أَهَمِّيَّةُ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ


 ((أَهَمِّيَّةُ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

فَإِنَّ صِحَّةَ الْفَهْمِ وَسَلَامَةَ الْقَصْدِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى عَبْدِهِ، بَلْ هُمَا أَجَلُّ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

وَصِحَّةُ الْفَهْمِ وَسَلَامَةُ الْقَصْدِ هُمَا سَاقَا الْإِسْلَامِ؛ عَلَيْهِمَا يَقُومُ، وَعَلَيْهِمَا يَرْتَكِزُ.

وَبِصِحَّةِ الْفَهْمِ يُنَجِّي اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْعَبْدَ مِنْ سَبِيلِ الضَّالِّينَ، وَأَمَّا بِسَلَامَةِ الْقَصْدِ فَيُنَجِّيهِ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ سَبِيلِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.

وَبِصِحَّةِ الْفَهْمِ وَسَلَامَةِ الْقَصْدِ يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ نَسْأَلَهُ بِأَنْ يُنْعِمَ عَلَيْنَا بِالْهِدَايَةِ إِلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَى الَّذِينَ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ، نَطْلُبُ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ- ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ صَلَاةٍ.

صِحَّةُ الْفَهْمِ وَسَلَامَةُ الْقَصْدِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا عَلَى عَبْدِهِ بَعْدَ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ؛ إِذْ وَفَّقَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ لَهُ، وَثَبَّتَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ.

وَصِحَّةُ الْفَهْمِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى عَبْدِهِ، وَمِنَّةٌ وَنُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَبِهَا تَفَاوَتَتْ سُبُلُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَلَفَتْ مَنَاهِجُهُمْ؛ فَعُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدٍ.

وَنُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي قَلْبِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ، وَهِيَ مِنَّةٌ مَمْنُونَةٌ وَنِعْمَةٌ مُنْعَمٌ بِهَا عَلَى مَنْ شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ وَأَنْ يُنْعِمَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ دُنْيَا وَآخِرَةً.

أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((أَنَّ عُمَرَ الْفَارُوقَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يُقَرِّبُهُ وَيُدْخِلُهُ مَجْلِسَهُ الْخَاصَّ -مَجْلِسَ مَشُورَتِهِ مَعَ الْأَشْيَاخِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَدْرٍ-، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: هَذَا مِثْلُ أَبْنَائِنَا! فَكَيْفَ يَدْخُلُ مَعَنَا، وَيَجْلِسُ فِي مِثْلِ مَجْلِسِنَا؟!!

وَعَلِمَ ذَلِكَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْمًا: احْضُرْ مَجْلِسَنَا.

قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُرِيَهُمْ.

فَلَمَّا اسْتَتَمَّ الْمَجْلِسُ وَفِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ أَقْبَلَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنَ الْأَشْيَاخِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]؟

فَمِنْ قَائِلٍ: إِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالنَّصْرِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَأَنْ يُسَبِّحَ بِحَمْدِهِ، وَمِنْ سَاكِتٍ لَا يَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَةٍ.

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ عُمَرُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟

قَالَ: قُلْتُ: هُوَ نَعْيُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَهُوَ إِعْلَامٌ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ، أَخْبَرَهُ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- إِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ وَأَعَزَّهُ بِفَتْحِ مَكَّةَ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ بِحَمْدِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى دُنُوِّ أَجَلِهِ وَاقْتِرَابِ نِهَايَةِ عُمُرِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا غَيْرَ مَا عَلِمْتَ)).

لَا أَعْلَمُ مِنْهَا سِوَى مَا عَلِمْتَ.. لَا عِلْمَ لِي بِشَيْءٍ فَوْقَ الَّذِي قُلْتَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ.

فَمِنْ أَيْنَ أَتَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- بِهَذَا الْفَهْمِ الْخَاصِّ وَلَيْسَ هُنَالِكَ مِنْ دَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَا بَاطِنَةٍ عَلَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْفَهْمِ فِي قَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِنَبِيِّهِ ﷺ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3].

لَيْسَ فِي الْآيَاتِ فِي ظَاهِرِهَا مَا يَدُلُّ دَلَالَةً خَاصَّةً عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ فَهْمِهِ بِالنُّورِ الَّذِي قَذَفَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي قَلْبِهِ مِنْ صِحَّةِ الْفَهْمِ وَجَوْدَتِهِ بِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْمَمْنُونَةِ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ.

وَصَدَّقَ الْفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ.. مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، بَلْ إِنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي الْآيَاتِ فَوْقَ الَّذِي ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَيْئًا.

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ الْآخَرُونَ -وَهُمْ أَطْوَلُ مُلَازَمَةٍ لِلنَّبِيِّ الْمَأْمُونِ ﷺ- فَلَمْ يَقْذِفْ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي قُلُوبِهِمْ وَلَا فِي قَلْبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا قَذَفَ فِي قَلْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا- تِجَاهَ مَا سَأَلَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ تَأْوِيلٍ لِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمُشَرَّفَاتِ فِي سُورَةِ النَّصْرِ.

صِحَّةُ الْفَهْمِ.. وَهَذَا الْفَهْمُ لَهُ أَدَوَاتٌ بَيَّنَهَا لَنَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

فَذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفُؤَادَ، وَالْقُرْآنُ جَارٍ عَلَى ذِكْرِ الْفُؤَادِ وَالْقَلْبِ عَلَى أَنَّهُ مَجْمَعُ الْإِدْرَاكِ، وَعَلَى أَنَّهُ مَنَاطُ الْفَهْمِ والْمَعْرِفَةِ عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَعَنْ رَسُولِهِ ﷺ.

فَبَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا يَسْتَوُونَ؛ عَالِمَهُمْ وَجَاهِلَهُمْ، وَكَاتِبَهُمْ وَقَارِئَهُمْ، وَأُمِّيَّهُمْ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا الْمَبَالِغَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّثَبُّتِ وَالتَّحْقِيقِ، وَمَنْ كَانَ بَالِغًا الْمَدَارِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَضِدِّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ مَخْرَجًا وَاحِدًا: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} جَمِيعًا.

ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- مِنَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَمَا مَيَّزَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَوَسَائِلِ الْإِدْرَاكِ وَطَرَائِقِ الْمَعْرِفَةِ؛ فَقَالَ اللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُكَلِّفَكُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَأَنْ يَأْمُرَكُمْ وَيَنْهَاكُمْ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّكْرَ يَرْتَكِزُ عَلَى أُمُورٍ بِأَرْكَانٍ إِذَا مَا أَتَى بِهَا الْمَرْءُ عُدَّ شَاكِرًا، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا جَمِيعِهَا عُدَّ جَاحِدًا، وَإِلَّا فَنَقْصٌ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ.

فَأَمَّا مَدَارُ أَرْكَانِ الشُّكْرِ فَهِيَ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ:

أَنْ يَعْتَرِفَ الْإِنْسَانُ بِالنِّعْمَةِ بَاطِنًا.

وَأَنْ يُقِرَّ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِهَا -يَعْنِي: بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ- بِاللِّسَانِ ظَاهِرًا.

ثُمَّ الْأَمْرُ الْكَبِيرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْحُيُودِ عَنْ شُكْرِ رَبِّنَا الْمَعْبُودِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ الَّذِي أَنْعَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ نِعَمٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَا حَصْرَ لَهَا وَلَا عَدَّ، وَلَكِنْ لَا تُصَرَّفُ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَرَّفَ فِيهِ؛ فَلَا يَصِيرُ الشُّكْرُ -حِينَئِذٍ- إِلَّا جُحُودًا وَنُكْرَانًا وَاتِّهَامًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَحَالًا بِأَنَّهُ مَا أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ يَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَانَ.

لَا بُدَّ أَنْ يُقِرَّ الْمَرْءُ بِالنِّعْمَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُعْتَرِفًا بِهَا بَاطِنًا، وَأَنْ يَلْهَجَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِهَا -يَعْنِي: بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ- بِاللِّسَانِ ظَاهِرًا، وَأَنْ يُصَرِّفَهَا فِي مَرْضَاةِ الَّذِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ وَأَسْدَاهَا إِلَيْهِ.

فَإِذَا اعْتَرَفَ الْمَرْءُ بِالنِّعْمَةِ بَاطِنًا، وَلَهَجَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- بِهَا بِالنُّطْقِ ظَاهِرًا، وَلَمْ يُصَرِّفِ النِّعْمَةَ فِي شُكْرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِيهِ فَهُوَ جَاحِدٌ نَاكِرٌ غَيْرُ شَاكِرٍ.

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وَأَنْتُمْ لَمْ تَشْكُرُوا إِلَّا مَنِ اعْتَرَفْتُمْ بِوُجُودِهِ بَدْءًا، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ عَلَيْكُمْ ثَانِيًا، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ لَهُ بِأُلُوهِيَّتِهِ لَكُمْ بِتَصْرِيفِ عِبَادَتِكُمْ لَهُ وَقَصْرِهَا عَلَيْهِ ثَالِثًا، ثُمَّ إِنَّهُ -حِينَئِذٍ- يَكُونُ مُسْتَحْوِذًا لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ مِنْ جَمِيعِ أَقْطَارِهَا.

وَإِذَنْ؛ فَهَذَا تَوْحِيدٌ خَالِصٌ يَجْعَلُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْفَذَّةِ الْمُفْرَدَةِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وَشُكْرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى (السَّمْعِ) بِأَنْ يَعْتَرِفَ الْمَرْءُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ بَاطِنًا، وَأَنْ يَلْهَجَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِهَا ظَاهِرًا بِالنُّطْقِ لِسَانًا، ثُمَّ أَنْ يُصَرِّفَهَا فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَرَّفَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ قَانُونِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي شَرْعِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَكَذَلِكَ (الْبَصَرُ وَالْفُؤَادُ).

إِنَّ الْوَعْيَ بِالْمَخَاطِرِ يَحْتَاجُ إِلَى إِعْمَالِ الْعَقْلِ الَّذِي كَرَّمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ الْإِنْسَانَ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَ الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ الْآيَاتِ: انْظُرُوا بِقُلُوبِكُمْ نَظَرَ اعْتِبَارٍ وَتَذَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ: مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْآيَاتِ التَّكْوِينِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ؛ فَإِذَا نَظَرْتُمْ هَذَا النَّظَرَ التَّدَبُّرِيَّ تَحَقَّقْتُمْ مِنْ صِدْقِ رَسُولِكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنْ رَبِّكُمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام: 36].

لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةِ الْحَقِّ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَدَيِّهِمُ اسْتِعْدَادٌ لِأَنْ يَسْمَعُوا سَمَاعًا وَاعِيًا وَاصِلًا إِلَى مَدَارِكِهِمْ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ: هَلْ يَسْتَوِي الْجَاهِلُ بِحَقَائِقِ الدِّينِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِحَقَائِقِ الدِّينِ الرَّبَّانِيَّةِ؟!! أَفَقَدْتُمْ مَا وَهَبْنَاكُمْ مِنْ عَقْلٍ فَلَا تَتَفَكَّرُونَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ؟!!

وَحَثَّ اللهُ عَلَى الْوَعْيِ وَالْإِدْرَاكِ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ؛ فَقَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 11-12].

وَمِنْ جُمْلَةِ هَؤُلَاءِ -الَّذِينَ عَاقَبَهُمُ اللهُ لِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ- قَوْمُ نُوحٍ؛ أَغْرَقَهُمُ اللَّهُ فِي الْيَمِّ حِينَ طَغَى الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَلَا عَلَى مَوَاضِعِهَا الرَّفِيعَةِ.

وَامْتَنَّ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ الْمَوْجُودِينَ بِعْدَهُمْ أَنْ حَمَلَهُمْ {فِي الْجَارِيَةِ} -وَهِيَ السَّفِينَةُ- فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمُ الَّذِينَ نَجَّاهُمُ اللَّهُ.

فَاحْمَدُوا اللَّهَ، وَاشْكُرُوا الَّذِي نَجَّاكُمْ حِينَ أَهْلَكَ الطَّاغِينَ، وَاعْتَبِرُوا بِآيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى تَوْحِيدِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {لِنَجْعَلَهَا}؛ أَيِ: الْجَارِيَةَ، وَالْمُرَادُ جِنْسُهَا، {لَكُمْ تَذْكِرَةً} تُذَكِّرُكُمْ أَوَّلَ سَفِينَةٍ صُنِعَتْ، وَمَا قِصَّتُهَا، وَكَيْفَ نَجَّى اللَّهُ عَلَيْهَا مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رَسُولَهُ، وَكَيْفَ أَهْلَكَ أَهْلَ الْأَرْضِ كُلَّهُمْ، فَإِنَّ جِنْسَ الشَّيْءِ مُذَكِّرٌ بِأَصْلِهِ.

{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}؛ أَيْ: يَعْقِلُهَا أُولُو الْأَلْبَابِ، وَيَعْرِفُونَ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَوَجْهَ الْآيَةِ بِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْإِعْرَاضِ وَالْغَفْلَةِ وَأَهْلِ الْبَلَادَةِ وَعَدَمِ الْفِطْنَةِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمُ انْتِفَاعٌ بِآيَاتِ اللَّهِ لِعَدَمِ وَعْيِهِمْ عَنِ اللَّهِ، وَلِعَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ فِي آيَاتِ اللهِ.

وَحَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ، وَالْوَعْيِ وَالْإِدْرَاكِ، قَالَ ﷺ: ((نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)) . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

فَفِي قَوْلِهِ ﷺ: ((فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا)).. إِشَارَةٌ إِلَى الْحِفْظِ السَّلِيمِ وَالْفَهْمِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: ((وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا)).. إِشَارَةٌ إِلَى أَدَاءِ الْكَلَامِ بنَصِّهِ، ((وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا)).

وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: ((فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ)).. إِشَارَةٌ إِلَى صَاحِبِ الْفَهْمِ الضَّعِيفِ.

وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: ((وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)).. إِشَارَةٌ إِلَى تَفَاوُتِ الْأَفْهَامِ, وَأَنَّ سَامِعَ الْخَبَرِ قَدْ يَسْتَنْبِطُ مِمَّا سَمِعَ مَا لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ الرَّاوِي الَّذِي نَقَلَ الْكَلَامَ.

هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

إِنَّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَطْيَبِ الْخِصَالِ.

وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ:

مِنْ ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].

وَقَالَ النَّبِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

هَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ بِإِجْمَالٍ.. الْفِقْهُ فِي الدِّينِ فِي لِسَانِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ يَشْمَلُ الْفَهْمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ، لَا فِي الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ، وَالْعِبَادَةَ، وَالْمُعَامَلَةَ، وَيَشْمَلُ الْأَخْلَاقَ وَالسُّلُوكَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِدِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

رَتَّبَ النَّبِيُّ الْخَيْرَ كُلَّهُ عَلَى الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ : «النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا». هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

«إِذَا فَقِهُوا»: إِذَا صَارُوا فُقَهَاءَ.

فَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ مَنْزِلَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٌ، وَدَرَجَتُهُ فِي الثَّوَابِ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَفَقَّهَ فِي أُمُورِ دِينِهِ، وَعَرَفَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ وَوَاجِبَاتٍ، إِذَا تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَعَرَفَ ذَلِكَ؛ عَبَدَ رَبَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَيُوَفَّقُ لِلْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

المصدر: بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَالْحَذَرُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ
  مَعَالِمُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ
  رِعَايَةُ الْمُسْلِمِ لِأُسْرَتِهِ وَوَاجِبُهُ نَحْوَهَا
  دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوْحِيدِ وَتَقْدِيمُ مَصْلَحَتِهِمْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ
  رِحْلَةُ الْعَوْدَةِ تَبْدَأُ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ
  إِقَامَةُ الدُّنْيَا وَتَعْمِيرُهَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  تَعْرِيفُ النِّكَاحِ
  وُجُوبُ تَحَرِّي الْحَلَالِ الطَّيِّبِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُبِّ تَعَلُّمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
  الدرس الثاني والعشرون : «مَعَانِي الإِيثَارِ فِي الإِسْلَامِ»
  حَثُّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ
  سَعَةُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَكَمَالُهَا
  رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْمُسِنِّينَ
  نَبْذُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان