الْوَفَاءُ بِمِيثَاقِ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ


  ((الْوَفَاءُ بِمِيثَاقِ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ))

إِنَّ الْحَاكِمَ لَهُ حُقُوقٌ، وَاجِبَةٌ لَهُ؛ أَوْجَبَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْأَمِينِ ﷺ، وَاجِبَةٌ.. كَمَا تَجِبُ عَلَيْكَ الصَّلَاةُ، وَكَمَا تَجِبُ عَلَيْكَ الزَّكَاةُ؛ أَوْجَبَهَا اللهُ فِي عُلَاهُ.

وَمِنْ حُقُوقِهِ: الْبَيْعَةُ لَهُ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

وَمَنْ نَقَضَ هَذِهِ الْبَيْعَةَ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ تَنَالُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ)).

قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟

قَالَ: ((فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمِنْ حُقُوقِهِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59].

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

*وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِإِمَامِهِ: الصَّبْرُ عَلَى جَوْرِهِ:

إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِإِمَامٍ جَائِرٍ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى جَوْرِهِ هُوَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ وَطَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ يُوجِبُ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ، فَيُصْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا يُصْبَرُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى ظُلْمِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى- عَنْ لُقْمَانَ: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)). أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ؛ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا)).

*وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَفِيَ لِرَعِيَّتِهِ بِمُوجَبِ الْعَهْدِ؛ فَيَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الضَّرَرَ وَالظُّلْمَ، وَيَعْمَلُ لَهُمْ كُلَّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.. قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٨ - ٥٩].

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «الْأَمَانَاتُ: كُلُّ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَأُمِرَ بِالْقِيَامِ بِهِ، فَأَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِأَدَائِهَا؛ أَيْ: كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، لَا مَنْقُوصَةً وَلَا مَبْخُوسَةً، وَلَا مَمْطُولًا بِهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَمَانَاتُ الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَسْرَارِ، وَالْمَأْمُورَاتُ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا اللهُ.

{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}؛ وَهَذَا يَشْمَلُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ فِي الدِّمَاءِ, وَالْأَمْوَالِ، وَالْأَعْرَاضِ؛ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ وَالْكَثِيرِ، عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْوَلِيِّ وَالْعَدُوِّ.

وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِالْحُكْمِ بِهِ, هُوَ مَا شَرَعَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنَ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْعَدْلِ لِيُحْكَمَ بِهِ)).

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيِّتِهِ)).

 

المصدر:الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحَيَوَانَاتِ
  عَدَمُ مُبَالَاةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ!!
  مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحِكْمَتُهُمَا
  الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ -الزَّوَاجُ- فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  نَصِيحَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ
  تَحْقِيقُ الْإِيجَابِيَّةِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
  مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَبَيَانُ أَصْلِهَا وَمَعْدِنِهَا
  الْحُبُّ الْفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ سَادَةُ الدُّنْيَا بِالْإِسْلَامِ
  فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعِظَمُ أَجْرِ صِيَامِهِ
  مُلْكٌ عَظِيمٌ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ!!
  مَسْؤُلِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ أَهْلِهِ
  ثَمَرَاتُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ
  اسْتِخْلَافُ اللهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ
  وَاجِبُ الْعُلَمَاءِ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ طَبِيعَةَ عَدُوِّهِمْ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان