عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا

عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا

((عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((شَرِيعَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَبْنَاهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ))

فَالنَّبِيُّ ﷺ بُعِثَ بِأُصُولِ تَشْرِيعٍ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]؟!!

بَلَى.. يَعْلَمُ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَعْلَمُ مَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَمَا يُصْلِحُ النَّاسَ؛ فَشَرَّعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِكْمَتِهِ شَرْعًا حَكِيمًا، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ.

جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا الشَّرْعِ الْخَاتَمِ الْحَكِيمِ، لَيْسَ فِيهِ خَلَلٌ، وَلَيْسَتْ بِهِ ثُغْرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفُذَ إِلَيْهَا أَحَدٌ بِعَقْلٍ أَبَدًا؛ فَيَسْتَدْرِكَ عَلَيْهَا مُسْتَدْرِكٌ بِحَالٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ تَامٌّ كَامِلٌ، كَمَا قَالَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 4].

إِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.

وَالشَّرِيعَةُ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنِ الْعَدْلِ إِلَى الْجَوْرِ، وَعَنِ الرَّحْمَةِ إِلَى ضِدِّهَا، وَعَنِ الْمَصْلَحَةِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنِ الْحِكْمَةِ إِلَى الْعَبَثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ أُدْخِلَتْ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ.

فَالشَّرِيعَةُ عَدْلُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَرَحْمَتُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَحِكْمَتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ، وَعَلَى صِدْقِ رَسُولِهِ ﷺ أَتَمَّ دَلَالَةٍ وَأَصْدَقَهَا.

وَهِيَ نُورُهُ الَّذِي بِهِ أَبْصَرَ الْمُبْصِرُونَ، وَهُدَاهُ الَّذِي بِهِ اهْتَدَى الْمُهْتَدُونَ، وَشِفَاؤُهُ التَّامُّ الَّذِي بِهِ دَوَاءُ كُلِّ عَلِيلٍ، وَطَرِيقُهُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي مَنِ اسْتَقَامَ عَلَيْهِ فَقَدِ اسْتَقَامَ عَلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.

وَكُلُّ خَيْرٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَحَاصِلٌ بِهَا، وَكُلُّ نَقْصٍ فِي الْوُجُودِ فَسَبَبُهُ مِنْ إِضَاعَتِهَا وَتَضْيِيعِهَا.

((عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رِسَالَتُهُ رِسَالَةٌ عَالَمِيَّةٌ، رِسَالَتُهُ إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ، إِلَى الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، كَمَا حَدَّدَ إِطَارَهَا الْعَالَمِيَّ -إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ وَإِلَى الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا- اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَذَلِكَ فِي صَرِيحِ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وَنُزُولًا عَلَى مُقْتَضَيَاتِ الرِّسَالَةِ الَّتِي كَلَّفَهُ اللهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إِلَى الْبَشَرِ جَمِيعًا، قَامَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِتَبْلِيغِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ وَإِلَى كُلِّ الْبَشَرِ، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الْجِنْسِ أَوِ الطَّبَقَةِ أَوِ الْعَقِيدَةِ.

لَقَدْ رَحَّبَ بِهِمْ جَمِيعًا مُحَمَّدٌ ﷺ فِي دِينِ اللهِ دُونَ أَدْنَى تَمْيِيزٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ ﷺ أَيُّ مَيْلٍ أَوْ أَيُّ فِكْرَةٍ عَنْ تَقْسِيمِ النَّاسِ.

لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَحْمَةً لِكُلِّ الْبَشَرِ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ؛ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

وَهُوَ ﷺ لَمْ يَحِدْ عَنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ مُنْذُ بَدْءِ بَعْثَتِهِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَفِي أَوَاخِرِ سِنِي عُمُرِهِ الْمُبَارَكِ ﷺ يَسْتَعْرِضُ مَا مَضَى مِنْ حَيَاتِهِ وَفِي حَيَاتِهِ مِنْ مَصَاعِبَ وَأَخْطَارٍ تَكَلَّلَتْ فِي النِّهَايَةِ بِالنَّجَاحِ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ.

وَيُذَكِّرُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

((دَلَائِلُ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ))

* مِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّ اللهَ الَّذِي أَرْسَلَ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَهُوَ الْمُرَبِّي جَمِيعَ الْعَالَمِينَ -وَهُمْ مَنْ سِوَى اللَّهِ- بِخَلْقِهِ إِيَّاهُمْ، وَإِعْدَادِهِ لَهُمُ الْآلَاتِ، وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي لَوْ فَقَدُوهَا لَمْ يُمْكِنْ لَهُمُ الْبَقَاءُ، فَمَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ -تَعَالَى-.

قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].

يُخْبِرُ -تَعَالَى- أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ هِيَ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؛ إِذْ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُهُ، وَمَالِكُهُ، وَأَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمَدَهُ وَنُثْنِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: إِرْسَالُ اللهِ الْأَنْبِيَاءَ كُلًّا إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَإِرْسَالُ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 23].

وَأُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّنَا أَرَسْلَنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ؛ فَقَالَ: يَا قَوْمِ! اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَا لَكُمْ مَعْبُودٌ سِوَاهُ، أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ إِذَا عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73].

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى قَبِيلَةِ ثَمُودَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ صَالِحًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- نَبِيًّا وَرَسُولًا، قَالَ صَالِحٌ لَهُمْ: يَا قَوْمِ! اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَمَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ سِوَاهُ.

وَأَمَّا رِسَالَةُ النَّبِيِّ ﷺ فَعَامَّةٌ لِكُلِّ الْبَشَرِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ اللَّاحِقَةِ لِبَعْثَتِهِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَة ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وَمَا اصْطَفَيْنَاكَ نَبِيًّا يُوحَى إِلَيْهِ، وَمَا اخْتَرْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ رَسُولًا لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَخَاتَمًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ بِسَبَبِ حِرْصِكَ الشَّدِيدِ عَلَى إِنْقَاذِهِمْ مِنْ شَقَاءِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى أَنْ يَظْفَرُوا بِالنَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ الْخَالِدِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وَهُوَ ﷺ رَحْمَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ لَهُمْ وَيُبَلِّغُهُمْ أَعْظَمَ دِينٍ، إِذَا اتَّبَعُوهُ وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ؛ يُنْجِيهِمْ مِنْ شَقَاءِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَيُظْفِرُهُمْ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِكَ مُرْسَلًا لِلنَّاسِ جَمِيعًا، حَالَةَ كَوْنِكَ مَعَ تَبْلِيغِكَ رِسَالَةَ رَبِّكَ بَشِيرًا لِمَنْ آمَنَ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ الْخَالِدَةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يَوْمَ الدِّينِ، مَعَ أَنْوَاعِ ثَوَابٍ مُعَجَّلٍ فِي الدُّنْيَا، وَنَذِيرًا لِمَنْ كَفَرَ وَأَعْرَضَ عَنْ الِاسْتِجَابَةِ بِالشَّقَاءِ الْأَبَدِيِّ بِعَذَابٍ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الدِّينِ، مَعَ أَنْوَاعِ عِقَابٍ مُعَجَّلٍ فِي الدُّنْيَا.

وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 158].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ لِجَمِيعِ النَّاسِ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، لَا إِلَى بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ، إِنَّ اللهَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا هُوَ.

فَمِنَ الْمَزَايَا الَّتِي امْتَازَ بِهَا ﷺ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- أَنْ بَعَثَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، بَلْ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعًا؛ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- عَنِ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ ﷺ، ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأحقاف: 31-32].

وَقَدْ جَاءَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) : ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي -وَفِيهِ:- وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً..)).

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ)).

وَفِي رِوَايَةٍ: ((وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً)).

وَقَدْ أَوْضَحَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) .

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17])) .

وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ»؛ يَعْنِي: أُمَّةَ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَرْسَلَهُ ﷺ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ وَمُطْلَقِ الْمَكَانِ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

فَكُلُّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُنْذُ بَعْثَتِهِ ﷺ مِنَ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ، وَالْأَسْوَدِ وَالْأَصْفَرِ، وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ كُلُّهُمْ أُمَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، هُمَ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ، يَدْعُوهُمْ جَمِيعًا، وَكُلُّهُمْ مُكَلَّفٌ بِالِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَاتِّبَاعِ شَرِيعَتِهِ؛ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: إِنْزَالُ اللهِ الْقُرْآنَ لِجَمِيعِ الْعَالَمِينَ؛ فَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ أَعْظَمِ خَيْرَاتِهِ وَنِعَمِهِ أَنْ نَزَّلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَأَهْلِ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ.. عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، الَّذِي كَمَّلَ مَرَاتِبَ الْعُبُودِيَّةِ، وَفَاقَ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ الْإِنْزَالُ لِلْفُرْقَانِ عَلَى عَبْدِهِ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، قَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].

كَثُرَتْ خَيْرَاتُ اللهِ، وَعَظُمَتْ بَرَكَاتُهُ، وَكَمُلَتْ أَوْصَافُهُ، وَتَنَامَتْ وَتَزَايَدَتْ عَنْ كُلِّ مَا يَصِفُهُ بِهِ الْوَاصِفُونَ مِنْ كَمَالَاتٍ، الَّذِي نَزَّلَ الْقُرْآنَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ.. عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، الَّذِي تَحَقَّقَ بِعُبُودِيَّتِهِ الْكَامِلَةِ لِلهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَبِيًّا رَسُولًا، وَلِيَكُونَ الْفُرْقَانُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَلَاغًا عَامًّا لِلْعَالَمِينَ؛ إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ.

فَالْبَلَاغُ الْقُرْآنِيُّ عَامٌّ لِلْعَالَمِينَ، وَالرَّسُولُ الْمُبَلِّغُ لَهُ رَسُولٌ لِلْعَالَمِينَ جَمِيعًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا -أَيْ مِنَ الْفُرْقَانِ وَمُبَلِّغِهِ- نَذِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ وَيَسْتَجِبْ.

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} [القلم: 52].

وَمَا الْقُرْآنُ إِلَّا مَوْعِظَةٌ لِكُلِّ الْعَالَمِينَ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ عُمُومِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: إِرْسَالُ اللهِ نَبِيَّهُ بِدَعْوَةِ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.. أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- جَمِيعَ الْخَلْقِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ.. أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، أَبْيَضِهِمْ وَأَسْوَدِهِمْ.. أَمَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إِلَى آخِرِ بَشَرٍ فِي الدُّنْيَا.. أَمَرَهُمْ كُلَّهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ مَعَ الْإِخْلَاصِ لَهُ -تَعَالَى- فِي الْعِبَادَةِ.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22،21]؛ لِأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ جَعَلَ مَرْكُوزًا فِي الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمُسْتَقِرًّا فِي سَوَائِهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا نِدَّ لَهُ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا نِدَّ لَهُ، وَلَا شِبْهَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا كُفْءَ لَهُ، فَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَعَنِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ.

أَمَرَ اللهُ بِذَلِكَ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، أَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَمِيعَ النَّاسِ بِذَلِكَ وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ أَيْ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لِأَجْلِهَا خُلِقُوا؛ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

وَأُمِرُوا بِذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:21].

خَلَقَهُمْ لَهَا، وَأَمَرَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمَّا كَانَ الْخَالِقَ وَحْدَهُ، وَالْمَالِكَ وَحْدَهُ، وَالَّذِي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَحْدَهُ؛ اسْتَحَقَّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ، وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَ الْجِنَّ وَخَلَقَ الْإِنْسَ لِهَذَا الْمَقْصِدِ؛ وَهُوَ عِبَادَتُهُ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّ أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ! احْذَرُوا أَمْرَ رَبِّكُمْ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، الَّذِي خَلَقَ السُّلُالَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ كُلَّهَا مُشْتَقَّةً مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَخَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَهُ حَوَّاءَ، وَنَشَرَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِالتَّلَازُمِ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً كَثِيرَاتٍ.

وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي يَسْأَلُهُ بِهِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا فَلَا تَصِلُوهَا.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].

يَا أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ جَمِيعًا! وَحِّدُوا رَبَّكُمْ وَلَا تُشْرِكُوا فِي عِبَادَتِهِ أَحَدًا؛ لِأَنَّهُ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَخَلَقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَيُمِدُّكُمْ دَوَامًا بِعَطَاءَاتِهِ، وَبِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضُرُّكُمْ؛ رَغْبَةَ أَنْ تَخْتَارُوا بِإِرَادَتِكُمُ الْحُرَّةِ عِبَادَةَ اللهِ الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْكُمْ؛ فَتَتَّقُونَ بِذَلِكَ عِقَابَ اللهِ، وَتَنْجُونَ مِنْ عَذَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَلَّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُوَدِّعًا لِلْأُمَّةِ، وَمُرْسِيًا لِلْأُسُسِ وَالْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَكْفُلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْأُمَّةِ -إِنْ تَمَسَّكَتْ بِهَا- عِزَّهَا وَمَجْدَهَا، وَظُهُورَهَا وَارْتِفَاعَهَا.

الرَّسُولُ ﷺ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لَمْ يَخْتَرْ لَهُمْ صِفَةً سِوَى الصِّفَةِ الَّتِي تَجْمَعُهُمْ أَجْمَعِينَ، فَلَمْ يُخَاطِبْهُمْ بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَوْفُورَةٌ لَدَيْهِمْ، وَلَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَعَاشِرَ النَّاسِ! وَهُوَ مُنَادًى -كَمَا تَعْلَمُ- عَلَى الْإِضَافَةِ؛ لِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ: مَعَاشِرَ النَّاسِ!

لَمْ يَخْتَرْ لَهُمْ إِلَّا وَصْفَ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ وَاقِفًا مِنْ صُبْحِ الْغَدِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى، يَخْطُبُ النَّاسَ يَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ!..))، يَا أَيُّهَا النَّاسُ! بِدِينِ السَّلَامِ رَغْمَ أَنْفِ الْمُعَانِدِينَ، بِدِينِ السَّلَامِ رَغْمَ أَنْفِ الْمُشَوِّهِينَ، بِدِينِ السَّلَامِ، وَلَا دِينَ لِلسَّلَامِ إِلَّا دِينُ الْإِسْلَامِ.

يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)) .

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّهَا رِسَالَةٌ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ رِسَالَاتٍ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ الدِّينُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85].

إِنَّ الدِّينَ الْمَقْبُولَ عِنْدَ اللهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ الَّذِي هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَلِرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْخَاتَمِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَمُتَابَعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَإِنَّ كُلَّ دِينٍ سِوَاهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ الصَّحِيحَ مَا يَأْمُرُ اللهُ بِهِ، وَيَرْضَى عَنْ فَاعِلِهِ، وَيُثِيبُهُ عَلَيْهِ.

وَمَنْ يَطْلُبُ بَعْدَ مَبْعَثِهِ ﷺ دِينًا غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ وَشَرِيعَةً غَيْرَ شَرِيعَتِهِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِذْ صَارُوا إِلَى عَذَابِ النَّارِ الْأَبَدِيِّ فِي جَهَنَّمَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

قَوْلُهُ: ((مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ))؛ أَصْلُ الْأُمَّةِ: الْجَمَاعَةُ، وَيُضَافُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَيُرَادُ بِهَا -أَحْيَانًا- أُمَّةُ الْإِجَابَةِ؛ أَيْ مَنْ أَسْلَمَ، كَحَدِيثِ: ((شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي)) ، وَيُرَادُ بِهَا -أَحْيَانًا- أُمَّةُ الدَّعْوَةِ؛ أَيْ كُلُّ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا، فَالْإِشَارَةُ إِلَى أُمَّةِ الدَّعْوَةِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا فِي زَمَنِهِ وَمَنْ سَيُوجَدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

النَّبِيُّ ﷺ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَهَادِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، بَعَثَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَاتَمًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، نَاسِخًا لِمِلَلِ السَّابِقِينَ، دَاعِيًا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَى الْإِيمَانِ بِرِسَالَتِهِ، مُحَذِّرًا مِنْ كُفْرَانِهَا وَالصَّدِّ عَنْهَا، كَمَا حَذَّرَ الْمُشْرِكِينَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.

فَكُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مِلَّةٍ بُدِّلَتْ أَوْ عَلَى مِلَّةٍ لَمْ تُبَدَّلْ، وَمَنْ سَمِعَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبِآيَاتِهِ ثُمَّ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ الْمُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ.

فَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ: نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا؛ إِذِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا؛ فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّ اللهَ جَعَلَ مَهْوَى أَفْئِدَةِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامُ؛ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}؛ أَيْ: أَعْلِمْهُمْ بِهِ وَادْعُهُمْ إِلَيْهِ، وَبَلِّغْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ فَرْضَهُ وَفَضِيلَتَهُ، فَإِنَّكَ إِذَا دَعَوْتَهُمْ أَتَوْكَ حُجَّاجًا وَعُمَّارًا.

{رِجَالًا}؛ أَيْ: مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنَ الشَّوْقِ.

{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}؛ أَيْ: نَاقَةٍ ضَامِرٍ تَقْطَعُ الْمَهَامِهَ وَالْمَفَاوِزَ، وَتُوَاصِلُ السَّيْرَ حَتَّى تَأْتِيَ إِلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ.

{مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}؛ أَيْ: مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَقَدْ فَعَلَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، فَدَعَوَا النَّاسَ إِلَى حَجِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَأَبْدَيَا فِي ذَلِكَ وَأَعَادَا، وَقَدْ حَصَلَ مَا وَعَدَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ؛ أَتَاهُ النَّاسُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.

وَأَخْبَرَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ -أَيْ: لِعُمُومِ النَّاسِ؛ لِعِبَادَتِهِمْ وَنُسُكِهِمْ، يَطُوفُونَ بِهِ، وَيُصَلُّونَ إِلَيْهِ، وَيَعْتَكِفُونَ عِنْدَهُ- الْكَعْبَةُ الَّتِي بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96].

مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْحَجُّ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللهُ مَوْضِعًا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ لِلْعِبَادَاتِ، وَقِبْلَةً لِلصَّلَاةِ، وَمَكَانًا لِلْحَجِّ وَالطَّوَافِ، الَّذِي فِي مَكَّةَ.

وَهُوَ مُبَارَكٌ فَائِضُ الْخَيْرَاتِ، تَتَضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، كَثِيرُ الثَّمَرَاتِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَنَازِلُ وَحْيِهِ، يَتَّجِهُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ فَهُوَ مَصْدَرُ هِدَايَةٍ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَشَّرَ بِانْتِشَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا؛ رَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))  بِسَنَدِهِ عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ -أَيْ: جَمَعَ لِيَ الْأَرْضَ- فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا)).

وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ فِي أَنَّهُ تَحَقَّقَ بَدْءًا، وَأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا، لَا شَمَالًا وَجَنُوبًا، وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ ﷺ: ((فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ -يَعْنِي: الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، أَوْ مُلْكَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ-)).

بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ.. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصِّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((مُسْنَدِهِ))؛ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ: ((أَنَّهُ لَنْ تَزُولَ الدُّنْيَا حَتَّى يُدْخِلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذَا الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ بَيْتٍ.. فِي كُلِّ أَهْلِ بَيْتِ مَدَرٍ وَوَبَرٍ)).

فِي أَهْلِ كُلِّ بَيْتِ مَدَرٍ وَشَعْرٍ، لَنْ يَكُونَ بَيْتٌ مِمَّا يَبِيتُ فِيهِ النَّاسُ وَمِمَّا تَصِحُّ فِيهِ بَيْتُوتَةٌ إِلَّا وَأَدْخَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ دِينَ الْإِسْلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ؛ كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ)) .

فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَحْدُثْ إِلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ حَادِثٌ لَا مَحَالَةَ، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88].

* وَمِنَ الدَّلَائِلِ الْعَظِيمَةِ عَلَى عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: إِرْسَالُ النَّبِيِّ ﷺ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ إِلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ لَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ ((فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ إِلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، فَكَتَبَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا إِذَا كَانَ مَخْتُومًا؛ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ عَلَيْهِ: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)) فِي ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ، كُلُّ كَلِمَةٍ فِي سَطْرٍ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ))، وَخَتَمَ بِذَلِكَ الْخَاتَمِ الْكُتُبَ إِلَى الْمُلُوكِ.

* وَبَعَثَ سِتَّةَ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ؛ فَأَوَّلُهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، بَعَثَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَعَظَّمَ كِتَابَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.

وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ مَاتَ بِالْحَبَشَةِ؛ هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَلَيْسَ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيَّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ، بَلْ هُوَ الثَّانِي، وَلَا يُعْرَفُ إِسْلَامُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))  مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ)).

* وَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَاسْمُهُ هِرَقْلُ، وَهَمَّ بِالْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي ((صَحِيحِهِ))  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((مَنْ يَنْطَلِقُ بِصَحِيفَتِي هَذِهِ إِلَى قَيْصَرَ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟)).

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ؟

قَالَ: ((وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ)).

لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: ((وَإِنْ لَمْ أُقْتَلْ؟)).

قَالَ: ((وَإِنْ لَمْ تُقْتَلْ)).

فَوَافَقَ قَيْصَرَ وَهُوَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَمَى بِالْكِتَابِ عَلَى الْبِسَاطِ وَتَنَحَّى جَانِبًا، فَنَادَى قَيْصَرُ: مَنْ صَاحِبُ الْكِتَابِ؟ فَهُوَ آمِنٌ.

قَالَ: أَنَا.

قَالَ: فَإِذَا قَدِمْتُ فَأْتِنِي.

فَلَمَّا قَدِمَ أَتَاهُ، فَأَمَرَ قَيْصَرُ بِأَبْوَابِ قَصْرِهِ فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ قَيْصَرَ قَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَتَرَكَ النَّصْرَانِيَّةَ، فَأَقْبَلَ جُنْدُهُ وَقَدْ تَسَلَّحُوا.

فَقَالَ لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: قَدْ تَرَى أَنِّي خَائِفٌ عَلَى مَمْلَكَتِي!

ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: أَلَا إِنَّ قَيْصَرَ قَدْ رَضِيَ عَنْكُمْ! وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي مُسْلِمٌ.. وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ! لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ))، وَقَسَّمَ الدَّنَانِيرَ ﷺ.

وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.

* وَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى، فَمَزَّقَ كِسْرَى كِتَابَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((اللَّهُمَّ مَزِّقْ مُلْكَهُ))، فَمَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَمُلْكَ قَوْمِهِ.

* وَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، فَقَالَ خَيْرًا وَقَارَبَ الْأَمْرَ وَلَمْ يُسْلِمْ، وَأَهْدَى لِلنَّبِيِّ ﷺ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَقَيْسَرَى، فَتَسَرَّى مَارِيَةَ، وَوَهَبَ سِيرِينَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ.

وَأَهْدَى لَهُ جَارِيَةً أُخْرَى، وَأَلْفَ مِثْقَالٍ ذَهَبًا، وَعِشْرِينَ ثَوْبًا مِنْ قَبَاطِيِّ مِصْرَ، وَبَغْلَةً شَهْبَاءَ وَهِيَ (دُلْدُلُ)، وَحِمَارًا أَشْهَبَ، وَهُوَ (عُفَيْرٌ)، وَغُلَامًا خَصِيًّا يُقَالُ لَهُ (مَابُور)، وَفَرَسًا وَهُوَ (اللِّزَازُ)، وَقَدَحًا مِنْ زُجَاجٍ وَعَسَلًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ، وَلَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ)) .

* وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ مَلِكِ الْبَلْقَاءِ. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ

وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ بِالْيَمَامَةِ؛ فَأَكْرَمَهُ. وَقِيلَ: بَعَثَهُ إِلَى هَوْذَةَ، وَإِلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ، فَلَمْ يُسْلِمْ هَوْذَةُ، وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

فَهَؤُلَاءِ السِّتَّةُ -قِيلَ- هُمُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.

فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَمِنَ الدَّعْوَةِ مَا كَانَ مِنْ إِرْسَالِ النَّبِيِّ ﷺ الْكُتُبَ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَإِلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ.

* بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ إِلَى جَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيِ الْجُلَنْدِيِّ الْأَزْدِيَّيْنِ بِعُمَانَ، فَأَسْلَمَا، وَخَلَّيَا بَيْنَ عَمْرٍو وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ بَيْنَهُمْ حَتَّى بَلَغَتْهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

* وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ قَبْلَ مُنْصَرَفِهِ ﷺ مِنَ (الْجِعِرَّانَةِ) -وَقِيلَ: قَبْلَ الْفَتْحِ- فَأَسْلَمَ وَصَدَقَ.

* وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيِّ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي.

* وَبَعَثَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ تَبُوكَ؛ دَاعِيَيْنِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ عَامَّةُ أَهْلِهَا طَوْعًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَيْهِمْ وَوَافَاهُ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

* وَبَعَثَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ إِلَى ذِي الْكُلَاعِ الْحِمْيَرِيِّ وَذِي عَمْرٍو، يَدْعُوهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَا، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجَرِيرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَهُمْ.

* وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ بِكِتَابٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ آخَرَ مَعَ السَّائِبِ بْنِ الْعَوَّامِ أَخِي الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يُسْلِمْ.

* وَبَعَثَ إِلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِقَيْصَرَ بِمَعَانَ، فَأَسْلَمَ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِإِسْلَامِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً مَعَ مَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ، وَهِيَ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ، يُقَالُ لَهَا: فِضَّةُ، وَفَرَسٌ يُقَالُ لَهَا: الظَّرِبُ، وَحِمَارٌ يُقَالُ لَهُ: يَعْفُورُ، وَبَعَثَ أَثْوَابًا، وَقُبَاءَ سُنْدُسٍ مُخَوَّصٍ بِالذَّهَبِ، فَقَبِلَ هَدِيَّتَهُ، وَوَهَبَ لِمَسْعُودِ بْنِ سَعْدٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا.

* وَبَعَثَ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ بِكِتَابٍ إِلَى الْحَارِثِ وَمَسْرُوحٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ مِنْ حِمْيَرَ)) .

فَالنَّبِيُّ ﷺ يُرْسِلُ الرُّسُلَ إِلَى هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، يَدْعُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَرْكِ الشِّرْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ.

وَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ ﷺ وَسِيلَةً يُدْعَى بِهَا إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِمَّا أَبَاحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُ وَهَدَاهُ إِلَيْهِ إِلَّا وَاتَّخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كَانَ ﷺ يَخْرُجُ إِلَى النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَيَلْقَى مِنْهُمُ الْأَذَى، يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ يُؤْذُونَهُ ﷺ، يَقُولُ: ((مَنْ يُؤْوِينِي حَتَّى أُبَلِّغَ كَلِمَةَ اللهِ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟))، وَهُمْ يَسْخَرُونَ مِنْهُ ﷺ، بَلْ وَيَنَالُهُ مِنْهُمُ الْأَذَى ﷺ.

يَغْشَى النَّاسَ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَذْهَبُ إِلَيْهِمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمُنْتَدَيَاتِهِمْ، وَيَدُورُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْسِمِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ ﷺ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ كَانَ يُرْسِلُ الرُّسُلَ، وَيَكْتُبُ الْكُتُبَ؛ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا لِعِظَمِ مَكَانِهِ.. وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا لِارْتِفَاعِ قَدْرِهِ وَعَظِيمِ مُلْكِهِ إِلَّا وَدَعَاهُ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَكَتَبَ الْكُتُبَ إِلَى هِرَقْلَ، وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَى دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، كَمَا دَعَا الْوَثَنِيِّينَ إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَتْ حَيَاتُهُ دَعْوَةً إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَإِلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَإِلَى حِيَاطَةِ جَنَابِ التَّوْحِيدِ أَنْ يُثْلَمَ جَنَابُهُ، وَإِلَى حِمَايَةِ سَوَادِ حَدَقَةِ التَّوْحِيدِ أَنْ تُخْدَشَ -بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَنَفْسِي ﷺ-.

* وَمِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: نَبْذُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ؛ فَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَرَّمَ بَنِي آدَمَ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ تَفْضِيلًا عَظِيمًا.

قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

وَنُقْسِمُ مُؤَكِّدِينَ أَنَّنَا كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ بِالْعَقْلِ، وَالنُّطْقِ، وَالتَّمْيِيزِ، وَاعْتِدَالِ الْقَامَةِ، وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَبِتَسْخِيرِ جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ لَهُمْ، وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ الَّتِي هَدَيْنَاهُمْ إِلَى صُنْعِهَا، وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ، وَرَزَقْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ لَذِيذِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكِحِ، وَمُمْتِعَاتِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَسَائِرِ الْحَوَاسِّ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ تَفْضِيلًا عَظِيمًا.

* وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَ النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ أَرْفَعَهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَتْقَاهُمْ لَهُ؛ قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لحجرات: 13].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَالْمَجْمُوعَةُ الْبَشَرِيَّةُ كُلُّهَا تَلْتَقِي عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ النَّاسِ أُخُوَّةٌ إِنْسَانِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَجَعَلْنَاكُمْ جُمُوعًا عَظِيمَةً وَقَبَائِلَ مُتَعَدِّدَةً؛ لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي قُرْبِ النَّسَبِ وَبُعْدِهِ، لَا لِلتَّفَاخُرِ بِالْأَنْسَابِ وَالتَّعَالِي بِالْأَحْسَابِ، إِنَّ أَرْفَعَكُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَتْقَاكُمْ لَهُ.

إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ عِلْمًا كَامِلًا شَامِلًا بِظَوَاهِرِكُمْ، وَيَعْلَمُ أَنْسَابَكُمْ، خَبِيرٌ عَلَى سَبِيلِ الشُّهُودِ وَالْحُضُورِ بِبَوَاطِنِكُمْ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَسْرَارُكُمْ، فَاجْعَلُوا التَّقْوَى زَادَكُمْ إِلَى مَعَادِكُمْ.

لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا فَضْلَ لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَطَاعَتِهِ.

وَأَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْهِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَصَارُوا عَابِدِينَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُوَحِّدِينَ، وَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ))-: ((أَيُّهَا النَّاسُ! كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ؛ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَى دَعَائِمَ الدِّينِ، وَأَقَامَ أَسَاسَ الْمِلَّةِ الْمَتِينَ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ، بَعْدَ أَنْ أَرْسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَعَالِمَ الْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَحَجَّةَ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).

وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْظَمِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَنَادَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ أَجْمَعِينَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ!))، فَتَوَجَّهَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْخِطَابِ إِلَى النَّاسِ، وَمَا كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِنَّهُ ﷺ كَأَنَّمَا يُشِيرُ أَنَّهُ لَا فَلَاحَ لِلْبَشَرِيَّةِ وَلَا سَعَادَةَ لَهَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ نَهْجِهِ ﷺ.

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ: ((مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ)) .

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ((أَنَّ الْمُسْلِمَ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا -وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ﷺ-)) .

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ حَذَّرَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ((مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، وَيَقْتُلُ لِلْعَصَبِيَّةِ؛ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ)) .

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ مُنْتِنَةٌ، وَأَنَّهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ لَعَّابًا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ -كَسَعَهُ: أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ عَلَى عَجِيزَتِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ بِعُرْضِ سَيْفِهِ-، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَى الْقَوْمُ.

فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!

وَسَمِعَهَا النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: ((مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟)).

فَلَمَّا أُخْبِرَ ﷺ قَالَ: ((دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)).

حَوْلَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ -حَوْلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَلَقَبَيْنِ- تَدَاعَى مَنْ تَدَاعَى عَصَبِيَّةً، فَرَفَضَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَقَدْ مَدَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فِي كِتَابِهِ، وَمَدَحَ الْأَنْصَارَ، وَمَدَحَ النَّبِيُّ ﷺ الْأَنْصَارَ فِي صَحِيحِ سُنَّتِهِ، وَمَدَحَ الْمُهَاجِرِينَ.

وَلَكِنْ لَمَّا تَدَاعَوْا حَوْلَ الِاسْمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ عَصَبِيَّةً غَضِبَ ﷺ، وَقَالَ: ((مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟! دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ))، ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَكَفَى بِالْمُسْلِمِ إِثْمًا أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)) .

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ لُحْمَةً وَسُدًى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ شِعَارُهُمُ الَّذِي يَتَعَصَّبُونَ حَوْلَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَنَا ((أَنَّ أَقْوَامًا سَيَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ))، فَبَيَّنَ ﷺ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا ((هُوَ كَالْجُعَلِ يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ))، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْزِلَتَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ كَالْجُعَلِ؛ وَهُوَ الْجِعْرَانُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، ((يُدَهْدِهُ)): أَيْ يُدَحْرِجُ الْخُرْءَ -أَعَزَّكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- ((بِفِيهِ))؛ مِنْ وَضَاعَتِهِ وَحَقَارَتِهِ.

((لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، وَإِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ عِنْدَ اللهِ أَهْوَنَ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ)) .

بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خُطُورَةَ الْعَصَبِيَّةِ، وَخُطُورَةَ الِانْتِمَاءِ إِلَى الشِّعَارَاتِ الْحِزْبِيَّةِ، وَإِلَى الِانْتِمَاءَاتِ الضَّيِّقَةِ الرَّدِيَّةِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوهُ))، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: ((فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا)) .

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مَنِ انْتَمَى أَوِ انْتَسَبَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ عَصَبِيَّةً بِشِعَارٍ مِنْ شِعَارَاتِ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ: ((فَأَعِضُّوهُ -فَأَمِصُّوهُ- بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوهُ))، هَكَذَا ظَاهِرًا، وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْعَى لِفُحْشٍ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا هُنَالِكَ مِنْ قُبْحِ الْعَصَبِيَّةِ بِانْتِمَائِهَا.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِآدَمَ، وَأَنَّ آدَمَ قَدْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ: ((كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ، فَلَا يَفْخَرَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)) .

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)) ، وَ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) ، وَأَوْرَدَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النَّارَ.

إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَصَّبُونَ إِلَى الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ مَقَتَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ ((إِذْ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ))، حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَهُوَ يَرُدُّ الْأَمْرَ إِلَى نِصَابِهِ .

لَمَّا عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِلَالًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَيَّرَهُ بِلَوْنِ أُمِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ!

وَاشْتَكَى بِلَالٌ أَبَا ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلَى الرَّسُولِ ﷺ، فَقَالَ: ((إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ!)).

النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّ ((مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْرَدَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النَّارَ)).

قَالُوا: وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: ((وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)) .

لَا انْتِمَاءَ إِلَّا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، أَعَزَّنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَمِي إِلَى عَائِلَةٍ وَلَا قَبِيلَةٍ وَلَا شَعْبٍ وَلَا وَطَنٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ أَنْسَابِنَا مَا نَصِلُ بِهِ أَرْحَامَنَا، فَقَالَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ)) ، وَلَكِنْ لَا عَصَبِيَّةَ، وَلَا انْتِمَاءَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِالْعَصَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا الِانْتِمَاءُ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ؛ لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ كُلُّ النَّاسِ أَنَّهُمْ لِآدَمَ، وَأَنَّ آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ؛ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ، إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ .

وَنَبِيُّكُمْ ﷺ يُخْبِرُكُمْ مُنْذِرًا وَمُحَذِّرًا، فَيَقُولُ ﷺ: ((مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)) .

وَقَدْ نَادَى النَّبِيُّ ﷺ الْعَبَّاسَ -عَمَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ- وَنَادَى عَمَّتَهُ صَفِيَّةَ، وَنَادَى ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالْآلِ أَجْمَعِينَ-: ((اعْمَلُوا؛ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ! سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا)) .

لَا أَحْسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا أَنْسَابَ، وَإِنَّمَا هُوَ الدِّينُ، فَمَنْ جَاءَ رَبَّهُ مُسْلِمًا مُوقِنًا مُحْسِنًا فَلَهُ الْمَقَامُ الْأَسْنَى عِنْدَ رَبِّهِ وَهُوَ مُعَزَّزٌ مُكَرَّمٌ، وَمَنْ جَاءَ -وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا- بِالْعَمَلِ الطَّالِحِ فَلَهُ الْمَكَانُ الْأَرْدَى وَلَا كَرَامَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الِانْتِمَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سَوَّى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَنَا جَمِيعًا فِي الْحُقُوقِ، وَرَفَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ دَرَجَاتٍ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَنْ كَانَ تَقِيًّا -وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا- كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَوْقَ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ -وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا-.

* وَمِنْ أَعْظَمِ دَلَائِلِ عَالَمِيَّةِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ يَحُلُّ كُلَّ الْمُشْكِلَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ ((فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنَّهُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَأَصْلَحُ، وَيُرْشِدُ الْعِبَادَ فِي عَقَائِدِهِ، وَأَخْلَاقِهِ، وَمُعَامَلَاتِهِ، وَتَوْجِيهَاتِهِ، وَتَأْسِيسَاتِهِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْخَلْقِ الْإِصْلَاحَ التَّامَّ إِلَّا بِهِ، وَبَيَانِ أَنَّ جَمِيعَ النُّظُمِ الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَسْتَقِيمُ بِهَا دِينٌ وَلَا دُنْيَا إِلَّا إِذَا اسْتُمِدَّتْ مِنْ تَعَالِيمِ الدِّينِ.

وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ قَدْ بَرْهَنَتِ الْمَحْسُوسَاتُ وَالتَّجَارِبُ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ كَمَا دَلَّتِ الشَّرَائِعُ وَالْفِطَرُ وَالْعُقُولُ السَّلِيمَةُ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ فَإِنَّ الدِّينَ كُلَّهُ صَلَاحٌ وَإِصْلَاحٌ، وَكُلُّهُ دَفْعٌ لِلشُّرُورِ وَالْأَضْرَارِ، وَكُلُّهُ يَدْعُو إِلَى الْخَيْرِ وَالْهُدَى، وَيُحَذِّرُ مِنَ الشَّرِّ وَأَنْوَاعِ الرَّدَى.

وَعِنْدَ عَرْضِ بَعْضِ النَّمَاذِجِ مِنْ تَعْلِيمَاتِهِ وَتَوْجِيهَاتِهِ يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ مُنْصِفٍ صِحَّةُ هَذَا، وَأَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.

ذَلِكَ بِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَدْ جَاشَتْ بِمُشْكِلَاتِ الْحَيَاةِ، وَالْبَشَرُ كُلُّهُمْ يَتَخَبَّطُونَ فِي دَيَاجِيرِ الظُّلُمَاتِ؛ فَيَهْتَدُونَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَيَضِلُّونَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى.

وَقَدْ يَسْتَقِيمُ لَهُمْ أَمْرٌ مِنْ بَعْضِ وُجُوهِهِ وَيَقَعُ الِانْحِرَافُ فِي بَقِيَّةِ أَنْحَائِهِ، وَهَذَا نَاتِجٌ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا جَهْلٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدِّينُ وَمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ، وَإِمَّا مُكَابَرَةٌ وَغَيٌّ، وَمَقَاصِدُ سَيِّئَةٌ وَأَغْرَاضٌ فَاسِدَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصَّلَاحِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا.

الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ أَخْرَجَ الْخَلْقَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَصْنَافِ الشُّرُورِ إِلَى نُورِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ وَالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَجَمِيعِ الْخَيْرَاتِ.

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. [آل عمران: 164].

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. [المائدة: 3].

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]؛ أَيْ كَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي شَرَعَ بِهَا الشَّرَائِعَ وَسَنَّ الْأَحْكَامَ.

وَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ تَامَّةً مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، لَا نَقْصَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، صِدْقًا فِي إِخْبَارِهَا عَنِ اللهِ وَعَنْ تَوْحِيدِهِ وَجَزَائِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ فِي أُمُورِ الْغَيْبِ، عَدْلًا فِي أَحْكَامِهَا، أَوَامِرُهَا كُلُّهَا عَدْلٌ وَإِحْسَانٌ وَخَيْرَاتٌ وَصَلَاحٌ وَإِصْلَاحٌ، وَنَوَاهِيهَا كُلُّهَا فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ، تَنْهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْأَضْرَارِ الْمُتَنَوِّعَةِ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ الْمُتَقَرِّرِ الَّذِي تَقَرَّرَ حُدُوثُهُ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ؛ فَمَا أَمَرَ بِشَيْءٍ فَقَالَ الْعَقْلُ: لَيْتَهُ نَهَى عَنْهُ! وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ الْعَقْلُ: لَيْتَهُ أَمَرَ بِهِ!

لَقَدْ أَبَاحَ هَذَا الدِّينُ كُلَّ طَيِّبٍ نَافِعٍ، وَحَرَّمَ كُلَّ خَبِيثٍ ضَارٍّ؛ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي يُوَجِّهُ الْعِبَادَ إِلَى كُلِّ أَمْرٍ نَافِعٍ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُحَذِّرُهُمْ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ ضَارٍّ فِي دِينِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَالْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ بِالْمُشَاوَرَةِ فِي اسْتِخْرَاجِ مَا تَرَجَّحَ مَصْلَحَتُهُ، وَدَفْعِ مَا تَرَجَّحَ مَفْسَدَتُهُ.

وَهُوَ الدِّينُ الْعَظِيمُ الشَّامِلُ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللهُ، وَبِكُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 15].

وَهُوَ الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي شَهِدَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ بِصِحَّتِهِ وَكَمَالِهِ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ الْكُمَّلُ مِنَ الْخَلْقِ وَخُلَاصَتُهُمْ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 18-19].

وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي مَنِ اتَّصَفَ بِهِ جَمَعَ اللهُ لَهُ جَمَالَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَكَمَالَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].

فَلَا أَحْسَنَ مِمَّنْ هُوَ مُخْلِصٌ لِلهِ، مُحْسِنٌ إِلَى عِبَادِ اللهِ، مُخْلِصٌ لِلهِ مُتَّبِعٌ لِشَرِيعَةِ اللهِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الشَّرَائِعِ وَأَعْدَلُ الْمَنَاهِجِ، فَانْصَبَغَ قَلْبُهُ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ، وَاسْتَقَامَتْ أَخْلَاقُهُ وَأَعْمَالُهُ عَلَى الْهِدَايَةِ وَالتَّسْدِيدِ: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138].

وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي فَتَحَ أَهْلُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ الْمُتَّصِفُونَ بِإِرْشَادِاتِهِ وَتَعَالِيمِهِ الْقُلُوبَ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْأَقْطَارَ بِالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالنُّصْحِ لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ.

وُهُوَ الدِّينُ الَّذِي أَصْلَحَ اللهُ بِهِ الْعَقَائِدَ وَالْأَخْلَاقَ، وَأَصْلَحَ بِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَأَلَّفَ بِهِ الْقُلُوبَ الْمُتَشَتِّتَةَ، وَالْأَهْوَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ.

وَهُوَ الدِّينُ الْعَظِيمُ الْمُحْكَمُ غَايَةَ الْإِحْكَامِ فِي أَخْبَارِهِ كُلِّهَا، وَفِي أَحْكَامِهِ، فَمَا أَخْبَرَ إِلَّا بِالصِّدْقِ وَالْحَقِّ، وَلَا حَكَمَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَلَمْ يَأْتِ عِلْمٌ صَحِيحٌ يَنْقُضُ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِهِ، وَلَا حُكْمٌ أَحْسَنُ مِنْ أَحْكَامِهِ.

أُصُولُهُ وَقَوَاعِدُهُ وَأُسُسُهُ تُسَايِرُ الزَّمَانَ السَّابِقَ وَاللَّاحِقَ، فَحَيْثُمَا طُبِّقَتِ الْمُعَامَلَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ عَلَى أُصُولِهِ تَمَّ بِهَا الْقِسْطُ وَالْعَدْلُ، وَالرَّحْمَةُ وَالْخَيْرُ وَالْإِحْسَانُ؛ لِأَنَّهَا تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].

{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]؛ حَافِظُونَ لِأَلْفَاظِهِ عَنِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّغْيِيرِ، وَحَافِظُونَ لِأَحْكَامِهِ عَنْ الِانْحِرَافِ وَالنَّقْصِ، بَلْ هِيَ فِي أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنَ الْعَدْلِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالتَّيْسِيرِ.

وَهُوَ الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، الصِّدْقُ شِعَارُهُ، وَالْعَدْلُ مَدَارُهُ، وَالْحَقُّ قِوَامُهُ، وَالرَّحْمَةُ رُوحُهُ وَغَايَتُهُ، وَالْخَيْرُ قَرِينُهُ، وَالصَّلَاحُ وَالْإِصْلَاحُ جَمَالُهُ وَأَعْمَالُهُ، وَالْهُدَى وَالرُّشْدُ زَادُهُ.

وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ مَطَالِبِ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ وَالْجَسَدِ، أَمَرَ اللهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ الْمُرْسَلِينَ؛ بِعِبَادَتِهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُرْضِيهِ، وَبِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَا سَخَّرَ اللهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَدَفَعَ الْقَائِمِينَ بِهِ حَقِيقَةً إِلَى كُلِّ عُلُوٍّ وَرُقِيٍّ وَتَقَدُّمٍ صَحِيحٍ.

مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ هَذَا الدِّينِ عَرَفَ عَظِيمَ مِنَّةِ اللهِ بِهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَأَنَّ مَنْ نَبَذَهُ وَقَعَ فِي الْبَاطِلِ وَالضَّلَالِ وَالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ» .

 ((تَقْصِيرُ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَةِ الْعَالَمِ لِلْإِسْلَامِ))

كَيْفَ تَسَنَّى لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَتَجَاوَبَ مَعَ هَذَا التَّحَدِّي الْمُتَمَثِّلِ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ الْكَبِيرِ بِأَنْ تَكُونَ رِسَالَتُهُ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا وَهُوَ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ عُمُرِهِ الْمُبَارَكِ ﷺ؟

لَمْ تَكُنْ تُوجَدُ فِي حَوْزَةِ الْبَشَرِيَّةِ آنَذَاكَ أَيُّ وَسَائِلِ اتِّصَالٍ إِلَكْتُرُونِيَّةٍ لِتَكُونَ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ لِأَدَاءِ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ الْكُبْرَى الَّتِي تَشْمَلُ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَلَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ أَيَّةُ أَجْهِزَةِ تِلِكْس أَوْ أَجْهِزَةِ فَاكْس بِحَيْثُ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا ﷺ، مَاذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ؟!!

لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ؛ فَقَدِ اسْتَدْعَى إِلَيْهِ أَصْحَابًا يَسْتَطِيعُونَ الْكِتَابَةَ، أَمْلَى عَلَيْهِمْ خَمْسَةَ خِطَابَاتٍ إِلَى هِرَقْلَ إِمْبِرَاطُورِ الرُّومَانِ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَإِلَى الْمُقَوْقِسِ حَاكِمِ مِصْرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَإِلَى مَلِكِ الْيَمَنِ، وَإِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ.

ثُمَّ كَلَّفَ خَمْسَةً مِنَ الصَّحَابَةِ؛ فَامْتَطَى كُلٌّ مِنْهُمْ جَوَادَهُ، وَأَرْسَلَ بِهِمْ إِلَى خَمْسَةِ اتِّجَاهَاتٍ، يَدْعُو الرَّسُولُ أُمَمَ الْعَالَمِ الْمَعْمُورِ مِنْ حَوْلِهِ إِلَى دِينِ اللهِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ.

فَهَذَا مُحَمَّدٌ ﷺ.. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ﷺ.

هُنَاكَ وَاحِدَةٌ مِنْ تِلْكَ الرَّسَائِلِ الْمُبَارَكَةِ فِي (مَتْحَفِ تُوبْكَابِي) فِي مَدِينَةِ إسْتَانْبُولَ فِي تُرْكِيَا، تِلْكَ الرِّسَالَةُ يَعْلُوهَا الْغُبَارُ، احْتَفَظَ بِهَا الْأَتْرَاكُ.

وَنَصُّ الرِّسَالَةِ يَبْدَأُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: ((مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ...)).

وَبَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَدَ هَذَا التَّحْذِيرُ الْمُسْتَمَدُّ مِنَ الْقُرْآنِ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

وَبَعْدَ هَذَا النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الْحَكِيمِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الرِّسَالَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، إِلَى هِرَقْلَ إِمْبِرَاطُورِ الرُّومَانِ، تَنْتَهِي الرِّسَالَةُ بِالْخَاتَمِ النَّبَوِيِّ الَّذِي نَقْشُهُ: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ)) .

الْخِطَابُ الْمَوْجُودُ فِي تُرْكِيَا يُثِيرُ لَدَيْنَا -نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ- أَعْظَمَ فُضُولٍ وَحُبِّ اسْتِطْلَاعٍ؛ إِنَّ الْآيَةَ الْقُرْآنِيَّةَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مَضْمُونِ الْخِطَابِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ بَيْتٍ مُسْلِمٍ، وَهِيَ تُتْلَى وَتُعَادُ تِلَاوَتُهَا أَلْفَ مَرَّةٍ وَمَرَّةٍ دُونَ أَنْ يَتَحَرَّكَ مَنْ يَقُومُ بِتِلَاوَتِهَا أَدْنَى حَرَكَةٍ فِي سَبِيلِ تَوْصِيلِ الرِّسَالَةِ وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَجَّهَ اللهُ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الرِّسَالَةَ!!

وَلْنُعِدِ النَّظَرَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى نَصِّ الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَرِيمَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُطَهَّرَةِ؛ إِنَّهَا مُوَجَّهَةٌ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ -وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى- وَلَكِنَّنَا مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ قَدْ تَجَاهَلْنَا وَأَهْمَلْنَا شَأْنَ هَذَا التَّوْجِيهِ الْإِلَهِيِّ الْكَرِيمِ؛ مِنْ جَرَّاءِ تَقْصِيرِنَا، وَفُتُورِ هِمَمِنَا، وَضَعْفِ إِرَادَاتِنَا!!

إِنَّنَا نَجْلِسُ فَوْقَ كُنُوزِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِثْلَ ثُعْبَانِ الْكُوبْرَا؛ يَجْلِسُ مُلْتَفًّا مُلْتَوِيًا فَوْقَ كَنْزٍ مِنَ الثَّرْوَةِ الْهَائِلَةِ!!

الثَّرْوَةُ مَوْجُودَةٌ وَحَاضِرَةٌ، وَلَكِنَّ الْكُوبْرَا تَحُولُ دُونَ اسْتِفَادَةِ النَّاسِ مِنْهَا مَا دَامَتِ الْكُوبْرَا مَوْجُودَةً فَوْقَهَا تَحُولُ دُونَ انْتِفَاعِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الثَّرْوَةِ!!

وَهَذَا الْإِهْمَالُ التَّامُّ لِشَأْنِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ سَيَسْتَمِرُّ لِكَيْ يُنْتِجَ أَعْظَمَ الْأَضْرَارِ وَالْأَخْطَارِ وَالْآلَامِ مِمَّا لَا حَصْرَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي هَذَا الْجِيلِ وَكَذَلِكَ فِي الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ مَا لَمْ تُؤَدِّ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَوْكَلَ اللهُ إِلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا إِلَى الْأُمَمِ الْأُخْرَى.

وَبَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ قِرَاءَتِنَا وَتَرْتِيلِنَا -نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ- بِمُخْتَلَفِ طُرُقِ وَأَسَالِيبِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّرْتِيلِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَحْنُ لَا نَزَالُ نَسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةَ الْقُرْآنِيَّةَ الْكَرِيمَةَ الَّتِي تُنَبِّهُنَا إِلَى حَقِيقَةٍ بَالِغَةِ الْأَهَمِّيَّةِ؛ إِذْ يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

وَلَقَدْ وَرَدَ هَذَا التَّعْبِيرُ الْقُرْآنِيُّ الْحَكِيمُ وَقَرَّرَ اللهُ الْعَظِيمُ فِي خِتَامِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ مَضَتْ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

وَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ التَّعْبِيرَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَنْطَبِقُ كُلَّ الِانْطِبَاقِ عَلَى الْمَوْقِفِ الدِّينِيِّ فِي الْعَالَمِ عِنْدَمَا نَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَالسُّؤَالُ الْآنَ: هَلْ يَخْتَلِفُ الْأَمْرُ مِنَ النَّاحِيَةِ الدِّينِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ عَمَّا وَرَدَ فِي خِتَامِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

لَا؛ إِنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْتَلِفُ أَيَّ قَدْرٍ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَمَا أَكْثَرَ النَّاسَ فِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ اللهِ الصَّحِيحُ!! وَلَا يَعْرِفُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ هُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ، أَرْسَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ!!

وَلَكِنْ.. مَا زَالَتِ الْآيَةُ مُدَوِّيَةً فِي سَمْعِ الزَّمَانِ بِذَلِكَ التَّذْيِيلِ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ بِالضَّبْطِ كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَيُوجَدُ فِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ عَدَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَفُوقُ عَدَدَ مَنْ يَعْبُدُونَ اللهَ الْوَاحِدَ الْحَقَّ!!

هَلْ يُوجَدُ أَيُّ أَمَلٍ فِي تَغْيِيرِ هَذَا الْمَوْقِفِ؟!!

اللهُ الْمُسْتَعَانُ!

إِنَّ تَارِيخَ الْعَالَمِ.. لَوْ دَرَسْتَ تَارِيخَ الْعَالَمِ حَتَّى الْآنَ سَيُخْبِرُكَ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خَاتَمَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسَلِهِ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ يُعْلِنَ لِلنَّاسِ رِسَالَتَهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ الْأَوْقَاتِ ظَلَامًا وَأَكْثَرِهَا جَهْلًا.

لَقَدْ كَانَتِ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إِمَّا إِرْسَالُ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ خَاتَمٍ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ إِلَى كُلِّ رُكْنٍ وَكُلِّ أُمَّةٍ مِنْ أَرْكَانِ وَأُمَمِ الْعَالَمِ، وَإِمَّا إِرْسَالُ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ خَاتَمٍ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ إِلَى كُلِّ الْبَشَرِ فِي كُلِّ الْأُمَمِ وَفِي كُلِّ أَرْكَانِ الْعَالَمِ؛ لِكَيْ يُخَلِّصَ وَيُحَرِّرَ كُلَّ الْبَشَرِ مِنَ الزَّيْفِ، وَالْخُرَافَةِ، وَالْأَنَانِيَّةِ، وَتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَالضَّلَالِ، وَظُلْمِ وَقَهْرِ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الْإِنْسَانِ، وَذَلِكُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ.

وَتَكُونُ رِسَالَةُ خَاتَمِ أَنْبِيَاءِ وَرُسُلِ اللهِ مُوَجَّهَةً مِنَ اللهِ إِلَى الْإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا، وَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ أَنْ يَخْتَارَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ الْخَاتِمَةِ النَّبِيَّ الْخَاتِمَ مُحَمَّدًا ﷺ.

وَاخْتَارَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ أَعْمَاقِ أَكْثَرِ مَنَاطِقِ الْأَرْضِ تَخَلُّفًا قَبْلَ بَعْثِهِ إِلَى الْبَشَرِ كَافَّةً مِنْ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ أَنَّ رِسَالَةَ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانَتْ رِسَالَتَهُ لِكُلِّ الْبَشَرِ قَدْ سَجَّلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

لَا مَجَالَ هُنَا لِتَمْيِيزِ جِنْسٍ عَلَى جِنْسٍ أَوْ تَفْضِيلِ أُمَّةٍ عَلَى أُمَّةٍ، لَا مَجَالَ هُنَا لِلشَّعْبِ الْمُخْتَارِ، أَوْ بِذْرَةِ إِبْرَاهِيمَ، أَوْ نَسْلِ دَاوُدَ، أَوْ هِنْدُو أَرْيَافَارْتَا، أَوِ الْيَهُودِ، أَوِ الْجُويِيمِ، أَوِ الْعَرَبِ، أَوِ الْفُرْسِ، أَوِ الْأَتْرَاكِ، أَوِ الطَّاجِيكِ الْأُورُبِّيِّينَ أَوِ الْآسْيَوِيِّينَ؛ الْبِيضِ أَوِ الْمُلَوَّنِينَ، الْآرِيِّينَ أَوِ السَّامِيِّينَ، الْمَغُولِ، أَوِ الْأَفَارِقَةِ، الْأَمْرِيكِيِّ، أَوْ الِاسْتُرَالِيِّ، أَوِ الْبُولَنْدِيِّ.. إِنَّهُ لِكُلِّ النَّاسِ ﷺ، وَلِكُلِّ مَنْ حَبَاهُ اللهُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْئُولِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ، إِنَّهُ يُقَدِّمُ الْمَبَادِئَ السَّلِيمَةَ لِكُلِّ الْعَالَمِ ﷺ.

النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ لَمْ يَكْتَفِ بِمَنْ جَاءَ، وَلَا بِمَنْ ذَهَبَ هُوَ إِلَيْهِ ﷺ، بَلْ أَرْسَلَ إِلَى مَنْ وَرَاءِ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللهِ الْخَلَّاقِ الْعَظِيمِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ الْفُرْسِ كِسْرَى، وَإِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ الرُّومَانِيِّ هِرَقْلَ، وَإِلَى حَاكِمِ مِصْرَ تَحْتَ الْحُكْمِ الرُّومَانِيِّ الْمُقَوْقِسِ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ حَاكِمِ الْحَبَشَةِ، وَإِلَى مَلِكِ الْيَمَنِ، فَأَيُّ عَظَمَةٍ فِي الْهَدَفِ وَالْغَايَةِ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْعَظَمَةِ؟!!

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.

((آثَارٌ عَظِيمَةٌ لِلرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى الْعَالَمِ))

إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ؛ فَقَدْ أَسَّسَ حَضَارَةً عَالَمِيَّةً، وَلَمْ يَتْرُكِ الْإِسْلَامُ آسْيَا الْوَثَنِيَّةَ وَأُورُبَّا الْبِيزَنْطِيَّةَ وَأَفْرِيقْيَا السَّاذَجَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِثْلَمَا فَعَلَ سُقُوطُ رُومَا بِأُورُبَّا، بَلْ نَقَلَ الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْقَارَّاتِ الثَّلَاثِ إِلَى حَضَارَةٍ جَدِيدَةٍ فَتِيَّةٍ قَوِيَّةٍ فِي الدِّينِ وَاللُّغَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْعُلُوِّ.

فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى لَمْ تَشْهَدْ بِلَادُنَا وَحَضَارَتُنَا صِرَاعًا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَحُضُّ عَلَى الْعِلْمِ فِي شَتَّى مَيَادِينِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَقَدْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْ بَغْدَادَ وَقُرْطُبَةَ حَاضِرَتَيِ الْعَالَمِ الْعِلْمِيَّتَيْنِ بِمَا فِيهِمَا مِنْ جَامِعَاتٍ وَمَكْتَبَاتٍ وَعُلَمَاءَ وَطَلَبَةِ عِلْمٍ.

وَهَذَا هُوَ (درِيبَر) يَصْفَعُهُمْ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ ((الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ)): ((إِنَّ جَامِعَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَفْتُوحَةٌ لِلطَّلَبَةِ الْأُورُبِّيِّينَ الَّذِينَ نَزَحُوا إِلَيْهَا مِنْ بِلَادِهِمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ مُلُوكُ أُورُبَّا وَأُمَرَاؤُهَا يَغْدُونَ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِيُعَالَجُوا فِيهَا)).

لَقَدْ كَانَتْ بِلَادُنَا مَصْدَرَ إِشْعَاعٍ فِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ وَحَضَارِيٍّ تَخَطَّى إِلَى أُورُبَّا، فَأَيْقَظَهَا مِنَ السُّبَاتِ، وَبَعَثَهَا مِنَ الْعَدَمِ!!)).

إِنَّ (جِيرِبت) الْفَرَنْسِيَّ دَرَسَ فِي مَدَارِسِ إِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ، وَتَزَوَّدَ بِالْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، ثُمَّ نُصِّبَ بَابَا فِي رُومَا بِاسْمِ (سِلْفِسْتَر الثَّانِي) بَابَا رُومَا مَا بَيْنَ (999 - 1003)، وَتَرْجَمَ إِلَى اللَّاتِينِيَّةِ كُتُبًا عَرَبِيَّةً كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ دَرَسَ فِي مَدَارِسِ إِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ، وَأَدْخَلَ مَعَارِفَ عَرَبِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى أُورُبَّا.

وَالْمُنْصِفُ مِنْهُمْ يَعْلَمُ لَوْ لَمْ يَظْهَرِ الْعَرَبُ عَلَى مَسْرَحِ التَّارِيخِ لَتَأَخَّرَتْ نَهْضَةُ أُورُبَّا الْحَدِيثَةُ عِدَّةَ قُرُونٍ.

إِنَّ شَمْسَ الْإِسْلَامِ سَطَعَتْ عَلَى الْغَرْبِ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى، وَلَمْ تَبْدَأِ النَّهْضَةُ الْأُورُبِّيَّةُ الْحَدِيثَةُ إِلَّا بَعْدَ اطِّلَاعِ الْأُورُبِّيِّينَ عَلَى الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَمَا أَنَّ التَّرْجَمَاتِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ كَانَتِ الْمَصْدَرَ الْوَحِيدَ لِلتَّدْرِيسِ فِي جَامِعَاتِ أُورُبَّا نَحْوَ سِتَّةِ قُرُونٍ.

وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ: إِنَّ تَأْثِيرَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْعُلُومِ كَعِلْمِ الطِّبِّ -مَثَلًا- دَامَ إِلَى زَمَنٍ مُتَأَخِّرٍ جِدًّا، بَقِيَتْ كُتُبُ ابْنِ سِينًا تُدَرَّسُ فِي (جَامِعَةِ مُونْبِيلِي) فِي فَرَنْسَا إِلَى أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ!!

وَمَاذَا بَعْدَ شَهَادَةِ (جُوسْتَاف لُوبُو) الَّذِي تَمَنَّى لَوْ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَوْلَوْا عَلَى فَرَنْسَا لِتَغْدُوَ بَارِيسُ مِثْلَ قُرْطُبَةَ فِي إِسْبَانِيَا مَرْكَزًا لِلْحَضَارَةِ وَالْعِلْمِ، حَيْثُ كَانَ رَجُلُ الشَّارِعِ فِي قُرْطُبَةَ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ وَيقْرِضُ الشِّعْرَ -أَحْيَانًا- فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ -كَمَا يَقُولُ (لُوبُو)، كَانَ فِيهِ- مُلُوكُ أُورُبَّا لَا يَعْرِفُونَ كِتَابَةَ أَسْمَائِهِمْ وَيَبْصُمُونَ بِأَخْتَامِهِمْ!!

وَيُضِيفُ (لُوبُو) سَاخِرًا مِمَّنْ يُقَارِنُ الْعَرَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى بِالْأُورُبِّيِّينَ: ((فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ قَدْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى عَكْسِ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ تَمَامًا!!

الْعَرَبُ هُمُ الْمُتُحَضِّرُونَ وَالْأُورُبِّيُّونَ هُمُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّنَا نُسَمِّي تَارِيخَ أُورُبَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْعُصُورَ الْمُظْلِمَةَ))، هَذَا كَلَامُهُ؛ إِنَّ عُصُورَ أُورُبَّا الْوُسْطَى عُصُورٌ مُظْلِمَةٌ يَقِينًا.

 ((الْعَالَمُ كُلُّهُ -الْيَوْمَ- فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ أَكْثَرَ مِنَ احْتِيَاجِهِمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالنَّفَسَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَقَدَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالنَّفَسَ مَاتَ جَسَدُهُ، وَإِذَا فَقَدَ الْوَحْيَ وَالنُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مَاتَ قَلْبُهُ وَمَاتَتْ رُوحُهُ، وَمَوْتُ الْجَسَدِ لَيْسَ شَيْئًا بِإِزَاءِ مَوْتِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ.

بَلْ إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ جَسَدُهُ رُبَّمَا انْعَتَقَتْ رُوحُهُ مِنْ أَسْرِ الْجَسَدِ إِلَى طَلَاقَةٍ تَكُونُ هُنَالِكَ بِسَعَادَةِ الْقُلُوبِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا فَقَدَ الرُّوحَ وَالْقَلْبَ فَذَلِكَ هَلَاكُ الْأَبَدِ، وَذَلِكَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.

النَّاسُ يَحْتَاجُونَ الْوَحْيَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَاتِهِمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالنَّفَسَ، عَلَى شِدَّةِ الْإِنْسَانِ فِي احْتِيَاجِهِ إِلَى النَّفَسِ وَعَلَى شِدَّةِ احْتِيَاجِ الْإِنْسَانِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَكِنَّ حَاجَتَهُ إِلَى الْوَحْيِ، وَحَاجَتَهُ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي أَحْوَالِ الْعَالَمِ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ سَعَادَةٍ وَفَلَاحٍ، وَكُلَّ هَنَاءٍ وَصَلَاحٍ؛ إِنَّمَا سَبَبُهُ طَاعَةُ الرَّسُولِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ شَقَاءٍ وَبَوَارٍ، وَخَرَابٍ وَدَمَارٍ؛ فَإِنَّمَا سَبَبُهُ مُخَالَفَةُ الرَّسُولِ.

وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَطَاعُوا النَّبِيَّ ﷺ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَسَارُوا خَلْفَهُ، وَاتَّبَعُوا نَهْجَهُ، وَالْتَزَمُوا شَرْعَهُ.. مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا شَرٌّ قَطُّ، وَلَكِنَّ الشَّرَّ يُوجَدُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى قَدْرِ الْمُخَالَفَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَالشَّرُّ يَنْتَفِي عَلَى قَدْرِ طَاعَتِهِ، وَالصَّلَاحُ وَالْفَلَاحُ وَالْهَنَاءُ وَالِاسْتِقْرَارُ.. كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَدْرِ طَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ﷺ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النِّسَاء: 59].

وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {ذَلِكَ}؛ يَعْنِي: مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِي وَطَاعَةِ نَبِيِّي ﷺ، وَرَدِّ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَازُعُ إِلَى كِتَابِي وَسُنَّةِ نَبِيِّي ﷺ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ أَبَدًا إِلَّا إِذَا كَانَ جَزَاءً لِشَرْطٍ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، وَجَاءَ هَاهُنَا بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَعَدَمِ الِانْقِطَاعِ: {تُؤْمِنُونَ}.

لَمْ يَقُلْ: ((إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))؛ وَإِنَّمَا قَالَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- هَاهُنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِيَّةِ الْحَدَثِ وَتَجَدُّدِهِ: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

{ذَلِكَ}: الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَدَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَأَرْشَدْتُكُمْ إِلَيْهِ، وَجَاءَكُمْ بِهِ نَبِيِّي وَرَسُولِي ﷺ.. {ذَلِكَ خَيْرٌ}: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}؛ يَعْنِي: وَأَحْسَنُ مَآلًا لَكُمْ وَعَاقِبَةً لَكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ.

فَدَلَّ الْأَمْرُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ -يَعْنِي: عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ ﷺ- وَهِيَ طَاعَةٌ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطَاعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَيُعْصَى نَبِيُّهُ ﷺ.

وَلَا يُمْكِنُ أَبَدًا أَنْ يَتَصَوَّرَ عَقْلٌ، وَلَا أَنْ يَتَخَيَّلَ خَيَالٌ.. أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ طَائِعًا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ مُحَادٌّ لِنَبِيِّهِ مُشَاقٌّ لَهُ، هُوَ فِي شِقٍّ وَنَبِيُّهُ فِي شِقٍّ، وَهُوَ فِي حَدٍّ وَنَبِيُّهُ فِي حَدٍّ!! وَإِنَّمَا يُطَاعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ الْأَمِينِ ﷺ.

{ذَلِكَ خَيْرٌ}: سَعَادَةٌ لَكُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ، {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} وَسَعَادَةً لَكُمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ.

فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ -كَمَا رَأَيْتَ- بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَأْوِيلٍ وَلَا شَرْحٍ وَلَا تَفْسِيرٍ؛ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَ السَّعَادَةِ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَعَلَى أَنَّ انْعِقَادَ أَمْرِ السَّعَادَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِطَاعَةِ الْمَأْمُونِ ﷺ، وَكُلُّ شَرٍّ فِي الْحَيَاةِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ﷺ، أَوْ بِسَبَبِ ارْتِكَابِ وَرُكُوبِ نَهْيِهِ.

وَمَا مِنْ شَرٍّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَلَا فِي الْحَيَاةِ الْأُخْرَى إِلَّا وَسَبَبُهُ مُخَالَفَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَانْتِظَامُ أُمُورِ الْعَالَمِ، وَانْتِظَامُ أُمُورِ الْحَيَاةِ، وَسَيْرُ الْكَوْنِ عَلَى الْمُقْتَضَى الْأَمْثَلِ، وَعَلَى السَّنَنِ الْأَسْنَى.. إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَدْرِ طَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَمَا مِنْ مَكَانٍ فِي الْأَرْضِ غَلَبَتْ فِيهِ طَاعَةُ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا وَتَحَصَّلَ سَاكِنُوهُ مِنَ السَّعَادَةِ وَالْهَنَاءِ عَلَى قَدْرِ طَاعَتِهِمْ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَمَا عَمَّتِ الشُّرُورُ فِي مَكَانٍ، وَلَا غَلَبَتْ نَوَازِعُ الشَّرِّ فِي مَوْضِعٍ.. إِلَّا لِكَثْرَةِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

بَلْ إِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَتَحَصَّلُ عَلَى اسْتِقْرَارِ قَلْبِهِ، وَاطْمِئْنَانِ نَفْسِهِ، وَصَلَاحِ بَالِهِ، وَاسْتِقَامَةِ خَطْوِهِ.. إِنَّمَا يَتَحَصَّلُ عَلَى ذَلِكَ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ طَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ لَا يَأْمُرُ بِشَيْءٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَنْهَى بِنَهْيِهِ، وَالرَّسُولُ ﷺ يُبَلِّغُ الْوَحْيَ عَنْ رَبِّهِ، فَعَادَ صَلَاحُ الْعَالَمِ إِلَى هَذَا النُّورِ الْمُشْرِقِ الْمُبِينِ.

وَمَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْحَيَاةِ -وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا فِي ظَاهِرِهِ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالنَّهَلِ مِنْ نَبْعِهِ الصَّافِي الْمَعِينِ- فِيهِ صَلَاحٌ إِلَّا وَمَرَدُّهُ فِي الْمُنْتَهَى إِلَى وَحْيِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَلَوْلَا الْوَحْيُ لَكَانَ النَّاسُ أَحَطَّ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَأَسْفَلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، لَوْلَا الْوَحْيُ، وَلَوْلَا الرِّسَالَةُ، وَلَوْلَا النُّبُوَّةُ.. مَا كَانَ عِرْضٌ وَلَا شَرَفٌ، وَلَا كَانَ حِفَاظٌ وَلَا كَرَامَةٌ، وَلَا كَانَ مَالٌ يُقْتَنَى، وَلَا كَانَتْ دَارٌ تُسْكَنُ؛ وَإِنَّمَا لَعَمَّتْ -حِينَئِذٍ- شِرْعَةُ الْقُوَّةِ؛ يَتَغَلَّبُ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ غَيْرِ رَادِعٍ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ حَدِّهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي الْإِنْسَانُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْبَغِي أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، كُلُّ ذَلِكَ.. وَلَوْ كَانَ فِي دَسَاتِيرَ وَضْعِيَّةٍ وَقَوَانِينَ بَشَرِيَّةٍ، كُلُّ ذَلِكَ مَرَدُّهُ فِي الْمُنْتَهَى إِلَى وَحْيِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، وَإِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ.

مَا عَرَفَ النَّاسُ الْكَرَامَةَ، وَلَا عَشِقَ النَّاسُ الْفَضَائِلَ، وَلَا اسْتَدَلَّ النَّاسُ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَلَا حَادَ النَّاسُ عَنِ الشُّرُورِ وَالتَّسَفُّلِ وَالرَّذَالَةِ وَالْوَضَاعَةِ وَالتَّدَنِّي.. إِلَّا بِسَبَبِ الْوَحْيِ، وَبِسَبَبِ النُّبُوَّةِ، وَبِسَبَبِ الرِّسَالَةِ، يَأْتِي بِذَلِكَ كُلِّهِ أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُصْطَفَوْنَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ وَرُسُلِهِ الْمُكْرَمِينَ، وَخِتَامُهُمْ وَتَاجُهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ.

سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ فِي اتِّبَاعِ الْوَحْيِ، وَشَقَاءُ الدَّارَيْنِ فِي مُجَانَبَةِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ، وَعَلَى قَدْرِ الثَّبَاتِ عَلَى شِرْعَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَكُونُ اسْتِقْرَارُ الْإِنْسَانِ مُفْرَدًا، وَاسْتِقْرَارُ الْمُجْتَمَعِ مَجْمُوعًا، وَاسْتِقْرَارُ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ.

وَعَلَى قَدْرِ الْبُعْدِ عَنْ دِينِ الرَّبِّ، عَنْ دِينِ الْإِلَهِ الْحَقِّ، عَنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.. يَحْدُثُ مَا يَحْدُثُ مِنَ انْتِهَاكٍ لِلْأَعْرَاضِ، وَسَفْكٍ لِلدِّمَاءِ، وَمِنْ نَهْبٍ لِلْأَمْوَالِ، وَمِنَ اعْتِدَاءٍ عَلَى الدِّيَارِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ؛ كُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ الْبُعْدُ عَنِ الْوَحْيِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الرِّسَالَةِ، وَالْبُعْدُ عَنِ النُّبُوَّةِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الوَحْيَ هُوَ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ، وَإِذَا خَلَا العَالَمُ مِنَ الرُّوحِ وَالنُّورِ وَالحَيَاةِ أَقَامَ اللَّهُ -تَعَالَى- السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ القُرْآنَ يُرْفَعُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ آيَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ.

وَحِينَئِذٍ -عِنْدَمَا يَخْلُو الْعَالَمُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالنُّورِ وَمَادَّةِ هَذَا الوُجُودِ الحَقِّ- فَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُقِيمُ السَّاعَةَ.

 ((رِسَالَةُ نَبِيِّنَا ﷺ عَلَّمَتِ الْعَالَمَ السَّلَامَ وَالْقِيَمَ))

إِنَّا لَنُعِيذُ أُمَّتَنَا بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ تَجْهَلَ دِينَهَا هَذَا الْجَهْلَ, وَأَنْ تَكُونَ مِنَ الْغَفْلَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.

دِينُكُمْ لَحْمُكُمْ وَعَظْمُكُمْ.

دِينُكُمْ حَيَاتُكُمُ الدُّنْيَا وَآخِرَتُكُمْ.

دِينُكُمْ شَرَفُكُمْ وَعِرْضُكُمْ.

عَقِيدَتُكُمْ فِيهَا نَجَاتُكُمْ, وَفِيهَا عِزُّكُمْ.

وَلَا تَحْتَاجُونَ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ إِلَى مَنْ يَرْسُمُ لِكِ الطَّرِيقَ؛ فَقَدْ رَسَمَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، إِنَّهُ طَرِيقُ اللهِ, وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ.

وَنَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا نَتَحَلَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ))، وَلَا نَكْتَفِي بِهِ, بَلْ نَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ مِنْ عِنْدِهِ يَمِينًا وَيَسَارًا, نَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا فِي التَّشَهُّدِ نَقُولُ: ((السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ)).

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ السَّلَامَ بِشَرَائِطِهِ, بِأَحْكَامِهِ وَقَوَاعِدِهِ.

لَيْسَ بِالْمَذَلَّةِ يُسْتَجْلَبُ, وَلَا بِالذُّلِّ وَالْعَارِ, وَمَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ كُلَّهُ قِيَمَ الْخَيْرِ, قِيَمَ الصِّدْقِ, الْقِيَمَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا بِحَقٍّ, وَلَوْلَا هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ مَا عُرِفَ شَرَفٌ, وَلَا رُوعِيَ عِرْضٌ.

إِنَّ الْحَقَّ، وَالْخَيْرَ, وَالْهُدَى، وَالْعَدْلَ, وَالسَّلَامَ.. فِي دِينِ نَبِيِّ السَّلَامِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

 

المصدر: عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  مواعظ رمضانية - الجزء الأول
  زكاة الحبوب والثمار
  خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1443هـ
  كيف تعرف الخارجي؟
  الإِسْلَامُ دِينُ العَمَلِ وَقَضِيَّةُ الرِّزْقِ
  الْمَفْهُومُ الْأَوْسَعُ لِلصَّدَقَةِ
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ​((الدَّرْسُ الْعَاشِرُ: الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَثَمَرَاتُهُ))
  يَوْمُ بَدْرٍ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ وَعِبَادَاتُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
  مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ
  التَّمَسُّكُ بِالْأَمَلِ وَإِتْقَانِ الْعَمَلِ وَقْتَ الْأَزْمَاتِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان