تفريغ مقطع : رسالة إلى الفقراء... القاعدة الذهبية للإمام أحمد في مواجهة الفقر

يَقُولُ النَّبِيُّ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: ((لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)).
إِذَنْ؛ الدُّنيَا كُلُّهَا مِن بَدئهَا إِلَى مُنتَهَاهَا بمَا فِيهَا؛ مِن مُلْكِ المُلُوك وَالسَّلَاطِين, وَمَا فِيهَا مِنَ الكُنُوزِ, وَمَا فِيهَا مِنَ الأَحوَالِ وَالنَّعِيمِ, مُنذُ خَلَقَهَا إِلَى أَنْ يَرِثَهَا؛ لَا تَعدِلُ جَناحَ بَعُوضَة عِندَ اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
كَم يَبلُغُ نَصِيبُكَ أَنتَ مِنَ الجَناجِ؟!
حَتَّى فِي عَصرِكَ؛ مَا يَبلُغُ مَا عِندَكَ مِمَّا هُوَ مُوَزَّعٌ فِي الدُّنيَا كُلِّهَا؟ مَا يَبلُغ؟!
فَكَيفَ إِذَا قِيسَ مَا عِندَكَ بِالنِّسبَةِ إِلَى الأَعصَارِ – جَمعُ: عَصْر-كُلِّهَا مُنذُ خَلَقَهَا إِلَى أَنْ يَرِثَهَا؟!
أَلَا تُفِيقُونَ!!
الأَمرُ قَرِيبٌ, وَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُونَ طَعَام, وَلِبَاسٌ دُونَ لِبَاس, ((وَإِذَا ذُكِرَ المَوتُ هَانَ كُلُّ شَيءٍ)) كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ –رَحِمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا-, وَضَعَ لنَا قَانُونًا مِن أَجمَلِ مَا تَكُونُ القَوانِين.
تَعلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعدِلُ بِالفَقرِ شَيئًا, يَقُولُ: ((وَاليَومُ الَّذِي أُصبِحُ فِيهِ وَلَيسَ عِندِي فِيهِ شَيء؛ هُوَ أَحَبُّ الأَيَّامِ إِلَيَّ)).
مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَجَّعُ يَقُولُ: ((وَلَكِنْ أَوَّه مِنَ الفَقرِ)) –رَحِمَهُ اللَّهُ رَحمَةً وَاسِعَةً-.
وَكَانَ فَقرُهُ هَذَا فَقرًا اختِيَارِيًّا؛ لِأَنَّ عَطَايَا السَّلاطِينِ كَانَت عَلَى طَرَفِ بَنَانِهِ, بَلْ أَرسَلَ إِلَيهِ المُتَوَكِّلُ مَالًا عَظِيمًا, فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ, فَقَالَ لَهُ مَن جَاءَ بِهِ: سَتَحدُثُ بَينَكَ وَبَينَهُ وَحْشَة, وَسَيَقُولُ الوُشَاة: أَنَّهُ لَا يَقبَلُ مِنْكَ شَيئًا, وَلَا يَأكُلُ عِنْدَكَ طَعَامًا, فَاقْبَلْهُ وَتَصَدَّق بِهِ.
فَقَبِلَهُ؛ ثُمَّ جمَعَ أَهْلَ بَيتِهِ, ثُمَّ أَخَذُوا يُقَسِّمُونَهُ عَلَى طُلَّابِ العِلمِ مِنَ الفُقَراءِ المُحتَاجِينَ, وَعَلَى المَسَاكِينِ وَغَيرِهِم مِنَ المُحتَاجِين, وَلَم يُبْقِ لِأَهلِ بَيتِهِ مِنْ هَذَا المَالِ شَيئًا, حَتَّى الكِيس الَّذِي جَاءَ المَالُ فِيهِ تَصَدَّقَ بِهِ!!
ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ بَلَغَ المُتَوَكِّل, فَجَاءَ فِي نَفسِهِ شَيء, وَحَاكَ فِي صَدرِهِ شَيءٌ مِنَ المَوجِدَةِ, فَقَالَ بَعضُ المُحِبِّينَ لِلإِمَامِ أَحمَد فِي مَجلِسِ المُتَوَكِّل: لَا عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين, لَقَد قَبِلَ مِنكَ وَتَصَدَّقَ بِهِ, مَا لِأَحمَدَ وَالدُّنيَا.
كَانَ فِي حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ, وَفِي فَاقَةٍ ضَاغِطَةٍ, وَأَهلُ بَيتِهِ كَانُوا كَذَلِك؛ فَأَرسَلَ إِلَيهِ بَعضُ أَحِبَّائِهِ رِسَالَةً قَالَ فِيهَا بَعدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ, وَسَلَّمَ عَلَى الإِمَامِ وَدَعَا لَهُ قَالَ: إِنِّي قَد وَقَعَ إِلَيَّ مَالٌ لَيسَ فِيهِ شُبهَة, وَإِنِّي أُرِيدُ مُستَأذِنًا إِيَّاكَ أَنْ أُرسِلَ إِلَيكَ كَذَا وَكَذَا مِنهُ -وَذَكَرَ قَدْرًا كَبِيرًا-, وَأَنتَظِرُ جَوَابَكَ.
فَأَخَذَ هَذَا الخِطَابَ, فَجَعَلَهُ تَحتَ سَجِّادَةٍ كَانَ يُصَلِّي عَلَيهَا, جَاءَ بَعضُ وَلَدِهِ فِي غِيَابِهِ فَقَرَأَ ذَلِكَ الكِتَابَ, فَلَمَّا كَانُوا مَعًا بِاللَّيلِ قَالَ: يَا أَبَتْ؛ بِمَاذَا سَتَرُدُّ عَلَى فُلَانٍ؟!
فَغَضِبَ, قَالَ: وَقَدْ قَرَأتَهُ؟!
قَالَ: نَعَم
قَالَ: ((لَا يَرُدُّ عَلَيهِ أَحَدٌ سِوَاكَ اكتُب, وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ, وَرَدَّ عَلَيهِ السَّلَام, وَقَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرتَ مِنَ المَالِ الَّذِي وَقَعَ لَكَ مِن غَيرِ حُرمَةٍ وَلَا شُبهَةٍ؛ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ, وَأَمَّا أَنَا فَفِي عَافِيَةٍ وَسِترٍ وَجَزَاكَ اللَّهُ خَيرًا)). هَذَا جَوَابُهُ وَلَم يَقبَلْ شَيئًا.
مَرَّ عَامٌ وَتَذَكَّرَ أَهلُ بَيتِهِ فِي حُضُورِهِ قَالُوا: فِي مِثلِ هَذَا اليَومِ جَاءَنَا كِتَابُ فُلَانٍ يَعرِضُ عَلَى الوَالِدِ قَدْرًا مِنَ المَالِ.
فَنَظَرَ إِلَيهِم وَقَالَ: ((لَوْ كُنَّا قَبِلنَاهُ لَكَانَ قَد فَنِيَ الآنَ)).
يَعنِي: اعتِبرُوا أَنَّنَا قَد قَبِلنَاهُ وَقَد فَنِي.
طَبِّق هَذَا عَلَى كُلِّ أَحوَالِكَ, وَسَتَحيَا عَزِيزًا كَرِيمًا, وَسَتَحيَا مُقبِلًا عَلَى رَبِّكَ مُخلِصًا لِدِينِكَ وَاللَّهُ يَرعَاكَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  بين يدي الأسماء والصفات
  فائدة عزيزة جدًّا فى تفسير قوله تعالى {اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
  جرب هذا قبل أن تُقدم على أي معصية
  حقيقة العلاج بالقرآن
  المؤامرة القذرة على المملكة المغربية
  كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا وَلَا تَكُن هَازِلًا، وَلَا تَكُن مَائِعًا..
  ‫أين الإخلاص فينا‬؟‬
  ‫كونوا كما أرادكم الله
  حكم الاحتفال بالمولد النبوي شبهات وردود
  إذا سُرِقَ من بيتهِ مالًا؛ اتهمَ الشيطانََ
  هو الرحمن الرحيم ((7))
  كان يُدافِع عن الله وعن الرسول وعن الدين، ثم صار يسب الله ويسب الرسول ويهاجم الدين!!
  رسالة عاجلة إلى الكاسيات العاريات ... أما علمتِ أن زينتَكِ الحياء؟!
  ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله
  كُفر طوائف الحكام عند الخوارج
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان