يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ


((يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ))

فَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ فِيهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ فِيهِ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ؛ فَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة، 3].

وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَاشَ بَعْدَهَا وَاحِدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: ((فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَعْيَ رَسُولِ اللهِ ﷺ )).

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ الْيَهُودِ- نَزَلَتْ؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا.

قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟

قَالَ: قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.

فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ)).

وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ؛ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ)).

((يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالْمَغْفِرَةِ لِلسَّيِّئَاتِ))

وَفِي هَذَا الْيَوْمِ يَكْثُرُ عُتَقَاءُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ النَّارِ، وَيَجُودُ فِيهِ رَبُّنَا تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُبَاهِي بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ.

رَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)).

((مَا مِنْ يَوْمٍ)): ((مَا)): هِيَ الْحِجَازِيَّةُ الَّتِي تَعْمَلُ عَمَلَ ((لَيْسَ)).

وَ((يَوْمَ)): اسْمُهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مَجْرُورًا، مَجْرُورًا بِـ((مِنْ)) الزَّائِدَةِ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ، وَأَمَّا خَبَرُهَا؛ فَـ((أَكْثَرَ)).

((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ)): ((مِنْ)): هَذِهِ أَيْضًا زَائِدَةٌ، ((أَنْ يُعْتِقَ)): مُؤَوَّلٌ بِالْمَصْدَرِ فِي مَوْضِعِ التَّمْيِيزِ.

 ((أَنْ يُعْتِقَ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ)): ((مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ)): الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقَانِ بِـ((أَكْثَرَ)).

((وإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)): وَالْمَعْنَى: لَيْسَ يَوْمٌ أَكْثَرَ إِعْتَاقًا فِيهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.

*ثُبُوتُ نُزُولِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا نُزُولًا حَقِيقِيًّا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ:

فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا-: إِثْبَاتُ صِفَةِ النُّزُولِ يَوْمَ عَرَفَةَ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-؛ إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الِإْمَامُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ ((الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ)) وَقَدْ أَوْرَدَ جُمْلَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَعَالَى فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَفِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ، وَكَذَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ صَحَّحَ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ، وَجَزَمَ الْأَلْبَانِيُّ بِثُبُوتِهِ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَا نُزُولُهُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ.

فَذَكَرَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: ((قَاَل أَبُو سَعِيدٍ -وَهِيَ كَانَتْ كُنْيِتَهُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا -وَأَكْثَرُ مِنْهَا- فِي نُزُولِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا وَالإِيمَانِ بِهَا أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْبَصَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا، لا يُنْكِرُهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلا يَمْتَنِعُ مِنْ رِوَايَتِهَا، حَتَّى ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ يَعْنِي: الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ- فَعَارَضَتْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِرَدٍّ، وَتَشَمَّرُوا لِدَفْعِهَا بِجِدٍّ، فَقَالُوا: كَيْفَ نُزُولُهُ هَذَا؟

قُلْنَا: لَمْ نُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ نُزُولِهِ فِي دُنْيَانَا وَلَا فِي دِينِنَا، وَلا تَعْقِلُهُ قُلُوبُنَا، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَنُشَبِّهَ مِنْهُ فِعْلًا أَوْ صِفَةً بِفِعَالِهِمْ وَصِفَتِهِمْ، وَلَكِنْ يَنْزِلُ بِقُدْرَتِهِ، وَلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ كَيْفَ يَشَاءُ.

فَالْكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالإِيمَانُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي نُزُولِهِ تَعَالَى وَاجِبٌ، وَلا يُسْأَلُ الرَّبُّ عَمَّا يَفْعَلُ كَيْفَ يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ لأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ الضَّعِيفِ الَّذِي لا قُدْرَةَ لَهُ إِلا مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَكَيْفَ قَدَرَ؟!)).

وَأَطَالَ الرَّدَّ عَلَى تِلْكَ الْعِصَابَةِ الَّتِي تُعَطِّلُ الرَّبَّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ كَمَالَاتِهِ، فَنَفَوْا نُزُولَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

((وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)).

عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((وَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَؤُوبَ، فَقَالَ: ((يَا بِلَالُ! أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ)).

فَقَامَ بِلَالٌ، فَقَالَ: أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَنْصَتَ النَّاسُ.

فَقَالَ: ((مَعَاشِرَ النَّاسِ! أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلَامَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ)).

فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِا لَنَا خَاصَّةً؟

قَالَ: ((هَذِا لَكُمْ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ)). وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْكَبِيرِ)) وَ((الصَّغِيرِ))، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ -كَمَا مَرَّ-.

وَزَادَ رَزِينٌ فِي ((جَامِعِهِ)) فِيهِ: ((اشْهَدُوا مَلَائِكَتِي! أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ))، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِغَيْرِهَا.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ اللهَ يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ جَنَّتِي؛ فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا؛ أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ، وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ)).

وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ، قَالَ: ((إِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَعْنِي: الْحَاجَّ- فَإِنَّ اللهَ ( زج) يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا، اشْهَدُوا أَنِّي غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ، وَرَمْلِ عَالِجٍ...)) الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي هَؤُلَاءِ؛ جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَاذَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)).

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ)): ((هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ)).

وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ))؛ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجِيجَ يَقَرُّونَ بِمِنًى.

قَالَ عِيسَى: ((قَالَ ثَوْرٌ -هُوَ ابْنُ يَزِيدَ-: وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي)).

وَحَدِيثُ ابْنِ قُرْطٍ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ))، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْقَرِّ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فَقَالَ فِي ((الزَّادِ)): ((فَخَيْرُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ كَمَا فِي ((السُّنَنِ)) عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ)).

وَقِيلَ: يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، قَالُوا: لِأَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَصِيَامُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَمَا مِنْ يَوْمٍ يُعْتِقُ اللهُ فِيهِ الرِّقَابَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلِأَنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَدْنُو فِيهِ مِنْ عِبَادِهِ، ثُمَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ)).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ يُقَاوِمُهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3].

فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَذَّنَا بِذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ، لَا يَوْمَ عَرَفَةَ.

وَفِي ((سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ)) بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ)).

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ مُقَدِّمَةٌ لِيَوْمِ النَّحْرِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّ فِيهِ يَكُونُ الْوُقُوفُ، وَالتَّضَرُّعُ، وَالتَّوْبَةُ، وَالِابْتِهَالُ، وَالِاسْتِقَالَةُ، ثُمَّ يَوْمُ النَّحْرِ تَكُونُ الْوِفَادَةُ، وَتَكُونُ الزِّيَارَةُ.

وَلِهَذَا سُمِّيَ طَوَافُهُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ طَهُرُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي زِيَارَتِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ ذَبْحُ الْقَرَابِينِ، وَحَلْقُ الرُّؤُوسِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَمُعْظَمُ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَعَمَلُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَالطُّهُورِ وَالِاغْتِسَالِ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْيَوْمِ -يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ-)).

المصدر : فضل يوم عرفة، والدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  ضَرُورَةُ مُرَاقَبَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ
  خُلُقُ النَّبِيِّ ﷺ وَهَدْيُهُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ
  مِنْ أَسْرَارِ الْحَجِّ الْعَظِيمَةِ
  عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ
  نِعْمَةُ الزَّوَاجِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَبَيَانُ أَصْلِهَا وَمَعْدِنِهَا
  اتَّقُوا اللهَ فِي مِصْرَ وَاحْذَرُوا الْفَوْضَى!!
  الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ
  حَضَارَةُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ!!
  التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا
  مَظَاهِرُ خُطُورَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  انْتِصَارُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: حِمَايَتُهَا مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمَشْبُوهَةِ وَالْهَدَّامَةِ
  مَعْنَى الْجِهَادِ وَنَوْعَاهُ وَشُرُوطُهُ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان