أَفْضَلُ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ


 ((أَفْضَلُ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ))

إِنَّ الصَّدَقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَتُشْرَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلتَّرْغِيبِ فِيهَا.

لَقَدْ حَثَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ الْحَلَالِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ، وَمِنْ أَهَمِّهِمْ: الْيَتَامَى، فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} [البقرة: 177].

{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ: أَخْرَجَهُ، وَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، رَاغِبٌ فِيهِ، كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))  مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ((أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ)).

وَقَوْلُهُ: {ذَوِي الْقُرْبَى}: وَهُمْ: قَرَابَاتُ الرَّجُلِ، وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أُعْطِيَ مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: ((الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذَوِي الرَّحِمِ اثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ)) .

فَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِكَ وَبِبِرِّكَ وَإِعْطَائِكَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ -أَيْ إِلَى ذِي الْقُرْبَةِ- فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْيَتَامَى}: هُمُ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ، وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ صِغَارٌ دُونَ الْبُلُوغِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَسُّبِ، فَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ)) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

{وَالْمَسَاكِينَ}: وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَسُكْنَاهُمْ، فَيُعْطَوْنَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتُهُمْ.

وَقَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215].

يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا رَسُولَ اللهِ! مَاذَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟

قُلْ لَهُمْ: مَا تَفْعَلُوا مِنْ إِنْفَاقِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَأَنْفِقُوهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ:

الْأَوَّلُ: الْوَالِدَانِ؛ لِمَا لَهُمَا مِنْ فَضْلِ الْوِلَادَةِ وَالْعَطْفِ وَالتَّرْبِيَةِ.

وَالثَّانِي: الْأَقْرَبُونَ مِنْ أَهْلِكُمْ وَذَوِي أَرْحَامِكُمْ.

الثَّالِثُ: الْيَتَامَى الَّذِينَ مَاتَ آبَاؤُهُمْ فِي الصِّغَرِ دُونَ سِنِّ الْبُلُوغِ.

الرَّابِعُ: الْمَسَاكِينُ الْمُتَعَرِّضُونَ لِلْعَطَاءِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ الصَّدَقَةَ.

الْخَامِسُ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ عَنْ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَقْطَعُ بِهِ مَسَافَةَ سَفَرِهِ.

وَمَا تَفْعَلُوا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مِنْ خَيْرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مَعَ هَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ؛ طَلَبًا لِوَجْهِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بِهِ عَلِيمٌ، فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)} [الإنسان: 8-10].

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِمْ لِلْطَعَامِ وَقِلَّتِهِ، وَتَعَلُّقِ شَهْوَتِهِمْ بِهِ، وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ، وَصَغِيرًا لَا أَبَ لَهُ، يَكْتَسِبُ لَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَأَسِيرًا بِيَدِي الْأَعْدَاءِ أَوْ مَسْجُونًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ.

يَقُولُونَ لِمَنْ أَطْعَمُوهُمْ: مَا نُطْعِمُكُمْ إِلَّا لِأَجْلِ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ، لَا نُرِيدُ مُكَافَأَةً، وَلَا طَلَبَ حَمْدٍ وَثَنَاءٍ مِنْكُمْ.

إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا شَدِيدًا تَعْبَثُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنْ هَوْلِهِ وَشِدَّتِه، كَرِيهًا تَتَقَطَّبُ فِيهِ الْجِبَاهُ مِنْ فَظَاعَةِ أَمْرِهِ وَمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِنْفَاقِ؛ الْإِنْفَاقُ عَلَى يَتِيمٍ جَائِعٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} [البلد: 15].

أَوْ إِطْعَامٍ فِي يَوْمٍ ذِي مَجَاعَةٍ عَامَّةٍ صَغِيرًا مَاتَ أُبُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ.

هَذَا كُلُّهُ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّهُ دِينُ الْمُوَاسَاةِ وَالرَّحْمَةِ، دِينُ التَّعَاوُنِ وَالتَّآخِي فِي اللهِ، فَمَا أَجْمَلَهُ! وَمَا أَجَلَّهُ! وَمَا أَحْكَمَ تَشْرِيعَهُ!

  

المصدر:رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَمُجْتَمَعِيٌّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَرْبِيَةُ الْأَبْنَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
  أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ
  صُوَرٌ مِنْ بِرِّ النَّبِيِّ​ﷺ​بِنِسَائِهِ
  حَدَثُ تَحْويلِ القِبْلَةِ
  سُلُوكُ الصَّائِمِينَ الْمُتَّقِينَ
  اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
  مَعْرَكَةٌ تَارِيخِيَّةٌ لِلْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي سَيْنَاءَ ضِدَّ الْإِرْهَابِ وَالْخِيَانَةِ
  لِمَاذَا لَا تَتُوبُ الْآنَ؟!
  نَمَاذِجُ مِنْ وَرَعِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَالتَّابِعِينَ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  مَعَانِي التَّضْحِيَةُ فِي دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  الْخَوْفُ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ
  وَسَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ
  الدَّرْسُ الثَّانِي: أُصُولُ التَّوْحِيدِ وَمَعَالِمُهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان