الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ شِفَاءٌ وَحِفْظٌ بِقَدَرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-


 ((الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ شِفَاءٌ وَحِفْظٌ بِقَدَرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ))

إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ شِفَاءً وَحِفْظًا.

قَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82].

وَنُنَزِّلُ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ مَا هُوَ سَبَبُ بُرْءٍ وَشِفَاءٍ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ وَمِنَ الْأَمْرَاضِ الْجِسْمَانِيَّةِ.

وَهَذَا الْقُرْآنُ بِمَا فِيهِ مِنْ عِلْمٍ وَحَقٍّ وَهِدَايَةٍ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ، وَيَدْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ إِلَى تَطْبِيقِ شَرِيعَةِ اللهِ لِعِبَادِهِ، وَلَا يَزِيدُ هَذَا الْقُرْآنُ الْكُفَّارَ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِلَّا نَقْصًا بِالْحِرْمَانِ مِنَ السَّعَادَةِ  يَوْمَ الدِّينِ، وَالْهُبُوطِ فِي دَرَكَاتِ الْعَذَابِ فِي الْجَحِيمِ؛ لِتَكْذِيبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِهِ.

اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ ﷺ، كَمَا جَعَلَ الْقُرْآنَ هِدَايَةً وَنُورًا؛ جَعَلَ الْقُرْآنَ حِفْظًا, وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ, وَشِفَاءً لِلْأَمْرَاضِ الْعُضْوِيَّةِ لَوْ صَحَّتِ النِّيَّةُ بِالْإِخْلَاصِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَ اللهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَاكُلٍ وَلَا تَوَانٍ.

وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ كَمَا فِي ((الصَّحِيحِ)) عِنْدَمَا خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ أَرْسَلَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَنَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَطَلَبُوا مِنْهُمْ أَنْ يُرْفِدُوهُمْ -أَنْ يُعْطُوهُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالْمَؤُونَةَ- فَأَبَوْا, فَمَكَثُوا ثُمَّ غَيَّبَ النَّهَارُ الرِّجَالَ, فَخَرَجُوا فِي أَعْمَالِهِمْ, وَلُدِغَ كَبِيرُ الْحَيِّ وَسَيِّدُهُمْ, وَجَاءَتْ جَارِيَةٌ تَسْعَى إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ -يَعْنِي لَدِيغٌ-.

 وَكَانَ الْعَرَبُ بِعَبْقَرِيَّةِ اللُّغَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُتَنَزَّلًا لِكِتَابِهِ الْمَجِيدِ يَتَفَاءَلُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ, فَيَجْعَلُونَ اللَّدِيغَ سَلِيمًا تَفَاؤُلًا, وَيَجْعَلُونَ الرَّاحِلَةَ الذَّاهِبَةَ قَافِلَةً, وَهِيَ لَمْ تَرْحَلْ بَعْدُ, فَيَقُولُونَ: قَافِلَةً, وَالْقَافِلَةُ الرَّاجِعَةُ وَهِيَ لَمْ تَرْحَلْ بَعْدُ, وَيُسَمُّونَ الصَّحَرَاءَ الْمُهْلِكَةَ مَفَازَةً.

جَاءَتِ الْجَارِيَةُ تَسْعَى فَقَالَتْ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؛ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ؟

فَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنَ الْبُخْلِ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَمَنَعُوا رِفْدَهُمْ, وَمَنَعُوا عَطَايَاهُمْ وَلَوْ بَيْعًا وَشِرَاءً, اشْتَرَطَ أَبُو سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَكَانَ هُوَ الرَّاقِي الَّذِي رَقَى  بِفَضْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- غَيْرَ أَنَّهُ أَبْهَمَ نَفْسَهُ فِي الْحَدِيثِ تَوَاضُعًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- فَاشْتَرَطَ, فَجَعَلُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ جُعْلًا.

 هَذَا رَجُلٌ لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ, أَوْ ضَرَبَتْهُ عَقْرَبٌ, وَسَرَى السُّمُّ فِي بَدَنِهِ, فَجَاءَ صَاحِبُ النَّبِيِّ ﷺ وَفِي صِفَتِهِ لِنَفْسِهِ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ لَمْ نَكُنْ نَأْبَهُ لَهُ أَنَّهُ يَرْقِي.

 لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ أَحَدٌ, وَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ, فَقَامَ، فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَسْرِي السُّمُّ فِي بَدَنِهِ, وَيَدُورُ فِي جَسَدِهِ مَعَ الدِّمَاءِ رَقَاهُ, فَقَامَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ, كَأَنَّمَا كَانَ مَعْقُولًا مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ فَسَقَطَ عَنْهُ عِقَالُهُ, وَفُكَّ عَنْهُ وَثَاقُهُ, فَقَامَ مُسْرِعًا يَتَحَرَّكُ, فَقَامَ كَأَنَّهُ نَشِطَ مِنْ عِقَالِهِ فَأَعْطَوْهُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً, وَسَقَوْا أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ لَبَنًا.

فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَاللَّهِ, لَا نُحْدِثُ فِي هَذِهِ الْأَغْنَامِ شَيْئًا حَتَّى نَعُودَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ.

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((بِمَ رَقَيْتَهُ؟))

قَالَ: وَاللَّهِ, يَا رَسُولَ اللهِ مَا رَقَيْتُهُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ.

 وَلَكِنِ السِّرُّ هَاهُنَا فِي فَاتِحَةِ الْمَرْقِيِّ بِهَا وَفِي الرَّاقِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الطَّبِيبَ يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ حَاذِقًا, وَالدَّوَاءُ لَا عَيْبَ فِيهِ, غَيْرَ أَنَّ الْمَرِيضَ يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ قَابِلًا, وَلِأَنَّ الطَّبِيبَ يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ حَاذِقًا, وَلِأَنَّ الدَّوَاءَ يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ مُوَافِقًا, فَإِذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا يَتَأَتَّى الشِّفَاءُ بِقَدَرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

 لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا, وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّبِيبُ حَاذِقًا, وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّوَاءُ مُوَافِقًا, وَقَدْ تَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ هَاهُنا, فَقَامَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْقِ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ, قَالَ: ((اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ ﷺ » .

النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((يَا أُبَيُّ, إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ أَمَرَنِي -قَدْ أَرْسَلَ إِلَيَّ جِبْرِيلَ أَمِينَ الْوَحْيِ يَأْمُرُنِي- بِأَنْ أَتْلُوَ عَلَيْكَ سُورَةَ الْبَيِّنَةِ)).

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, وَسَمَّانِي؟

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَسَمَّاكَ يَا أُبَيُّ)). 

فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ الدُّمُوعَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- » .

عِبَادَ اللهِ! يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ((عَلَيْكُمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ -أَيِ السَّحَرَةُ- وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» .

النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي لَكُمْ بِالْحِفْظِ مِنَ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ: ((مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ, قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ» . 

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ كَمَا يَقُولُ الْأُصُولِيُّونَ, فَهَاهُنَا لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ, أَيْ لَا يَضُرُّهُ مُطْلَقُ شَيْءٍ, كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ.

فَاللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, وَاجْعَلْهُ لَنَا قَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ, وَلَا تَجْعَلْهُ سَائِقًا لَنَا إِلَى النَّارِ.

 اللَّهُمَّ حَمِّلْنَا كِتَابَكَ الْمَجِيدَ, وَاجْعَلْنَا تَالِينَ لَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

المصدر:الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَأَثَرُهُ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَرْسِيخِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حِكَمٌ جَلِيلَةٌ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْعِيدِ
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: سَلَامَةُ الصُّدُورِ وَبَذْلُ النَّفْسِ لِلْمُسْلِمِينَ
  حِيَاطَةُ الشَّرْعِ لِلْعَقْلِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ
  ذِكْرُ اللهِ حَيَاة
  سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
  عَدْلُ الْإِسْلَامِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ
  فَضَائِلُ ذِكْرِ اللهِ وَثَمَرَاتُهُ
  وَرَعُ السَّلَفِ الشَّدِيدُ عَنْ أَكْلِ السُّحْتِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ الصَّدِيقِ
  ضَوَابِطُ تَرْبِيَةِ الْيَتِيمِ وَتَأْدِيبِهِ
  تَعْرِيفُ الْمُسْكِرِ لُغَةً وَشَرْعً
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  نِعْمَةُ الشَّبَابِ -مَرْحَلَةِ الْقُوَّةِ-
  احْذَرْ مِنَ الْبَطَالَةِ وَمِنَ الْفَارِغِينَ!!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان