الْهِجْرَةُ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِفَاظُ عَلَى الْأَنْفُسِ

الْهِجْرَةُ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِفَاظُ عَلَى الْأَنْفُسِ

((الْهِجْرَةُ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِفَاظُ عَلَى الْأَنْفُسِ))

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((حِفْظُ النَّفْسِ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْعُظْمَى))

فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بُعِثَ بِأُصُولِ تَشْرِيعٍ جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الملك: 14]؟!!

بَلَى، يَعْلَمُ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَعْلَمُ مَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَمَا يُصْلِحُ النَّاسَ، فَشَرَّعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِكْمَتِهِ شَرْعًا حَكِيمًا، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ.

جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا الشَّرْعِ الْخَاتَمِ الْحَكِيمِ، لَيْسَ فِيهِ خَلَلٌ، وَلَيْسَتْ بِهِ ثُغْرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفُذَ إِلَيْهَا أَحَدٌ بِعَقْلٍ أَبَدًا، فَيَسْتَدْرِكَ عَلَيْهَا مُسْتَدْرِكٌ بِحَالٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ تَامٌّ كَامِلٌ، كَمَا قَالَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 4].

وَالْعُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- يَقُولُونَ: مَقَاصِدُ التَّشْرِيعِ ثَلَاثَةٌ، لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ:

1- الضَّرُورِيَّاتُ.

2- وَالْحَاجِيَّاتُ.

3- وَالتَّحْسِينِيَّاتُ.

فَأَمَّا الضَّرُورِيَّاتُ: فَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ حَيَاةُ النَّاسِ وَلَا آخِرَتُهُمْ إِلَّا بِهَا وَعَلَيْهَا؛ بِحَيْثُ لَوِ اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الضَّرُورِيَّاتِ؛ فَسَدَتْ عَلَى النَّاسِ حَيَاتُهُمْ، وَحَصَّلُوا الْخِزْيَ فِيهَا، وَفَسَدَتْ عَلَى النَّاسِ آخِرَتُهُمْ، وَحَصَّلُوا النَّارَ فِيهَا -عِيَاذًا بِاللهِ وَلِيَاذًا بِجَنَابِهِ الرَّحِيمِ-.

ثُمَّ حَصَرَ الْعُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ فِي ضَرُورِيَّاتٍ خَمْسٍ.. ضَرُورِيَّاتٍ خَمْسٍ تَحْصُرُ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا النَّاسُ، لَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَهِيَ:

1- الدِّينُ.

2- وَالنَّفْسُ.

3- وَالنَّسْلُ.

4- وَالْمَالُ.

5- وَالْعَقْلُ.

ثُمَّ يُبَيِّنُ لَنَا عُلَمَاؤُنَا -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى وَجْهِهَا الصِّحِيحِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَأْتِي بِمَا يُقِيمُ تِلْكَ الضَّرُورِيَّاتِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَأْخُذُ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ؛ أَنْ يُفْسِدُوا شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الضَّرُورِيَّاتِ، فَيَشْرَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ.

يَشْرَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَنَا الشَّهَادَتَيْنِ، وَالصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَرْكَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ.

فَهَذَا هُوَ الدِّينُ، ثُمَّ يَحْفَظُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَشْرَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْجِهَادَ؛ لِحِفَاظِهِ، وَيَشْرَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَدَّ الرِّدَّةِ؛ لِحِفَاظِ الدِّينِ.

وَيَشْرَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَنَا حِفْظَ النَّفْسِ، وَيَحُوطُهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِسِيَاجٍ، فَيَجْعَلُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَاتِ؛ مِنْ أَجْلِ أَيِّ اعْتِدَاءٍ عَلَى النَّفْسِ.

وَيَشْرَعُ لَنَا رَبُّنَا لِحِفْظِ الضَّرُورِيِّ مِنَ الْمَالِ قَطْعَ الْيَدِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ أَرْكَانِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَيَشْرَعُ لَنَا تَضْمِينَ الْوَلِيِّ عِنْدَمَا يُفْسِدُ غَيْرُ ذِي عَقْلٍ مَالًا مُحْتَرَمًا مَمْلُوكًا مُقَوَّمًا فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَيَشْرَعُ لَنَا أَنْ نَحْفَظَ الدِّينَ، وَالنَّسْلَ، وَالْعَقْلَ بِأَنْ يَجْعَلَ حَدَّ الشُّرْبِ قَائِمًا؛ بِحَيْثُ الَّذِي يَغْتَالُ الْعَقْلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ سَدٌّ لَا يُنْفَذُ مِنْهُ.

هَذِهِ الضَّرُورَاتُ لَيْسَتْ سَوَاءً؛ فَلَيْسَ الَّذِي يُفْسِدُ فِي الدِّينِ كَالَّذِي يَعْدُو عَلَى الْأَنْفُسِ، كَالَّذِي يَعْدُو عَلَى الْأَمْوَالِ، كَالَّذِي يَعْدُو عَلَى الْأَعْرَاضِ.

هَذِهِ الضَّرُورَاتُ لَيْسَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى سَوَاءٍ، وَهِيَ فِي أَنْفُسِهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لَيْسَتْ سَوَاءً.

فَفِي ضَرُورَةِ الدِّينِ لَيْسَتِ الشَّهَادَتَانِ كَمَا يَأْتِي دُونَهُمَا بَعْدُ؛ مِنَ الصَّلَاةِ، أَوِ الزَّكَاةِ، أَوِ الْحَجِّ، أَوِ الصَّوْمِ، أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ.

وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ كَالزَّكَاةِ، أَمْرٌ كَانَ مِنْ رَبِّكَ مَقْضِيًّا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى سَوَاءٍ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

*ثُمَّ يَشْرَعُ لَنَا رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- أَمْرَ الْحَاجِيَّاتِ: وَهِيَ الَّتِي إِذَا فَقَدَهَا النَّاسُ؛ أَصَابَهُمْ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي حَيَاتِهِمْ مَا يَجْعَلُ الْحَيَاةَ غَيْرَ يَسِيرَةٍ؛ وَلَكِنْ لَا تَنْهَدِمُ بِفَقْدِهَا حَيَاةٌ.

فَهَذِهِ الْحَاجِيَّاتُ شَرَعَهَا لَنَا رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-.

*ثُمَّ تَأْتِي التَّحْسِينِيَّاتُ بَعْدُ؛ لِكَيْ تَجْعَلَ الْحَيَاةَ رَغْدَةً عَلَى وَتِيرَةٍ سَهْلَةٍ يَسِيرَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ عِنْدَ ذَوِي الْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ النَّفْسِ، وَبِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَبِحِفْظِ الْمَالِ، وَبِحِفْظِ الْعِرْضِ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ الدِّينِ، وَبِهِ يُحْفَظُ هَذَا كُلُّهُ[1].

وَلا صَلَاحَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ إِلَّا بِالْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الضَّرُورَاتِ، وَمَا وَرَاءَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَاجِيَّاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّحْسِينِيَّاتِ.

 ((أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ قَتْلِ النَّفْسِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ إِنَّمَا هُوَ مِلْكٌ لِلهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، لَمْ يَخْلُقْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَبَثًا، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي الْبَاطِلِ، وَلَنْ يَتْرُكَهُ سُدًى، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حُرًّا فِي تَصَرُّفَاتِهِ يَتَصَرَّفُ فِي نَفْسِهِ كَيْفَمَا يَشَاءُ، بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَصُونَهَا مِنْ كُلِّ أَوْجُهِ الْهَلَاكِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهَا كُلَّ مَظَاهِرِ الْإِضْرَارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة : 195].

 حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْخَبَائِثَ الَّتِي تُؤْذِيهِ، وَأَبَاحَ لَهُ كُلَّ مَا يَنْفَعُهُ وَيَحْمِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

 وَأَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هَذَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَأْكُلَ، وَأَنْ يَشْرَبَ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ، وَأَنْ يَزْدَانَ[2] بِمَا خَلَقَ اللهُ لَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الْمُتَعِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وكُلُواْ وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف: 31].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].

فَأَبَاحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ النَّفْسِ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ فِي عُضْوٍ مِنْهُ.

فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَرَّمَ تَحْرِيمًا أَكِيدًا أَنْ يَقْتُلَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَفِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ  مَا هُوَ كَافٍ شَافٍ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29-30].

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبَخْعِ كَمَا تَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْهِنْدِ، أَوْ بِإِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ صَحِيحًا: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تَأَوَّلَهُ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ.

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} بِارْتِكَابِ مَا يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

{إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} أَيْ: أَمَرَ بِمَا أَمَرَ، وَنَهَى عَمَّا نَهَى؛ لِفَرْطِ رَحْمَتِهِ بِكُمْ[3].

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} أَيْ: لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّكُمْ أَهلُ دِينٍ وَاحِدٍ، فَأَنْتُمْ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ)).

فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟))

الْمَاءُ حَاضِرٌ، وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِرٌ؛ وَلَكِنَّهُ خَشِيَ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى بِهِمْ إِمَامًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟!))

قَالَ: ((فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَقُلْتُ -أَيْ: بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِالَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الِاغْتِسَالِ- وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا)).

هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ[4]، وَانْفَرَدَ بِه،  وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ عَمْرًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ هَلَاكَ نَفْسِهِ، لَا نَفْسِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ وَإِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ حَذَّرَ وَرَهَّبَ مِنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ؛ فَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا؛ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ -أَيْضًا- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».

وَعِنْدَ البُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».

وَكَذَلِكَ مَنْ فَجَّرَ نَفْسَهُ؛ يُفَجِّرُهَا فِي النَّارِ، مَنْ أَدَّى عَمَلُهُ إِلَى شَيْءٍ يُذْهِبُ حَيَاتَهُ؛ فَهُوَ بِذَلِكَ يَفْعَلُهُ فِي النَّارِ؛ كَمَا قَالَ المُخْتَارُ ﷺ.

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ فِي «مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ» وَغَيْرِهِ زِيَادَةٌ: «وَالَّذِي يَتَقَحَّمُ فِيهَا يَتَقَحَّمُ فِي النَّارِ».

وَفِي «صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ» عَنِ الحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي هَذَا المَسْجِدِ، فَمَا نَسِينَا، وَمَا نَخَافُ أَنْ نَنْسَى، وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدُبٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ؛ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ اْلجَنَّةَ».

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ، فَأَتَى قَرْنًا لَهُ، فَأَخَذَ مِشْقَصًا فَذَبَحَ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ»([5])، وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}، وَهَذَا يَشْمَلُ قَتْلَ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَقَتْلَهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى نَفْسِهِ غَايَةَ المُحَافَظَةِ، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا أَنَّهُ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ وَلَوْ تَعَرَّضَ لِلقَتْلِ وَالشَّهَادَةِ، أَمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَ نَفْسِهِ؛ فَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَفِي عَهْدِ النَّبِيِّ  فِي بَعْضِ الغَزَوَاتِ كَانَ أَحَدُ الشُّجْعَانِ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ، فَقَالَ النَّاسُ مُثْنِينَ عَلَيْهِ: مَا أَبْلَى مِنَّا أَحَدٌ مِثْلَ مَا أَبْلَى فُلَانٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ ذَلِكَ الوَصْفِ: «هُوَ فِي النَّارِ»!!

هَذَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَصَعُبَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ، كَيْفَ بِمِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُقَاتِلُ وَلَا يَتْرُكُ مِنَ الكُفَّارِ أَحَدًا إلَّا تَبِعَهُ وَقَاتَلَهُ؛ كَيْفَ يَكُونُ فِي النَّارِ؟!!

فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَاقَبَهُ وَتَتَّبَعَهُ، فَجُرِحَ الرَّجُلُ، وَفِي النِّهَايَةِ رَآهُ وَضَعَ غِمْدَ السَّيْفِ عَلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ ذُبَابَةَ السَّيْفِ تَحْتَ ثَدْيِهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ اتَّكَأَ مُتَحَامِلًا عَلَى سَيْفِهِ، فَدَخَلَ السيفُ مِنْ صَدْرِهِ، وَخَرَجَ مِن ظَهْرِهِ، فَمَاتَ، فَقَالَ الصَّحَابيُّ: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَعَرَفُوا أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى.

لِمَاذَا دَخَلَ النَّارَ مَعَ هَذَا العَمَلِ؟!! وَكَانَ يُجَاهِدُ، لَا يَدَعُ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً، وَلَمْ يُبْلِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا أَبْلَاهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمَّا انْتَحَرَ -فَلَمَّا قَتَلَ نَفْسَهُ-؛ دَخَلَ النَّارَ -وَالعِيَاذُ بِالعَزِيزِ الغَفَّارِ-، قَتَلَ نَفْسَهُ، وَلَم يَصْبِرْ!!

فَلَا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ!!

وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ الأنصاريَّ أَخْبَرَهُ أَنَّه بَايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كاذِبًا مُتَعَمِّدًا؛ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ؛ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ[6].

 ((حُرْمَةُ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَخُطُورَتُهَا))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنْ صُوَرِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّفْسِ: تَعْرِيضَهَا لِلْهَلَكَةِ عَنْ طَرِيقِ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ انْتِقَالُ الْإِنْسَانِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ بِصُورَةٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ عَنْ طَرِيقِ التَّسَلُّلِ خُفْيَةً، مُعَرِّضًا نَفْسَهُ لِلْمَوْتِ قَتْلًا أَوْ غَرَقًا، أَوْ إِقَامَتِهِ فِي بَلَدٍ دُونَ تَصْرِيحٍ أَوْ إِذْنٍ، أَوْ بِالْمُكْثِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يُعَدُّ غِشًّا وَخِدَاعًا وَخِيَانَةً نَهَانَا عَنْهَا دِينُنَا الْحَنِيفُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

كَمَا أَنَّ التَّحَايُلَ لِدُخُولِ الْبِلَادِ الْأُخْرَى أَوِ الْإِقَامَةِ فِيهَا يُعَدُّ مُخَالَفَةً لِلْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ الدَّوْلِيَّةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الدُّوَلُ، وَالَّتِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ حَيْثُ يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ! نَفِّذُوا ارْتِبَاطَاتِكُمُ الَّتِي عَقَدْتُمُوهَا مَعَ رَبِّكُمْ بِسَبَبِ إِيمَانِكُمْ، وَالْعُقُودَ الَّتِي عَقَدْتُمُوهَا مَعَ أَنْفُسِكُمْ بِسَبَبِ حَلِفِكُمْ وَنَذْرِكُمْ عَلَى أَلَّا تَفْعَلُوا فِعْلًا أَوْ تَكُفُّوا عَنْ فِعْلٍ، وَالْعُقُودَ الَّتِي عَقَدَهَا بَعْضُكُمْ مَعَ بَعْضٍ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ؛ مِن بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَرَهْنٍ، وَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَزَوَاجٍ، وَنَحْوِهَا؛ فَالْتَزِمُوا بِهَا، وَبِالْعُقُودِ الَّتِي تَعْقِدُهَا الدَّوْلَةُ الْمُسْلِمَةُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ.

وَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧].

وَمِنَ الْخِيَانَةِ: نَقْضُ الْعَهْدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ} [الأنفال: 58].

 ((إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُونَ))، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَدَحَ الْمُوفِينَ بِعُهُودِهِمْ، فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.. ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَوْصَافَهُمْ، وَمِنْهَا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 8 - 11].

وَالَّذِينَ هُمْ قَائِمُونَ بِحِفْظِ كُلِّ مَا اؤْتُمِنُوا عَلَيْهِ، مُوفُونَ بِمَا عَاهَدُوا اللهَ -تَعَالَى- وَالنَّاسَ عَلَيْهِ؛ كَالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَمْوَالِ الْمُودَعَةِ، وَالْأَيْمَانِ، وَالنُّذُورِ، وَالْعُقُودِ، وَنَحْوِهَا.

الَّذِينَ يَرِثُونَ أَعْلَى الْجَنَّاتِ وَأَفْضَلَهَا هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ، وَلَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهُمْ وَلَا يَزُولُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا اللهَ أَوِ النَّاسَ، وَأَخُصُّ بِالْمَدْحِ الصَّابِرِينَ فِي الْفَقْرِ وَالْجُوعِ، وَالْمَصَائِبِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ، وَحِينَ شِدَّةِ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ، الَّذِينَ ارْتَقَوْا بِصَبْرِهِمْ إِلَى مَرْتَبَةِ الْبِرِّ.

أُولَئِكَ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ هُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَأولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَابَ اللهِ فَتَجَنَّبُوا مَعَاصِيَهُ.

وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمَفَاسِدِ النَّاتِجَةِ عَنِ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ -أَيْضًا-: مُخَالَفَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَمِنْ حُقُوقِهِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59].

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.

وَمِنَ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ بِسَبَبِ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ: تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلْمَخَاطِرِ وَالْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغ شَرْعِيٍّ، وَحِفْظُ النَّفْسِ أَحَدُ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي مَرْتَبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ النَّفْسِ، وَبِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَبِحِفْظِ الْمَالِ، وَبِحِفْظِ الْعِرْضِ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ الدِّينِ، وَبِهِ يُحْفَظُ هَذَا كُلُّهُ[7].

قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة : 195].

وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمَفَاسِدِ النَّاتِجَةِ عَنِ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ: مَا يَكُونُ مِنْ تَزْوِيرٍ وَغِشٍّ وَتَدْلِيسٍ عَلَى سُلُطَاتِ الدَّوْلَتَيْنِ الْمُهَاجَرِ مِنْهَا وَالْمُهَاجَرِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ، قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30-31].

{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} أَيْ: جَمِيعَ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ قَوْلِ الزُّورِ الَّذِي هُوَ الْكَذِبُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِذَا كَانَ لِلْبُيُوتِ حُرْمَةٌ؛ فَإِنَّ لِلدُّوَلِ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ لِدُخُولِهَا، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ؛ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ دُخُولُ دَوْلَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ وُلَاةِ أَمْرِهَا، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27].

عَلَى أَنَّنَا نُؤَكِّدُ أَنَّ دُخُولَ الْبِلَادِ بِالشَّكْلِ الْقَانُونِيِّ أَوْ بِتَأْشِيرَةِ الدُّخُولِ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلنَّفْسِ، وَحِفْظٌ لِلْكَرَامَةِ؛ لِأَنَّ تَأْشِيرَةَ الدُّخُولِ الَّتِي يُشْتَرَطُ تَوَفُّرُهَا لِدُخُولِ أَيِّ أَجْنَبِيِّ لِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ تُمَثِّلُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ عَقْدًا يُشْبِهُ عَقْدَ الْأَمَانِ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ.

وَالْأَمَانُ هُوَ: عَهْدٌ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْأَذَى؛ بِأَنْ تُؤَمِّنَ غَيْرَكَ، أَوْ أَنْ يُؤَمِّنَكَ غَيْرُكَ، وَهُوَ تَعَهُّدٌ بِعَدَمِ لُحُوقِ الضَّرَرِ مِنْ جِهَتِكَ إِلَيْهِ، وَلَا مِنْ جِهَتِهِ إليْكَ.

 ((مَعْنَى الْهِجْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَدِلَّتُهَا))

الْهِجْرَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ التَّرْكُ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَلَدٍ، أَو أَرْضٍ، أَو نَحْوِ ذَلِكَ.

وَفِي الشرعِ: مُفَارَقَةُ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمُفَارَقَةُ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمَانِ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5].

وَلَا شَكَّ أَنَّ لِذِكْرِ الْهِجْرَةِ مُنَاسَبَةً وَثِيقَةً فِي الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ؛ فَحِينَمَا يَتَبَرَّأُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ؛ فَإِنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَإِذَا تَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ شَعَائِرَ الدِّينِ؛ كَانَ لِزَامًا عَلَيهِ وَمِنْ مُتَمِّمَاتِ الْبَرَاءَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُقِيمَ شَعَائِرَ اللهِ تَعَالَى، وَيَتَّبِعَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ.

وَالْهِجْرَةُ شَأْنُهَا عَظِيمٌ؛ وَلَكِنْ هَذِهِ الْهِجْرَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً إِلَّا بِشُرُوطٍ، وَالْهِجْرَةُ تَكُونُ مِنْ بَلَدِ الْإِشْرَاكِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَبِلَادُ الْإِشْرَاكِ هِيَ الْبِلَادُ الَّتِي لَا يُقَامُ بِهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ.

وَتُسَمَّى هَذِهِ بِلَادَ إِشْرَاكٍ، فَقَدْ يُقِيمُ أَقَلِّيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُقِيمُوا بَعْضَ الدِّينِ؛ وَلَكِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَامِلًا وَعَامًّا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ؛ فَالْبِلَادُ تُسَمَّى بِلَادَ الشِّرْكِ.

لَكِنْ مِنْ حَيثُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ وَوُجُوبُهَا؛ فَسَيَأْتِي ذِكْرُ شُرُوطِ الْوُجُوبِ لِلْهِجْرَةِ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ بِالْهِجْرَةِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِنْ حَيثُ التَّشْرِيعُ: الْوُجُوبُ؛ وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ الْبَقَاءُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ مُسْتَحَبًّا، وَكُلُّ هَذَا بِحَسَبِ الْحَالِ.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْهِجْرَةِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ:

أَمَّا مِنَ الْكِتَابِ؛ فَقَولُهُ سُبْحَانَه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، فَلَامَهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِعَدَمِ هِجْرَتِهِمْ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَوقَعُوا الظُّلْمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَأَثِمُوا بِذَلِكَ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97-99].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100].

وَمَنْ يُهَاجِرْ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ؛ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا مُتَحَوَّلًا وَأَرْضًا غَيْرَ أَرْضِهِ الَّتِي تَرَكَ، يَنَالُ فِيهَا الْعِزَّةَ وَالرِّزْقَ الْوَسِيعَ.

وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى مُهَاجَرِهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مُهَاجَرِهِ.

وَكَانَ اللهُ غَفُورًا لِمَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ، رَحِيمًا بِهِمْ.

وَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ:

فَأَوَّلُهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُهَاجِرَ؛ كَأَنْ يَكُونَ فِي بِلَادِ الْإِشْرَاكِ وَيَكُونَ الْخُرُوجُ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ مَمْنُوعًا، أَو كَأَنْ يَكُونَ عَلَيهِ حَظْرٌ، أَو نَحْوُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي حَقِّهِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَالْوَاجِبَاتُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ.

يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَولُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)).

وَمَوْطِنُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي مَرَّتْ: قَولُهُ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمْرَ مَفْسُوحٌ وَوَاسِعٌ فِي الْهِجْرَةِ؛ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ، فَلَيسَ مَعَهُ سَعَةٌ يَسْتَطِيعُ مَعَهَا الْهِجْرَةَ.

فَأَوَّلُ شَرْطٍ لِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ: الْقُدْرَةُ عَلَيهَا.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيرَ مُسْتَطِيعٍ إِظْهَارَ دِينِهِ، قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ يَسْتَطِيعُ الْهِجْرَةَ؛ وَلَكِنَّهُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ يَقُولُ: أَسْتَطِيعُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي، أُصَلِّي فِي الْمَسَاجِدِ، وَآتِي بِجَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ شَيءٌ يُعِيقُ عَنْ تَطْبِيقِ الدِّينِ، فَالْهِجْرَةُ غَيرُ وَاجِبَةٍ -حِينَئِذٍ-، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ سَوَاءٌ كَانَتِ الْبِلَادُ بِلَادَ شِرْكٍ، أَو بِلَادَ فِسْقٍ.

لَكِنْ إِذَا قَالَ: أَنَا أَسْتَطِيعُ الْهِجْرَةَ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي؛ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ: لَا زَالَ الْأَمْرُ عَلَيكَ وَاجِبًا مِنْ حَيثُ الْهِجْرَةُ.

وَمَوطِنُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ: قَولُهُ تَعَالَى: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}، وَ{مُسْتَضْعَفِينَ} يَعْنِي: أَذِلَّاءَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُقِيمُوا شَعَائِرَ الدِّينِ.

إِذَنْ؛ مِمَّا سَبَقَ نَعْرِفُ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِشَرْطَينِ: الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَالثَّانِي: عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ؛ حِينَئِذٍ تَكُونُ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً، أَمَّا إِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذَينِ الشَّرْطَينِ؛ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ.

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ.

الثَّانِي: عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ مَنْ أَقَامَ بَينَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَيسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، مُرْتَكِبٌ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآيَةِ)).

* أَصْنَافُ النَّاسِ فِي الْهِجْرَةِ:

وَعَلَيهِ؛ يُمْكِنُ تَصْنِيفُ النَّاسِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ:

الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مَنْ تَوفَّرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ السَّابِقَانِ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيهِ، وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنِ الْهِجْرَةِ.

وَالْعَاجِزُ عَنِ الْهِجْرَةِ عِدَّةُ أَصْنَافٍ: إِمَّا لِمَرَضٍ؛ فَلَا يَسْتَطِيعُ، أَو لَيسَ عِنْدَهُ مَالٌ يَذْهَبُ بِهِ، أَو مُكْرَهٌ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا تَجِبُ عَلَيهِ الْهِجْرَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ؛ لَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ.

إِذَنْ؛ عَرَفْنَا أَنَّ الْهِجْرَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً أَو مُسْتَحَبَّةً، وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ الْهِجْرَةِ مُسْتَحَبًّا فِي حَقِّ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ؛ كَأَنْ يَحْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ عَيْنًا لَهُمْ هُنَاكَ، يَعْنِي: يَحْتَاجُونَ مَنْ يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الْمُشْرِكِينَ، وَيُخْبِرُهُمْ وَيُعْطِيهِمْ أَخْبَارَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ بَيَانِ خُطَطِهِمْ وَمَكَائِدِهِمْ؛ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَمْرُ مُسْتَحَبًّا.

أَمَّا إِذَا كَانَ أَمْرُ الْبَقَاءِ لَا يَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَيهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ حَتْمًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَقَاءُ وَاجِبًا عَلَى حَسَبِ وُجُوبِ أَوِ احْتِيَاجِ الْمُسْلِمِينَ.

لَو أَنَّ شَخْصًا تَحَقَّقَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُهَاجِرْ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُعَدُّ عَاصِيًا ظَالِمًا لِنَفْسِهِ، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى؛ لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِهِ الْهِجْرَةَ.

قَالَ الْبَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: فِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَنَادَاهُم اللهُ بِاسْمِ الْإِيمَانِ)).

وَهَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-.

وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ؛ فَقَولُهُ ﷺ: ((لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).

وَبِهَذَا يَكُونُ قَدْ دَلَّ عَلَى الْهِجْرَةِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ))، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ؛ فَمَعْنَاهُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ فُتِحَتْ.

فَالْمَقْصُودُ بِقَولِ النَّبِيِّ ﷺ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)) أَي: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ تَحَوَّلَتْ مَكَّةُ مِنْ كَونِهَا دَارَ كُفرٍ إِلَى دَارِ إِسْلَامٍ، وَلَمَّا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ؛ انْتَهَى وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا، أَوِ اسْتِحْبَابُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ؛ فَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ؛ لِقَولِهِ ﷺ: ((لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))، وَلِلْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي قَولِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.

((نَصَائِحُ لِلْمُهَاجِرِينَ هِجْرَةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ))

عِبَادَ اللهِ! مَهْمَا كَانَ حَالُ الْمُسْلِمِ؛ فَلَا يُوجَدُ مُسَوِّغٌ لِلْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ بِدَاعِي طَلَبِ الرِّزْقِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2-3].

{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ} فَيَعْمَلْ بِمَا أَمَرَهُ، وَيَجْتَنِبْ مَا نَهَاهُ عَنْهُ؛ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ مَخْرَجًا وَمَخْلَصًا مِنْ غُمُومِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَرْزُقُهُ دَوَامًا، وَيُيَسِّرُ لَهُ أَسْبَابَ الرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ وَلَا يَكُونُ فِي حُسْبَانِهِ.

وَمَنْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ؛ فَهُوَ كَافِيهِ مَا أَهَمَّهُ فِي الدَّارَيْنِ.

إِنَّ السَّعْيَ عَلَى الرِّزْقِ وَالْمَعَاشِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا؛ فَقَدْ حَثَّ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ عَلَى العَمَلِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ بِأَنَاةٍ وَرِفْقٍ، مَعَ صَبْرٍ وَكَدْحٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: ١٠]. يَعْنِي: فَإِذَا فُرِغَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ فَتَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ وَمَطَالِبِ حَيَاتِكُمْ، وَمَصَالِحِ دُنْيَاكُم، وَاطْلُبُوا رِزْقَ اللهِ بِأَنَاةٍ وَرِفْقٍ، مَعَ صَبْرٍ وَكَدْحٍ، وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ؛ رَغْبَةً فِي الْفَوْزِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَجَعَلَ اللهُ الْأَرْضَ مُنْقَادَةً لِلْبَشَرِ، وَسَخَّرَ لَهُمُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ؛ مِنْ أَجْلِ حِرَاثَةِ الْأَرْضِ، وَزِرَاعَتِهَا، وَتَعْمِيرِهَا، وَمِنْ أَجْلِ تَرْقِيَةِ الْحَيَاةِ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].

اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مُنْقَادَةً سَهْلَةً مُطَوَّعَةً، تَحْرُثُونَهَا، وَتَزْرَعُونَهَا، وَتَسْتَخْرِجُونَ كُنُوزَهَا، وَتَنْتَفِعُونَ مِنْ طَاقَاتِهَا وَخَصَائِصِ عَنَاصِرِهَا؛ فَامْشُوا فِي جَوَانِبِهَا وَأَطْرَافِهَا وَنَوَاحِيهَا مَشْيًا رَفِيقًا لِتَحْصِيلِ مَطَالِبِ الْحَيَاةِ، وَكُلُوا مِمَّا خَلَقَهُ اللهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ، وَاكْتَسِبُوا الرِّزْقَ مِمَّا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَتَذَكَّرُوا يَوْمَ الْحِسَابِ، وَإِلَيْهِ وَحْدَهُ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِلْحِسَابِ، وَفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَتَنْفِيذِ الْجَزَاءِ.

وَأَمَرَ اللهُ الْإِنْسَانَ بِأَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِمَطَالِبِ دُنْيَاهُ بِالْعَمَلِ وَالْجِدِّ، أَوْ مَطَالِبِ آخِرَتِهِ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧-٨].

فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ عَمَلٍ نَافِعٍ مُفِيدٍ يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ؛ فَاجْتَهِدْ فِي عَمَلٍ نَافِعٍ جَدِيدٍ، وَأَتْعِبْ نَفْسَكَ فِيهِ، وَلَا تُخْلِ وَقْتًا مِنْ أَوْقَاتِكَ فَارِغًا، وَلَا تَرْكَنْ إِلَى الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، وَإِلَى رَبِّكَ وَحْدَهُ فَتَضَرَّعْ، وَاجْعَلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ مَطَالِبِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ، وَتَرَفَّعْ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ؛ فَهُوَ وَحْدَهُ الْقَادِرُ عَلَى إِجَابَتِكَ وَإِسْعَافِكَ.

((إِنَّ الْعَمَلَ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَهُوَ سُنَّةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-؛ فَالِاحْتِرَافُ وَالتَّكَسُّبُ قَامَ بِهِ خَيْرُ الْخَلْقِ، وَهُمْ أَنْبِيَاءُ اللهِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ-، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ أَصْحَابُ نَبِيِّنَا ﷺ وَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ؛ قَالَ -تَعَالَى- عَنْ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10].

وَعَنِ الْمِقْدَامِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)) -، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)).

وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ -كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ[8]- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَنَّ نَبِيَّ اللهِ زَكَرِيَّا كَانَ نَجَّارًا)).

وَعَمِلَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَجِيرًا عَشْرَ سِنِينَ، كَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- حِكَايَةً عَنِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 27-28].

وَقَدْ تَاجَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَالِ خَدِيجَةَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَتِهِ ﷺ-، وَسُئِلَ ﷺ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟

قَالَ: ((وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ عَمَلِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، فَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ!)). هَذَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَمَعْنَى ((أَرْوَاحٌ)) أَيْ: لَهُمْ رَوَائِحُ؛ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ وَعَرَقِهِمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ...)).

قَالَ مُعَلِّلًا: ((وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا ﷺ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: ((إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ))، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقَالَتَهُ؛ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ)).

هَذَا الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَفِيهِ: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلٌ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ فِي زُرُوعِهِمْ، وَفِي بَسَاتِينِهِمْ)).

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْإِسْلَامَ يَدْعُو الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِلَى الْعَمَلِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى السَّعْيِ وَالتَّكَسُّبِ، فَهُوَ دِينٌ يُؤَكِّدُ عَلَى الْحَرَكَةِ وَالْحَيَوِيَّةِ، وَيَذُمُّ الْكَسَلَ وَالْخُمُولَ وَالِاتِّكَالِيَّةَ؛ إِذْ لَا مَكَانَ فِيهِ لِلِاسْتِرْخَاءِ وَالْبَطَالَةِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْآخَرِينَ وَاسْتِجْدَائِهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ.

فَالْإِسْلَامُ دِينُ عِبَادَةٍ وَعَمَلٍ، يَحُثُّ الْجَمِيعَ عَلَى الْإِنْتَاجِ وَالْإِبْدَاعِ، وَيَهِيبُ بِفِئَاتِ الْمُجْتَمَعِ كَافَّةً أَنْ تَنْهَضَ وَتَعْمَلَ بِإِتْقَانٍ، وَيَقُومَ كُلٌّ بِدَوْرِهِ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فِيهِ؛ لِنَفْعِ الْأُمَّةِ وَإِفَادَتِهَا.

إِنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَهُ اللهُ عَلَى الْعَبْدِ مَنْ أَعْظَمِ عِلَاجَاتِ ظَاهِرَةِ الْهِجْرَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقَدَرُ هُوَ تَقْدِيرُ اللهِ -تَعَالَى- لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ حُدُوثِهَا تَقْدِيرًا يُوَافِقُ عِلْمَهُ وَكِتَابَتَهُ كَمًّا، وَكَيْفًا، وَزَمَانًا، وَمَكَانًا، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».

وَلِلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ ثَمَرَاتٌ جَلِيلَةٌ، مِنْهَا:

الْأُولَى: الِاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- عِنْدَ فِعْلِ الْأَسْبَابِ؛ بِحَيْثُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى السَّبَبِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللهِ -تَعَالَى-.

الثَّانِيَةُ: الطُّمَأْنِينَةُ وَالرَّاحَةُ النَّفْسِيَّةُ بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَقْدَارِ اللهِ -تَعَالَى-، فَلَا يَقْلَقُ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ، أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22- 23].

وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَالْمُؤْمِنُ يَرَى ذَلِكَ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، فَيَبُوءُ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، شَاكِرًا رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِذَا وَقَعَ فِي ذَنْبٍ؛ اسْتَغْفَرَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ.

وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْقَدَرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، لَا يُذْكَرُ الْقَدَرُ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ.

أَمَّا عِنْدَ الذَّنْبِ وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ؛ فَالِاسْتِغْفَارُ، وَالتَّوْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْإِنَابَةُ، وَالْعَوْدَةُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يُذْكَرُ الْقَدَرُ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ، يَحْتَجُّ الْعَبْدُ بِالْقَدَرِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فِي الْمَعَاصِي، هَذَا لَيْسَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ، وَلَكِنْ يُذْكَرُ الْقَدَرُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22- 23].

فَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْعَبْدِ مَا يَكْرَهُهُ مِنَ الْأَقْدَارِ غَيْرِ الْمُوَاتِيَةِ؛ فَإِنَّهُ -حِينَئِذٍ- يَفْزَعُ إِلَى رَبِّهِ حَامِدًا، وَشَاكِرًا، وَمُنِيبًا، وَمُخْبِتًا، وَخَاشِعًا، وَيَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُعَوِّضَهُ خَيْرًا فِيمَا أَصَابَهُ بِهِ، وَأَنْ يُثَبِّتَهُ عَلَى الْإِيمَانِ الْحَقِّ.

قَضِيَّتَانِ مَحْسُومَتَانِ: الْأَجَلُ وَالرِّزْقُ: يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعِدُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُقَرِّبُ مِنْ رِزْقٍ أَلَّا يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ)).

النَّبِيُّ ﷺ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ الَّذَيْنِ يَخْتَصِمُ بِسَبَبِهِمَا النَّاسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.. يُبَيِّنُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْأَجَلَ وَالرِّزْقَ.. كُلُّ ذَلِكَ مَسْطُورٌ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَزَلًا، لَا يُزَادُ فِيهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَسُوقُ ذَلِكَ مَسَاقَهُ الَّذِى قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَزَلًا، لَا يُبَاعِدُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُدَانِي، وَلَا يُقَرِّبُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَحْتَاطَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَحْذَرُوا، وَلَا أَنْ يَخَافُوا مِنْهُ وَلَا أَنْ يَرْهَبُوا، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالْخَلْقُ صَائِرُونَ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ: ((أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعِدُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُقَرِّبُ مِنْ رِزْقٍ أَلَّا يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ)).

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا؛ فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».

مَسْأَلَةُ الْأَجَلِ، وَمَسْأَلَةُ الْمَوْتِ، وَمَسْأَلَةُ الرِّزْقِ، وَمَسْأَلَةُ الطَّلَبِ؛ كُلُّ ذَلِكَ أَمْرٌ قَدْ قُدِّرَ أَجَلًا، وَالْمَرْءُ مَسُوقٌ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ مَسُوقٌ إِلَى حَتْفِهِ مَسُوقٌ إِلَى رِزْقِهِ، وَكَمَا أَنَّ الرِّزْقَ يُسَاقُ إِلَيْهِ.. يَسْعَى إِلَيْهِ أَجَلُهُ، وَلَا مَنْجَى وَلَا مَهْرَبَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ!!

عِبَادَ اللهِ! مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ، وَأَخَذَ بِالْأَسْبَابِ؛ رَزَقَهُ اللهُ وَكَفَاهُ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ تَوَكَّلْتُم عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمُ اللَّهُ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَعُودُ بِطَانًا».

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَاعِدَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ فِي أَصْلِ هَذَا الدِّينِ:

*الْأُولَى: هِيَ قَاعِدَةُ التَّوَكُّلِ.

*وَالثَّانِيَةُ: قَاعِدَةُ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ.

وَالْحَدِيثُ يُفْهَمُ فَهْمًا مَضْبُوطًا، وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي فَهْمِهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْمَغْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ بِنَفْسِهِ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ؛ فَإِنَّ الطَّيْرَ فِي الْوُكُنَاتِ وَفِي الْأَعْشَاشِ لَا تَبْقَى فِي أَعْشَاشِهَا، وَإِنَّمَا تُبَكِّرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِالْتِقَاطِ رِزْقِهَا.

يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلْتُم عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمُ اللَّهُ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو...»: وَالْغُدُوُّ: هُوَ الْخُرُوجُ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ، فَتَغْدُو هَذِهِ الطُّيُورُ مِنْ أَعْشَاشِهَا وَوُكُنَاتِهَا؛ مِنْ أَجْلِ الْتِقَاطِ رِزقِهَا مُبَكِّرَةً مَعَ خُيُوطِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، سَاعِيَةً فِي أَرْضِ اللهِ؛ لَكِنَّهَا لَا تَحْمِلُ لِرِزْقِهَا هَمًّا، وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَرْزُقُهَا كَمَا رَزَقَهَا الْحَيَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ رِزْقٍ، وَالْحَيَاةُ وَالْأَجَلُ يَرْتَبِطَانِ بِالرِّزْقِ ارْتِبَاطًا مُبَاشِرًا؛ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَحْيَا كَائِنٌ حَيٌّ بِغَيْرِ رِزْقٍ، يَقُولُ النَّاسُ: «فُلَانٌ حَيٌّ يُرْزَقُ»، وَلَنْ تَجِدَ أَبَدًا أَنَّ فُلَانًا حَيٌّ لَا يُرْزَقُ، فَارْتِبَاطُ الْأَجَلِ بِالرِّزْقِ أَمْرٌ حَتْمِيٌّ بِصَيْرُورَةٍ تَمْضِي إِلَى الْمَوْتِ؛ وَحِينَئِذٍ لَا أَجَلَ وَلَا رِزْقَ.

فَالنَّبِيُّ ﷺ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الطُّيُورَ تَغْدُو مُبَكِّرَةً مِنْ أَعْشَاشِهَا، تَطْلُبُ رِزْقَهَا، تَلْتَقِطُهُ فِي جَنَبَاتِ الْأَرْضِ، لَا تَحْمِلُ لَهُ هَمَّا، «خِمَاصًا»: جَمْعُ أَخْمَصٍ، وَهَذِهِ الْحَوَاصِلُ الْخُمْصُ قَدِ الْتَزَقَتْ لُحُومُهَا بِبَعْضِهَا؛ بِحَيْثُ إِنَّهَا لَا تَحْوِي شَيْئًا، «تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَعُودُ بِطَانًا» وَقَدِ امْتَلَأَتْ بُطُونُهَا وَحَوَاصِلُهَا؛ مِنْ أَيْنَ؟!!

مِنْ رِزْقِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

هَلْ قَدَّرَتْ لِذَلِكَ تَقْدِيرًا؟!!

هَلْ وَضَعَتْ لَهُ خُطَّةً لِلْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ اكْتِسَابِهِ؟!!

إِنَّمَا أَخَذَتْ بِالْأَسْبَابِ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى رَبِّ الْأَسْبَابِ؛ بِحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ مِنْ قَيْدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ، وَيَدْخُلُ فِي أَسْرِ الْعُبُودِيَّةِ، فَهَذَا هُوَ التَّوَكُّلُ، أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، لَا يَدَّعِي رِزْقًا، وَلَا يَدَّعِي حَوْلًا وَلَا حِيلَةً؛ لِأَنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُهُ، وَهُوَ رَازِقُهُ، وَهُوَ مَالِكُ أَمْرِهِ، وَنَاصِيتُهُ بِيَدِهِ.

وَهُوَ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ فِيهِ، وَلَا رَادَّ لِحُكْمِهِ فِيهِ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ؛ فَهَذَا مَوْكُولٌ إِلَى الْعَبْدِ، وَلَا يُعَوِّلُ الْمَرْءُ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَأْخُذُونَ كَثِيرًا بِالْأَسْبَابِ، وَلَا يُحَصِّلُونَ شَيْئًا مِنَ النَّتَائِجِ.

وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا أَنَّ هَذَا الْكَوْنَ عَامِرٌ بِالْكَائِنَاتِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ، وَكُلُّهَا مَرْزُوقٌ مِنْ رِزْقِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهُوَ أَمْرٌ عِنْدَمَا يَتَأَمَّلُ الْمَرْءُ فِيهِ يَكَادُ عَقْلُهُ يَذْهَبُ مِنْهُ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ مَثَلًا وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْكَائِنَاتِ الْبَحْرِيَّةَ الَّتِي تَحْيَا فِي الْبِحَارِ وَالْمُحِيطَاتِ هِيَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الْكَائِنَاتِ الْبَرِّيَّةِ بِمَا لَا يُقَاسُ، وَكُلُّهَا مَرْزُوقَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا دَوْرَةُ حَيَاةٍ، تُولَدُ بِالْمِيلَادِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللهُ، ثُمَّ تَمْضِي فِي حَيَاتِهَا بِرِزْقٍ؛ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ، أَوْ تَغْذِيَةٍ، أَوْ نَفَسٍ، أَوْ إِخْرَاجٍ، تَتَكَاثَرُ أَوْ لَا تَتَكَاثَرُ، ثُمَّ يَنْتَهِي أَجَلُهَا عِنْدَ حَدٍّ حَدَّدَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَمَسَارِبُهَا فِي الْحَيَاةِ مَحْسُوبَةٌ.

*وَتَأَمَّلْ فِي رِزْقِ النَّمْلِ، وَهُوَ مِثَالٌ عَجِيبٌ!!

هَذَا النَّمْلُ الَّذِي تَرَاهُ مِنْ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ؛ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَبِقُدْرَتِهِ، بَدَأَ بِبِدَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ -بِدَايَةِ الْخَلْقِ لَهُ- بِكُلِّ نَمْلَةٍ نَمْلَةٍ، مِمَّا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، ثُمَّ تَمْضِي فِي حَيَاتِهَا مَرْزُوقَةً بِرِزْقِهَا، فَتَنْمُو شَيْئًا فَشَيْئًا، تَتَكَاثَرُ أَوْ لَا تَتَكَاثَرُ، ثُمَّ إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا انْتَهَى عُمُرُهَا.

أَلَا إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّ قَضِيَّةَ الرِّزْقِ وَقَضِيَّةَ الْعُمُرِ قَدْ حُسِمَتَا سَلَفًا فِي الْأَزَلِ، «فَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».

أَلَيْسَتَا أَيْ: هَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ- أَلَيْسَتَا هُمَا اللَّتَانِ يُعَانِي مِنْهُمَا النَّاسُ مُنْذُ كَانَ آدَمُ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا؟!!

أَلَيْسَ بِسَبَبِهِمَا تُرَاقُ الدِّمَاءُ، وَتُنْتَهَكُ الْأَعْرَاضُ، وَتُسْلَبُ الْأَمْوَالُ؟!!

أَلَيْسَ بِسَبَبِهِمَا تَقُومُ قِيَامَةُ الْخَلْقِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فِي تِلْكَ الْمَعَارِكِ الطَّاحِنَاتِ؟!!

كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْأَجَلِ، وَبِسَبَبِ الرِّزْقِ، مَعَ أَنَّهُمَا قَدْ حُسِمَتَا سَلَفًا؛ فَعَلَى الْمَرْءِ إِذَا مَا أَتَاهُ مَا يَكْرَهُ؛ أَنْ يُوَاجِهَ ذَلِكَ بِقَلْبٍ عَامِرٍ بِتَقْوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اخْتِيَارَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ هُوَ خَيْرٌ مِنَ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مُخْتَارًا.

فَاخْتِيَارُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَكَ خَيْرٌ مِنَ اخْتِيَارِكَ لِنَفْسِكَ لَوْ كُنْتَ مُخْتَارًا، فَسَلِّمْ تَسْلَمْ؛ فَإِنَّ السَّلَامَةَ فِي التَّسْلِيمِ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّمَا يَتَعَثَّرُ مَنْ لَمْ يُخْلِصْ، وَالسَّلَامَةُ كُلُّ السَّلَامَةِ فِي التَّسْلِيمِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

اللهم رَضِّنَا بِقَضَائِكَ وَقَدَرِكَ، وَأَوْزِعْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا وَعَلَى وَالِدِينَا، وَأَوْزِعْنَا أَنْ نَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ، إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ، وَإِنَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر: الْهِجْرَةُ غَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِفَاظُ عَلَى الْأَنْفُسِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  سمات وسلوك الشخصية الوطنية في ضوء الشرع الحنيف
  الإسلام دين الرحمة والسلام، وفضل شهر الله المحرم وصوم عاشوراء
  خُطُورَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  مصر وحرب الاستنزاف الإرهابية
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  الصِّحَّةُ الْإِنْجَابِيَّةُ بَيْنَ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَحَقِّ الطِّفْلِ
  التَّحْذِيرُ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالْبَغْتَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  ((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ)) مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب: ((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))
  الْأَبْعَادُ الْإِنْسَانِيَّةُ وَمَخَاطِرُ تَجَاهُلِهَا
  تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَأَثَرُهَا فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَبِنَاءِ الدُّوَلِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان