المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : ((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))


المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

((ذِكْرُ اللهِ بَابُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ))

فَإِنَّ ذِكْرَ اللهِ جِلَاءُ الْقُلُوبِ، وَصِقَالُهَا وَدَوَاؤُهَا إِذَا غَشِيَهَا اعْتِلَالُهَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الذَّاكِرُ فِي ذِكْرِهِ اسْتِغْرَاقًا؛ ازْدَادَ لمَذْكُورِهِ مَحَبَّةً، وَإِلَى لِقَائِهِ اشْتِيَاقًا.

وَإِذَا وَاطَأَ فِي ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسَانِهِ؛ نَسِيَ فِي جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ, وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ, وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

بِهِ يَزُولُ الْوَقْرُ عَنِ الْأَسْمَاعِ, وَالْبَكَمُ عَنِ الْأَلْسُنِ, وَتَنْقَشِعُ الظُّلْمَةُ عَنِ الْأَبْصَارِ.

زَيَّنَ اللَّهُ بِالذِّكْرِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.

وَالذِّكْرُ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ.

الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ

قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41-42].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)), مِنْ رِوَايَةِ: أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي, وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي, فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي, وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ, وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا, وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا, وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)).

وَرَوَى البُخَارِيُّ, مِنْ رِوَايَةٍ: أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ, وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ؛ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)).

وَقَدْ ذَكَرَ العَلَّامَةُ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((مَدَارِجِ السَّالِكِينَ)), أَنَّ الذِّكْرَ وَرَدَ فِي القُرْآنِ المَجِيدِ عَلَى عَشْرَةِ أَوْجُهٍ, وَدَلَّلَ عَلَى ذَلِكَ، ومن أهم تلك الأوجه:

الْأَوَّلُ: الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41-42].

الثَّانِي: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].

الثَّالِثُ: تَعْلِيقُ الْفَلَاحِ بِكَثْرَتِهِ وَاسْتِدَامَتِهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].

الرَّابِعُ: الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِهِ، وَالجَزَاءُ عَلَى ذَلِكَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

الْخَامِسُ: الْإِخْبَارُ عَنْ خُسْرَانِ مَنْ لَهَا عَنْهُ بِغَيْرِهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].

السَّادِسُ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذِكْرَهُ لَهُمْ جَزَاءً لِذِكْرِهِمْ لَهُ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].

السَّابِعُ: الْإِخْبَارُ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].

التَّاسِعُ: الْإِخْبَارُ عَنْ أَهْلِ الذِّكْر أَنَّهُمْ أَهْلُ الِانْتِفَاعِ بِآيَاتِهِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191].

ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ وَمَنَافِعُهُ

فَوَائِدُ الذِّكْرِ وَثَمَرَاتُهُ وَمَنَافِعُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ ومنها:

  • 1-الذِّكرُ يَطرُدُ الشَّيطَانَ، وَيَقْمَعُهُ وَيَكْسَرُهُ.
  • 2-ويُرضِي الرَّحمَنَ -عَزَّ وَجَلَّ-.
  • 3-ويُزِيلُ الهَمَّ وَالغَمَّ عَنِ القَلبِ.
  • 4-وَيَجلِبُ لِلقَلبِ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالبَسْطَ.
  • 5-وَالذِّكْرُ يُقَوِّي القَلبَ وَالبَدَنَ.
  • 6-وَيُنَوِّرُ الوَجْهَ وَالقَلبَ.
  • 7-ويَجلِبُ الرِّزقَ.
  • 8-وَالذِّكْرُ يُورِثُ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ الَّتِي هِيَ رُوحُ الإِسلَامِ, وَقُطبُ رَحَى الدِّين.
  • 9-وَالذِّكرُ يَجْلِبُ مُرَاقَبَةَ العَبْدِ لِرَبِّهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي بَابِ الإِحسَانِ.
  • 10-وَالذِّكْرُ يَحُطُّ الخَطَايَا وَيُذهِبُهَا؛ فَإنَّهُ مِنْ أَعظَمِ الحَسَنَات، وَالحَسَنَاتُ يُذهِبنَ السَّيِّئَات.
  • 11-وَالذِّكْرُ يُذْكَرُ بِهِ صَاحِبُهُ حَوْلَ العَرْشِ.
  • 12-والذِّكرُ سَبَبُ لتَنَزُّلِ السَّكِينَة، وَغِشْيَانِ الرَّحمَة، وَحُفُوفِ المَلائكَةِ بِالذَّاكِرِ.
  • 13-وَهُوَ يَشْغَلُ اللِّسَانَ عَنِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالكَذِبِ وَالفُحْشِ وَالبَّاطِلِ.
  • 14-وَيُؤَمِّنُ العَبدَ مِنَ الحَسرَةِ يَومَ القِيَامَة؛ فَإنَّ كُلَّ مَجلِسٍ لَا يُذكَرُ اللَّهُ فِيهِ يَكُونُ حَسْرَةً عَلَى صَاحِبِهِ.
  • 15-وَفِي القَلبِ قَسْوَةٌ لَا يُذِيبُهَا إِلَّا ذِكرُ اللهِ, فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُدَاوِيَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ بِذِكْرِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
  • 16-إنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِالذَّاكِرِينَ مَلائِكَتَهُ، وَمُدْمِنُ الذِّكْرِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ.
  • 17-وذِكرُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- يُسَهِّلُ الصَّعْبَ، وَيُيَسِّرُ العَسِيرَ, وَيُخَفِّفُ المَشَاقَّ.
  • 18-وَالذِّكْرُ يُعطِي الذَّاكِرَ قُوَّةً؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيَفعَلُ مَع الذِّكرِ مَا لَمْ يُطِقْ فِعْلَهُ بِدُونِهِ.
  • 19-وَالذِّكْرُ سَدٌّ بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ جَهَنَّمَ.
  • 20-وَلِلذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ الأَعْمَالِ لَذَّةٌ لَا يُشْبِهُهَا شَيْء.

نَسْأَلُ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُوقِظَنَا مِنْ رَقْدَتِنَا, وَأَنْ يُنَبِّهَنَا مِنْ غَفْلَتِنَا, وَأَنْ يَجْعَلَنَا ذَاكِرِينَ لَهُ تَعَالَى كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى؛ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ كُلِّهَا كَمَا عَلَّمَنَا نَبِيُّهُ ﷺ, وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ.

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْعَالَمُ كُلُّهُ -الْيَوْمَ- فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  الدرس الحادي عشر : «الشُّكْرُ»
  حُسْنُ الخُلُقِ مِنْ كُبْرَى غَايَاتِ دِينِنَا
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي الْقُرْآنِ
  ثَمَرَاتُ الِاقْتِصَادِ الْقَوِيِّ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  فَوَائِدُ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةُ وَثَمَرَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  حَضَارَةُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ!!
  الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَبْذُ الْخِلَافَاتِ
  المَوْعِظَةُ الْعِشْرُونَ : ((فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))
  نَصِيحَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ
  أَهَمِّيَّةُ التَّخْطِيطِ وَدَلَائِلُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  حُسْـــنُ خُلُــقِ النَّــبِيِّ ﷺ وَطِيبُ عِشْرَتِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-
  أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! احْذَرُوا الْخُمُورَ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  شُرُوطُ الزَّكَاةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان