مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: إِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ، وَقَضَاءُ دُيُونِهِمْ


((مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ:

إِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ، وَقَضَاءُ دُيُونِهِمْ))

لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ أَنَّ إِطْعَامَ أَحْوَجِ النَّاسِ مِنْ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ مِنْ عِبَادِ اللهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9].

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}؛ أَيْ: وَهُمْ فِي حَالٍ يُحِبُّونَ فِيهَا الْمَالَ وَالطَّعَامَ، لَكِنَّهُمْ قَدَّمُوا مَحَبَّةَ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ نُفُوسِهِمْ، وَيَتَحَرَّوْنَ فِي إِطْعَامِهِمْ أَوْلَى النَّاسِ وَأَحْوَجَهُمْ: {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.

وَيَقْصِدُونَ بِإِنْفَاقِهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ بِلِسَانِ الْحَالِ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}؛ أَيْ: لَا جَزَاءً مَالِيًّا، وَلَا ثَنَاءً قَوْلِيًّا.

 ((وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا».

فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيرِ»، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا -أَيْ: مَنْ يَكُونُ بِدَاخِلِهَا يَرَى ظَاهِرَهَا، وَمَنْ يَكُونُ خَارِجَهَا يَرَى بَاطِنَهَا-، أَعَدَّهَا اللهُ -تَعَالَى- لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ». رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِغَيْرِهِ.

وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِصُهَيْبٍ: فِيكَ سَرَفٌ فِي الطَّعَامِ.

فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ».

يُعَاتِبُهُ عُمَرُ فِي كَثْرَةِ إِطْعَامِهِ النَّاسَ، وَفِي كَثْرَةِ مَا يُنْفِقُ عَلَى ذَلِكَ.

فَقَالَ: سَمِعْتُ الرَّسُولَ ﷺ يَقُولُ: «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ».

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوَّلَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فَيمَنْ جَاءَهُ، فَلَمَّا تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ وَاسْتَثْبَتُّهُ؛ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.

قَالَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

أَوَّلُ بَيَانٍ فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَمَا انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ عِنْدَ قُدُومِهِ مُهَاجِرًا ﷺ هَذَا الْبَيَانُ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمُ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ, حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ». رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

قَالَ: «إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ، فَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ؛ أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ؛ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ! اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي».

قَالَ: يَا رَبِّ! وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟!!

قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟!

يَا ابْنَ آدَمَ! اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي».

قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟

قَالَ: «اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: ((إِدْخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ؛ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً)). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْأَوْسَطِ)).

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوْعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا». وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ)) .

 ((مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ:

رِعَايَةُ الْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ))

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]؛ فِيهَا الْوِلَايَةُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِحْسَانُ تَدْبِيرِ مَالِهِ.

وَقَدْ أَمَرَ بِاخْتِبَارِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ، فَإِذَا عُلِمَ رُشْدُهُ -وَهُوَ حِفْظُ مَالِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ لِلتَّصَرُّفِ وَالتَّصْرِيفِ- دُفِعَ لَهُ مَالُهُ.

إِنَّ فِي السَّعْيِ عَلَى الْيَتِيمِ أَجْرًا، وَفِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَجْرًا، لَا سِيَّمَا مَنْ وَجَدَ يَتِيمًا فِي بَيْتِهِ -سَوَاءٌ لِقَرَابَتِهِ أَوْ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ- وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَعَلَّمَهُ وَأَدَّبَهُ حَتَّى بَلَغَ الْحِنْثَ، فَكَمْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-!

وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ»، وَجَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ؛ يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ؛ أَنْ يُحْشَرَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنَّةِ بِسَبَبِ عَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمَهُ فِي الدُّنْيَا.

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ -رَحِمَهُ اللهُ- : «حُقَّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ».

فَكَفَالَةُ الْيَتِيمِ جَزَاؤُهَا عَظِيمٌ جِدًّا، فَلْيَحْرِصِ الْإِنْسَانُ عَلَى أَنْ يُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ فِي الْآخِرَةِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمَسَاكِينِ كَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» .

«السَّاعِي»: الَّذِي يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي تَحْصِيلِ مَا يَنْفَعُ الْأَرْمَلَةَ وَالْمِسْكِينَ.

«الْأَرْمَلَةُ»: الَّتِيْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ، وَالْإِرِمَالُ: الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ لِفَقْدِ الزَّوْجِ، يُقَالُ: أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ.

«الْمَسَاكِينُ»: جَمْعُ مِسْكِينٍ؛ وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ بَعْضُ شَيْءٍ.

مِنْ مَزَايَا دِينِ الْإِسْلَامِ كَثْرَةُ الْأُجُورِ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ، فَهَذَا السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ؛ أَيِ الْمَرْأَةِ الَّتِي بِجَانِبِهِ، سَوَاءٌ فَقَدَتِ الزَّوْجَ، أَمْ أَنَّهَا فِي جَانِبِ وَلِيِّ أَمْرِهَا، وَهُوَ يَسْعَى عَلَيْهَا لِيُؤَمِّنَ حَاجَاتِهَا الضَّرُورِيَّةَ، مُحْتَسِبًا الْأَجْرَ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ.

وَالسَّاعِي عَلَى الْمِسْكِينِ، سَوَاءٌ مِنْ قَرَابَتِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ قَرَابَتِهِ، يَسْعَى لِيُؤَمِّنَ قُوتَهُ الضَّرُورِيَّ، وَيَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْعَيْشِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَسْكَنٍ بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُ.

وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَيْتَامُ، وَهُمْ أَحْوَجُ الْأَصْنَافِ إِلَى الْعِنَايَةِ بِهِمْ، وَالْيَتِيمُ هُوَ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ مِنْ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ الْمُرَبِّي التَّرْبِيَةَ الدِّينِيَّةَ، فَيَكُونُ أَحْرَصَ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى نَفْسِهِ.

فَالسَّاعِي عَلَيْهِ -عَلَى الْيَتِيمِ- كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفَضْلُ الْجِهَادِ مَعْلُومٌ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، بِأَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَوِّئُ الْمُجَاهِدَ الْمَنَازِلَ الْعَالِيَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

فَالسَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ كَأَنَّهُ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، بَلْ وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، صَائِمِ النَّهَارِ تَنَفُّلًا وَتَطَوُّعًا، وَالْقَائِمِ بِاللَّيْلِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ تَطَوُّعًا، وَكَمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ!

فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ: بَيَانُ أَنَّ السَّعْيَ عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَسَاكِينِ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ، وَالْقِيَامَ عَلَى أُمُورِهِمْ، جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ.

وَفِيهِ: أَنَّ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ يَتَحَصَّلُ الْمَرْءُ مِنْهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَلَّا يَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئا.

وَيَنْبَغِي عَلَيهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَوْصِيلِ الْخَيْرَاتِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ وَالْمُعْوِزِينَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ، حَتَّى جَعَلَهُ ﷺ كَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ.

 

المصدر:خِدْمَةُ الْمُجْتَمَعِ بَيْنَ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَالْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ وَالْعَيْنِيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  صِدْقُ الْعَزِيمَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
  الْحُدُودُ عُقُوبَاتٌ لِأَفْرَادٍ جُنَاةٍ وَحِمَايَةٌ لِلدِّينِ وَالْمُجْتَمَعِ
  فَوَائِدُ مِنْ دَوْرَةِ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-
  النَّبِيُّ ﷺ عَلَّمَ الْأُمَّةَ الْوَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
  سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ
  أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ
  ثَمَرَاتُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  مَنَاسِكُ الْحَجِّ كَأَنَّكَ تَرَاهَا
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  ضَوَابِطُ تَرْبِيَةِ الْيَتِيمِ وَتَأْدِيبِهِ
  وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ
  تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ
  بَرَاءَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَرَائِمِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان