تفريغ خطبة الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ

الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ

مَجْمُوعُ الْخُطَبِ الْمِنْبَرِيَّةِ

***

((الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ))

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الْيَهُودُ قَوْمٌ بُهُتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ))

فَقَدْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ((كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إِسْلَامِهِ حِينَ أَسْلَمَ -وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا- قَالَ: ((لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ عَرَفْتُ صِفَتَهُ، وَاسْمَهُ، وَزَمَانَهُ الَّذِي كُنَّا نَتَوَكَّفُ لَهُ -أَيْ: نَتَرَقَّبُ لَهُ-، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِـ(قُبَاءٍ) فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ؛ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعْمَلُ فِيهَا، وَعَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: ((خَيَّبَكَ اللهُ، وَاللهِ! لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْتَ!)).

قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: ((أَيْ عَمَّةُ! هُوَ -وَاللهِ- أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، عَلَى دِينِهِ، بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ)).

قَالَ: فَقَالَتْ: ((أَيِ ابْنَ أَخِي! أَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نُخَبَّرُ أَنَّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفَسِ السَّاعَةِ؟)).

قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: ((نَعَمْ)).

قَالَ: فَقَالَتْ: ((فَذَاكَ إِذَنْ)).

قَالَ: ((ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: وَكَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنْ يَهُودَ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ -بُهُتٌ: بِضَمِّ الْهَاءِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا، وَهُوَ جَمْعُ بَاهِيت، كَقُضُبٍ وَقَضِيبٍ، وَهُوَ الَّذِي يَبْهَتُ السَّامِعَ بِمَا يَفْتَرِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ- إِنَّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ وَتُغَيِّبَنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ تَسْأَلَهُمْ عَنِّي حَتَّى يُخْبِرُوكَ كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي)).

قَالَ: ((فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ)).

ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: ((أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟)).

قَالُوا: ((سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا)).

قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: ((يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! اتَّقُوا اللهَ! وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ؛ فَوَاللَّهِ! إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأُومِنُ بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ، وَأَعْرِفُهُ)).

فَقَالُوا: ((كَذَبْتَ))، ثُمَّ وَقَعُوا بِي، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: ((أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهُتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ؟!)).

شَهَادَةُ رَجُلٍ كَانَ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِهِمْ، وَكَانَ عَالِمًا مِنْ كِبَارِ عُلَمَائِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ!
((أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهُتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ؟! قَالَ: وَأَظْهَرْتُ إِسْلَامِي وَإِسْلَامَ أَهْلِ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا)).

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ إِسْلَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ فِي ((الصَّحِيحِ))، وَفِيهَا: ((أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَالُوا: ((شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: ((هَذَا مَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ)).

الْيَهُودُ قَوْمٌ بُهُتٌ، مُفْتَرُونَ فَجَرَةٌ كَذَّابُونَ، يَقْتُلُونَ الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَيَهْدِمُونَ الْجَوَامِعَ، وَالْكَنَائِسَ، وَالْمَخَابِزَ، وَالْمَدَارِسَ، وَيَدَّعُونَ إِنَّمَا قَتَلَهُمُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ، وَإِنَّمَا هَدَمَ مَا تَهَدَّمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ!

((سِرُّ مَذَابِحِ الْيَهُودِ فِي غَزَّةَ!))

وَسِرُّ مَجَازِرِهِمْ وَمَذَابِحِهِمْ فِي غَزَّةَ وَغَيْرِهَا: أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِ مِنَ الْأُمَمِيِّينَ أَوِ الْجُويِيم أَقَلُّ مِنَ الْبَشَرِ؛ بَلْ هُمْ كَالْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ، وَيَقُولُونَ: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75]؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْنَا جُنَاحٌ إِذَا خُنَّاهُمْ، وَاسْتَبَحْنَا أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَبَحْنَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ!

هَؤُلَاءِ الْأُمَمِيُّونَ أَوِ الْجُويِيم أَقَلُّ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عِنْدَ السَّادَةِ مِنْ أَبْنَاءِ الرَّبِّ الْإِلَهِ -رَبِّ الْجُنُودِ كَمَا يَزْعُمُونَ-؛ فَالْأُمَمِيُّونَ عِنْدَهُمْ أَقَلُّ مِنَ الْخَنَازِيرِ وَالْكِلَابِ!

وَفِي ((التَّلْمُودِ)) -وَهُوَ النَّصُّ الْمَرْكَزِيُّ لِلْيَهُودِيَّةِ الْحَاخَامِيَّةِ، وَالْمَصْدَرُ الْأَوَّلُ لِلشَّرِيعَةِ الدِّينِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَاللَّاهُوتُ الدِّينِيُّ، وَالْمُؤَسِّسُ لِكُلِّ الْفِكْرِ وَالْأَمَلِ الْيَهُودِيِّ، وَهُوَ الْهَادِي عِنْدَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ- فِي ((التَّلْمُودِ)): ((إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقْتُلَ أُمَمِيًّا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ بِحَيْثُ لَا يَرَاكُ أَحَدٌ فَافْعَلْ؛ فَإِنَّمَا تَتَقَرَّبُ بِدَمِهِ إِلَى الرَّبِّ الْإِلَهِ رَبِّ الْجُنُودِ!)).

كَذَا تَعَالِيمُهُمْ؛ وَضَعَهَا حَاخَامَاتُهُمْ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يُقَدِّسُونَهَا، وَبِهَا يَعْتَقِدُونَ، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُونَ وَيَفِيئُونَ!

((عَدَاءُ الْيَهُودِ لِمِصْرَ وَوَعِيدُهُمْ لَهَا فِي كُتُبِهِمْ))

وَمَا يَخُصُّ مِصْرَ فِيهَا كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ، تَأَمَّلْ فِي (سِفْرِ حِزْقِيَال)، فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَقْمِ تِسْعَةٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ: ((وَتَكُونُ أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: النَّهْرُ لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ؛ لِذَلِكَ هَا أَنَا ذَا عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْهَارِهِ، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خَرِبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، إِلَى تُخُمِ كُوشٍ -وَهِيَ أَثْيُوبْيَا-، لَا تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلَا تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ، وَلَا تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً!

وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسَطِ الْأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَأَجْعَلُ مُدُنَهَا فِي وَسَطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، عِنْدَ نِهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ، وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ؛ إِلَى أَرْضِ مِيلَادِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ، فَلَا تَرْتَفِعُ بَعْدُ عَلَى الْأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ؛ لِكَيْلَا يَتَسَلَّطُوا عَلَى الْأُمَمِ!)).

هَذَا يَعْتَبِرُونَهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ الرَّبُّ -رَبُّ الْجُنُودِ- إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ، هُمْ يَعْتَقِدُونَهُ، وَيَسْعَوْنَ جَاهِدِينَ إِلَى تَنْفِيذِهِ؛ لِكَيْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَى الْأَرْضِ!

وَالصُّهْيُونِيَّةُ الْمَسِيحِيَّةُ مِنْ أَدَوَاتِ تَحْقِيقِ هَذَا الْوَعْدِ الْمَوْعُودِ؛ فَإِنَّهُ صَارَ مِنَ النَّصَارَى مِنَ الصَّلِيبِيِّينَ مَنْ يَعْتَقِدُ هَذِهِ الْأُمُورَ، وَيَسْعَى جَاهِدًا مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِهَا عَلَى الْأَرْضِ، مِنْهُمْ (أُوبَامَا)، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ (بُوش الصَّغِيرُ)، لَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُحَافِظِينَ الْجُدُدِ، وَكَانَ مُتَعَصِّبًا غَايَةَ التَّعَصُّبِ، وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ تَدْمِيرٍ لِأَفْغَانِسْتَانَ وَلِلْعِرَاقِ، وَمَا زَرَعَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَا أَوْقَعَهُ بِدِيَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِحَنِ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ وَمِنْ جُنُودِهِ وَمِنْ مُوَاطِنِيهِ مِنْ قَتْلٍ لِلْأَبْرِيَاءِ؛ حَتَّى مَاتَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ مِلْيُون طِفْلٍ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ.

كُلُّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ عَقِيدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ -أَعْنِي بُوش الصَّغِيرَ- قَالَ: ((هِيَ حَرْبٌ صَلِيبِيَّةٌ)) -كَذَا قَالَ-، وَادَّعَى أَنَّ الْمَسِيحَ يَأْتِي إِلَيْهِ لِيُرْشِدَهُ وَلِيَدُلَّهُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ.

وَهَذَا تَفْسِيرُ مَوْقِفِ قَادَةِ الْغَرْبِ فِي أَزْمَةِ غَزَّةَ، وَتَفْسِيرُ مَوْقِفِ شُعُوبِ الْغَرْبِ الْمَخْدُوعَةِ الْمُضَلَّلَةِ؛ فَهَؤُلَاءِ الْكَاثُولِيك وَالْبُرُوتِسْتَانْت يُؤْمِنُونَ بِنُصُوصِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَفِيهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمِصْرَ وَأَهْلِهَا، هُمْ يَسْعَوْنَ لِتَحْقِيقِ النُّبُوءَاتِ الَّتِي فِي تِلْكَ النُّصُوصِ.

فِي ((سِفْرِ حِزْقِيَالَ)) فِي الْإِصْحَاحِ الثَّلَاثِينَ: ((هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: وَيَسْقُطُ عَاضِدُو مِصْرَ -يَعْنِي: الَّذِينَ يُؤَازِرُونَهَا وَيُعَاضِدُونَهَا، وَيَقِفُونَ مَعَهَا يُسَانِدُونَهَا، يَسْقُطُونَ-، وَتَنْحَطُّ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، يَسْقُطُونَ فِيهَا بِالسَّيْفِ، يَقُولُ الرَّبُّ السَّيِّدُ: فَتُقْفِرُ فِي وَسَطِ الْأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَتَكُونُ مُدُنُهَا فِي وَسَطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ إِضْرَامِي نَارًا فِي مِصْرَ، وَيُكْسَرُ جَمِيعُ أَعْوَانِهَا)).

وَيَقُولُ يُوئِيلُ: ((مِصْرُ تَصِيرُ خَرَابًا، وَأَدُومُ تَصِيرُ قَفْرًا خَرِبًا؛ مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي يَهُوذَا)).

((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ دَوْرَتَيْ إِفْسَادِ الْيَهُودِ فِي الْأَرْضِ))

يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 2-8].

كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ الْبَارِي -تَعَالَى- بَيْنَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَنُبُوَّةِ مُوسَى -عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَبَيْنَ كِتَابَيْهِمَا وَشَرِيعَتَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كِتَابَيْهِمَا أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَشَرِيعَتَيْهِمَا أَكْمَلُ الشَّرَائِعِ، وَنُبُوَّتَهُمَا أَعْلَى النُّبُوَّاتِ، وَأَتْبَاعَهُمَا أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أَيِ: التَّوْرَاةَ، {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ}: يَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ الْحَقِّ، {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا}: وَقُلْنَا لَهُمْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِمُ الْكِتَابَ لِذَلِكَ؛ لِيَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَيُنِيبُوا إِلَيْهِ، وَيَتَّخِذُوهُ وَحْدَهُ وَكِيلًا وَمُدَبِّرًا لَهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلَا يَتَعَلَّقُوا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَلَا يَنْفَعُونَهُمْ بِشَيْءٍ.

{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أَيْ: يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ مَنَنَّا عَلَيْهِمْ، وَحَمَلْنَاهُمْ مَعَ نُوحٍ، {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}: فَفِيهِ التَّنْوِيهُ بِالثَّنَاءِ عَلَى نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِقِيَامِهِ بِشُكْرِ اللهِ، وَاتِّصَافِهِ بِذَلِكَ، وَالْحَثِّ لِذُرِّيَّتِهِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ فِي شُكْرِهِ، وَيُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ؛ إِذْ أَبْقَاهُمْ، وَاسْتَخْلَفَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَأَغْرَقَ غَيْرَهُمْ.

{وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ}: تَقَدَّمْنَا وَعَهِدْنَا إِلَيْهِمْ، وَأَخْبَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِهِمْ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ؛ بِعَمَلِ الْمَعَاصِي، وَالْبَطَرِ لِنِعْمَةِ اللهِ، وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالتَّكَبُّرِ فِيهَا، وَأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءَ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، وَهَذَا تَحْذِيرٌ لَهُمْ وَإِنْذَارٌ؛ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَيَتَذَكَّرُونَ.

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} أَيْ: أُولَى الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسِدُونَ فِيهِمَا، أَيْ: إِذَا وَقَعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْفَسَادُ {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ} بَعْثًا قَدَرِيًّا، وَسَلَّطْنَا عَلَيْهِمْ تَسْلِيطًا كَوْنِيًّا جَزَائِيًّا، {عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}: ذَوِي شَجَاعَةٍ وَعَدَدٍ وَعُدَّةٍ، فَنَصَرَهُمُ اللهُ عَلَيْكُمْ فَقَتَلُوكُمْ، وَسَبَوْا أَوْلَادَكُمْ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَكُمْ، {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ}: فَهَتَكُوا الدُّورَ، وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَأَفْسَدُوهُ، {وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْهُمْ.

وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَعْيِينِ هَؤُلَاءِ الْمُسَلَّطِينَ؛ إِلَّا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ؛ إِمَّا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، أَوِ الْجَزِيرَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، سَلَّطَهُمُ اللهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَثُرَتْ فِيهِمُ الْمَعَاصِي، وَتَرَكُوا كَثِيرًا مِنْ شَرِيعَتِهِمْ، وَطَغَوْا فِي الْأَرْضِ.

هَذِهِ دَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الْأُولَى.

وَذَكَرَتِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ دَوْرَةَ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالدَّوْرَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي تَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ بِعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَحْيًا جَدِيدًا أَصِيلًا مَحْفُوظًا بِذَاتِهِ؛ لِإِقَامَةِ الْأُمَّةِ الْجَدِيدَةِ بِهِ؛ مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَتَطْهِيرِهَا مِنَ التَّحْرِيفِ، وَإِزَالَةِ آثَارِهِ بِإِعَادَةِ تَكْوِينِ وَعْيِ الْبَشَرِ، وَبِنَاءِ أَذْهَانِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ بِخَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْإِلَهِيَّةِ، وَبِإِعَادَةِ الْمِعْيَارِ وَالْمِيزَانِ الْإِلَهِيِّ إِلَى عَالَمِ الْبَشَرِ، وَإِقَامَةِ مَنْهَجِهِ -تَعَالَى- وَنِظَامِهِ لِعَالَمِ الْبَشَرِ فِي الْأُمَّةِ الْجَدِيدَةِ حَيَاةً حَيَّةً تَرَاهَا الْأُمَمُ، فَتَهْتَدِي إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَتَعْرِفُ وَحْيَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنْ آثَارِهِ فِي عَقَائِدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَفْكَارِهَا، وَفِي أَخْلَاقِهَا وَقِيَمِهَا، وَفِي نِظَامِهَا وَمِعْمَارِ مُجْتَمَعِهَا، وَفِي الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَجَمَاعَاتِهَا؛ رِجَالًا وَنِسَاءً، أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، أَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ، آبَاءَ وَأَبْنَاءَ، وَحُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ.

وَدَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةُ هِيَ الدَّوْرَةُ الْخَفِيَّةُ الَّتِي لَمْ يَرَ فِيهَا الْعَرَبُ وَالْمُسْلِمُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْيَهُودَ إِلَّا فِي مَرْحَلَتِهَا الْأَخِيرَةِ بَعْدَ أَنْ عَمَّ الْإِفْسَادُ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَوَصَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعَ ذِرْوَةِ الْإِفْسَادِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، وَظَهَرَ الْمَشْرُوعُ الْيَهُودِيُّ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ.

وَلَا تَعْجَبْ إِذَا قُلْنَا لَكَ: إِنَّ الْعَرَبَ مَا زَالُوا إِلَى يَوْمِكَ هَذَا لَا يَفْقَهُونَ حَقًّا كَيْفَ وَصَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، وَأَقَامُوا دَوْلَتَهُمْ، فَإِذَا كَانَتْ دَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الْأُولَى -كَمَا عَلِمْتَ- دَوْرَةَ الْأَسَاطِيرِ وَالْأُمُمِ الْوَثَنِيَّةِ؛ فَدَرْوَةُ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةُ دَوْرَةُ الْمَاسُونِيَّةِ وَالْحَرَكَاتِ السِّرِّيَّةِ.

دَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي بَدَأَتْ بِتَغَلْغُلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْيَهُودِ فِي نَسِيجِ الْغَرْبِ إِلَى أَنْ تَمَكَّنُوا مِنْ إِسْقَاطِ مَسْأَلَةِ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ وَعْيِ الْغَرْبِ، وَإِزَاحَةِ الْمَسِيحِيَّةِ وَالْكَنِيسَةِ وَتَعَالِيمِ النَّصِّ مِنْ قَلْبِ الْغَرْبِ، ثُمَّ أَعَادُوا تَكْوِينَ الْغَرْبِ بِعَالَمِ النَّصِّ، وَأَحَلُّوا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسِيرَتَهُمْ مَحَلَّ مَسْأَلَةِ الْأُلُوهِيَّةِ مُقَدَّسًا مَرْكَزِيًّا، وَمِحْوَرًا يَدُورُ التَّارِيخُ حَوْلَهُ، وَيَتَحَرَّكُ بِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ، وَفِي اتِّجَاهِ غَايَاتِهِ.

وَالْحَرَكَاتُ السِّرِّيَّةُ وَعَالَمُ السِّرِّ وَالْخَفَاءِ كَانَتِ الْقَنَوَاتِ الَّتِي تَسَلَّلَ فِيهَا وَمِنْ خِلَالِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ وَطَبَقَاتُ الْيَهُودِ وَالْمَاسُونُ مِنْ حَوْلِهِمْ فِي نَسِيجِ الْغَرْبِ، وَتَمَكَّنُوا بِهَا لِامْتِصَاصِ الْمَوَاهِبِ وَالطَّاقَاتِ وَالْعُقُولِ الْخَلَّاقَةِ فِي الْغَرْبِ، وَتَكْوِينِهَا فِيهَا مِنَ السَّرَيَانِ فِي عَقْلِ الْغَرْبِ وَأَعْصَابِهِ وَشَرَايِينِهِ، وَمِنَ السَّيْطَرَةِ عَلَى مَقَالِيدِهِ وَمَفَاتِيحِهِ.

بَنُو إِسْرَائِيلَ تَمَكَّنُوا عَبْرَ الْحَرَكَاتِ السِّرِّيَّةِ مِنِ اسْتِيطَانِ وَعْيِ الْغَرْبِ وَعَقْلِهِ وَنَفْسِهِ، وَحَوَّلُوهُ إِلَى آلَةٍ هَائِلَةٍ يَمْلِكُونَ مَفَاتِيحَهَا وَأَزْرَارَهَا، حَوَّلُوهُ إِلَى آلَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ إِلَى حِمَارٍ يَسْتَوْطِنُونَ رَأْسَهُ، وَيَمْتَطُونَ ظَهْرَهُ.

وَدَلِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ الرَّئِيسَ الْأَمِرِيكِيَّ يُكَلِّفُ خَاطِرَهُ، وَيَأْتِي مَعَ عُلُوِّ سِنِّهِ وَهَبَلِهِ وَمَا يَكَادُ مِنْ نَفَادِ عَقْلِهِ لِكَيْ يَزُورَ الْكِيَانَ الصُّهْيُونِيَّ، وَلِيُعْلِنَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ أَنَّهُ أَوَّلُ رَئِيسٍ أَمِرِيكِيٍّ يَزُورُ إِسْرَائِيلَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ؛ فَكَانَ مَاذَا؟!!

وَأَيُّ حَرْبٍ هَذِهِ؟!!

وَمَا هَذَا الدَّعْمُ؟!!

وَمَا هَذَا الْإِسْفَافُ الَّذِي يَتَوَرَّطُ فِيهِ الْغَرْبُ؟!!

لِأَنَّ الْغَرْبَ صَارَ حِمَارًا لِلْيَهُودِ يَسْتَوْطِنُونَ رَأْسَهُ، وَيَمْتَطُونَ ظَهْرَهُ!

دَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةُ فِي شِقِّهَا الْأَوَّلِ هِيَ الْغَرْبُ كُلُّهُ، وَكُلُّ مَا كَوَّنَهُ وَأَنْتَجَهُ مُنْذُ اسْتَوْلَى بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى وَعْيِ الْغَرْبِ، وَسَيْطَرَتِ الْحَرَكَاتُ السِّرِّيَّةُ عَلَى مَقَالِيدِهِ وَحَرَكَتِهِ، هِيَ دَوْرَةُ الْمَاسُونِيَّةِ، وَالْحَرَكَاتِ السِّرِّيَّةِ، وَالْعَلْمَانِيَّةِ، وَاللِّيبْرَالِيَّةِ، وَالْعَقْدِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَالدَّوْلَةِ الْقَوْمِيَّةِ، وَالدَّارْوِينِيَّةِ، وَالْمَارْكِسِيَّةِ، وَحُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَحَرَكَاتِ التَّحْرِيرِ النِّسَائِيَّةِ، وَالْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالْمُنَظَّمَاتِ الدَّوْلِيَّةِ.

أَمَّا شِقُّهَا الثَّانِي: فَبَلَالِيصُ سْتَان الْعَرَبِيَّةُ التَّوْرَاتِيَّةُ؛ إِذْ بَعْدَ أَنْ صَارَ زِمَامُ الْحِمَارِ الْغَرْبِيِّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالطَّبَقَاتِ الَّتِي حَوْلَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمَاسُونِ وَثَبُوا بِهِ عَلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، لَا لِكَيْ يَسْتَعْمِرُوهَا كَمَا فَهِمَ الْعَرَبُ وَمَا زَالُوا يَفْهَمُونَ؛ بَلْ لِيُتَمِّمُوا دَوْرَةَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا.

وَتَمَامُ دَوْرَةِ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةِ هِيَ إِعَادَةُ تَكْوِينِ بِلَادِ الْعَرَبِ بِالتَّحْرِيفِ عَبْرَ إِزَاحَةِ مِفْتَاحِ التَّصْنِيفِ الْإِلَهِيِّ مِنْ وَعْيِ الْعَرَبِ، وَإِعَادَةِ رَسْمِ خَرِيطَةِ الْمَنْطِقَةِ، وَوَضْعِ حُدُودِهَا بِمِفْتَاحِ تَصْنِيفِ الْبَشَرِ التَّوْرَاتِيِّ الْمُزَوَّرِ الْقَائِمِ عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ، وَعَبْرَ صُنْعِ سَاسَتِهَا وَنُخَبِهَا، وَتَكْوِينِ أَذْهَانِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ بِخَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْبَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ الْمُحَرَّفَةِ، لَا بِتَعْلِيمِهِمْ إِيَّاهَا، بَلْ بِتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى فَحْوَاهَا وَمَضْمُونِهَا وَآثَارِهَا، وَبِتَحْوِيلِ هَؤُلَاءِ النُّخَبِ إِلَى وَاقِعٍ حَيٍّ وَنَسِيجٍ اجْتِمَاعِيٍّ، وَإِحْلَالِهِ مَحَلَّ نَسِيجِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي صَنَعَهُ الْوَحْيُ.

يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِسَطْوَةِ السِّلَاحِ وَالْجُيُوشِ، وَعَبْرَ السِّيَاسَاتِ الْإِدَارِيَّةِ، وَالْقَانُونِيَّةِ، وَالْإِعْلَامِيَّةِ، وَالتَّعْلِيمِيَّةِ، عَبْرَ الْقِصَصِ، وَالرِّوَايَاتِ، وَالْأَفْلَامِ، وَالْمُسَلْسَلَاتِ، ثُمَّ عَبْرَ وَضْعِ النُّخَبِ الْمُزَوَّرَةِ الَّتِي صَنَعُوهَا بِالتَّحْرِيفِ، وَكَوَّنُوهَا بِآثَارِهِ عَلَى رَأْسِ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَعَلَى صَدْرِهَا.

وَمَا يُسَمِّيهِ السَّاسَةُ وَالنُّخَبُ وَالْعَلْمَانِيُّونَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ (النَّهْضَةَ وَالْعَصْرَ الْحَدِيثَ)، وَمَا يَصِمُهُ الْمُتَدَيِّنُونَ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ غَزْوٌ ثَقَافِيٌّ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِيقَتِهِ سِوَى غَزْوٍ تَوْرَاتِيٍّ، مِحْوَرُهُ وَغَايَتُهُ إِزَاحَةُ خَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ أَذْهَانِ الْعَرَبِ، وَإِزَالَةُ آثَارِهَا مِنْ مُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَإِحْلَالُ خَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْبَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ وَآثَارِهَا مَحَلَّهَا.

خَرِيطَةُ بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا هِيَ الْآنَ الْخَرِيطَةُ الْعِرْقِيَّةُ الْوَطَنِيَّةُ الْقَوْمِيَّةُ، خَرِيطَةٌ بَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ، مِفْتَاحُ تَصْنِيفِ الْبَشَرِ فِيهَا الْمِفْتَاحُ التَّوْرَاتِيُّ، وَالدَّوْلَةُ الْوَطَنِيَّةُ الْقَوْمِيَّةُ لَيْسَتْ سِوَى الدَّوْلَةِ التَّوْرَاتِيَّةِ الْبَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ، وَمِعْمَارُ بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا هُوَ الْآنَ بِفَوَاصِلِهِ وَحُدُودِهِ هُوَ مِعْمَارُهَا فِي عَصْرِ دَوْلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ، كَوَّنَهُ الْغَرْبُ الَّذِي يَكْمُنُ فِي رَأْسِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَيَمْتَطِي ظَهْرَهُ الْيَهُودُ وَالْمَاسُونُ، بِإِخْرَاجِ مِفْتَاحِ تَصْنِيفِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلْبَشَرِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَبَثِّهِ فِي عُقُولِ أَهْلِهَا، ثُمَّ إِقَامِتِهَا فِي أَرْضِهَا وَخَرَائِطِهَا.

وَكُلُّ مَا شَهِدَتْهُ بِلَادُ الْعَرَبِ مُنْذُ حَمْلَةِ الْمَاسُونِيِّ (نَابُلْيُون بُونَابَرْت) عَلَى مِصْرَ الَّتِي مَوَّلَهَا -أَيِ: الْحَمْلَةَ الْفَرَنْسِيَّةَ-  بَيْتُ مَالِ (رُوتْشِيلْد) مِنْ دُوَلٍ وَسَاسَةٍ وَسِيَاسَاتٍ.. مَا شَهِدَتْهُ بِلَادُ الْعَرَبِ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ مِنْ دُوَلٍ وَسَاسَةٍ وَسِيَاسَاتٍ، وَمِنْ مَنَاهِجَ عَلْمَانِيَّةٍ وَنَظَرِيَّاتٍ، وَمِنْ أَحْزَابٍ وَحَرَكَاتٍ؛ اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْهَا، وَالْيَسَارِيَّاتُ، وَمِنْ نُظُمِ تَعْلِيمٍ، وَصُحُفٍ، وَإِذَاعَةٍ، وَتِلِيفِزْيُونَاتٍ، وَمِنْ فُنُونٍ وَآدَابٍ وَكُتُبٍ وَكِتَابَاتٍ؛ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا سِوَى آثَارِ سَرَيَانِ خَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْبَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ، وَمِفْتَاحِ التَّصْنِيفِ التَّوْرَاتِيِّ فِي وَعْيِ أَبْنَائِهَا وَأَذْهَانِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ، ثُمَّ تَدَفُّقِهَا مِنْ هَذَا الْوَعْيِ وَمِنْ هَذِهِ النُّفُوسِ وَالْأَذْهَانِ إِلَى السِّيَاسَاتِ، وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَالْمَنَاهِجِ، وَالْآدَابِ، وَالْفُنُونِ.

تَارِيخُ بِلَادِ الْعَرَبِ مُنْذُ حَمْلَةِ نَابُلْيُون خُلَاصَتُهُ إِزَاحَةُ خَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْإِلَهِيَّةِ بِخَرِيطَةِ الْوُجُودِ الْبَنِي إِسْرَائِيلِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْإِفْسَادُ الثَّانِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَعُلُوُّهُمْ فِي الْأَرْضِ الْكَبِيرُ، وَهُوَ الْإِفْسَادُ الَّذِي وَاكَبَ ذِرْوَتَهُ وَالْمَرْحَلَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْهُ وُصُولُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَعُلُوُّهُمْ فِيهِ وَحَوْلَهُ بِالْبِنَاءِ وَالتَّشْيِيدِ، كَمَا أَخْبَرَكَ رَبُّكَ -عَزَّ وَجَلَّ-.

((السَّبِيلُ الْحَقُّ لِمَحْقِ الْيَهُودِ وَبَاطِلِهِمْ))

دَوْرَةُ الْإِفْسَادِ الثَّانِيَةُ وَعُلُوُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكَبِيرُ هِيَ الَّتِي تَعِيشُ الْآنَ مَرْحَلَتَهَا الْأَخِيرَةَ أَوْ ذِرْوَتَهَا، أَوْ مَا قَبْلَ الذِّرْوَةِ بِقَلِيلٍ، فَنَرْجُو مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا، وَأَنْ نَسُوءَ وُجُوهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ نَدْخُلَ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَأَنْ نُتَبِّرَ مَا عَلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ تَتْبِيرًا.

وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَحْدُثَ -كَمَا قَدْ تَتَوَهَّمُ- بِالْجُيُوشِ وَالسِّلَاحِ فَقَطْ، وَلَا بِالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ وَحْدَهَا، وَلَا بِالْخَطَابَةِ وَصُرَاخِ حَاخَامَاتِ الْجُيُوشِ وَمَشَايِخِ دَوْلَةِ رُوسُّو فِي النَّاسِ عُودُوا إِلَى اللهِ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ وَلَا أَيْنَ يَجِدُونَ اللهَ لِكَيْ يَعُودُوا إِلَيْهِ!

أَفِي التَّعْلِيمِ؟!!

أَمْ فِي الْإِعْلَامِ؟!!

أَمْ فِي النَّوَادِي؟!!

أَمْ فِي الشَّوَاطِئِ؟!!

أَمْ فِي الْأَفْلَامِ وَالْمُسَلْسَلَاتِ؟!!

أَمْ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُغْلَقُ وَتُقَيَّدُ؟!!

لَنْ نَدْخُلَ الْمَسْجِدَ إِلَّا بِعَوْدَةِ عِبَادِ اللهِ أُولِي الْبَأْسِ الشَّدِيدِ مِنْ حَمَلَةِ الرِّسَالَةِ وَالْقَائِمِينَ بِهَا وَعَلَيْهَا؛ لِكَيْ يُزِيلُوا إِفْسَادَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِعَادَةِ الْوَعْيِ إِلَى الْحَيَاةِ وَعَالَمِ الْبَشَرِ، وَلِكَيْ يُطَهِّرُوا بِهِ الْأَرْضَ كُلَّهَا مِنْ آثَارِ هَذَا الْإِفْسَادِ، فَيَمْحَقُوا كُلَّ مَا أَنْتَجَهُ مِنْ قِيَمٍ وَسُلُوكٍ وَأَخْلَاقٍ، وَمِنْ أَفْكَارٍ وَآرَاءٍ، وَمِنْ مَنَاهِجَ وَنَظَرِيَّاتٍ، وَمِنْ حَرَكَاتٍ وَمُنَظَّمَاتٍ، وَمِنْ رَوَابِطَ وَفَوَاصِلَ، وَمِنْ مِعْمَارٍ وَخَرَائِطَ.

((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ عِقَابِ الْيَهُودِ))

لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِقَابَ أَصْحَابِ السَّبْتِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ} أَيْ: قَسَوْا فَلَمْ يَلِينُوا وَلَا اتَّعَظُوا {قُلْنَا لَهُمْ} قَوْلًا قَدَرِيًّا: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166]: فَانْقَلَبُوا -بِإِذْنِ اللهِ- قِرَدَةً، وَأَبْعَدَهُمُ اللهُ مِنْ رَحْمَتِهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ -سُبْحَانَهُ- ضَرْبَ الذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَقَالَ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}: أَعْلَمَ إِعْلَامًا صَرِيحًا {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}: يُهِينُهُمْ وَيُذِلُّهُمْ {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} لِمَنْ عَصَاهُ؛ حَتَّى إِنَّهُ يُعَجِّلُ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف: 167]: لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ، يَغْفِرُ لَهُ الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ الْعُيُوبَ، وَيَرْحَمُهُ بِأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُ الطَّاعَاتِ، وَيُثِيبَهُ عَلَيْهَا بِأَنْوَاعِ الْمَثُوبَاتِ، وَقَدْ فَعَلَ اللهُ بِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ، فَلَا يَزَالُونَ فِي ذِلَّةٍ وَإِهَانَةٍ تَحْتَ حُكْمِ غَيْرِهِمْ، لَا تَقُومُ لَهُمْ رَايَةٌ، وَلَا يُنْصَرُ لَهُمْ عَلَمٌ.

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا}: فَرَّقْنَاهُمْ وَمَزَّقْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَمَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ، {مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168].

((الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ))

إِنَّ الدِّفَاعَ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ وَضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ، وَهُوَ دَلِيلُ نُبْلِ النَّفْسِ، وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ؛ فَالتَّدَيُّنُ الْحَقِيقِيُّ فِدَاءٌ وَتَضْحِيَةٌ، وَاعْتِزَازٌ بِالْوَطَنِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ.

بِلَادٌ مَاتَ فِتْيَتُهَا لِتَحْيَا             =        وَزَالُوا دُونَ قَوْمِهُمُ لِيَبْقُوا

وَقَفْتُمْ بَيْنَ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ          =        فَإِنْ رُمْتُمْ نَعِيمَ الدَّهْرِ فَاشْقُوا

وَلِلْأَوْطَانِ فِي دَمِ كُلِّ حُرٍّ           =       يَدٌ سَلَفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحَقُّ

وَقَدْ بَشَّرَ نَبِيُّنَا ﷺ حُرَّاسَ الْأَوْطَانِ الْمُدَافِعِينَ عَنِ الْأَرْضِ وَالْعِرْضِ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، قَالَ ﷺ: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ ﷺ: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسُ حَرَسٍ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ)). أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي ((الْكُبْرَى))، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهِقُّي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ ﷺ: ((عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَالْعَيْنُ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا: الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ غَيْرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَبَّرَ بِالْعَيْنِ كَوْنُهَا تَحْرُسُ وَتُرَاقِبُ.

((النَّبِيُّ ﷺ أَعْظَمُ مُدَافِعٍ عَنِ الْوَطَنِ وَالْعِرْضِ))

كَمَا ضَرَبَ نَبِيُّنَا ﷺ أَعْظَمَ الْأَمْثِلَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَحِمَايَةِ الْأَرْضِ وَالْعِرْضِ؛ فَكَانَ ﷺ يَتَصَدَّرُ الْمَوَاقِفَ دِفَاعًا عَنْ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ؛ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: ((لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا)). مُتَّفَقُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ؛ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ)). أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

((الْوَطَنُ يَحْمِي الدِّينَ وَالْأَرْضَ وَالْعِرْضَ))

حِمَايَةُ الْأَوْطَانِ ضَرُورَةٌ لِحِمَايَةِ الْأَعْرَاضِ؛ فَالْوَطَنُ يَحْمِي الدِّينَ، وَالْأَرْضَ، وَالْعِرْضَ، وَقَدْ عَظَّمَ الْإِسْلَامُ شَأْنَ الْأَعْرَاضِ، وَأَوْلَاهَا عِنَايَةً خَاصَّةً، فَحَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، أَوِ النَّيْلَ مِنْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَجَعَلَ الْحِفَاظَ عَلَيْهَا وَالدِّفَاعَ عَنْهَا وَاجِبًا دِينِيًّا وَمَقْصِدًا شَرْعِيًّا، فَشَرَعَ مِنْ أَجْلِ صِيَانَتِهَا الْحُدُودَ، وَنَهَى عَنْ كُلِّ مَا يَنَالُ مِنْ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ؛ إِذْ لَا يَقْبَلُ حُرٌّ أَنْ يُسْتَبَاحَ عِرْضُهُ، أَوْ أَنْ يُسْلَبَ وَطَنُهُ وَأَرْضُهُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

((إِخْبَارُ اللهِ الْمُسْلِمِينَ بِمَكْرِ أَعْدَائِهِمْ فِي كِتَابِهِ))

فَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: 73-74].

هَذَا مِنْ مِنَّةِ اللهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ حَيْثُ أَخْبَرَهُمْ بِمَكْرِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى إِضْلَالِ الْمُؤْمِنِينَ يُنَوِّعُونَ الْمَكْرَاتِ الْخَبِيثَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} أَيْ: أَوَّلَهُ، وَارْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ؛ فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْكُمْ رَاجِعِينَ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيكُمُ الْعِلْمَ اسْتَرَابُوا بِدِينِهِمْ، وَقَالُوا: لَوْلَا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِيهِ مَا  لَا يُعْجِبُهُمْ، وَلَا يُوَافِقُ الْكُتُبَ السَّابِقَةَ لَمْ يَرْجِعُوا، هَذَا مَكْرُهُمْ.

وَاللهُ -تَعَالَى- هُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الَّذِي بِيَدِهِ الْفَضْلُ، يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ يَشَاءُ، فَخَصَّكُمْ -يَا هَذِهِ الْأُمَّةُ- بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَكُمْ، وَلَمْ يَدْرِ هَؤُلَاءِ الْمَاكِرُونَ أَنَّ دِينَ اللهِ حَقٌّ، إِذَا وَصَلَتْ حَقِيقَتُهُ إِلَى الْقُلُوبِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ عَلَى طُولِ الْمَدَى إِلَّا إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَلَمْ تَزِدْهُ الشُّبَهُ إِلَّا تَمَسُّكًا بِدِينِهِ، وَحَمْدًا للهِ، وَثَنَاءً عَلَيْهِ؛ حَيْثُ مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُمْ: {أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ} يَعْنِي: أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْيُ، وَخَشْيَةُ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

يَقُولُ -تَعَالَى- آمِرًا نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُوَجِّهَ الْخِطَابَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 94-96].

هُمْ حَرِيصُونَ عَلَى حَيَاةٍ أَيِّ حَيَاةٍ، أَهْلُ الذِّلَّةِ.. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] قَبْلَ الْمُشْرِكِينَ، عَدَاوَتُهُمْ زَاعِقَةٌ لَائِحَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.

{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} أَيْ: فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ {إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].

فَهَؤُلَاءِ جُبَنَاءُ {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ}.

((الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ))

فَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّفَاعَ عَنِ الْأَوْطَانِ بِالنَّفْسِ وَالنَّفِيسِ مَعَ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ السَّمَاحِ لِأَحَدٍ أَنْ يَنَالَ مِنْهَا أَوْ يُزْهِدَ فِيهَا، أَوْ يَعْبَثَ بِأَمْنِهَا، أَوْ يُسْهِمَ فِي بَثِّ الْفُرْقَةِ وَالْخِلَافِ، أَوِ الْأَكَاذِيبِ وَالشَّائِعَاتِ؛ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْهَضَ بِوَطَنِهِ فِي الْمَجَالَاتِ كَافَّةً بِمَا يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْجُهُودِ، وَنَبْذَ الْخِلَافَاتِ، وَالْحِرْصَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وَقَوْلِهِ -جَلَّ شَأْنُهُ-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَصِيبَةِ أَنْ نَشْعُرَ بِقَدْرِ أَوْطَانِنَا، وَأَنْ نَتَيَقَّظَ لِكُلِّ مُحَاوَلَةٍ لِلنَّيْلِ مِنْهَا؛ حَيْثُ يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].

مَعَ التَّأْكِيدِ أَنَّ أَمْرَ الْأَوْطَانِ الْعَامَّ يُقَدِّرُهُ أُولُوا الْأَمْرِ، وَلَيْسَ آحَادَ النَّاسِ؛ فَقِيَادَةُ الدُّوَلِ وَالْعُبُورُ بِهَا إِلَى بَرِّ الْأَمَانِ يَحْتَاجُ إِلَى تَرَاكُمِ خِبْرَاتٍ، وَتَوَفُّرِ مَعْلُومَاتٍ تُمَكِّنُ صَاحِبَ الْقَرَارِ مِنَ اتِّخَاذِ الْقَرَارِ الْمُنَاسِبِ فِي التَّوْقِيتِ الْمُنَاسِبِ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الْقِطَاعِ وَالضَّفَّةِ رَحْمَةً شَامِلَةً.

اللهم احْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.

اللهم عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، اللهم أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَأَهْلِكْهُمْ بَدَدًا، اللهم أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَأَهْلِكْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا.

اللهم اجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، اجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَدِرِ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ، اللهم نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، اللهم نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، اللهم نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الْقِطَاعِ وَالضَّفَّةِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْأَرْضِ وَالْعِرْضِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  جناية التكفيريين على الدين
  تَقْدِيرُ الْمَصْلَحَةِ وَتَنْظِيمُ الْمُبَاحِ
  حسْنُ الْعِشْرَةِ وَحِفْظُهَا
  نِدَاءَاتُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِلرَّسُولِ ﷺ
  أَكْلُ الْحَلَالِ
  السُّخْرِيَةُ وَأَثَرُهَا الْمُدَمِّرُ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  نَبيُّنَا مُحَمَّد ﷺ
  الْحَمْدُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وَدُرُوسٌ مِنْ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-
  اللهَ اللهَ فِي أُمَّهَاتِكُمْ!!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان