِيًّا حَضَارِيًّا، وَتَرْبَوِيًّا أَخْلَاقِيًّا، لَا تَتَحَقَّقُ مَعَالِمُهُ إِلَّا بِتَشْخِيصِ التَّحَدِّيَاتِ، وَرَسْمِ سُبُلِ الْمُوَاجَهَةِ، وَبِنَاءِ الْوَعْيِ دَاخِلَ الْبُيُوتِ، وَتَمْكِينِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَدَاءِ دَوْرِهِمَا فِي زَمَنِ السُّرْعَةِ وَالتَّشَظِّي وَالِانْشِغَالِ.

وَلَا بُدَّ مِنَ الْوَعْيِ بِتَحَدِّيَاتِ الْهُوِيَّةِ، وَتَأْثِيرِهَا عَلَى الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ بِفِعْلِ الْإِعْلَامِ الْجَدِيدِ، فَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ الْبَالِغَةِ لِشَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْجَدِيدِ؛ فَإِنَّهَا قَدْ خَلَّفَتْ سَلْبِيَّاتٍ كَثِيرَةً مَا كُنَّا فِي حَاجَةٍ إِلَيْهَا بِحَالٍ.

فَتُوَاجِهُ الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ سَيْلًا عَارِمًا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي أَتَتْ مَعَ الْوَافِدِ الْعَاتِي عَبْرَ الْفَضَاءَاتِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ، وَعَبْرَ مَنْظُومَةِ الْإِعْلَامِ الْجَدِيدِ، وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَبِأَسَالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ؛ حَتَّى أَمْسَى النَّشْءُ وَالشَّبَابُ بَلْ وَجُلُّ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْفَكَاكَ مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْجَدِيدِ!

وَالْآنَ وَبَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ الْإِعْلَامُ الْجَدِيدُ بِمَا يَحْمِلُهُ مِنْ قِيَمٍ غَرِيبَةٍ؛ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الشَّبَابِ أَمْسَى كِيَانُ الْأُسْرَةِ فِي وَضْعٍ خَطِيرٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَدَخُّلٍ عَاجِلٍ، يَحْتَاجُ إِلَى عِلَاجَاتٍ جِذْرِيَّةٍ سَرِيعَةٍ وَمُكَثَّفَةٍ، الْوَضْعُ يَحْتَاجُ إِلَى تَكَاتُفِ شَتَّى عَنَاصِرِ الْمُجْتَمَعِ وَمُكَوِّنَاتِهِ؛ لِدِرَاسَةِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْخَطِيرَةِ؛ فَأَفْرَادُ الْأُسْرَةِ لَا يَجْتَمِعُونَ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا اجْتَمَعُوا بِأَجْسَادِهِمْ، وَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ، وَقُلُوبُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ، وَأَبْصَارُهُمْ وَبَصَائِرُهُمْ فِي غَيَاهِبِ التِّيهِ وَالتَّفَاهَةِ، وَتَاهَ فِكْرُهُمْ، وَضَاعَ وَقْتُهُمْ وَجُهْدُهُمْ وَأَجْمَلُ سَنَوَاتِ عُمُرِهِمْ أَمَامَ شَاشَاتِ الْجَوَّالَاتِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّقَاطُعِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَلَيْسَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ!

تَأَثَّرَتْ هُوِيَّتُهُمْ، وَتَبَدَّلَتْ قِيَمُهُمْ فِي دَيَاجِيرِ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي تَجُرُّهُمْ جَرًّا إِلَى سَوَاحِلِ الْمَجْهُولِ، وَإِلَى مَتَاهَاتِ الضَّيَاعِ، فَأَمْسَى شَبَابُنَا فِي وَضْعٍ خَطِيرٍ، أَمْسَى حَيْثُ لَا هَدَفَ، انْحَرَفَتْ أَهْدَافُهُمْ، وَانْجَرَفَتْ قِيَمُهُمْ.

وَهَكَذَا تُوَاجِهُ الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ سَيْلًا عَارِمًا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ الْمُتَأَتِّيَةِ عَبْرَ الْإِعْلَامِ الْجَدِيدِ وَمَا تَلَاهُ مِنْ تَطْبِيقَاتِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، وَسَتَتَعَاظَمُ التَّحَدِّيَاتُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، الْأَمْرُ الَّذِي يَفْرِضُ عَلَى الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ مَزِيدًا مِنَ الْجُهُودِ الْمُنَظَّمَةِ لِتَقْوِيَةِ الْمَنَاعَةِ الْفِكْرِيَّةِ، وَالْحَصَانَةِ السُّلُوكِيَّةِ لِلْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ؛ حَتَّى تَسْتَطِيعَ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى هُوِيَّتِهَا الْإِسْلَامِيَّةِ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى دَوْرِ الْوَالِدَيْنِ، وَهُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، وَلَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّوْرُ فَاعِلًا وَمُؤَثِّرًا إِلَّا إِذَا تَرَابَطَ الطَّرَفَانِ، وَتَفَاهَمَا، وَتَرَاحَمَا عَلَى الدَّوَامِ.

((إِدْمَانُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ))

لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ تُشَكِّلُ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْحَيَاةِ الْمُعَاصِرَةِ؛ إِلَّا أَنَّ اسْتِخْدَامَهَا الْمُنْتَشِرَ أَدَّى إِلَى إِدْمَانِهَا؛ لَا سِيَّمَا بَيْنَ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَتَأَمَّلْ فِي الَّذِينَ يُقْضُونَ لَيَالِيَهُمْ بِطُولِهَا بِطَريِقَةٍ هِيَ طَرِيقَةُ الْمُدْمِنِينَ، وَالْإِدْمَانُ لَا يَتَعَلَّقُ فَقَطْ بِالْمُخَدِّرَاتِ، وَلَا بِالْمُفَتِّرَاتِ، وَلَا بِالْمُسْكِرَاتِ، بَلِ الْإِدْمَانُ -أَيْضًا- يَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ؛ فَقَدْ يُدْمِنُ عَادَةً مِنَ الْعَادَاتِ تَصِيرُ إِدْمَانًا حَقِيقِيًّا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهَا، وَلَا أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْهَا!

فَيَصِلُ الْأَمْرُ بِهَؤُلَاءِ فِي عُكُوفِهِمْ عَلَى أَجْهِزَتِهِمْ بِاللَّيْلِ وَبِالنَّهَارِ إِلَى حَدِّ الْإِدْمَانِ!

لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغْلِقَ صَفْحَتَهُ -كَمَا يَقُولُونَ-!

وَلَا أَنْ يُلْغِيَ حِسَابَهُ -كَمَا يَزْعُمُونَ-!

لَا يَسْتَطِيعُ!

وَلَا أَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَصَلَ إِلَى دَرَجَةِ اعْتِيَادِ التَّدْخِينِ -مَثَلًا-، بَلْ هِيَ إِدْمَانُ الْأَفْيُون؛ فَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ!

وَجَرِّبْ إِنْ كُنْتَ مُبْتَلًى هَلْ تَصْبِرُ؟!

مَا هُوَ إِلَّا أَنْ يُحَرِّكَكَ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: لَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ فُلَانٌ، لَقَدْ عَرَّضَ بِكَ فُلَانٌ، لَقَدْ ذَكَرَكَ فُلَانٌ، أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ فُلَانٍ؟ أَلَا تَدْرِي مَا وَقَعَ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ حَتَّى تَعُودَ كَالْمُدْمِنِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُفَارِقَ مَادَّةَ إِدْمَانِهِ!

فَهَذَا مَا يُلْهِيهِمْ وَمَا يَشْغَلُهُمْ!

دَعُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، اتَّقُوا اللهَ، لَا تُضَيِّعُوا أَنْفُسَكُمْ، وَلَا تُضَيِّعُوا الْأُمَّةَ، إِنَّمَا صَنَعُوا لَكُمْ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ لِيُلْهُوكُمْ، وَلِكَيْ يَأْخُذُوا مِنْكُمْ مَعْلُومَاتٍ مَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَبْلُغَ الْوُصُولَ إِلَى عُشْرِ مِعْشَارِهَا لَوْلَا أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ بِأَنْفُسِكُمْ!

أَسْمَعُ الْعَجَائِبَ!

الرَّجُلُ يَقْضِي حَاجَتَهُ؛ يَكْتُبُ: قَضَيْتُ حَاجَتِي، يَغْتَسِلُ؛ اغْتَسَلْتُ!

الْمَرْأَةُ صَنَعَتِ الْيَوْمَ طَعَامًا؛ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ هَيْئَتِهِ كَذَا، وَرُبَّمَا -لَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ؛ أَنْزَلَتْ.. بَعَثَتْ- صَوَّرَتْ صُورَتَهُ وَعَرَضَتْهُ!

مَا هَذَا الْعَبَثُ؟!

عُمُرُكُمْ نَفِيسٌ، اتَّقُوا اللهَ فِيهِ، اللَّحْظَةُ الَّتِي تَمُرُّ تُقَرِّبُكَ مِنَ الْقَبْرِ لَحْظَةً، لَا مَحَالَةَ، الْعُمُرُ مَحْدُودٌ، اتَّقُوا اللهَ فِيهِ!

إِذَا جِئْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِثَانِيَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَمْ تَشْغَلْهَا بِعَمَلٍ طَالِحٍ -يَعْنِي: فِي مُبَاحٍ- كَانَتْ عَلَيْكَ تِرَةً وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْأَبْعَدُ كَالَّذِي يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ فَيَجِدُ بَعْرَةً وَيَجِدُ دُرَّةً، فَيَتْرُكُ الدُّرَّةَ، وَيَأْخُذُ الْبَعْرَةَ!

سَنَلُومُهُ؛ لَكِنْ هَلْ وَقَعَ فِي مَحْظُورٍ شَرْعِيٍّ؟! لَا نَقُولُ..

فَكَذَلِكَ إِذَا مَرَّ عَلَيْكَ وَقْتٌ فِي مُبَاحٍ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ كَانَ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خِزَانَتُهُ فَارِغَةٌ -كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ-.

إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ الْقَضَايَا التَّرْبَوِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا: انْغِمَاسَ الْأَطْفَالِ فِي مَوَاقِعِ السُّوشيَال مِيدْيَا؛ حَتَّى أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَطْفَالِ لَا يَسْتَطِيعُونَ فِرَاقَ الْهَاتِفِ وَلَوْ دَقَائِقَ! وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ لَمْ تَعُدْ مُجَرَّدَ تَسْلِيَةٍ أَوْ تَرْفِيهٍ، بَلْ تَحَوَّلَتْ لَدَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى إِدْمَانٍ حَقِيقِيٍّ يَضُرُّ بِالدِّينِ، وَالْعَقْلِ، وَالْجَسَدِ، وَالسُّلُوكِ.

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الْإِسْرَاءِ: ٣٦].

((أَيْ: وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، بَلْ تَثَبَّتْ فِي كُلِّ مَا تَقُولُهُ وَتَفْعَلُهُ، فَلَا تَظُنَّ ذَلِكَ يَذْهَبُ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ؛ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}، فَحَقِيقٌ بِالْعَبْدِ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَمَّا قَالَهُ وَفَعَلَهُ، وَعَمَّا اسْتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحَهُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ أَنْ يُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاسْتِعْمَالِهَا بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ، وَكَفِّهَا عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ -تَعَالَى)).

((التَّرْهِيبُ مِنَ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ هَدْرَ الْأَمْوَالِ فِي الْمَيْسِرِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى صَالَاتِ الْقِمَارِ وَمَوَائِدِهِ التَّقْلِيدِيَّةِ كَمَا كَانَ سَابِقًا، وَإِنَّمَا يَشْمَلُ مُخْتَلَفَ الصُّوَرِ الْمَيْسِرِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ؛ فَفِي أَلْعَابِ الْيَانَصِيب، وَالْمُسَابَقَاتِ الْهَاتِفِيَّةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَلْعَابِ الْحَظِّ يَتِمُّ تَغْرِيرُ مِئَاتِ الْأُلُوفِ -وَأَحْيَانًا الْمَلَايِينِ مِنَ النَّاسِ- بِالْمُشَارَكَةِ فِي مُسَابَقَاتٍ وَهْمِيَّةٍ، وَلَا يَحْصُدُونَ إِلَّا الْفَقْرَ وَالْكَآبَةَ.

وَشَرِكَاتُ التَّسْوِيقِ الشَّبَكِيِّ تَنْتَشِرُ انْتِشَارَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُشْتَرِكٍ فِيهَا يَبْذُلُ غَايَةَ جَهْدِهِ لِلْإِيقَاعِ بِأَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ الْجُدُدِ؛ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْخَسَارَةَ الَّتِي تَكَبَّدَهَا مُسَبَّقًا، وَلِيُحَقِّقَ الرِّبْحَ الْمَنْشُودَ، وَالنَّتِيجَةُ هِيَ ضَيَاعُ أَمْوَالِ الْجَمَاهِيرِ الْغَفِيرَةِ مِنَ الْمُغَفَّلِينَ إِلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الشَّرِكَاتِ الْآثِمَةِ، وَالَّتِي تُعْطِي النَّزْرَ الْيَسِيرَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنَ الْقَلِيلِ مِمَّا أَخَذَتْ مِنْ مَجْمُوعِهِمْ، وَهَكَذَا.

لَقَدْ تَأَثَّرَتْ هُوِيَّةُ الشَّبَابِ، وَتَبَدَّلَتْ قِيَمُهُمْ فِي دَيَاجِيرِ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي تَجُرُّهُمْ جَرًّا إِلَى سَوَاحِلِ الْمَجْهُولِ، وَإِلَى مَتَاهَاتِ الضَّيَاعِ، فَأَمْسَى شَبَابُنَا فِي وَضْعٍ خَطِيرٍ، أَمْسَى حَيْثُ لَا هَدَفَ، انْحَرَفَتْ أَهْدَافُهُمْ، وَانْجَرَفَتْ قِيَمُهُمْ.

((عِلَاجُ إِدْمَانِ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ))

وَأَمَّا عِلَاجُ إِدْمَانِ الْأَطْفَالِ لِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ؛ فإِنَّ طَرِيقَ الْعَافِيَةِ مِنْ إِدْمَانِ السُّوشيَال مِيدْيَا يَبْدَأُ مِنَ الْوَعْيِ؛ حَيْثُ يُعِيدُ لِلْإِنْسَانِ ذَاتَهُ، وَيُرَبِّي أَطْفَالَهُ عَلَى التَّوْعِيَةِ بِمَخَاطِرِ اسْتِخْدَامِ السُّوشْيَال مِيدْيَا بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ، وَبِهَذَا نَنْتَقِلُ مِنْ مُسْتَنْقَعِ الْإِدْمَانِ إِلَى حَالَةٍ مِنَ الْهُدُوءِ وَالسَّكِينَةِ، وَنُحْكِمُ السَّيْطَرَةَ عَلَى وَسَائِلِ التِّكْنُولُوجيَا الْحَدِيثَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التَّحْرِيمِ: ٦].

((أَيْ: يَا مَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ! قُومُوا بِلَوَازِمِهِ وَشُرُوطِهِ؛ فَـ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}: مَوْصُوفَةً بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْفَظِيعَةِ.

وَوِقَايَةُ الْأَنْفُسِ بِإِلْزَامِهَا أَمْرَ اللَّهِ، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ امْتِثَالًا، وَنَهْيِهِ اجْتِنَابًا، وَالتَّوْبَةَ عَمَّا يَسْخَطُ اللَّهُ وَيُوجِبُ الْعَذَابَ.

وَوِقَايَةُ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ بِتَأْدِيبِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ، وَإِجْبَارِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَلَا يَسْلَمُ الْعَبْدُ إِلَّا إِذَا قَامَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِيمَنْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِنَ الزَّوْجَاتِ، وَالْأَوْلَادِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ.

وَوَصَفَ اللَّهُ النَّارَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ لِيَزْجُرَ عِبَادَهُ عَنِ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِهِ فَقَالَ: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].

{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} أَيْ: غَلِيظَةٌ أَخْلَاقُهُمْ، شَدِيدٌ انْتِهَارُهُمْ، يُفْزِعُونَ بِأَصْوَاتِهِمْ، وَيُزْعِجُونَ بِمَرْآهُمْ، وَيُهِينُونَ أَصْحَابَ النَّارِ بِقُوَّتِهِمْ، وَيُنَفِّذُونَ فِيهِمْ أَمْرَ اللَّهِ الَّذِي حَتَّمَ عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ شِدَّةَ الْعِقَابِ، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}: وَهَذَا فِيهِ -أَيْضًا- مَدْحٌ لِلْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ، وَانْقِيَادُهُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَطَاعَتُهُمْ لَهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ)).

* أَعْظَمُ سُبُلِ مُعَالَجَةِ إِدْمَانِ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ: تَعْلِيمُهُمُ التَّوْحِيدَ؛ فقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْتَسْلِمَيْنِ لِأَمْرِكَ، خَاضِعَيْنِ لِطَاعَتِكَ، لَا نُشْرِكُ مَعَكَ فِي الطَّاعَةِ أَحَدًا سِوَاكَ، وَلَا فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَكَ.

وَدَعَوَا اللهَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَهْلَ طَاعَتِهِ وَوِلَايَتِهِ وَالْمُسْتَجِيبِينَ لِأَمْرِهِ.

وَوَصَّى إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْإِسْلَامِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ نَبِيُّهُ ﷺ، وَهُوَ إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ وَالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ، وَخُضُوعُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لَهُ.

فَعَهِدَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلَى بَنِيهِ بِذَلِكَ -أَيْ: بِالْإِسْلَامِ-، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَوَصَّى بِذَلِكَ -أَيْضًا- يَعْقُوبُ بَنِيهِ.

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ}: الَّذِي قَدْ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ، {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}: فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَمُوتُوا إلَّا وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128].

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا بِتَوْفِيقِكَ لَنَا وَهِدَايَتِنَا مُخْلِصَيْنِ مُطِيعَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ، رَبَّنَا وَاجْعَلْ بَعْضَ أَوْلَادِنَا بِحِكْمَتِكَ وَتَوْفِيقِكَ جَمَاعَةً خَاضِعَةً مُنْقَادَةً لَكَ.

رَبَّنَا وَعَلِّمْنَا وَبَصِّرْنَا شَرَائِعَ دِينِنَا، وَأَعْمَالَ حَجِّنَا، وَالْأَمَاكِنَ الْخَاصَّةَ الَّتِي جَعَلْتَهَا لِعِبَادَتِكَ، وَتَجَاوَزْ عَنَّا بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، وَتَقَبَّلْ مِنَّا تَوْبَتَنَا، وَارْحَمْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ كَثِيرُ الْقَبُولِ لِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِكَ، الدَّائِمُ الرَّحْمَةِ بِهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].

وَوَصَّى إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَالِاسْتِسْلَامِ الْكَامِلِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ -وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا، أَحَدُهُمْ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-- بِمِثْلِ مَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمُ، وَكُلٌّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- قَالَ لِبَنِيهِ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُمْ: يَا أَبْنَائِي! إِنَّ اللهَ اخْتَارَ لَكُمْ عَقَائِدَ الدِّينِ، وَشَرَائِعَهُ، وَأَحْكَامَهُ، فَاسْتَخْلَصَ لَكُمْ أَحْسَنَهَا، وَكَلَّفَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا، وَتَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهَا.

وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُسْلِمِي قِيَادَتِكُمْ فِي مَسِيرَةِ حَيَاتِكُمْ إِلَيْهِ -جَلَّ جَلَالُهُ-، تُطِيعُونَهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَتُؤَدُّونَهُ، وَتُطِيعُونَهُ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَتَجْتَنِبُونَهُ.

فَالْتَزِمُوا بِإِسْلَامِكُمْ لَهُ كُلَّ أَزْمَانِ حَيَاتِكُمْ؛ حَتَّى إِذَا جَاءَكُمُ الْمَوْتُ الَّذِي لَا تَعْلَمُونَ وَقْتَ نُزُولِهِ بِكُمْ عِنْدَ انْتِهَاءِ آجَالِكُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا مُمْتَحَنُونَ؛ جَاءَكُمْ حِينَئِذٍ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، مُسْتَسْلِمُونَ، مُنْقَادُونَ، مُطِيعُونَ رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ؛ لِتَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ وَالْفَائِزِينَ بِالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وَقَدْ كَانَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَدْعُو رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ فِي جَانِبٍ، وَعِبَادَةَ الْأَصْنَامِ فِي جَانِبٍ.

قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].

وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي لِآيَاتِنَا حِينَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- دَاعِيًا رَبَّهُ بَعْدَ أَنْ أَسْكَنَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ مَكَّةَ: رَبِّ اجْعَلْ مَكَّةَ بَلَدًا ذَا أَمْنٍ يَأْمَنُ كُلُّ مَنْ فِيهَا، وَأَبْعِدْنِي وَأَبْعِدْ بَنِيَّ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.

{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} أَيِ: اجْعَلْنِي وَبَنِيَّ فِي جَانِبٍ، وَعِبَادَةَ الْأَصْنَامِ فِي جَانِبٍ آخَرَ.

* مِنْ أَنْفَعِ الْعِلَاجَاتِ لِإِدْمَانِ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ: أَمْرُهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَمُتَابَعَةُ حِفَاظِهِمْ عَلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45].

(({إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وَالْفَحْشَاءُ: كُلُّ مَا اسْتُعْظِمَ وَاسْتُفْحِشَ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ، وَالْمُنْكَرُ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ تُنْكِرُهَا الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ، وَوَجْهُ كَوْنِ الصَّلَاةِ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ: أَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِيمَ لَهَا، الْمُتَمِّمَ لِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَخُشُوعِهَا يَسْتَنِيرُ قَلْبُهُ، وَيَتَطَهَّرُ فُؤَادُهُ، وَيَزْدَادُ إِيمَانُهُ، وَتَقْوَى رَغْبَتُهُ فِي الْخَيْرِ، وَتَقِلُّ أَوْ تُعْدَمُ رَغْبَتُهُ فِي الشَّرِّ؛ فَبِالضَّرُورَةِ مُدَاوَمَتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِهَا وَثَمَرَاتِهَا)).

قَالَ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].

وَأْمُرْ يَا رَسُولَ اللهِ وَيَا كُلَّ حَامِلٍ لِرِسَالَتِهِ مِنْ أُمَّتِكَ أَهْلَكَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَاصْبِرْ صَبْرًا كَثِيرًا عَلَى أَدَائِهَا، وَعَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الصَّلَوَاتِ النَّوَافِلِ؛ وَلَا سِيَّمَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.

لَا نُكَلِّفُكَ أَنْ تَرْزُقَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِنَا، وَلَا أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ، بَلْ نَحْنُ نُهَيِّئُ لَكَ رِزْقَكَ الَّذِي يَكْفِيكَ وَيَكْفِي أُسْرَتَكَ؛ لِتَتَفَرَّغَ لِلْقِيَامِ بِوَظَائِفِ رِسَالَةِ رَبِّكَ، وَالْعَاقِبَةُ الْحَسَنَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَهْلِ التَّقْوَى.

وَقَالَ تَعَالَى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].

رَبِّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِأَرْكَانِهَا، وَيُحَافِظُ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِهَا.

رَبَّنَا وَاسْتَجِبْ دُعَائِي بِفَضْلِكَ وَكَرَمِكَ، وَاجْعَلْهُ مَقْبُولًا عِنْدَكَ.

وَقَالَ ﷺ: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُم عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ)).

مُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَاصْطَبِرُوا عَلَيْهَا، اصْطَبِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ، لَا عَلَى الْأَهْلِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَهَذَا أَمْرُ اللهِ.

فَعَلَى مَنْ كَانَ قَائِمًا عَلَى أَهْلِهِ بِالرِّعَايَةِ بِمَا يُرْضِي رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَأَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي صِيَامِهِمْ، وَأَنْ يُرَاعِيَهُمْ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَهَا فُرْقَانًا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).

* مِنْ وَسَائِلِ الْعِلَاجِ الْعَظِيمَةِ لِإِدْمَانِ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ وَالإِنْتَرْنِت: شَغْلُهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، كَمَا كَانَ يَشْغَلُ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَبْنَاءَهُمْ بِاللُّعْبَةِ مِنَ الْعِهْنِ؛ لِيُكْمِلُوا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَرَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

فَكَانَ صِيَامُهُ فَرْضًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ-، قَالَ ﷺ: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ».

وَفِي رِوَايَةِ الرُّبَيِّعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ -أَيْ: مِنَ الصُّوفِ الْمَنْفُوشِ-، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِذَا سَأَلُونَا -تَعْنِي الصِّبْيَانَ- الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُم».

وَهَذَا كُلُّهُ لِتَعْظِيمِ صِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُعَظَّمِ.

وَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ صَارَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مُسْتَحَبًّا، غَيْرَ وَاجِبٍ.

فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الرُّبَيِّعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ)).

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْغَلُ بِهِ الْوَالِدَانِ أَبْنَاءَهُمَا عَنِ الْعُكُوفِ عَلَى شَاشَاتِ الإِنْتَرْنِت: الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ حِفْظًا، وَفَهْمًا، وَتَدَبُّرًا، وَعَمَلًا؛ فَالْبُيُوتُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُنِيرَةً بِآيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ بِقُرْآنِ الرَّحْمَنِ، لَا بِقُرْآنِ الشَّيْطَانِ!!

لَقَدْ كَانَتْ أَبْيَاتُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِاللَّيْلِ -لِمَنْ سَارَ فِي طُرُقَاتِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ- كَانَتْ تِلْكَ الْأَبْيَاتُ -أَبْيَاتُ الْأَصْحَابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-- لَهَا بِاللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

فَلْنُوَجِّهْ أَهْلِينَا، وَلْنُوَجِّهْ أَنْفُسَنَا إِلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِتَرْكِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لِلنَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.

إِنَّنَا نُقِيتُ أَهْلِينَا بِمَا تَقُومُ بِهِ أَجْسَادُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُقِيتَ أَرْوَاحَهُمْ، وَقُلُوبَهُمْ، وَأَنْفُسَهُمْ، وَعُقُولَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْبَاقِيَةُ، يَسْتَمِدُّونَ الْحَيَاةَ الْحَقِيقِيَّةَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

أَلَا فَلْنُوَجِّهْهُمْ -بَعْدَ أَنْ نُوَجِّهَ أَنْفُسَنَا- إِلَى ذِكْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَإِنَّ فِي الْقَلْبِ قَسْوَةً لَا يُذِيبُهَا إِلَّا ذِكْرُ اللهِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا نَشْغَلُهُمْ بِهِ عَنْ مَرَضِ الْإِدْمَانِ الْإِلِكْتُرُونِيِّ: الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَبْنَاءِ: تَعْلِيمَهُمُ الْفُرُوضَ الْعَيْنِيَّةَ، وتَأْدِيبَهُمْ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ.

((وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَسِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ))

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ: الدَّلَالَةَ عَلَى الْخَيْرِ، وَصُوَرُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ لَا تُحْصَى، مِنْ أَهَمِّهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ: اسْتِخْدَامُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى الْخَيْرِ.

وَمَنْ عَاشَ قَبْلَ زَمَانِ ثَوْرَةِ الِاتِّصَالَاتِ يَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ حَالِ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَالِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْكَثِيرِ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرِ وَبِفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْكَ -أَيَّهُا الْمُتَاجِرُ مَعَ رَبِّكَ- أَنْ تَسْتَخْدِمَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ، وَلَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدَّلَالَةِ ضَعْفُ عِبَادَتِكَ، أَوِ ارْتِكَابُكَ لِمَعْصِيَةٍ؛ فَمَعْصِيَتُكَ تَحْتَاجُ مِنْكَ لِتَوْبَةٍ خَاصَّةٍ، وَنَشْرُ الْخَيْرِ شَأْنٌ آخَرُ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ نَشْرُكَ لِلَخْيِرِ سَبَبًا لِإِقْلَاعِكَ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ.

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِ نَبِيِّكَ ﷺ فَعَلَيْكَ أَنْ تَسْلُكَ سَبِيلَهُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَقَدْ حَثَّكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى سُلُوكِ هَذِهِ السَّبِيلِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شَيْءٌ أَخَصُّ مِنَ الْعِلْمِ، هِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِعِلْمٍ؛ وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّاعِي إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، بَلْ أَنْتَ تَدْعُو إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

أَنْتَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ عِلْمٍ لِكَيْ تَأْمُرَ الَّذِي لَا يُصَلِّي بِأَنْ يُصَلِّيَ!

لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ عِلْمٍ إِلَى نَهْيِ مَنْ يَسُبُّ الدِّينَ، أَوْ يَأْتِي بِالْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ، أَوْ يَتَوَرَّطُ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ عِلْمٍ لِنَهْيِهِ عَمَّا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ!

فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَيْتَ بِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ دَعْوَةٌ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَلَا تَرْغَبُ أَنْ تَفُوزَ أَنْتَ بِأَشْرَفِ الْأَعْمَالِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]؟!

أَلَا تُرِيدُ أَنْ تَفُوزَ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ بِغَيْرِ جُهْدٍ كَبِيرٍ مِنْكَ؟!

كُلُّ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ تَفُوزُ بِهِ بِدَلَالَتِكَ عَلَى الْخَيْرِ.

انْشُرْ فَضَائِلَ الْأَعْمَالِ!

امْلَأْ وَسَائِلَ تَوَاصُلِكَ بِالْخَيْرِ؛ لِأَنَّكَ تَتَعَامَلُ مَعَ الْكَرِيمِ -سُبْحَانَهُ-، فَرُبَّمَا لَنْ تُصَدِّقَ بِكَمِّيَّةِ الْحَسَنَاتِ عِنْدَ لِقَاءِ اللهِ وَالَّتِي لَمْ تَعْمَلْ عُشْرَهَا؛ لَكِنَّكَ كُنْتَ دَلِيلًا لِغَيْرِكَ فَعَمِلُوا بِهَا، فَكَانَ لَكَ مِثْلُ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ.

فَدُونَكَ الْبَابَ الْكَبِيرَ لِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، وَذَلِكَ فَضْلُ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ.

فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُحْسِنَ أَحْوَالَنَا، وَأَنْ يُحْسِنَ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
  الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ وَرِسَالَةٌ هَامَّةٌ وَمُتَجَدِّدَةٌ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ
  الْأَبْعَادُ الْإِنْسَانِيَّةُ وَمَخَاطِرُ تَجَاهُلِهَا
  الرد على الملحدين:الأدلة على وجود الله عز وجل 3
  الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ
  الِاتِّحَادُ قُوَّةٌ
  حَقِيقَةُ مِحْنَةِ غَزَّةَ وَدَوْرُ مِصْرَ التَّارِيخِيُّ
  الْإِيجَابِيَّةُ
  فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ،وَالدُّرُوسُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  الْحَقُّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتَطْبِيقَاتُهُ فِي حَيَاتِنَا
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان