مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى؟!!


((مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى؟!!))

فَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي حَسَنَاتِهِ وَفَضَائِلِهِ وَفَوَاضِلِهِ، كَالْحِصْنِ بِأَسْوَارِهِ وَتَحْصِينَاتِهِ وَمَوَانِعِهِ.

وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي ذُنُوبِهِ وَرَذَائِلِهِ وَانْكِسَارَاتِ نَفْسِهِ أَمَامَ شَهَوَاتِهِ وَمَلَذَّاتِهِ، كَالْحِصْنِ بِنِقَاطِ ضَعْفِهِ وَمَوَانِعِ دَفْعِهِ وَمَوَاطِنِ الْقُصُورِ فِيهِ.

لَا يُؤْتَى الْإِنْسَانُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الذَّنْبِ، وَلَا يُؤْتَى الْإِنْسَانُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْمَعْصِيَةِ.

وَقَدْ كَانَ السَّابِقُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي غَايَةِ الْعَمَلِ مَعَ غَايَةِ الْخَوْفِ، وَنَحْنُ فِي غَايَةِ التَّقْصِيرِ بَلْ فِي غَايَةِ التَّفْرِيطِ مَعَ غَايَةِ الْأَمْنِ.. فَشَتَّانَ!!

كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي غَايَةٍ مِنَ الْعَمَلِ إِتْقَانًا وَإِحْسَانًا، وَأَدَاءً وَبَيَانًا مَعَ غَايَةِ الْخَوْفِ، مَعَ غَايَةِ الْإِشْفَاقِ كَمَا وَصَفَ رَبُّكَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنَّ الْإِحْسَانَ مِنْ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60].

فَلَمَّا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مَا قَالَتْ، قَالَ: ((لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! إِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ وَيَخْشَى أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُ)) .

كَمْ مِنْ رِزْقٍ هُوَ لِلْعَبْدِ مِنَ السَّمَاءِ نَازِلٌ، وَكَمْ مِنْ ذَنْبٍ هُوَ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- صَاعِدٌ!!

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((إِنَّ الطُّيُورَ لَتَمُوتُ فِي أَكْنَانِهَا -إِنَّ الطُّيُورَ لَتَمُوتُ فِي أَعْشَاشِهَا- بِظُلْمِ الظَّالِمِ)) .

وَيَقُولُ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ السَّنَةَ إِذَا مَا اشْتَدَّتْ -يَعْنِي إِذَا مَا الْقَحْطُ اشْتَدَّ بِالْأَرْضِ- وَإِذَا مَا مُنِعَ الْقَطْرُ -أَيْ مَا مُنِعَ مَاءُ السَّمَاءِ بِمَطَرِهَا- فَعِنْدَئِذٍ تَلْعَنُ دَوَابُّ الْأَرْضِ ابْنَ آدَمَ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنِ ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ بِمَعْصِيَتِهِ كَانَ مَا كَانَ)) .

لَا يَحْدُثُ لِلْعَبْدِ عَلَى مُسْتَوَاهُ الْفَرْدِيِّ.. عَلَى مُسْتَوَاهُ الشَّخْصِيِّ مِنْ أَمْرٍ يَسُوؤُهُ وَلَا حَدَثٍ يُكْرِبُهُ إِلَّا بِذَنْبٍ أَحْدَثَهُ، وَلَا يَحْدُثُ لِلْأُمَّةِ فِي مَجْمُوعِهَا وَلَا لِلْمَحَلَّةِ وَلَا لِلْبَلْدَةِ فِي ذَاتِهَا مِنْ أَمْرٍ تَكْرَهُهُ إِلَّا بِذَنْبٍ أَحْدَثَتْهُ وَخَطِيئَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا.

لَمَّا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فيِ الْمَدِينَةِ -مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ- عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَا أَسْرَعَ مَا أَحْدَثْتُمْ، لَئِنْ عَادَتْ لَا أُسَاكِنُكُمْ فِيهَا»، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- .

وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ وَمِنْ فِقْهِ الصَّحَابَةِ مِمَّا عَلَّمَهُمْ إِيَّاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

نَعَمْ، لَوْلَا أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- يَمُنُّ عَلَيْنَا بِرَحَمَاتِهِ لَأَنْزَلَ بِالْخَلْقِ مَا أَنْزَلَ، وَلَوَقَعَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ شُكُولًا وَأَصْنَافًا، وَلَكِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

إِذَنْ؛ يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُفَتِّشَ فِي ذَاتِهِ، وَأَنْ يَبْحَثَ فِي قَرَارَةِ قَلْبِهِ وَصَحِيفَةِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُسِيئًا مِنْ حَيْثُ هُوَ ظَانٌّ أَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ شَيْءٍ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، بَلْ رُبَّمَا عَدَّهُ فِي حَسَنَاتِهِ وَهُوَ لَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ، وُهُوَ مَكْتُوبٌ فِي صَحِيفَةِ سَيِّئَاتِهِ، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53].

 

المصدر:التَّرْهِيبُ مِنَ الْعُقُوقِ وَعَوَاقِبِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  لَا تَقْنَطُوا مَهْمَا اشْتَدَّتْ بِكُمُ الْمِحَنُ!
  كُبْرَى مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَطَرٍ عَظِيمٍ الْيَوْمَ!
  حَالُ الْمُسْلِمِ فِي شَهْرِ الْحَصَادِ
  الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ أَوَّلًا..
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  عِلَاجُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي كَلِمَتَيْنِ: عِيشُوا الْوَحْيَ الْمَعْصُومَ
  أَخْطَرُ الشَّائِعَاتِ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ وَآثَارُهَا
  نِعْمَةُ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا
  الدرس السادس عشر : «التَّقْوَى»
  مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي الْعِبَادَاتِ
  سُبُلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَثَمَرَتُهُ
  أَفْضَلُ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْعَمَلِ الْجَادِّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان