جُمْلَةٌ مِنْ فَضَائِلِ الصَّوْمِ


 ((جُمْلَةٌ مِنْ فَضَائِلِ الصَّوْمِ))

لَا تَخْلُو عِبَادَةٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُتَعَبَّدُ بِهَا لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ فَضَائِلَ، فَلِلصَّلَاةِ وَلِلزَّكَاةِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَكَذَا لِلْحَجِّ، وَكَذَلِكَ لِلصَّوْمِ.

لَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مُحْكَمَاتٌ فِي كِتَابِ اللهِ الْمَجِيدِ تَحُضُّ عَلَى الصَّوْمِ؛ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَتُبَيِّنُ فَضَائِلَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب : 35].

فَأَدْخَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ فِي هَذَا الْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَفِي هَذِهِ الْمَغْفِرَةِ الْوَسِيعَةِ.

وَقَالَ -جَلَّ شَأْنُهُ-: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].

وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ فِي الثَّابِتِ مِنْ سُنَّتِهِ أَنَّ الصَّوْمَ حِصْنٌ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَمِنَ النَّارِ جُنَّةٌ -أَيْ وِقَايَةٌ-؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَصَّ الصَّوْمَ وَالصَّائِمِينَ بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؛ وَأَنَّهُ يَفْطِمُ الْأَنْفُسَ عَنْ شَهَوَاتِهَا، وَيَحْبِسُهَا عَنْ مَأْلُوفَاتِهَا؛ حَتَّى تُصْبِحَ مُطْمَئِنَّةً.

وَهَذَا الْأَجْرُ الْوَفِيرُ وَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ تُفَصِّلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَحْسَنَ تَفْصِيلٍ، وَتُبَيِّنُهُ أَتَمَّ بَيَانٍ.

«الصَّوْمُ جُنَّةٌ»: أَيْ وِقَايَةٌ، وَمِنْهُ الْمَجَنَّةُ -أَيْ: الدِّرْعُ الَّذِي يَجْعَلُهُ الْمُقَاتِلُ عَلَى صَدْرِهِ؛ لِيَقِيَهُ نِبَالَ وَسُيُوفَ وَرِمَاحَ أَعْدَائِهِ-.

أَمَرَ النَّبِيُّ  ﷺ -مَنِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ زَوَاجًا- بِالصِّيَامِ، وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ  ﷺ -أَيِ الصِّيَامَ- وِجَاءً -وَالْوِجَاءُ فِي الْأَصْلِ هُوَ أَنْ تُرَضَّ خِصْيَةُ الْفَحْلِ بَيْنَ حَجَرَيْنِ؛ حَتَّى تَنْقَطِعَ مَادَّةُ شَهْوَتِهِ- وَهُوَ قَاطِعٌ لِمَادَّةِ الشَّهْوَةِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ  ﷺ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنِ اسْتِرْسَالِهَا، وَيُسَكِّنُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ، وَيُسَكِّنُ كُلَّ قُوَّةٍ، وَيَمْنَعُهَا مِنْ جناحها، وَيُلْجِمُهَا بِلِجَامِهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِلصَّوْمِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي حِفْظِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَالْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَلِهَذَا كُلِّهِ قَالَ النَّبِيُّ  ﷺ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ البَاءَةَ -وَالْبَاءَةُ: هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَكَالِيفِ النِّكَاحِ كُلِّهَا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا- فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ -أَيْ قَاطِعٌ لِمَادَّةِ الشَّهْوَةِ-».

فَانْظُرْ كَيْفَ وَازَنَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الزَّوَاجِ، فَجَعَلَهُ فِي جَانِبٍ وَبَيْنَ الصَّوْمِ وَجَعَلَهُ فِي جَانِبٍ آخَرَ!!

((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ.. ))؛ مَا الْبَدِيلُ؟

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَنَّ الْجَنَّةَ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ، وَأَنَّ النَّارَ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ)) .

فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوْمَ يَقْمَعُ الشَّهَوَاتِ، وَيَكْسِرُ حِدَّتَهَا، وَالشَّهَوَاتُ تُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، فَإِذَنْ؛ حَالَ الصِّيَامُ بَيْنَ الصَّائِمِ وَالنَّارِ؛ لِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ مُصَرِّحَةً بِأَنَّهُ حِصْنٌ مِنَ النَّارِ، وَجُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ.

فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».

«مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ -يَعْنِي بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ- وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا -يَعْنِي مَسِيرَةَ سَبْعِينَ عَامًا؛ أَيِ: الْمَسَافَةَ الَّتِي تُقْطَعُ فِي سَبْعِينَ عَامًا-)).

وَقَالَ ﷺ: «الصَّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ»؛ وِقَايَةٌ وَدِرْعٌ يَجْعَلُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَاقِيًا لِلْعَبْدِ أَنْ تَلْفَحَهُ النَّارُ وَأَنْ يَجِدَ مَسَّهَا.

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ.

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ». هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

((بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي مَضَى ذِكْرُهَا فِي فَضْلِ الصَّوْمِ -وَلَوْ يَوْمًا فِي سَبِيل اللهِ- جَاءَتْ فِي فَضْلِ الصِّيَامِ فِي الْجِهَادِ، وَالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ.

الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ الصَّوْمِ إِذَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَفْقَ مَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)).

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ يَحْتَاجُ قُوَّتَهُ؛ لِيُنَافِحَ عَنْ دِينِ رَبِّهِ، فَالْحَصْرُ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِتَالِ وَفِي الْجِهَادِ عَجِيبٌ.

فَإِذَا صَامَ الْإِنْسَانُ يَوْمًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِصًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا- فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُبَاعِدُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَيَجْعَلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

*وَالصَّوْمُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُبَاعِدُ صَاحِبَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِذَا كَانَ يُبَاعِدُ صَاحِبَهُ مِنَ النَّارِ؛ فَهُوَ يُدْنِيهِ وَيُقَرِّبُهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، فَهُوَ إِذَن فِي بُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ -وَهِيَ وَسَطُ كُلِّ شَيْءٍ وَخِيَارُهُ-.

فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ)).

قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، لَا مِثْلَ لَهُ». وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَأَرْشَدَهُ النَّبِيُّ ﷺ -عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ عَمَلٍ مُفْرَدٍ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ- عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْجَامِعِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَهُوَ عَمَلٌ مَحْبُوبٌ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَقَالَ: ((عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ لَا مِثْلَ لَهُ))، يَعْنِي لَوْ عَلِمْتُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَدَلَلْتُكَ عَلَيْهِ.

*وَالصَّائِمُونَ يُوَفَّوْنَ أُجُورَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

*وَ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ)) .

*((وَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)) .

وَخَلُوفُ الْفَمِ: هِيَ تِلْكَ الرَّائِحَةُ الَّتِي تَكُونُ كَرِيهَةً بِتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -فِيمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ»؛ يَعْنِي كُلُّ عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ أَجْرًا مَحْدُودُا -وَفَضْلُ رَبِّكَ وَسِيعٌ-، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَأَجْرُهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وَفِيهَا تَأْوِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْإِنْسَانُ يَكُونُ فِيهَا أَمْرٌ وَاضِحٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ؛ عَلَى النِّيَّةِ، وَالِانْقِطَاعِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ.

فَهَذَا الْكَفُّ أَمْرٌ سَلْبِيٌّ، فَآلَ الْأَمْرُ مَعَ هَذَا الْكَفِّ إِلَى النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى إِنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ: لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا نَاوِيًا، وَظَلَّ مُمْسِكًا إِمْسَاكًا صَحِيحًا إِلَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ نَوَى الْفَسْخَ، وَلَمْ يَأْتِ بِمُفْطِرٍ -يَعْنِي لَمْ يَأْتِ بِمَا يَجْعَلُهُ خَارِجًا مِنْ حَيِّزِ الصَّوْمِ بِعَمَلٍ ظَاهِرٍ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ.

فَالْفَسْخُ هَذَا -وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ إِيجَابِيٍّ بِضِدِّ مَا هُوَ سَلْبِيٌّ مِنَ الْكَفِّ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ- هَذِهِ النِّيَّةُ إِذَا فُسِخَتْ.. إِذَا نُقِضَتْ نُقِضَ الصَّوْمُ، فَكَأَنَّهُ عَمَلٌ بَاطِنٌ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَحْدَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ، وَلِأَنَّ الْأَعْمَالَ الْأُخْرَى إِنَّمَا تَكُونُ فِي مَجْمُوعِهَا ظَاهِرَةٌ إِلَى حَدٍّ مَا، وَلَهَا آثَارُهَا الَّتِي تَعُودُ عَلَى غَيْرِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا رَقِيبَ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ فِي حَالِ صَوْمِهِ، وَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَخْفِيَ فِي أَيِّ مَكَانٍ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَيِّزِ الصِّيَامِ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللهُ.

((يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».

((فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»: يَعْنِي يَأْتِي بِكَلَامٍ مَسْمُوعٍ يُسْمَعُ، وَيَسْمَعُهُ مُقَابِلُهُ وَمَنْ سَبَّهُ؛ لِيَنْزجِرَ الشَّاتِمُ وَالْمُقَاتِلُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ فِي نَفْسِهِ؛ لِيَمْنَعَهَا مِنَ الْمُشَاتَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ، كَأَنَّهُ يَأْتِي بِمُذَكِّرٍ لِنَفْسِهِ: ((إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ))، كَأَنَّمَا يُذَكِّرُ نَفْسَهُ، أَوْ لِسَابِّهِ أَوْ شَاتِمِهِ: ((إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ))، فَكَأَنَّمَا يَزْجُرُ غَيْرَهُ!!

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَوْضَحُ؛ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَسْمُوعَةً؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ إِذَا أُطْلِقَ يَكُونُ كَذَلِكَ، أَنْ يُؤْتَى بِكَلَامٍ يُسْمَعُ: ((فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)).

«وَالِّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)).

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ تَعَاَلى: إِلاَّ الصَّوْمَ فِإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ لِأَجْلِي، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ».

يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ لِأَجْلِي، فَإِذَنْ؛ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ.

فَإِذَنْ؛ الْمُضَاعَفَةُ الْحَسَنَاتِ عَلَى الصِّيَامِ لَا تَكُونُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ أَثَرٍ إِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ الْآتِي بِهِ، وَقُدْرَةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا حَدَّ لَهَا، فَعَطَاءُ رَبِّكَ بِغَيْرِ حُدُودٍ.

*وَالصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهْمَا:

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ». وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ فِي ((الْمُسْتَدْرَكِ)).

*وَالصِّيَامُ كَفَّارَةٌ:

مِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَهُ مُنْفَرِدًا بِفَضَائِلِ دُونَ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، فِمِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الصِّيَامُ مِنْ فَضَائِلِ أَنَّ اللهَ جَعَلَهُ مِنْ كَفَّارَاتِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ أَذًى فِي الرَّأْسِ؛ فَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَفَّارَةَ ذَلِكَ صِيَامًا.

وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ -أَيْضًا- يُقَابِلُهَا الصِّيَامُ.

وَقَتْلُ الْمُعَاهَدِ خَطَأٌ كَفَّارَتُهُ الصِّيَامُ.

وَحِنْثُ الْيَمِينِ كَفَّارَتُهُ يَدْخُلُ فِيهَا الصِّيَامُ.

وَقَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، وَالظِّهَارُ؛ كُلُّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُبَيِّنُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ فَضْلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْجَلِيلَةِ.

قَالَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ لِعُذْرٍ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ..

{فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 196]. 

فَكَمَا تَرَى جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَفَّارَةً.

وَكَذَلِكَ فِي قَتْلِ الْمُعَاهَدِ خَطَأً، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : 92].

وَكَذَلِكَ فِي حِنْثِ الْيَمِينِ، قَالَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89].

وَكَذَلِكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا}. فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصِّيَامَ كَفَّارَةً.

{أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [المائدة : 95]

وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي أَمْرِ الظِّهَارِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة: 3-4].

فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصِّيَامَ كَفَّارَةً.

وَكَذَلِكَ يَشْتَرِكُ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ فِي تَكْفِيرِ فِتْنَةِ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَجَارِهِ، يَعْنِي فِي الْأَخْطَاءِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ، فَعَنْ حُذَيْفَةَ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ».

*وَخَصَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصَّائِمِينَ بِبَابٍ فِي الْجَنَّةِ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ إِلَّا هُمْ مِنْهُ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ».

فَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْمُطَابَقَةِ الَّتِي جَاءَتْ لِهَؤُلَاءِ الصَّائِمِينَ الَّذِينَ يَطْوُونَ النَّهَارَ عَلَى ظَمَأٍ، وَيُعَانُونَ مِنَ الْعَطَشِ؛ فَجُوزُوا بِأَنْ يَدْخُلُوا مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ.

فَالِاسْمُ لَهُ مُطَابَقَةٌ عَجِيبَةٌ مَعَ وَاقِعِ الْحَالِ ((يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ)).

يَعْنِي مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الصِّيَامِ فِي الدُّنْيَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا أَدْخَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْجَنَّةَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الصِّيَامِ.

فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْه مَعَ الصِّيَامِ أَحْوَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُدْعَى مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّهُ يُدْعَى مِنْ جَمِيعِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ)) ؛ لِأَنَّ التَّوَازُنَ عِنْدَهُ -مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ بُلُوغِهَا أَقْصَى الْمَدَى- مُتَوَفِّرٌ عَلَى أَفْضَلِ مَا يَكُونُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

«فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

وَفِي زِيَادَةٍ لِلنَّسَائِيِّ  -مَعَ مَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ ((الصَّحِيحَيْنِ))-: «فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ، وَمَنْ دَخَلَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا».

فَهَذَا فَضْلُ الصَّوْمِ -عِبَادَ للهِ- بِإِطْلَاقٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِهِ.

*وَأَمَّا صِيَامُ رَمَضَانَ خَاصَّةً:

فَالأَعْمَالُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي رَمَضَانَ مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ كَثِيرَةٌ:

أَعْظَمُهَا الصِّيَامُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)). وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

فَالصِّيَامُ أَكْبَرُ الأَعْمَالِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

* وَشَهْرُ رَمَضَانَ يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ لِلصَّائِمِينَ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ: «وَلِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» .

* وَلِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ : «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِر» .

*وَالصِّيَامَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) .

فَالصَّومُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِصًا, وَهُوَ يَجْزِيِ عَلَيْهِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ وَبمَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى؛ شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ اللهِ, مُتَّبِعًا هَدْيَ ﷺ. 

المصدر:فَضْلُ الصِّيَامِ وَسُلُوكُ الصَّائِمِينَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اللهُ هُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيمُ
  أَوْلَى الْكِبَارِ بِالْبِرِّ الْوَالِدَانِ
  دِينٌ كَامِلٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِمْ
  حُقُوقُ الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ فِي الْإِسْلَامِ
  حَثُّ اللهِ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ
  سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ
  بِدَعٌ وَضَلَالَاتٌ مُخْتَرَعَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ
  الدرس التاسع عشر : «فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ ولَيْلَةُ القَدْرِ»
  الْإِسْلَامُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  حُقُوقُ الْأَطْفَالِ فِي الْإِسْلَامِ
  خُطُورَةُ النِّفَاقِ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى الْأُمَّةِ
  مَعْنَى الزَّكَاةُ
  الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الْمَشْرُوعُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  حُسْنُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِخَدَمِهِ وَشَفَقَتُهُ بِهِمْ
  فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان