الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ

الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((نِعْمَةُ الْإِيمَانِ))

فَالْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي غَرَسَ شَجَرَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْأَخْيَارِ، وَسَقَاهَا وَغَذَّاهَا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَالْمَعَارِفِ الصَّادِقَةِ، وَاللَّهَجِ بِذِكْرِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَجَعَلَهَا تُؤْتِي أُكُلَهَا وَبَرَكَتَهَا كُلَّ حِينٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالنِّعَمِ الْغِزَارِ.

إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ أَجَلُّ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ حَيْثُ يَقُولُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7- 8].

وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ، وَحَسَّنَهُ وَقَرَّبَهُ مِنْكُمْ، وَأَدْخَلَهُ فِي قُلُوبِكُمْ حَتَّى اخْتَرْتُمُوهُ، وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ بِاللهِ وَالْخُرُوجَ عَنْ طَاعَتِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي لَا تَتَجَاوَزُ حُدُودَ الصَّغَائِرِ، أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُحَبَّبُ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانُ الْمُزَيَّنُ فِي قُلُوبِهِمْ هُمُ الْمُهْتَدُونَ إِلَى مَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

وَهَذَا الْخَيْرُ الَّذِي حَصَلَ لَكُمْ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً عَلَيْكُمْ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِكُمْ وَبِمَا فِي قُلُوبِكُمْ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ خَلْقِهِ.

هَذِهِ أَكْبَرُ الْمِنَنِ: أَنْ يُحَبِّبَ الْإِيمَانَ لِلْعَبْدِ، وَيُزَيِّنَهُ فِي قَلْبِهِ، وَيُذِيقَهُ حَلَاوَتَهُ، وَتَنْقَادَ جَوَارِحُهُ لِلْعَمَلِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ؛ وَيُبَغِّضَ اللهُ إِلَيْهِ أَصْنَافَ الْمُحَرَّمَاتِ.


((عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ))

عِبَادَ اللهِ! الْإِيمَانُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَأَلَّفُ مِنَ اعْتِقَادٍ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلٍ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٍ بِالْجَوَارِحِ؛ فَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ عِنْدَهُمْ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2-4].

فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ دُخُولُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فِي الْإِيمَانِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)).

فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِيهَا عَطْفُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}.

وَكَمَا فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}.

وَكَمَا فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.

فَهَذَا الْعَطْفُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْأَعْمَالِ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِيمَانِ يَكُونُ غَالِبًا لِتَفَاوُتِهِمْ فِي الْأَعْمَالِ وَفِي الْأَقْوَالِ أَيْضًا؛ بَلْ إِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِيمَا يَقُومُ بِقُلُوبِهِمْ.

قَالَ الْإِمَامُ الْحُمَيْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَلَا يَنْفَعُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلٌ وَقَوْلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِسُنَّةٍ)).

وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: ((الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ)).

فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ((يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! لَا تَقُلْ يَنْقُصُ))، فَغَضِبَ سُفْيَانُ وَقَالَ: ((اسْكُتْ يَا صَبِيُّ، بَلْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ». وَهَذَا الْقَوْلُ عَنْ سُفْيَانَ صَحِيحٌ إِلَيْهِ.

الْإِيمَانُ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِالشَّيْءِ عَنْ تَصْدِيقٍ بِهِ، وَلَيْسَ مُطْلَقَ التَّصْدِيقِ، فَالْإِيمَانُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَالِاعْتِرَافُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْقَبُولِ لِلْأَخْبَارِ، وَالْإِذْعَانِ لِلْأَحْكَامِ.

هَذَا مُهِمٌّ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي نَفْسِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُرْجِئَةَ عَامَّةُ ضَلَالِهِمْ مِنَ اعْتِقَادِهِمْ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ!! فَجَعَلُوا الْإِيمَانَ شَيْئًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَأَخْرَجُوا الْأَعْمَالَ مِنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ.

الْإِيمَانُ: نُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بِالْجَنَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيَتَفَاضَلُ أَهْلُهُ فِيهِ.

قَوْلٌ وَعَمَلٌ؛ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيَتَفَاضَلُ أَهْلُهُ فِيهِ.

الْإِيمَانُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَشْمَلُ الدِّينَ كُلَّهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ)). قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟)).

قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: ((شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ».

وَالْإِيمَانُ يُعَرَّفُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ بِالْأَرْكَانِ السِّتَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ فَيَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ الْإِسْلَامُ وَالْإِحْسَانُ، وَأَمَّا عِنْدَ اقْتِرَانِ الْإِيمَانِ بِالْإِسْلَامِ؛ فَيَكُونُ الْإِيمَانُ لِلْعَمَلِ الْبَاطِنِ لِلْقَلْبِ، وَيَكُونُ الْإِسْلَامُ لِلْجَوَارِحِ، هَذَا عِنْدَ الِاقْتِرَانِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا، فَإِذَا ذُكِرَ الْإِسْلَامُ مُفْرَدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَرِنَ الْإِيمَانُ بِهِ؛ دَخَلَ الْإِيمَانُ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ.

وَأَمَّا عِنْدَ التَّفْصِيلِ؛ فَكُلٌّ يُعَرَّفُ عَلَى حَسَبِ حَدِّهِ.

الْإِيمَانُ هُوَ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا، سَمَّى اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الصَّلَاةَ -وَهِيَ عَمَلٌ- إِيمَانًا؛ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.

الْمَقْصُودُ بِالطَّاعَاتِ: مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ؛ كَالِاعْتِقَادَاتِ، وَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ؛ كَالْأَقْوَالِ، وَمَا يَكُونُ بِسَائِرِ الْجَوَارِحِ؛ كَالْأَعْمَالِ.

فَهَاهُنَا أَعْمَالُ الْقُلُوبِ، وَنُطْقُ اللِّسَانِ، وَأَعْمَالُ الْجَوَارِحِ، مَعَ قَوْلِ الْقَلْبِ.

وَأَصْلُ الْإِيمَانِ بِمَعْنَى الْإِقْرَارِ، لَا بِمُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ، الْإِقْرَارُ ضِمْنَ قَوْلِ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، وَعَمَلِ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ لَمْ يُقَابَلْ بِالتَّكْذِيبِ كَلَفْظِ التَّصْدِيقِ؛ فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ فِي اللُّغَةِ: أَنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ يُقَالُ لَهُ: صَدَقْتَ أَوْ كَذَبْتَ، وَيُقَالُ: صَدَّقْنَاهُ أَوْ كَذَّبْنَاهُ، وَلَا يُقَالُ: أَنْتَ مُؤْمِنٌ لَهُ أَوْ مُكَذِّبٌ لَهُ، بَلِ الْمَعْرُوفُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيمَانِ لَفْظُ الْكُفْرِ، يُقَالُ: هُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، وَالْكُفْرُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّكْذِيبِ».

كَذَلِكَ يُؤَيِّدُ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ؛ لَمَّا يُسْأَلُ الْمَيِّتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَقُولُ: «هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ)).

فَيَقُولَانِ لَهُ: ((مَا عِلْمُكَ؟)).

فَيَقُولُ: ((قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَلَا إِقْرَارَ إِلَّا بِتَصْدِيقٍ، الْإِيمَانُ بِالْإِقْرَارِ يَتَضَمَّنُ بِظَاهِرِهِ تَصْدِيقًا مَعَ مُوَافَقَةٍ وَمُوَالَاةٍ وَانْقِيَادٍ، فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ فَقَطْ، فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ جُزْءَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ، كَمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الِانْقِيَادِ مَعَ التَّصْدِيقِ جُزْءَ مُسَمَّى الْكُفْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمًا مُنْقَادًا لِلْأَمْرِ، وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ قَوْلًا وَعَمَلًا: قَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ{.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}، وَهَذَا مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ فِي الدِّينِ إِلَّا بِهِمَا، وَهِيَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ اعْتِقَادًا، وَمِنْ عَمَلِ اللِّسَانِ نُطْقًا، وَلَا تَنْفَعُ إِلَّا بِتَوَاطُئِهِمَا.

وَقَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، سَمَّى الصَّلَاةَ كُلَّهَا إِيمَانًا، وَهِيَ جَامِعَةٌ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ.

وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْجِهَادَ، وَقِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَصِيَامَ رَمَضَانَ وَقِيَامَهُ، وَأَدَاءَ الْخُمُسِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.. جَعَلَهُ ﷺ مِنَ الْإِيمَانِ.

أَدَاءُ الْخُمُسِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَفِيهِ: «فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟)).

قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: ((شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ». وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.

فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَسُئِلَ ﷺ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟».

قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ».

فَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ قَوْلًا وَعَمَلًا.

((الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ))

الْإِيمَانُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ؛ فَمِنْ أَدِلَّةِ زِيَادَتِهِ: قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

وَقَوْلُهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ.

وَأَمَّا أَدِلَّةُ نُقْصَانِهِ؛ فَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «مِنْ إِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ مِنَ النَّارِ» كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

كَذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي وَصَفَ فِيهِ النِّسَاءَ بِأَنَّهُنَّ «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ». وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

قَالَ الْحَافِظُ فِي ((الْفَتْحِ)): « وَرَوَى -يَعْنِي: اللَّالَكَائِيَّ- بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ».

وَأَطْنَبَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

فَهَذَا إِجْمَاعٌ؛ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَجِدُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، فَالْمَرْءُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ كَمَا هُوَ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لَيْسَ كَمَا هُوَ فِي غَيْرِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُحِسُّهَا الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ، وَيَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ، قَالَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ}.

((مِنْ أَسْبَابِ زِيَادَةِ وَنُقْصَانِ الْإِيمَانِ))

الْإِيمَانُ يَزِيدُ، وَلِلزِّيَادَةِ أَسْبَابٌ؛ مِنْهَا:

* مَعْرِفَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ مَعْرِفَةً بِاللهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ ازْدَادَ إِيمَانًا.

* وَمِنْهَا: النَّظَرُ فِي آيَاتِ اللهِ -تَعَالَى- الْكَوْنِيَّةِ وَآيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].

كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ عِلْمًا بِمَا أَوْدَعَ اللهُ -تَعَالَى- فِي الْكَوْنِ مِنْ عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمِنَ الْحِكَمِ الْبَالِغَاتِ؛ ازْدَادَ إِيمَانًا بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَكَذَلِكَ النَّظَرُ فِي آيَاتِ اللهِ الشَّرْعِيَّةِ يَزِيدُ الْإِنْسَانَ إِيمَانًا بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لِأَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ -وَهِيَ الْأَحْكَامُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ-؛ وَجَدْتَ فِيهَا مَا يَبْهَرُ الْعُقُولَ؛ مِنَ الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ، وَالْأَسْرَارِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا أَنَّ لِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَصْلًا وَإِلَهًا وَرَبًّا شَرَعَهَا وَأَنْزَلَهَا، وَأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، فَتَزْدَادُ -حِينَئِذٍ- إِيمَانًا.

* مِنْ أَسْبَابِ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ: كَثْرَةُ الطَّاعَاتِ، وَالْإِحْسَانُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِيهِ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَزِيدَ بِكَثْرَتِهَا.

* مِنْ أَسْبَابِ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ: تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَزْدَادُ بِذَلِكَ إِيمَانًا بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

أَسْبَابُ نَقْصِ الْإِيمَانِ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ:

* الْإِعْرَاضُ عَنْ مَعْرِفَةِ اللهِ -تَعَالَى- وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.

* الْإِعْرَاضُ عَنِ النَّظَرِ فِي آيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْكَوْنِيَّةِ وَآيَاتِهِ -تَعَالَى- الشَّرْعِيَّةِ، فَهَذَا يُوجِبُ الْغَفْلَةَ وَقَسْوَةَ الْقَلْبِ.

* قِلَّةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ)).

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُقْصَانُ دِينِهَا؟

قَالَ: ((أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ)).

فَجُعِلَ قِلَّةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ نَقْصًا فِي الدِّينِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ.

* فِعْلُ الْمَعَاصِي يُؤَدِّي إِلَى نُقْصَانِ الْإِيمَانِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))

لَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِن الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ؛ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ؛ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)).

فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يُبَيِّنُ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ جُمْلَةً مِنَ الْأُمُورِ الْأَصِيلَةِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَوَّلُ مَا يُطَالِعُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَيَتَفَاضَلُ أَهْلُهُ فِيهِ، وَهُوَ يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ، وَيَقِلُّ عَلَى حَسَبِ عَمَلِ السَّيِّئَاتِ.

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ)): يُرِيدُ بِالْقُوَّةِ هَاهُنَا: عَزِيمَةَ النَّفْسِ، وَقُدْرَتَهَا عَلَى أَنْ تُصَرِّفَ الْجَسَدَ مَعَهَا إِلَى طَاعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَيْسَ الْمُرَادُ -بِالدَّرَجَةِ الْأُولَى- مَا يَتَعَلَّقُ بِقُوَّةِ الْبِنْيَةِ، وَسَلَامَةِ الْجَسَدِ وَالصِّحَّةِ؛ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ ابْتِلَاءً مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يُخْفِقُ وَيَفْشَلُ فِيهِ مَنْ آتَاهُ اللهُ الْقُوَّةَ وَالصِّحَّةَ، فَيُصَرِّفُهَا فِي ظُلْمِ النَّاسِ، وَفِعْلِ السَّيِّئَاتِ.

وَلَكِنْ ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ)) يُرِيدُ عَزِيمَةَ النَّفْسِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَتَحُثُّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَجْعَلُ الْإِنْسَانَ عَابِدًا لِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا يُرِيدُهُ سَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ.

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))، وَحَتَّى لَا يَتَصَوَّرَ إِنْسَانٌ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الضَّعِيفَ -الَّذِي عِنْدَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ إِلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَلَا يُوَاظِبُ عَلَى طَلَبِ الْخَيْرَاتِ، وَيَقَعُ مِنْهُ بَعْضُ التَّقْصِيرِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ عِنْدَ الْمُلِمَّاتِ- حَتَّى لَا يَتَصَوَّرَ أَحَدٌ أَنَّ هَذَا لَا خَيْرَ فِيهِ؛ قَالَ الرَّسُولُ ﷺ: ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))؛ أَيْ: فِي الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ خَيْرٌ، وَفِي الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ -أَيْضًا- خَيْرٌ.

وَهَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُمَا؛ إِنَّمَا تَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الْإِتْيَانِ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ؛ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالِانْبِعَاثِ فِي الْخَيْرَاتِ، وَتَمَامِ الْمُلَازَمَةِ لِلطَّاعَاتِ.

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)).

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)): وَهَذِهِ الْجُمْلَةِ هِيَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَهِيَ أَسَاسٌ وَقَاعِدَةٌ لِلْمُسْلِمِ، لَوْ أَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَا؛ لَأَصْلَحَ اللهُ حَالَهُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ.

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)): لَا تُبَدِّدْ طَاقَتَكَ، وَلَا تُهْدِرْ وَقْتَكَ، وَلَا تُسْرِفْ فِي اسْتِعْمَالِ مَالِكَ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ حَرِيصًا عَلَى مَا يَنْفَعُكَ.

وَهَذَا يَدْعُو إِلَى النَّظَرِ فِي الْمَآلَاتِ -أَيْ: فِيمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ-؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ بَعِيدَ النَّظَرِ، يَنْظُرُ إِلَى بَعِيدٍ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي يَأْخُذُ بِهَا وَالَّتِي يَتْرُكُهَا، وَلَا يَنْظُرُ أَسْفَلَ مِنْهُ، أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) وَالَّذِي يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ فِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِرَبِّهِ؛ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، مُتَلَقِّيًا لِلْوَحْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمَعْصُومُ ﷺ بِالتَّصْدِيقِ، وَبِالتَّطْبِيقِ.

فَيَعْلَمُ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ؛ لِيُحَوِّلَهُ إِلَى اعْتِقَادٍ وَقَوْلٍ وَعَمَلٍ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُؤْتِيهِمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- طَرَفًا مِنَ الْعِلْمِ، يَكُونُ عِلْمًا نَافِعًا عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا دَعَا إِلَى الْخَيْرِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ فَهُوَ كَالْفَتِيلَةِ -كَالشَّمْعَةِ- تُحْرِقُ نَفْسَهَا؛ لِتُضِيءَ لِغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا عَلِمَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، أَوْ قَامَ بِدَعْوَةٍ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِمَا يَقُولُهُ، كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ -وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ أَنَّهُ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».

وَالنَّبِيُّ ﷺ -كَمَا بَيَّنَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ- يُحَذِّرُ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ.

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)): اجْتَهِدْ فِي مَعْرِفَةِ بِدَايَةِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّنَا نُولَدُ، فَنَتَشَكَّلُ عَلَى حَسَبِ مَعَارِفِ الْمُجْتَمَعِ الَّذِي نُولَدُ فِيهِ، وَهَذِهِ الْمَعَارِفُ لَيْسَتْ مُصَفَّاةً مِمَّا يَشُوبُ الْأَصْلَ مِنَ الْكُدُورَاتِ وَالشَّوَائِبِ.

فَمَا أَكْثَرَ مَا يَعْتَقِدُهُ النَّاسُ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الدِّينُ، وَلَمْ يَنْزِلْ بِهِ مِنْ رَبِّنَا سُلْطَانٌ مُبِينٌ!!

فَكَثِيرٌ مِنَ الْعَقَائِدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَيْبِيَّاتِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ؛ يَعْتَقِدُ النَّاسُ فِيهَا مَا لَا يُحِبُّهُ اللهُ وَلَا يَرْضَاهُ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ مَا يُضَادُّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَهَذِهِ أَخَذُوهَا مِمَّنْ حَوْلَهُمْ فِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَتَكُونُ مِنَ الْبِدَعِ الْغَلِيظَةِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُفْظِعٌ جِدًّا؛ فَأَنْتَ تَسْمَعُ كَثِيرًا كَلَامًا يُقَالُ، وَهُوَ: إِنَّ الصَّلَاةَ -مَثَلًا- لَيْسَتْ لَهَا قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ فِي مُقَابِلِ نَقَاءِ الْقَلْبِ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ!!

فَتَسْمَعُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُ: مَا دَامَ الْقَلْبُ صَحِيحًا سَلِيمًا؛ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُهِمُّ!! بَلْ رُبَّمَا تَهَكَّمَ عَلَى الْمُصَلِّينَ، فَيَقُولُ: تُصَلُّونَ الْفَرْضَ، وَتَنْقُبُونَ الْأَرْضَ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَدْعَاةٍ إِلَى الطَّعْنِ فِي الصَّلَاةِ نَفْسِهَا؛ فَكَمْ مِمَّنْ هُوَ آتٍ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الشَّرِيفَةِ يَتَخَلَّفُ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ، وَهَذَا لَا يَطْعَنُ فِي الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يَطْعَنُ فِي الْعَامِلِ!!

فَهَؤُلَاءِ يَفْزَعُونَ إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ: أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِجِوَارِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْقَلْبُ، أَوْ مَا يَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ؛ مِنَ النَّقَاءِ، وَالطُّهْرِ، وَالصَّفَاءِ، وَالْوَفَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ!!

وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ.

لَا يُهَوِّنَنَّ أَحَدٌ مِنْ سَلَامَةِ الصَّدْرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ إِلَّا بِسَلَامَةِ الصَّدْرِ، مَنْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ؛ فَهَذَا مِنَ النَّاجِينَ.

وَسَلَامَةُ الْقَلْبِ إِنَّمَا تَكُونُ بِطَهَارَتِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَطَهَارَتِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَطَهَارَتِهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ؛ كَالْحَسَدِ، وَالْحِقْدِ، وَالْغِلِّ، وَالْغِشِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَشْبَهَ.

فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الَّتِي إِذَا مَا اسْتَقَرَّتْ فِي الْقَلْبِ؛ صَارَ قَلْبًا غَيْرَ سَلِيمٍ؛ فَلَا يُهَوِّنَنَّ أَحَدٌ مِنْ شَأْنِ طَهَارَةِ الْقَلْبِ، وَسَلَامَتِهِ.

وَلَكِنَّ الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ.

فَالصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالزَّكَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ صَرَاحَةً فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ -أَوْ: وَسَبْعُونَ- شُعْبَةً، أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)) .

فَبَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ الْإِيمَانَ: اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَان، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ -أَوْ: وَسَبْعُونَ- شُعْبَةً، أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ))، وَهَذَا عَمَلٌ، إِذَا مَرَّ الْإِنْسَانُ بِغُصْنِ شَوْكٍ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ بِحَجَرٍ، أَوْ بِشَيْءٍ يُؤْذِي الْمَارَّةَ؛ فَإِنَّهُ يُنَحِّيهِ جَانِبًا.

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فَضْلَ هَذَا الْعَمَلِ؛ فَقَالَ ﷺ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».

فَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ.

قَوْلُ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) هَذَا لَفْظٌ بِاللِّسَانِ، مَعَ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ بِلَا مَثْنَوِيَّةٍ.

فَهَذَا نُطْقُ اللِّسَانِ، وَهَذَا عَمَلُ الْجَوَارِحِ.

((وَالْحَيَاءُ -وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ- شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ)).

فَبَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ: اعْتِقَادٌ بِالْجَنَانِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ.

فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُخْرِجُ الْعَمَلَ مِنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، هَذِهِ بِدْعَةٌ اعْتِقَادِيَّةٌ، سَمَّاهَا عُلَمَاؤُنَا بِـ ((الْإِرْجَاءِ))، فَيَكُونُ الرَّجُلُ مُرْجِئًا غَالِيًا فِي الْإِرْجَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي: مَا الْإِرْجَاءُ؟!!

وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ تَوَرَّطَ فِي بِدْعَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ مِنْ كُبْرَيَاتِ الْبِدَعِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ!!

وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ؛ مِنْ أَثَرِ مَا تَلَقَّاهُ مِنْ مُجْتَمَعِهِ، وَكَذَلِكَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي الدِّينِ فِي مُجْتَمَعِهِ، وَلَا يُحَذِّرُهُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الشُّرُورِ، وَلَا يُبَيِّنُ لَهُ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيَتَوَرَّطُ فِي الْإِرْجَاءِ.

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تَجِدُهُ جَبْرِيًّا -أَيْضًا- فِي بَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ؛ حَتَّى إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ لَهُ: إِنَّكَ جَبْرِيٌّ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ!!

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى هَذَا الَّذِي أَتَوْا بِهِ، فَيَفْعَلُ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِذَا عُوتِبَ؛ يَقُولُ: كَتَبَ اللهُ عَلَيَّ ذَلِكَ!! فَيَجْعَلُ الْقَدَرَ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ.

وَالْقَدَرُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمِنَ الْإِنْسَانُ بِالْقَدَرِ؛ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لَهُ إِيمَانٌ، وَهُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ لَكِنْ لَا يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي، يَعْنِي: إِذَا ارْتَكَبَ الْإِنْسَانُ مَعْصِيَةً؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ارْتَكَبَهَا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، هُوَ الَّذِي اخْتَارَ.

فِي الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ: مَا يَقَعُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَمِنَ الطَّاعَاتِ؛ إِنَّمَا يَقَعُ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ، وَيُوَفِّقُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17].

فَإِذَا اهْتَدَى الْإِنْسَانُ الْهِدَايَةَ الْعَامَّةَ؛ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَبِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ، وَالتَّبْصِيرِ لِأُمُورِ الدِّينِ؛ حَتَّى تَقْوَى عَزِيمَتُهُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ.

فَالْقَدَرُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ؛ لَكِنْ لَا يُذْكَرُ عِنْدَ الْمَعَاصِي، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، يَعْنِي: إِذَا وَقَعَ عَلَى الْإِنْسَانِ مُصِيبَةٌ، وَأَصَابَهُ قَدَرٌ لَا يُلَائِمُهُ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقُولُ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَعَنَا-: ((قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)).

فَحِينَئِذٍ يُنْزِلُ اللهُ السَّكِينَةَ عَلَى قَلْبِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ لِيُدْفَعَ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَدَرٌ قَدَّرَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِلِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ.

فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ يَحْفَظُهُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَأَنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَى الْجَبِينِ لَا بُدَّ أَنْ تَرَاهُ الْعَيْنُ!!

إِنْ كَانَ يَقْصِدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَرِ مُجَرَّدًا؛ فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ عَلَى رَبِّهِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ؛ فَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.

يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)): تَعَلَّمْ أُمُورَ الدِّينِ، اضْبِطْ أَحْكَامَ الِاعْتِقَادِ؛ فَهَذَا الْإِيمَانُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ رَاسِخًا عَلَى أَصْلٍ عَرَفْتَهُ وَعَلِمْتَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ.

يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ؛ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ؛ وَلَوْ كَانُوا حَاصِلِينَ عَلَى أَكْبَرِ الشَّهَادَاتِ، وَأَعْلَى الْمَرَاكِزِ الْعِلْمِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ؛ شَرْعِيَّةً أَوْ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ.

يَعْنِي: لَوْ سَأَلْتَ إِنْسَانًا؛ فَقُلْتَ: مَا هُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؟

وَمَا آخِرُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِهِ فِي آخِرِهَا؟

أَوَّلُ شَيْءٍ، وَآخِرُ شَيْءٍ: هُوَ ((أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، فَأَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ: أَنْ يَشْهَدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.

هَذَا أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ: أَنْ يَشْهَدَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.

وَآخِرُ شَيْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الدُّنْيَا؛ ((مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ)) .

فَـ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أَوَّلُ شَيْءٍ، وَآخِرُهُ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.

فَإِذَا سَأَلْتَ الْمُسْلِمَ، فَقُلْتَ لَهُ: مَا مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))؟

تَتَفَاوَتُ الْأَجْوِبَةُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) يَعْنِي: لَا خَالِقَ إِلَّا اللهُ!!

هَذَا لَوْ كَانَ؛ مَا ذُكِرَ فِي الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): ((لَا رَبَّ إِلَّا اللهُ))!!

هُنَا أُلُوهِيَّةٌ، لَا رُبُوبِيَّة: ((لَا إِلَهَ)) أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ ((إِلَّا اللهُ))، لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَإِذَا سَأَلْتَ الْمُسْلِمَ عَنِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي إِذَا كَانَتْ مَعَهُ، وَدَخَلَ النَّارَ، وَبَقِيَ فِي النَّارِ مَا بَقِيَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَاسَبَ عَلَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ؛ لِكَيْ يَلْحَقَ بِالطَّيِّبِينَ فِي دَارِ الطِّيبِ الْمَحْضِ، وَهِيَ جَنَّةُ الْخُلْدِ.. هَذِهِ الْكَلِمَةُ لَوْ كَانَتْ مَعَ الْإِنْسَانِ، وَأُدْخِلَ النَّارَ، وَبَقِيَ فِيهَا مَا بَقِيَ؛ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ.

لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ مَنْ مَعَهُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).

هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعَظِيمَةُ؛ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، إِذَا سَأَلْتَهُ؛ يَقُولُ: لَا خَالِقَ إِلَّا اللهُ!! لَا رَبَّ إِلَّا اللهُ!!

وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا حَاكِمَ إِلَّا اللهُ!!

وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ قَائِلُهُ عَلَى الْجَادَّةِ وَالصَّوَابِ.

مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.

لِمَاذَا نَقُولُ: ((لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ))؟

لِأَنَّنَا إِذَا لَمْ نَقُلْ: ((بِحَقٍّ))، وَقُلْنَا: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أَيْ: لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللهُ؛ جَعَلْنَا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَمِيعَ الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ، فَهُنَاكَ آلِهَةٌ كَثِيرَةٌ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ.

الْبَشَرُ يُعْبَدُونَ فِي بَعْضِ الدِّيَانَاتِ؛ بَلْ الْبَقَرُ يُعْبَدُونَ فِي الْهِنْدِ عِنْدَ الْهُنْدُوسِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَصْنَامُ مَا زَالَتْ فِي أَوَاسِطِ أَفْرِيقِيَّةَ، مَا زَالَتْ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-!!

الْهَوَى يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، يُطَاعَ فِي مُخَالَفَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُؤْخَذُ بِهِ فِي مُصَادَمَةِ الشَّرْعِ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية: 23]، فَصَارَ هَوَاهُ إِلَهًا مَعَ اللهِ.

هَذِهِ كُلُّهَا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ؛ فَهُنَالِكَ مَعْبُودَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتِ مَعْبُودًا بِحَقٍّ، اللهُ وَحْدَهُ، ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.

يَلْحَقُ بِهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ: أَنَّكَ عِنْدَمَا تَقُولُ: ((لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ))؛ ذَكَرْتَ الْعِبَادَةَ، مَا هِيَ الْعِبَادَةُ؟

تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الطَّيِّبِينَ يُحِبُّونَ الْخَيْرَ، وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ فَاتَهُمْ أَنْ يَبْحَثُوا عَنِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ، لَمْ يُرْشَدُوا إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعْتَقَدِ، وَأُمُورِ الْإِيمَانِ.

فَإِذَا قُلْتَ لِإِنْسَانٍ طَيِّبٍ، فِي ظَاهِرِهِ الصَّلَاحُ، وَمُقْبِلٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ: مَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؟ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَدِّدَهَا تَحْدِيدًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا يَجْعَلُهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ، وَيَتْرُكُ أُمُورًا كَثِيرَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْعِبَادَةِ.

يَعْنِي: سَيَقُولُ لَكَ: الْعِبَادَةُ: الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ.. فَيَأْتِي بِهَذِهِ الْأُصُولِ -وَهِيَ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ- عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْعِبَادَةُ، وَلَا شَيْءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْعِبَادَةِ!!

وَهَذَا خَطَأٌ مَحْضٌ يُفَوِّتُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَثِيرًا مِنَ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ: كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

لَوْ نَظَرْتَ إِلَى هَذَا التَّعْرِيفِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-؛ لَعَلِمْتَ أَنَّ حَيَاتَكَ كُلَّهَا؛ حَتَّى نَوْمَكَ، حَتَّى أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ.

طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ، سُكُوتُكَ وَكَلَامُكَ، حَرَكَتُكَ وَانْبِعَاثُكَ، وَتَثْبِيطُكَ إِلَى الْأَرْضِ؛ كُلُّ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِشَرْطِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مِنَ الْعِبَادَةِ إِذَا كَانَ مَحْبُوبًا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

يَقُولُ الْعُلَمَاءُ -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-: ((الْعِبَادَةُ: كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ)).

((وَالْبَاطِنَةِ))، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: اعْتِقَادُ الْقَلْبِ؛ عَمَلُهُ وَقَوْلُهُ، أَنَّ الْقَلْبَ يُحِبُّ وَيُبْغِضُ، وَيَرْجُو، وَيُشْفِقُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ.

هَذِهِ كُلُّهَا عِبَادَاتٌ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُحَرِّرَهَا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَحَبَّ مَعَ اللهِ؛ أَشْرَكَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، أَمَّا إِذَا أَحَبَّ للهِ، أَوْ أَحَبَّ فِي اللهِ؛ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ عِنْدَ اللهِ.

فَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهِيَ مِنْ أَيْسَرِ مَا يَكُونُ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا تَنْبَعِثُ نِيَّاتُهُمْ، وَلَا يَتَحَفَّزُونَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ ذَكَرٌ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا الذُّكْرَانُ مِنَ الرِّجَالِ، وَأَمَّا الْمُخَنَّثُونَ مِنَ الرِّجَالِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ الْعِلْمَ، وَلَا يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَجَاتُهُمْ، وَسَعَادَتُهُمْ، وَفَلَاحُهُمْ دُنْيَا وَآخِرَةً.

فَهَذِهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَلْحَقُ بِهَذَا النَّصِّ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ نَبِيِّنَا الْعَظِيمِ ﷺ.

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)): تَعَلَّمِ الْعِلْمَ النَّافِعَ، وَاعْمَلِ الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَاجْتَهِدْ فِي أَنْ تَكُونَ نِيَّتُكَ فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ تَأْتِي بِهِ؛ أَنَّهُ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ: ((اللُّقْمَةُ يَضَعُهَا أَحَدُكُمْ فِي فِي -أَيْ: فِي فَمِ- امْرَأَتِهِ؛ لَهُ بِهَا صَدَقَةٌ)) .

((الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)) .

((ابْتِسَامُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ)) .

إِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ الْعَاجِزِ صَدَقَةٌ، أَنْ تُعِينَهُ عَلَى رُكُوبِ دَابَّتِهِ، تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَحْمِلُ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ.

كُلُّ هَذِهِ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عِبَادَةً، فَالْإِنْسَانُ إِذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأُمُورِ؛ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَهُ: طَعَامُكَ، عِنْدَمَا تَنْوِي بِطَعَامِكَ وَشَرَابِكَ أَنْ تَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَأَنْ تَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ فِي دُنْيَا اللهِ؛ لِتَكُفَّ نَفْسَكَ عَنِ السُّؤَالِ، وَتَحْفَظَ مَاءَ وَجْهِكَ عَنِ التَّبَذُّلِ، وَكَذَلِكَ لِتَمُونَ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ وَمَنْ لَهُمْ حَقٌّ عَلَيْكَ.

إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ؛ كَانَ تَلَذُّذُكَ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ مِنْ عَطَايَا رَبِّكَ عَلَيْكَ، مَعَ مَا أَتَيْتَ بِهِ مِنْ تَوْجِيهِ ذَلِكَ لِلْخَيْرِ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ، فَيَكُونُ لَكَ بِهِ أَجْرٌ.

بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ لَنَا مَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْ أَذْهَانِنَا مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، فَقَالَ: ((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟!!

قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».

فَسُبْحَانَ الْوَهَّابِ الْكَبِيرِ!!

فَكُلُّ هَذِهِ عِبَادَةٌ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَكُلُّ حَرَكَةِ الْحَيَاةِ مِنْ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ عِبَادَةٌ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِشَرْطِ: أَنْ تُوَجِّهَ ذَلِكَ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ.

الْمُوَفَّقُونَ يُحَوِّلُونَ الْعَادَاتِ إِلَى عِبَادَاتٍ، وَالْمَخْذُولُونَ يُحَوِّلُونَ الْعِبَادَاتِ إِلَى عَادَاتٍ، هُوَ يُصَلِّي؛ وَلَكِنَّ نِيَّتَهُ بَعِيدَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَفَهْمُهُ لِلصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ للهِ، وَالْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ: مَعْدُومٌ، فَهَذَا حَوَّلَ الْعِبَادَةَ إِلَى عَادَةٍ.

وَأَمَّا الْمَوَفَّقُ؛ فَإِنَّهُ يُحَوِّلُ الْعَادَةَ إِلَى عِبَادَةٍ، النَّاسُ يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَتَنَاكَحُونَ، وَيَلْبَسُونَ؛ وَلَكِنْ فِي إِطَارِ الشَّرْعِ: بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ تَصِيرُ عِبَادَةً للهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ)): لِتَكُنْ اسْتِعَانَتُكَ بِاللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَحْدَهُ، ((وَلَا تَعْجِزْ)).

إِذَنْ؛ مَعَنَا فِي الْفَاتِحَةِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}: لَا نَعْبُدُ إِلَّا أَنْتَ، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: لَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ؛ فَمَدَارُ الدِّينِ عَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَهُمَا: الْعِبَادَةُ، وَالِاسْتِعَانَةُ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)) يَعْنِي: إِنْ بَعَثْتَ فِي طَلَبِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ لَدَيْكَ: فِي طَلَبِ وَظِيفَةٍ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ، فَلَمْ يُقَدَّرْ -لَمْ يُقَدِّرْهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَكَ- وَأَنْتَ لَمْ تُقَصِّرْ؛ وَلَكِنَّ اللهَ صَرَفَ عَنْكَ شَيْئًا قَدْ يَكُونُ شَرًّا عَلَيْكَ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ، وَحِكْمَةُ اللهِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.

((وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)) يَعْنِي: مِمَّا تَكْرَهُ؛ ((فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ؛ لَكَانَ كَذَا وَكَذَا)).

هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمَقْدُورِ، وَهَذَا مِنَ اسْتِعْمَالَاتِ (لَوْ) الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّ (لَوْ) يُؤْتَى بِهَا أَحْيَانًا فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمَقْدُورِ، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: ((لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ؛ لَكَانَ كَذَا وَكَذَا))، يُؤْتَى بِهَا أَحْيَانًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّرِيعَةِ، عَلَى الْأَحْكَامِ: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168]، كَمَا قَالَ الْمُنَافِقُونَ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ (ض3).

عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ انْحَازَ وَانْخَذَلَ بِثُلُثِ الْجَيْشِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَوَقَعَ مِنَ الْمَقْتَلَةِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مَا وَقَعَ، قُتِلَ سَبْعُونَ، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، فَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَ(لَوْ) هَا هُنَا مُحَرَّمَةٌ.

وَكَذَلِكَ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمَقْدُورِ: ((لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ؛ كَانَ كَذَا وَكَذَا))، وَكَذَلِكَ فِي اتِّخَاذِ الْقَدَرِ حُجَّةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148].

فَهَذَا اسْتِعْمَالٌ لِـ (لَوْ) فِي الِاعْتِرَاضِ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ مَبْنِيًّا عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ يَكُونُ طَاعَةً للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ مِنْ تَمَنِّي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّرْعِ وَلَا عَلَى الْقَدَرِ، وَلَا احْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ؛ فَهَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ؛ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ)) .

لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا سَاقَ الْهَدْيَ؛ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنَ الْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ -مِمَّنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ- أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَحَلَّلُوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَأَنْ يَتَمَتَّعُوا؛ حَتَّى يُهِلُّوا بِالنُّسُكِ الْأَكْبَرِ: بِالْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْعَتِيقِ.

وَأَمَّا هُوَ ﷺ؛ فَيَقُولُ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ؛ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ))؛ يَعْنِي: لَكُنْتُ تَمَتَّعْتُ، وَلَمْ أَكُنْ قَارِنًا ﷺ.

فَهَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ.

((لَا تَقُلْ: لَوْ؛ فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))، تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ قَلِقًا مُشَوَّشًا.

((مَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بِهِ؛ فَالْهُ عَنْهُ)): انْسَهُ، مَا اسْتَأْثَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ؛ فَالْهُ عَنْهُ.

((فَوَائِدُ مِنْ حَدِيثِ:

الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))

 ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

هَذَا الْحَدِيثُ اشْتَمَلَ عَلَى أُصُولٍ عَظِيمَةٍ وَكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ.

* فَمِنْهَا: إِثْبَاتُ الْمَحَبَّةِ صِفَةً للهِ، وَأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْبُوبَاتِهِ وَبِمَنْ قَامَ بِهَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَيْضًا تَتَفَاضَلُ؛ فَمَحَبَّتُهُ لِلْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ أَعْظَمُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ.

* وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَشْمَلُ الْعَقَائِدَ الْقَلْبِيَّةَ، وَالْأَقْوَالَ، وَالْأَفْعَالَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ ((الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَقْدٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ.

وَهَذِهِ الشُّعَبُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ كُلُّهَا مِنَ الْإِيمَانِ، فَمَنْ قَامَ بِهَا حَقَّ الْقِيَامِ، وَكَمَّلَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَمَّلَ غَيْرَهُ بِالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ؛ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ الَّذِي حَازَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ.

* وَهَذَا مِنْ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ عُلُومِ الْإِيمَانِ وَمَعَارِفِهِ، وَبِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.

وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

* وَلَمَّا فَاضَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ قَوِيِّهِمْ وَضَعِيفِهِمْ؛ خَشِيَ مِنْ تَوَهُّمِ الْقَدْحِ فِي الْمَفْضُولِ، فَقَالَ: ((وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))، وَفِي هَذَا الِاحْتِرَازِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ؛ وَهِيَ: أَنَّ عَلَى مَنْ فَاضَلَ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ أَوِ الْأَجْنَاسِ أَوِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهَ التَّفْضِيلِ وَجِهَةَ التَّفْضِيلِ، وَيَحْتَرِزُ بِذِكْرِ الْفَضْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ؛ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْقَدْحُ إِلَى الْمَفْضُولِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ إِذَا ذُكِرَتْ مَرَاتِبُ الشَّرِّ وَالْأَشْرَارِ، وَذُكِرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا؛ فَيَنْبَغِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

* وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخَيْرِيَّةِ، وَمَحَبَّةِ اللهِ، وَالْقِيَامِ بِدِينِهِ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ دَرَجَاتٌ: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} [الأحقاف:١٩]، وَيَجْمَعُهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

- السَّابِقُونَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفُضُولَ الْمُبَاحَاتِ، وَكَمَّلُوا مَا بَاشَرُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَاتَّصَفُوا بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ.

- ثُمَّ الْمُقْتَصِدُونَ الَّذِينَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ.

- ثُمَّ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.

* وَقَوْلُهُ ﷺ: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ)) كَلَامٌ جَامِعٌ نَافِعٌ، مُحْتَوٍ عَلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَالْأُمُورُ النَّافِعَةُ قِسْمَانِ: أُمُورٌ دِينِيَّةٌ، وَأُمُورٌ دُنْيَوِيَّةٌ.

وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى الدُّنْيَوِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الدِّينِيَّةِ، فَمَدَارُ سَعَادَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ عَلَى الْحِرْصِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْأُمُورِ النَّافِعَةِ مِنْهُمَا، مَعَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ -تَعَالَى-، فَمَتَى حَرَصَ الْعَبْدُ عَلَى الْأُمُورِ النَّافِعَةِ وَاجْتَهَدَ فِيهَا، وَسَلَكَ أَسْبَابَهَا وَطُرُقَهَا، وَاسْتَعَانَ بِرَبِّهِ فِي حُصُولِهَا وَتَكْمِيلِهَا؛ كَانَ ذَلِكَ كَمَالَهُ، وَعُنْوَانَ فَلَاحِهِ.

وَمَتَى فَاتَهُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ فَاتَهُ مِنَ الْخَيْرِ بِحَسَبِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الْأُمُورِ النَّافِعَةِ، بَلْ كَانَ كَسْلَانًا لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا؛ فَالْكَسَلُ هُوَ أَصْلُ الْخَيْبَةِ وَالْفَشَلِ، فَالْكَسْلَانُ لَا يُدْرِكُ خَيْرًا، وَلَا يَنَالُ مَكْرُمَةً، وَلَا يَحْظَى بِدِينٍ وَلَا دُنْيَا.

وَمَتَى كَانَ حَرِيصًا وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْأُمُورِ النَّافِعَةِ؛ إِمَّا عَلَى أُمُورٍ ضَارَّةٍ، أَوْ مُفَوِّتَةٍ لِلْكَمَالِ؛ كَانَ ثَمَرَةَ حِرْصِهِ الْخَيْبَةُ، وَفَوَاتُ الْخَيْرِ، وَحُصُولُ الشَّرِّ وَالضَّرَرِ؛ فَكَمْ مِنْ حَرِيصٍ عَلَى سُلُوكِ طُرُقٍ وَأَحْوَالٍ غَيْرِ نَافِعَةٍ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ حِرْصِهِ إِلَّا التَّعَبَ وَالْعَنَاءَ وَالشَّقَاءَ.

ثُمَّ إِذَا سَلَكَ الْعَبْدُ الطُّرُقَ النَّافِعَةَ، وَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَاجْتَهَدَ فِيهَا؛ لَمْ تَتِمَّ لَهُ إِلَّا بِصِدْقِ اللَّجْأِ إِلَى اللهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى إِدْرَاكِهَا وَتَكْمِيلِهَا، وَأَلَّا يَتَّكِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، بَلْ يَكُونُ اعْتِمَادُهُ التَّامُّ بِبَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ عَلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، فَبِذَلِكَ تَهُونُ عَلَيْهِ الْمَصَاعِبُ، وَتَتَيَسَّرُ لَهُ الْأَحْوَالُ، وَتَتِمُّ لَهُ النَّتَائِجُ وَالثَّمَرَاتُ الطَّيِّبَةُ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَأَمْرِ الدُّنْيَا؛ لَكِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ مُحْتَاجٌ بَلْ مُضْطَرٌّ غَايَةَ الِاضْطِرَارِ  إِلَى مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَيْهَا، وَالْجِدُّ فِي طَلَبِهَا.

فَالْأُمُورُ النَّافِعَةُ فِي الدِّينِ تَرْجِعُ إِلَى أَمْرَيْنِ: عِلْمٍ نَافِعٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ.

* ثُمَّ إِنَّهُ ﷺ حَضَّ عَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي الْحِرْصِ عَلَى النَّافِعِ، فَإِذَا أَصَابَ الْعَبْدَ مَا يَكْرَهُهُ فَلَا يَنْسِبُ ذَلِكَ إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَظُنُّ نَفْعَهَا لَوْ فَعَلَهَا، بَلْ يَسْكُنُ إِلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ لِيَزْدَادَ إِيمَانُهُ، وَيَسْكُنَ قَلْبُهُ، وَتَسْتَرِيحَ نَفْسُهُ؛ فَإِنَّ (لَوْ) فِي هَذِهِ الْحَالِ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ بِنَقْصِ إِيمَانِهِ بِالْقَدَرِ، وَاعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ، وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْمُضْعِفِ لِلْقَلْبِ.

وَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ هِيَ أَعْظَمُ الطُّرُقِ لِرَاحَةِ الْقَلْبِ، وَأَدْعَى لِحُصُولِ الْقَنَاعَةِ وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْأُمُورِ النَّافِعَةِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِهَا، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللهِ عَلَيْهَا، وَشُكْرُ اللهِ عَلَى مَا يَسَّرَهُ مِنْهَا، وَالرِّضَا عَنْهُ بِمَا فَاتَ وَلَمْ يُحَصِّلْ مِنْهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ (لَوْ) يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا قُصِدَ بِهَا:

- فَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ الْفَائِتِ فِيهَا فَإِنَّهَا تَفْتَحُ عَلَى الْعَبْدِ عَمَلَ الشَّيْطَانِ -كَمَا تَقَدَّمَ-.

- وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتُعْمِلَتْ فِي تَمَنِّي الشَّرِّ وَالْمَعَاصِي فَإِنَّهَا مَذْمُومَةٌ وَصَاحِبُهَا آثِمٌ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرِ الْمَعْصِيَةَ؛ فَإِنَّهُ تَمَنَّى حُصُولَهَا.

- وَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي تَمَنِّي الْخَيْرِ أَوْ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ النَّافِعِ فَإِنَّهَا مَحْمُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا أَحْكَامٌ الْمَقَاصِدِ.

وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْحِرْصِ عَلَى الْأُمُورِ النَّافِعَةِ، وَمَنْ لَازِمِهِ اجْتِنَابُ الْأُمُورِ الضَّارَّةِ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ يَشْمَلُ اسْتِعْمَاله وَالْأَمْر بِهِ فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَبْدِ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ، وَيَشْمَلُ الْأُمُورَ الْكُلِّيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعُمُومِ الْأُمَّةِ، فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَحْرِصُوا عَلَى الْأُمُورِ النَّافِعَةِ وَهِيَ الْمَصَالِحُ الْكُلِّيَّةِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِأَعْدَائِهِمْ بِكُلِّ مُسْتَطَاعٍ مِمَّا يُنَاسِبُ الْوَقْتَ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، وَيَبْذُلُوا غَايَةَ مَقْدُورِهِمْ فِي ذَلِكَ، مُسْتَعِينِينَ بِاللهِ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَتَكْمِيلِهِ، وَدَفْعِ جَمِيعِ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ.

وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَالْعَمَلِ بِالْأَسْبَابِ النَّافِعَةِ، وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ دَلَّ عَلَيْهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَلَا يَتِمُّ الدِّينُ إِلَّا بِهِمَا؛ بَلْ لَا تَتِمُّ الْأُمُورُ الْمَقْصُودَةُ كُلُّهَا إِلَّا بِهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) أَمْرٌ بِكُلِّ سَبَبٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ، بَلْ أَمْرٌ بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ؛ نِيَّةً وَهِمَّةً، فِعْلًا وَتَدْبِيرًا.

وَقَوْلُهُ: ((وَاسْتَعِنْ بِاللهِ)): إِيمَانٌ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَأَمْرٌ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِمَادُ التَّامُّ عَلَى حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ -تَعَالَى- فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، مَعَ الثِّقَةِ التَّامَّةِ بِاللهِ فِي نَجَاحِ ذَلِكَ، فَالْمُتَّبِعُ لِلرَّسُولِ ﷺ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَنْ يَقُومَ بِكُلِّ سَبَبٍ نَافِعٍ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ)).

 

 ((جُمْلَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ))

اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَبِهِ يَحْيَا الْعَبْدُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدَّارَيْنِ، وَبِهِ يَنْجُو مِنَ الْمَكَارِهِ وَالشُّرُورِ، وَبِهِ تَخِفُّ الشَّدَائِدُ، وَتُدْرَكُ جَمِيعُ الْمَطَالِبِ، وَلْنُشِرْ إِلَى هَذِهِ الثَّمَرَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ فَوَائِدِ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتِهِ مِنْ أَكْبَرِ الدَّوَاعِي إِلَى التَّزَوُّدِ مِنْهُ.

* فَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّهُ سَبَبُ رِضَا اللهِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ شَيْءٍ، فَمَا نَالَ أَحَدٌ رِضَا اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ وَثَمَرَاتِهِ؛ بَلْ صَرَّحَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا رَضِيَ اللهُ عَنِ الْعَبْدِ؛ قَبِلَ الْيَسِيرَ مِنْ عَمَلِهِ وَنَمَّاهُ، وَغَفَرَ الْكَثِيرَ مِنْ زَلَلِهِ وَمَحَاهُ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، وَدُخُولَ الْجَنَّةِ، وَالتَّنَعُّمَ بِنَعِيمِهَا، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ وَعِقَابِهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالْإِيمَانِ، فَأَهْلُ الْإِيمَانِ هُمْ أَهْلُ الثَّوَابِ الْمُطْلَقِ، وَهُمُ النَّاجُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ اللهَ يَدْفَعُ وَيُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا شُرُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَدْفَعُ عَنْهُمْ كَيْدَ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].

وَلَمَّا ذَكَرَ إِنْجَاءَهُ ذَا النُّونِ قَالَ: {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]؛ أَيْ: مِنَ الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ إِذَا وَقَعُوا فِيهَا.

وَالْإِيمَانُ بِنَفْسِهِ وَطَبِيعَتِهِ يَدْفَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَعَاصِي، وَإِذَا وَقَعَتْ مِنَ الْعَبْدِ؛ دَفَعَ عُقُوبَاتِهَا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)).. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

فَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَدْفَعُ وُقُوعَ الْفَوَاحِشِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ اللهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِمِينَ بِالْإِيمَانِ حَقِيقَةً بِالنَّصْرِ، وَأَحَقَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَمَنْ قَامَ بِالْإِيمَانِ، وَلَوَازِمِهِ، وَمُتَمِّمَاتِهِ؛ فَلَهُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَصِرُ أَعْدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ إِذَا ضَيَّعُوا الْإِيمَانَ، وَضَيَّعُوا حُقُوقَهُ وَوَاجِبَاتِهِ الْمُتَنَوِّعَةَ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْهِدَايَةَ مِنَ اللهِ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَسُلُوكِهِ هِيَ بِحَسَبِ الْإِيمَانِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16].

وَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّبَاعَ رِضْوَانِ اللهِ -الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ- هُوَ رُوحُ الْإِيمَانِ، وَسَاقُهُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، فَهَذِهِ هِدَايَةٌ عَمَلِيَّةٌ، هِدَايَةُ تَوْفِيقٍ وَإِعَانَةٍ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ الصَّبْرِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَرَضِيَ وَسَلِمَ وَانْقَادَ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يَدْعُو إِلَى الزِّيَادَةِ مِنْ عُلُومِهِ وَأَعْمَالِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ؛ فَالْمُؤْمِنُ بِحَسَبِ إِيمَانِهِ لَا يَزَالُ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَبِحَسَبِ قُوَّةِ إِيمَانِهِ يَزِيدُ إِيمَانُهُ وَرَغْبَتُهُ وَعَمَلُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15].

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124].

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ، وَبِكَمَالِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَمَجْدِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً، وَتَوَكُّلًا عَلَى اللهِ، وَثِقَةً بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ، وَرَجَاءً لِرَحْمَتِهِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ، وَأَعْظَمُهُمْ إِجْلَالًا للهِ وَمُرَاقَبَةً، وَأَعْظَمُهُمْ إِخْلَاصًا وَصِدْقًا، وَهَذَا هُوَ صَلَاحُ الْقُلُوبِ، لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ.

* وَمِن ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُومَ بِالْإِخْلَاصِ للهِ وَلِعِبَادِ اللهِ، وَنَصِيحَتِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ تَحْمِلُهُ عُبُودِيَّةُ اللهِ، وَطَلَبُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ، وَرَجَاءُ ثَوَابِهِ، وَالْخَشْيَةُ مِنْ عِقَابِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي للهِ، وَالَّتِي لِعِبَادِ اللهِ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الْخَلْقِ لَا تَتِمُّ وَتَقُومُ إِلَّا عَلَى الصِّدْقِ وَالنُّصْحِ، وَعَدَمِ الْغِشِّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَهَلْ يَقُومُ بِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ؟!!

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ أَكْبَرُ عَوْنٍ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّاتِ، وَالْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْفَوَاحِشِ الَّتِي فِي النُّفُوسِ دَاعٍ قَوِيٌّ إِلَى فِعْلِهَا، فَلَا تَتِمُّ هَذِهِ الْأُمُورُ إِلَّا بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْعَبْدَ لَا بُدَّ أَنْ يُصَابَ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَجْزَعَ وَيَضْعُفَ صَبْرُهُ، فَيَفُوتُهُ الْخَيْرُ وَالثَّوَابُ، وَيَسْتَحِقُّ عَلَى ذَلِكَ الْعِقَابَ، وَمُصِيبَتُهُ لَمْ تُقْلِعْ وَلَمْ تَخِفَّ، بَلِ الْجَزَعُ يَزِيدُهَا.

وَإِمَّا أَنْ يَصْبِرَ فَيَحْظَى بِثَوَابِهَا، وَالصَّبْرُ لَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى الْإِيمَانِ؛ وَأَمَّا الصَّبْرُ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَى الْإِيمَانِ -كَالتَّجَلُّدِ وَنَحْوِهِ-؛ فَمَا أَقَلَّ فَائِدَتَهُ!! وَمَا أَسْرَعَ مَا يُعْقِبُهُ الْجَزَعُ!!

فَالْمُؤْمِنُونَ أَعْظَمُ النَّاسِ صَبْرًا، وَيَقِينًا، وَثَبَاتًا فِي مَوَاضِعِ الشِّدَّةِ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يُوجِبُ لِلْعَبْدِ قُوَّةَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ؛ لِعِلْمِهِ وَإِيمَانِهِ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى اللهِ، وَمُنْدَرِجَةٌ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَأَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى اللهِ كَفَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ فَقَدْ تَوَكَّلَ عَلَى الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ الْقَهَّارِ، وَمَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ قُوَّةَ التَّوَكُّلِ -يَعْنِي: الْإِيمَانَ-؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ السَّعْيَ وَالْجِدَّ فِي كُلِّ سَبَبٍ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ النَّافِعَةَ نَوْعَانِ: دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ.

فَالْأَسْبَابُ الدِّينِيَّةُ: هِيَ إِيمَانٌ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ.

وَالْأَسْبَابُ الدُّنْيَوِيَّةُ قِسْمَانِ: سَبَبٌ مُعِينٌ عَلَى الدِّينِ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ الدِّينُ، فَهُوَ -أَيْضًا- مِنَ الدِّينِ؛ كَالسَّعْيِ فِي الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ الَّتِي فِيهَا قُوَّةُ الْمُؤْمِنِينَ.

وَسَبَبٌ لَمْ يُوضَعْ فِي الْأَصْلِ مُعِينًا عَلَى الدِّينِ؛ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَرَغْبَتِهِ فِيمَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْخَيْرِ يَسْلُكُ إِلَى رَبِّهِ، وَيَنْفُذُ إِلَيْهِ مَعَ كُلِّ سَبَبٍ وَطَرِيقٍ، فَيَسْتَخْرِجُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ بِنِيَّتِهِ وَصِدْقِ مَعْرِفَتِهِ وَلُطْفِ عِلْمِهِ بَابًا يَكُونُ بِهِ مُعِينًا عَلَى الْخَيْرِ، مُجِمًّا لِلنَّفْسِ، مُسَاعِدًا لَهَا عَلَى الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، فَيَكُونُ هَذَا الْمُبَاحُ حَسَنًا فِي حَقِّهِ، عِبَادَةً للهِ؛ لِمَا صَحِبَهُ مِنَ النِّيَّةِ الصَّادِقَةِ.

حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ رُبَّمَا نَوَى فِي نَوْمِهِ وَرَاحَاتِهِ وَلَذَّاتِهِ التَّقَوِّيَ عَلَى الْخَيْرِ، وَتَرْبِيَةَ الْبَدَنِ لِفِعْلِ الْعِبَادَاتِ، وَتَقْوِيَتَهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَكَذَلِكَ فِي أَدْوِيَتِهِ وَعِلَاجَاتِهِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا؛ وَرُبَّمَا نَوَى فِي اشْتِغَالِهِ فِي الْمُبَاحَاتِ أَوْ بَعْضِهَا الِاشْتِغَالَ عَنِ الشَّرِّ، وَرُبَّمَا نَوَى بِذَلِكَ جَذْبَ مَنْ خَالَطَهُ وَعَاشَرَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى فِعْلِ خَيْرٍ أَوِ انْكِفَافٍ عَنْ شَرٍّ.

وَرُبَّمَا نَوَى بِمُعَاشَرَتِهِ الْحَسَنَةِ إِدْخَالَ السُّرُورِ وَالِانْبِسَاطِ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهَ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ.

وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِهَذَا الْوَصْفِ؛ قَالَ -تَعَالَى- فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يُشَجِّعُ الْعَبْدَ، وَيَزِيدُ الشُّجَاعَ شَجَاعَةً؛ فَإِنَّهُ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وَلِقُوَّةِ رَجَائِهِ وَطَمَعِهِ فِيمَا عِنْدَهُ تَهُونُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّاتُ، وَيُقْدِمُ عَلَى الْمُخَاوِفِ وَاثِقًا بِرَبِّهِ، رَاجِيًا لَهُ، رَاهِبًا مِنْ نُزُولِهِ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ؛ لِخَوْفِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ -أَيْ: بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ خَافَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ نَزَلَ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ-.

وَمِنَ الْأَسْبَابِ لِقُوَّةِ الشَّجَاعَةِ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْرِفُ رَبَّهُ حَقًّا، وَيَعْرِفُ الْخَلْقَ حَقًّا، فَيَعْرِفُ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ -وَهَذَا مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ اللهِ، لَيْسَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَتِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى--، الْمُعْطِي الْمَانِعُ -هَذَا كَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى--، الَّذِي لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَأَلْطَفُ بِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَأَنَّ الْخَلْقَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا دَاعٍ قَوِيٌّ عَظِيمٌ يَدْعُو إِلَى قُوَّةِ الشَّجَاعَةِ، وَقَصْرِ خَوْفِ الْعَبْدِ وَرَجَائِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَأَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ قَلْبِهِ خَوْفَ الْخَلْقِ وَرَجَاءَهُمْ وَهَيْبَتَهُمْ.

وَمِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتِهِ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِاللهِ فِي جَمِيعِ مَطَالِبِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْإِيمَانُ الْقَوِيُّ يَدْعُو إِلَى هَذَا الْمَطْلَبِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْأُمُورِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ، وَفِي مُقَابَلَةِ هَذَا يَدْعُو إِلَى التَّحَرُّرِ مِنْ رِقِّ الْقَلْبِ لِلْمَخْلُوقِينَ، وَمِنَ التَّعَلُّقِ بِهِمْ، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِالْخَالِقِ دُونَ الْمَخْلُوقِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ؛ حَصَلَتْ لَهُ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، وَالرَّاحَةُ الْحَاضِرَةُ، وَالتَّوْحِيدُ الْكَامِلُ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ؛ نَقَصَ إِيمَانُهُ وَتَوْحِيدُهُ، وَانْفَتَحَتْ عَلَيْهِ الْهُمُومُ وَالْغُمُومُ وَالْحَسَرَاتُ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ تَبَعٌ لِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِهِ، وَصِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، وَتَحَقُّقِهِ حَقِيقَةً، أَوْ دَعْوَاهُ وَالْقَلْبُ خَالٍ مِنْهُ.

* مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يَدْعُو إِلَى حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ جَمِيعِ طَبَقَاتِ النَّاسِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)). الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))

وَجِمَاعُ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنْ يَتَحَمَّلَ الْعَبْدُ الْأَذَى مِنْهُمْ، وَيَبْذُلَ إِلَيْهِمْ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الْقَوْلِيِّ وَالْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ، وَأَنْ يُخَالِقَهُمْ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، بِمَا يُحِبُّونَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ شَرْعِيٌّ، وَأَنْ يَدْفَعَ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَا يَقُومُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ الْكُمَّلُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].

وَإِذَا ضَعُفَ الْإِيمَانُ، أَوْ نَقُصَ، أَوِ انْحَرَفَ؛ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي أَخْلَاقِ الْعَبْدِ انْحِرَافًا بِحَسَبِ بُعْدِهِ عَنِ الْإِيمَانِ.

إِذَنْ؛ مَا تَرَاهُ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا سَبَبُهُ ضَعْفُ إِيمَانِهِمْ، كُلَّمَا ازْدَادَ الْمَرْءُ إِيمَانًا حَسُنَ خُلُقُهُ.

* مِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتِهِ: أَنَّ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ النَّارِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا مَنَعَ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلِ الْمَعَاصِي، وَمِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْهَا، وَالْإِيمَانُ النَّاقِصُ يَمْنَعُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَإِنْ دَخَلَهَا، كَمَا تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ؛ بِأَنَّهُ ((يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)). وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

* وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا عِنْدَ الْخَلْقِ أَمِينًا، وَيُوجِبُ لِلْعَبْدِ الْعِفَّةَ عَنْ دِمَاءِ النَّاسِ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَعْرَاضِهِمْ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: ((الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)).

وَأَيُّ شَرَفٍ دُنْيَوِيٍّ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا الشَّرَفِ الَّذِي يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْعَالِيَةِ مِنَ النَّاسِ؛ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَتَمَامِ أَمَانَتِهِ، وَيَكُونَ مَحَلَّ الثِّقَةِ عِنْدَهُمْ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِي أُمُورِهِمْ، وَهَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ الْجَلِيلَةِ الْحَاضِرَةِ.

* مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ قَوِيَّ الْإِيمَانِ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ مِنْ ذَوْقِ حَلَاوَتِهِ، وَلَذَّةِ طَعْمِهِ، وَاسْتِحْلَاءِ آثَارَهِ، وَالتَّلَذُّذِ بِخِدْمَةِ رَبِّهِ، وَأَدَاءِ حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ -الَّتِي هِيَ مُوجَبُ الْإِيمَانِ وَأَثَرُهُ-؛ يَجِدُ مَا يُزْرِي بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِأَسْرِهَا؛ فَإِنَّهُ مَسْرُورٌ وَقْتَ قِيَامِهِ بِوَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ، وَمَسْرُورٌ بِمَا يَرْجُوهُ وَيُؤَمِّلُهُ مِنْ رَبِّهِ؛ مِنْ ثَوَابِهِ وَجَزَائِهِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَمَسْرُورٌ بِأَنَّهُ رَبِحَ وَقْتَهُ الَّذِي هُوَ زَهْرَةُ عُمُرِهِ وَأَصْلُ مَكْسَبِهِ، وَمَحْشُوُّ قَلْبِهِ -أَيْضًا- مِنْ لَذَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِكَمَالِهِ وَكَمَالِ بِرِّهِ، وَسَعَةِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَذَّةِ مَحَبَّتِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ النَّاشِئَةِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِأَوْصَافِهِ، وَعَنْ مُشَاهَدَةِ إِحْسَانِهِ وَمِنَنِهِ.

فَالْمُؤْمِنُ يَتَقَلَّبُ فِي لَذَّاتِ الْإِيمَانِ وَحَلَاوَتِهِ الْمُتَنَوِّعَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْإِيمَانُ مُسَلِّيًا عَنِ الْمُصِيبَاتِ، مُهَوِّنًا لِلطَّاعَاتِ، وَمَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الْمُخَالَفَاتِ، جَاعِلًا إِرَادَةَ الْعَبْدِ وَهَوَاهُ تَبَعًا لِمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ.

* وَمن ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّبَبُ الْوَحِيدُ لِلْقِيَامِ بِذِرْوَةِ سَنَامِ الدِّينِ، وَهُوَ: الْجِهَادُ الْبَدَنِيُّ، وَالْمَالِيُّ، وَالْقَوْلِيُّ، جِهَادُ الْكُفَّارِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُنْحَرِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، فَكُلَّمَا قَوِيَ إِيمَانُ الْعَبْدِ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَإِرَادَةً وَعَزِيمَةً؛ قَوِيَ جِهَادُهُ، وَقَامَ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ حَالِهِ وَمَرْتَبَتِهِ، فَنَالَ الدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ، وَإِذَا ضَعُفَ الْإِيمَانُ؛ تَرَكَ الْعَبْدُ مَقْدُورَهُ مِنَ الْجِهَادِ الْقَوْلِيِّ بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ وَالنَّصِيحَةِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَضَعُفَ جِهَادُهُ الْبَدَنِيُّ؛ لِعَدَمِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

فَصَادِقُ الْإِيمَانِ يَحْمِلُهُ صِدْقُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي هِيَ مَرْتَبَةُ الطَّبَقَتَيْنِ الْعَالِيَتَيْنِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ: طَبَقَةِ الصِّدِّيقِينَ الْمُجَاهِدِينَ بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالنَّصِيحَةِ، وَطَبَقَةِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ قُتِلُوا، أَوْ مَاتُوا مِنْ دُونِ قَتْلٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ، وَمِنْ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ..

وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَخَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلُّهُ فَرْعٌ عَنِ الْإِيمَانِ، وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ، وَالْهَلَاكُ وَالنَّقْصُ إِنَّمَا يَكُونُ بِفَقْدِ الْإِيمَانِ أَوْ نَقْصِهِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.


 

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِكَمَالِ الْإِيمَانِ، وَتَمَامِ الْإِيمَانِ، وَدَوَامِ الْإِيمَانِ، وَأَنْ يَقْبِضَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ مَنْ جَاءَ بِهِ ﷺ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.. جَمَالُ الْمَظْهَرِ وَالْجَوْهَرِ
  موقف المسلم من العلم المادي
  تيقظ وانتبه !!
  تحقيق التوحيد في الكسوف والخسوف
  حَقُّ الْوَطَنِ وَالْمُشَارَكَةُ فِي بِنَائِهِ
  إلى أهل ليبيا الحبيبة
  لقد صاروا جميعًا من أهل السياسة !!
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ((الدَّرْسُ الْخَامِسُ: أَذْكَارٌ وَأَدْعِيَةٌ عَظِيمَةٌ وَقْتَ الْمِحَنِ))
  حرب الشائعات
  مَظَاهِرُ الْكِبْرِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ دِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان