قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ


 ((قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْقَضِيَّةُ الَّتِي هِيَ وَجَعٌ فِي قَلْبِ الْأُمَّةِ، وَشُغُلٌ فِي عَقْلِهَا، وَهَاجِسٌ فِي ضَمِيرِهَا؛ فَهُوَ مَا تُرِيدُهُ تِلْكَ الْعِصَابَاتُ مِنَ الْيَهُودِ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ.

وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَمُرُّ فِيهَا وَقْعُ الْأَحْدَاثِ كَمَا يَمُرُّ طَعْمُ الصَّدَأِ فِي الْأَفْوَاهِ؛ لَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَأَصْلِهِ، وَأَنْ نَعُودَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ ﷺ.

 ((الْحَرْبُ عَلَى الْقُدْسِ حَرْبٌ عَقَدِيَّةٌ

وَمُعَالَجَةٌ خَاطِئَةٌ لِلْقَضِيَّةِ))

إِنَّ مِنَ الْعَارِ الْكَبِيرِ أَنْ نُغْمِضَ الْعَيْنَ، وَنَضَعَ الْأَصَابِعَ فِي الْآذَانِ مُؤَمِّلِينَ أَنْ تَمُرَّ الْأَحْدَاثُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ ذِكْرُهُ، أَنْ تَمُرَّ صَامِتَةً دُونَ أَنْ يَرْقصَ عَارُهَا الشَّيْطَانِيُّ فِي الدُّرُوبِ، عَارٌ كَبِيرٌ!!

نَحْنُ نُصِرُّ عَلَى بِنَاءِ نَظْرَتِنَا وَعَلَى تَفْعِيلِ أَعْمَالِنَا عَلَى رُدُودِ الْفِعْلِ لَا عَلَى الْفِعْلِ، مُنْذُ عَامِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ (1945م) إِلَى الْيَوْمِ لَمْ نَتَحَرَّكْ حَرَكَةً إِلَّا كَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى خُطْوَةِ الْعَدُوِّ، مَا أَمْسَكْنَا الْمُبَادَأَةَ يَوْمًا وَلَا حُزْنَا الْمُبَادَرَةَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُنَا رُدُودُ أَفْعَالٍ لِأَفْعَالٍ، فَيَخْتَارُ عَدُوُّنَا مَيْدَانَ الْمَعْرَكَةِ، وَيَخْتَارُ عَدُوُّنَا زَمَانَ الْمَعْرَكَةِ، وَنَقْتَحِمُ نَحْنُ الْمَعْرَكَةَ لِنُكَرِّسَ نَصْرًا سَهْلًا هَيِّنًا قَرِيبًا كَأَنَّمَا نَسْعَى لِنُصْرَةِ عَدُوِّنَا.

إِنَّ الذَّاكِرَةَ الْعَرَبِيَّةَ؛ وَلَا أَقُولُ: الْإِسْلَامِيَّةَ، فَإِنَّ الْخَطَأَ الْجَسِيمَ الْيَوْمَ الَّذِي تَتَوَرَّطُ فِيهِ الْأُمَّةُ هُوَ الَّذِي يُبْنَى عَلَى جَمْعِ شَمْلِ الْعَرَبِ مِنْ أَجْلِ الْوُقُوفِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ مِنْ أَجْلِ دَحْرِهِ وَإِلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَجْلِ إِفْنَائِهِ وَإِذْهَابِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّعَاوَى، وَهُوَ خَطَأٌ قَاتِلٌ وَهُوَ سِرُّ الْهَزِيمَةِ، وَهُوَ سَبَبُ النَّصْرِ لِعَدُوِّنَا عَلَيْنَا.

الَّذِينَ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَجَمَّعُوا الْيَوْمَ، وَالَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْعَى لِلَمِّ شَمْلِهِمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ الْمَعْرَكَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَقِيدَةِ؛ لَا عَلَى الْجِنْسِ، وَلَا عَلَى الْقَوْمِيَّةِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ الْأَرْضِ، إِنَّ أَعْدَاءَنَا يَسْعَوْنَ سَعْيًا حَثِيثًا لِإِبَادَتِنَا بِوَحْيٍ مَزْعُومٍ عِنْدَهُمْ، وَهِيَ عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ عَلَيْهِمْ.

وَالنَّاسُ يَحْسِبُونَ إِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَوَقَعَ حَادِثٌ عَمَمٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْيَالَ الَّتِي تَحْدُثُ مُغَيَّبَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَعْرَكَةِ، وَعَنْ تَارِيخِهَا فِي آلِيَّاتِهِ وَفَعَالِيَّاتِهِ وَتَزْيِيفِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَالْأَجْيَالُ الَّتِي شَاخَتْ ضَعُفَتْ ذَاكِرَتُهَا، وَهُوَ لَا يَعْدُو أَعْنِي الضَّعْفَ فِي ذَاكِرَتِهَا- أَنْ يَكُونَ أَثَرًا عَارِضًا وَنَتِيجَةً حَتْمِيَّةً لِانْهِمَاكِ ذَلِكَ الْجِيلِ فِي تَحْصِيلِ الْمَلَذَّاتِ، وَفِي الْقِيَامِ عَلَى اجْتِلَابِ الشَّهَوَاتِ، وَفِي الْبُعْدِ عَنْ أَصْلِ الْقَضِيَّةِ وَحَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةِ.

حَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّ هَذَا الدِّينَ الَّذِي هُوَ دِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَكْمَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ بِهِ، دِينٌ مُحَارَبٌ مِنْ قُوَى الْبَاطِلِ وَمِنْ أَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ عَلَى اخْتِلَافِ فَصَائِلِهِمْ وَتَبَايُنِ هُوِيَّاتِهِمْ، هُمْ كُلٌّ مُتَّحِدٌّ ضِدَّ هَذَا الدِّينِ وَحَمَلَةِ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يَرْفَعُونَ لِوَاءَ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يُقَاتِلُونَ دُونَ بَيْضَةِ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يُرَابِطُونَ عَلَى ثُغُورِ هَذَا الدِّينِ هُمْ مُسْتَهْدَفُونَ مِنْ قُوَى الشَّرِّ فِي الْأَرْضِ، يَرْفَعُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ لِوَاءَهُ، وَيَدْعُوهُمْ بِدَعْوَتِهِ، يَنْحَازُونَ إِلَيْهِ، وَيَتَجَمَّعُونَ لَدَيْهِ، وَلَا عَدُوَّ لَهُمْ إِلَّا هَذَا الدِّينُ، وَإِلَّا أَصْحَابُ هَذَا الدِّينِ، وَإِلَّا الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى هَذَا الدِّينِ، وَإِلَّا الَّذِينَ يُرَابِطُونَ عَلَى ثُغُورِ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ؛ هُمْ مُسْتَهْدَفُونَ!!

وَلَكِنَّ قَوْمِي لَا يَعْلَمُونَ!! لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى ذِرْوَةِ تَطَرُّفِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ وَخَرَجَتِ الصُّهْيُونِيَّةُ، وَكَانَتْ لَهَا مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ مَا هُوَ مُنْبَثٌّ فِي كُلِّ صَقْعٍ، مَا هُوَ مُتَغَلْغِلٌ فِي كُلِّ صَوْبٍ، مَا هُوَ مُتَجَذِّرٌ فِي كُلِّ مُؤَسَّسَةٍ مِنْ مُؤَسَّسَاتِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ الدِّيَانَاتِ، وَتَبَايُنِ الْقَوْمِيَّاتِ، وَتَبَاعُدِ الْأَرْضِ وَالْمَسَافَاتِ، أَفْسَدُوا الْعَقْلِيَّةَ الْإِنْسَانِيَّةَ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ مُتَمَسِّكًا بِهَذَا الدِّينِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ-.

لَمَّا وَصَلَتْ الصُّهْيُونِيَّةُ إِلَى ذِرْوَةِ تَطَرُّفِهَا، وَأَفْسَدَتِ الْفِطَرَ فِي الْعَالَمِ، وَابْتَعَثَتِ الْمَلَذَّاتِ مِنْ مَرَاقِدِهَا، وَهَيَّجَتْ فِي أَتُّونِ الشَّهَوَاتِ ثَوْرَتَهَا، وَانْدَفَعَتْ تُقَاتِلُ بِحِيَلِ الشَّيْطَانِ جَمِيعِهَا، قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، وَمَا تَسْتَحْدِثُهُ مِنْهَا؛ بِاسْتِخْدَامِ النِّسَاءِ، وَإِطْلَاقِ الرَّغَبَاتِ فِي الْجَاهِ وَالْمَنَاصِبِ وَالتَّرَأُّسِ وَالْأَمْوَالِ، وَبِإِفْسَادِ الْعَقْلِيَّاتِ، وَبِالْعُدْوَانِ عَلَى الثَّقَافَاتِ، وَبِاسْتِئْصَالِ جَمِيعِ تُرَاثِ الْأُمَمِ، وَبِاسْتِبْدَالِ ذَلِكَ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مِنَ الْأَمْشَاجِ الْمُخْتَلِفَاتِ، لَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ؛ صَارَ الْعَالَمُ لُعْبَةً فِي أَيْدِي هَؤُلَاءِ.

وَنَحْسَبُ نَحْنُ أَنَّنَا يُمْكِنُ أَنْ نَقِفَ فِي الْمُوَاجَهَةِ، وَأَنْ نَصْنَعَ شَيْئًا، وَهُوَ أَمْرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، نَصْنَعُ الْكَثِيرَ، وَلَكِنْ إِنْ أُخِذَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَصْلِهَا الْأَصِيلِ، هَذِهِ حَرْبُ دِينٍ، هَذِهِ مَعْرَكَةُ عَقِيدَةٍ، لَيْسَتْ بِدِفَاعٍ عَنْ أَرْضٍ، وَلَيْسَتْ بِقِتَالٍ دُونَ قِطْعَةٍ مِنْهَا تَكُونُ هَاهُنَا أَوْ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عَقِيدَةٌ يُحَارَبُ عَنْهَا، يُرَادُ لَهَا أَنْ تُسْتَأْصَلَ؛ لِكَيْ يَصِيرَ النُّورَانِيُّونَ سَادَةَ الْعَالَمِ، وَلِكَيْ يَصِيرُوا مَالِكِيهِ، وَلِيَتَحَكَّمُوا فِيهِ كَمَا يَتَحَكَّمُونَ فِيهِ بِالضَّغْطِ عَلَى عَصَبِ الْمَالِ الَّذِي تَمَلَّكُوهُ وَبِالْخُرَافَاتِ وَالْأَسَاطِيرِ.

 

المصدر:الْقُدْسُ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَسَتَظَلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  ​((الدَّرْسُ السَّابِعُ: دَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا إِلَى التَّوْحِيدِ))
  تَرْبِيَةُ النَّبِيِّ ﷺ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَلَى الْجُودِ
  وُجُوبُ الْتِزَامِ النِّظَامِ الْعَامِّ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ
  خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ
  دِينُ التَّسَامُحِ وَشَرِيعَةُ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ
  إِسْهَامَاتُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِي فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَعِ
  أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
  الإِسْلَامُ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ على العَبْدِ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  الدرس الثاني عشر : «الحَيَاءُ»
  اهْتِمَامُ الْإِسْلَامِ بِالطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ
  مَعْنَى الْمَعِيَّةِ وَأَقْسَامُهَا
  الدرس الثاني : «الْإِخْلَاصُ»
  أَمَانَةُ الْكَلِمَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  الدرس الرابع والعشرون : «سَلَامَةُ الصَّدْرِ»
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان