((الْقُدْسُ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَسَتَظَلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى...))
خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ بِتَارِيخِ: ((19 مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ 1439هـ / 8 مِنْ ديسمبر 2017م))
جَمْعٌ وَتَرْتِيبٌ مِنْ خُطَبِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ:
أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-.
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ))
*فَأَمَّا مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحَوْلَهُ بَرَكَاتٍ مَادِيَّةً مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ عَطَاءَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَجَعَلَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَقَرَّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ.
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
تَنَزَّهَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَنْزِيهًا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَكَمَالِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَكَمَالِ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ.
فَهُوَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ الْكَامِلِ فِي عُبُودِيَّتِهِ لِرَبِّهِ فِي جُزْءٍ قَلِيلٍ مِنَ اللَّيْلِ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ الَّذِي جَعَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَكَانَهُ آمِنًا مَمْنُوعًا بِالْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ وَالْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ، إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي جَعَلْنَا فِيهِ وَحَوْلَهُ بَرَكَاتٍ مَادِيَّةً مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ عَطَاءَاتِنَا، وَجَعَلْنَاهُ مَقَرَّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ.
*اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَرْضًا مُبَارَكَةً، كَثِيرَةَ الْخَيْرَاتِ:
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].
وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ حَالَةَ كَوْنِهَا شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ وَخَفِيفَةً بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَرْضِ الشَّامِ، الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا بِكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ الْمَادِيَّةِ وَالْمَعَنَوِيَّةِ.
*وَأَمَّا مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي السُّنَّةِ:
*الْمَسْجَدُ الْأَقْصَى الْقِبْلَةُ الْأُولَى لِنَبِيِّنَا ﷺ وَأُمَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ:
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى إلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا)).
وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ فَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا».
*الْمَسْجَدُ الْأَقْصَى مَسْرَى نَبِيِّنَا ﷺ، وَصَلَّى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ إِمَامًا بِالْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-:
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ كَانَ إِسْرَاءُ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى, وَالْمِعْرَاجُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-.
رَوَى البُخَارِيُّ عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: ((لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ, قُمْتُ فِي الحِجْرِ, فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ, فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)). وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
فَالْإِسْرَاءُ كَانَ بِلَيْلٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَدُورُ فِي أَرْجَاءِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِيَعْرِفَ مَعَالِمَهُ، ثُمَّ هُنَالِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالنَّوَافِذِ وَالسُّقُوفِ وَمَا أَشْبَهَ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا صَلَّى إِمَامًا لِلْأَنْبِيَاءِ فِيهِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-؛ عُرِجَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ, وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلَةٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ, قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بها الْأَنْبِيَاءُ.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ)).
((قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْقَضِيَّةُ الَّتِي هِيَ وَجَعٌ فِي قَلْبِ الْأُمَّةِ، وَشُغُلٌ فِي عَقْلِهَا، وَهَاجِسٌ فِي ضَمِيرِهَا؛ فَهُوَ مَا تُرِيدُهُ تِلْكَ الْعِصَابَاتُ مِنَ الْيَهُودِ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَمُرُّ فِيهَا وَقْعُ الْأَحْدَاثِ كَمَا يَمُرُّ طَعْمُ الصَّدَأِ فِي الْأَفْوَاهِ؛ لَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْ نَنْظُرَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَأَصْلِهِ، وَأَنْ نَعُودَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ ﷺ.
((الْحَرْبُ عَلَى الْقُدْسِ حَرْبٌ عَقَدِيَّةٌ
وَمُعَالَجَةٌ خَاطِئَةٌ لِلْقَضِيَّةِ))
إِنَّ مِنَ الْعَارِ الْكَبِيرِ أَنْ نُغْمِضَ الْعَيْنَ، وَنَضَعَ الْأَصَابِعَ فِي الْآذَانِ مُؤَمِّلِينَ أَنْ تَمُرَّ الْأَحْدَاثُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ ذِكْرُهُ، أَنْ تَمُرَّ صَامِتَةً دُونَ أَنْ يَرْقصَ عَارُهَا الشَّيْطَانِيُّ فِي الدُّرُوبِ، عَارٌ كَبِيرٌ!!
نَحْنُ نُصِرُّ عَلَى بِنَاءِ نَظْرَتِنَا وَعَلَى تَفْعِيلِ أَعْمَالِنَا عَلَى رُدُودِ الْفِعْلِ لَا عَلَى الْفِعْلِ، مُنْذُ عَامِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ (1945م) إِلَى الْيَوْمِ لَمْ نَتَحَرَّكْ حَرَكَةً إِلَّا كَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى خُطْوَةِ الْعَدُوِّ، مَا أَمْسَكْنَا الْمُبَادَأَةَ يَوْمًا وَلَا حُزْنَا الْمُبَادَرَةَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُنَا رُدُودُ أَفْعَالٍ لِأَفْعَالٍ، فَيَخْتَارُ عَدُوُّنَا مَيْدَانَ الْمَعْرَكَةِ، وَيَخْتَارُ عَدُوُّنَا زَمَانَ الْمَعْرَكَةِ، وَنَقْتَحِمُ نَحْنُ الْمَعْرَكَةَ لِنُكَرِّسَ نَصْرًا سَهْلًا هَيِّنًا قَرِيبًا كَأَنَّمَا نَسْعَى لِنُصْرَةِ عَدُوِّنَا.
إِنَّ الذَّاكِرَةَ الْعَرَبِيَّةَ؛ وَلَا أَقُولُ: الْإِسْلَامِيَّةَ، فَإِنَّ الْخَطَأَ الْجَسِيمَ الْيَوْمَ الَّذِي تَتَوَرَّطُ فِيهِ الْأُمَّةُ هُوَ الَّذِي يُبْنَى عَلَى جَمْعِ شَمْلِ الْعَرَبِ مِنْ أَجْلِ الْوُقُوفِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ مِنْ أَجْلِ دَحْرِهِ وَإِلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَجْلِ إِفْنَائِهِ وَإِذْهَابِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّعَاوَى، وَهُوَ خَطَأٌ قَاتِلٌ وَهُوَ سِرُّ الْهَزِيمَةِ، وَهُوَ سَبَبُ النَّصْرِ لِعَدُوِّنَا عَلَيْنَا.
الَّذِينَ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَجَمَّعُوا الْيَوْمَ، وَالَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْعَى لِلَمِّ شَمْلِهِمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ الْمَعْرَكَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَقِيدَةِ؛ لَا عَلَى الْجِنْسِ، وَلَا عَلَى الْقَوْمِيَّةِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ الْأَرْضِ، إِنَّ أَعْدَاءَنَا يَسْعَوْنَ سَعْيًا حَثِيثًا لِإِبَادَتِنَا بِوَحْيٍ مَزْعُومٍ عِنْدَهُمْ، وَهِيَ عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ عَلَيْهِمْ.
وَالنَّاسُ يَحْسِبُونَ إِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَوَقَعَ حَادِثٌ عَمَمٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْيَالَ الَّتِي تَحْدُثُ مُغَيَّبَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَعْرَكَةِ، وَعَنْ تَارِيخِهَا فِي آلِيَّاتِهِ وَفَعَالِيَّاتِهِ وَتَزْيِيفِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَالْأَجْيَالُ الَّتِي شَاخَتْ ضَعُفَتْ ذَاكِرَتُهَا، وَهُوَ لَا يَعْدُو –أَعْنِي الضَّعْفَ فِي ذَاكِرَتِهَا- أَنْ يَكُونَ أَثَرًا عَارِضًا وَنَتِيجَةً حَتْمِيَّةً لِانْهِمَاكِ ذَلِكَ الْجِيلِ فِي تَحْصِيلِ الْمَلَذَّاتِ، وَفِي الْقِيَامِ عَلَى اجْتِلَابِ الشَّهَوَاتِ، وَفِي الْبُعْدِ عَنْ أَصْلِ الْقَضِيَّةِ وَحَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةِ.
حَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّ هَذَا الدِّينَ الَّذِي هُوَ دِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَكْمَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ بِهِ، دِينٌ مُحَارَبٌ مِنْ قُوَى الْبَاطِلِ وَمِنْ أَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ عَلَى اخْتِلَافِ فَصَائِلِهِمْ وَتَبَايُنِ هُوِيَّاتِهِمْ، هُمْ كُلٌّ مُتَّحِدٌّ ضِدَّ هَذَا الدِّينِ وَحَمَلَةِ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يَرْفَعُونَ لِوَاءَ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يُقَاتِلُونَ دُونَ بَيْضَةِ هَذَا الدِّينِ، وَالَّذِينَ يُرَابِطُونَ عَلَى ثُغُورِ هَذَا الدِّينِ هُمْ مُسْتَهْدَفُونَ مِنْ قُوَى الشَّرِّ فِي الْأَرْضِ، يَرْفَعُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ لِوَاءَهُ، وَيَدْعُوهُمْ بِدَعْوَتِهِ، يَنْحَازُونَ إِلَيْهِ، وَيَتَجَمَّعُونَ لَدَيْهِ، وَلَا عَدُوَّ لَهُمْ إِلَّا هَذَا الدِّينُ، وَإِلَّا أَصْحَابُ هَذَا الدِّينِ، وَإِلَّا الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى هَذَا الدِّينِ، وَإِلَّا الَّذِينَ يُرَابِطُونَ عَلَى ثُغُورِ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ؛ هُمْ مُسْتَهْدَفُونَ!!
وَلَكِنَّ قَوْمِي لَا يَعْلَمُونَ!! لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى ذِرْوَةِ تَطَرُّفِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ وَخَرَجَتِ الصُّهْيُونِيَّةُ، وَكَانَتْ لَهَا مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ مَا هُوَ مُنْبَثٌّ فِي كُلِّ صَقْعٍ، مَا هُوَ مُتَغَلْغِلٌ فِي كُلِّ صَوْبٍ، مَا هُوَ مُتَجَذِّرٌ فِي كُلِّ مُؤَسَّسَةٍ مِنْ مُؤَسَّسَاتِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ الدِّيَانَاتِ، وَتَبَايُنِ الْقَوْمِيَّاتِ، وَتَبَاعُدِ الْأَرْضِ وَالْمَسَافَاتِ، أَفْسَدُوا الْعَقْلِيَّةَ الْإِنْسَانِيَّةَ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ مُتَمَسِّكًا بِهَذَا الدِّينِ –دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ-.
لَمَّا وَصَلَتْ الصُّهْيُونِيَّةُ إِلَى ذِرْوَةِ تَطَرُّفِهَا، وَأَفْسَدَتِ الْفِطَرَ فِي الْعَالَمِ، وَابْتَعَثَتِ الْمَلَذَّاتِ مِنْ مَرَاقِدِهَا، وَهَيَّجَتْ فِي أَتُّونِ الشَّهَوَاتِ ثَوْرَتَهَا، وَانْدَفَعَتْ تُقَاتِلُ بِحِيَلِ الشَّيْطَانِ جَمِيعِهَا، قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، وَمَا تَسْتَحْدِثُهُ مِنْهَا؛ بِاسْتِخْدَامِ النِّسَاءِ، وَإِطْلَاقِ الرَّغَبَاتِ فِي الْجَاهِ وَالْمَنَاصِبِ وَالتَّرَأُّسِ وَالْأَمْوَالِ، وَبِإِفْسَادِ الْعَقْلِيَّاتِ، وَبِالْعُدْوَانِ عَلَى الثَّقَافَاتِ، وَبِاسْتِئْصَالِ جَمِيعِ تُرَاثِ الْأُمَمِ، وَبِاسْتِبْدَالِ ذَلِكَ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مِنَ الْأَمْشَاجِ الْمُخْتَلِفَاتِ، لَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ؛ صَارَ الْعَالَمُ لُعْبَةً فِي أَيْدِي هَؤُلَاءِ.
وَنَحْسَبُ نَحْنُ أَنَّنَا يُمْكِنُ أَنْ نَقِفَ فِي الْمُوَاجَهَةِ، وَأَنْ نَصْنَعَ شَيْئًا، وَهُوَ أَمْرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، نَصْنَعُ الْكَثِيرَ، وَلَكِنْ إِنْ أُخِذَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَصْلِهَا الْأَصِيلِ، هَذِهِ حَرْبُ دِينٍ، هَذِهِ مَعْرَكَةُ عَقِيدَةٍ، لَيْسَتْ بِدِفَاعٍ عَنْ أَرْضٍ، وَلَيْسَتْ بِقِتَالٍ دُونَ قِطْعَةٍ مِنْهَا تَكُونُ هَاهُنَا أَوْ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عَقِيدَةٌ يُحَارَبُ عَنْهَا، يُرَادُ لَهَا أَنْ تُسْتَأْصَلَ؛ لِكَيْ يَصِيرَ النُّورَانِيُّونَ سَادَةَ الْعَالَمِ، وَلِكَيْ يَصِيرُوا مَالِكِيهِ، وَلِيَتَحَكَّمُوا فِيهِ كَمَا يَتَحَكَّمُونَ فِيهِ بِالضَّغْطِ عَلَى عَصَبِ الْمَالِ الَّذِي تَمَلَّكُوهُ وَبِالْخُرَافَاتِ وَالْأَسَاطِيرِ.
((مُوجَزُ تَارِيخِ الْقُدْسِ الْعَرَبِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ))
مَدِينَةُ الْقُدْسِ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا لِلْيَهُودِ تَارِيخًا وَلَا وَطَنًا.
قَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: أَلَمْ يَدْخُلِ الْيَهُودُ مَدِينَةَ الْقُدْسِ؟
أَلَمْ يُقِيمُوا فِيهَا مَمْلَكَةً لَهُمْ رَدْحًا مِنَ الزَّمَانِ؟
وَالْإِجَابَةُ التَّارِيخِيَّةُ عَنْ هَذَا: هِيَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَخَلُوا الْقُدْسَ فِعْلًا، وَأَقَامُوا فِيهَا مَمْلَكَةً لَهُمْ فِعْلًا، وَكَانَ هَذَا فِي عَهْدِ (دَاوُدَ) وَابْنِهِ (سُلَيْمَانَ) -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، وَقَدْ عَاشَتْ هَذِهِ الْمَمْلَكَةُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ فِي الْقُدْسِ سَبْعِينَ سَنَةً -نَعَمْ سَبْعِينَ سَنَةً فَقَطْ هِيَ عُمُرُ الْيَهُودِ فِي الْقُدْسِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ بِتِلْكَ الْمَدِينَةِ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ-، وَهِيَ فَتْرَةٌ قَصِيرَةٌ جِدًّا مِنْ تَارِيخِ مَدِينَةِ الْقُدْسِ، وَتَارِيخُ الْقُدْسِ يُضَاهِي تَارِيخَ مِصْرَ وَهِيَ أَقْدَمُ بِلَادِ الْعَالَمِ.
وَتَارِيخُ الْقُدْسِ يَتَكَوَّنُ مِنْ مَرَاحِلَ طَوِيلَةٍ، كُلُّ مَرْحَلَةٍ دَامَتْ مِئَاتِ السِّنِينَ:
*الْمَرْحَلَةُ الْعَرَبِيَّةُ الْأُولَى فِي الْقُدْسِ -أُصُولُهَا وَجُذُورُهَا عَرَبِيَّةٌ مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ-:
*الْمَرْحَلَةُ الْعَرَبِيَّةُ الْأُولَی: الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا (قَبَائِلُ كَنْعَانَ الْعَرَبِيَّةِ)، وَاسْتَوْطَنَتْ فِلَسْطِينَ، وَزَرَعَتْ أَرْضَهَا، وَبَنَتْ فِيهَا الْقُرَى، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ طَوِيلَةٌ اسْتَمَرَّتْ زُهَاءَ أَلْفَيْنِ (2000) مِنَ السِّنِينَ.
تَعَاقَبَ بَعْدَهَا عَلَى الْقُدْسِ مَنْ تَعَاقَبَ، تَعَاقَبَ عَلَى غَزْوِ فَلَسْطِينَ وَحُكْمِهَا وَالْإِقَامَةِ فِيهَا، أُمَمٌ عَدِيدَةٌ: هِيَ أُمَمُ الْآشُورِيِّينَ، وَالْبَابِلِيِّينَ، وَالْفُرْسِ، وَالْمِصْرِيِّينَ، وَالْيُونَانِ، وَالرُّومَانِ، وَقَدْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَرْحَلَةً تَارِيخِيَّةً أَطْوَلَ مِنَ السَّنَوَاتِ السَّبْعِينَ الَّتِي عَاشَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْقُدْسِ، دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا يَدَّعِيهِ الْيَهُودُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ أَنَّ لَهُمْ حَقًّا تَارِيخِيًّا فِي الْقُدْسِ وَفِي فَلَسْطِينَ جَمِيعًا!!
بَدَأَتْ تِلْكَ السَّنَوَاتُ السَّبْعُونَ عِنْدَمَا دَخَلَ النَّبِيُّ دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْقُدْسَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَأَلْفٍ قَبْلَ الْمِيلَادِ (1050 ق.م) أَوْ حَوْلَ هَذَا التَّارِيخِ، وَلَمْ يَبْنِ مَعْبَدًا، وَلَمْ يَبْنِ فِي الْقُدْسِ هَيْكَلًا، فَقَدْ جَاءَ فِي ((الْعَهْدِ الْقَدِيمِ فِي سِفْرِ الْأَيَّامِ الْأُوَلِ)) مَا يَلِي:
((قَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: يَا بُنَيَّ قَدْ كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا لِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِي، فَكَانَ إِلَيَّ كَلَامُ الرَّبِّ قَائِلًا: قَدْ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً، وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً، فَلَا تَبْنِ بَيْتًا لِاسْمِي؛ لِأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الْأَرْضِ أَمَامِي، هُوَ ذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ اسْمُهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ، هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لِاسْمِي)).
وَظَلَّ دَاوُدُ يُؤَدِّي صَلَوَاتِهِ فِي خَيْمَةٍ مِنَ الشَّعَرِ، وَبَنَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- الْمَعْبَدَ، وَكَانَ مَعْبَدًا صَغِيرًا مُلْحَقًا بِالْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ، وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ مِنْ جِهَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَبِحَاشِيَتِهِ وَزَوْجَاتِهِ.
هَذَا الْمَعْبَدُ يُسَمُّونَهُ الْهَيْكَلَ الْأَوَّلَ، وَلَمْ يَدُمْ هَذَا الْمَعْبَدُ طَوِيلًا؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ قَدْ نَشِبَتْ بَيْنَهُمُ الْمُنَازَعَاتُ وَالْمُنَاوَشَاتُ فَلَمْ يَسْتَمِرُّوا فِي حُكْمِ الْقُدْسِ وَفَلَسْطِينَ طَوِيلًا، أَغَارَ عَلَيْهَا (الْمِصْرِيُّونَ) مِنْ جَانِبٍ، وَ(الْآشُورِيُّونَ) مِنْ جَانِبٍ، وَصَارَتِ الْمَنْطِقَةُ كُلُّهَا مَنْطِقَةَ مَعَارِكَ وَحُرُوبٍ وَخَرَّبَتْ مُدُنَهَا وَشَتَّتْ سُكَّانَهَا.
*اقْتِحَامُ الْبَابِلِيِّينَ لِلْقُدْسِ:
ثُمَّ ظَهَرَتْ قُوَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي الشَّرْقِ هُمُ (الْبَابِلِيُّونَ) فَاقْتَحَمُوا الْمَدِينَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ قَبْلَ الْمِيلَادِ (587 ق.م)، وَدَخَلَهَا (نَبُوخَذ نَصَّر) مَلِكُ بَابِلَ فَأَحْرَقَ الْهَيْكَلَ وَقَوَّضَ أَرْكَانَهُ، وَهَدَمَ جُدْرَانَهُ، وَسَبَى جَمِيعَ الرِّجَالِ وَالشُّبَّانِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَادِرًا عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ أَوْ مَاهِرًا فِي صَنْعَتِهِ أَوْ حِرْفَتِهِ وَنَقَلَهُمْ جَمِيعًا إِلَى بِلَادِهِ، وَبَقِيَتْ (أُورشَلِيمُ) مَدِينَةً مُخَرَّبَةً تَحْتَ حُكْمِ الْبَابِلِيِّينَ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ.
*احْتِلَالُ الْفُرْسِ لِأُورشَلِيمَ:
ظَهَرَتْ قُوَّةُ (الْفُرْسِ) وَمَلِكُهُمْ (قُورَش)، فَأَغَارَ عَلَى (أُورشَلِيمَ) وَانْضَمَّ إِلَيْهِ أَشْتَاتُ الْيَهُودِ انْتِقَامًا مِنَ الْبَابِلِيِّينَ فَسَمَحَ لَهُمْ حِينَئِذٍ بِالْعَوْدَةِ إِلَى (أُورشَلِيمَ)، وَبَنَى لَهُمْ فِيهَا مَعْبَدًا وَهَذَا مَا يُسَمُّونَهُ (الْهَيْكَلَ الثَّانِيَ).
*حُكْمُ الرُّومَانِ لِأُورشَلِيمَ:
وَكَمَا أُحْرِقَ وَدُمِّرَ الْهَيْكَلُ الْأَوَّلُ؛ أُحْرِقَ وَدُمِّرَ الْهَيْكَلُ الثَّانِي، وَذَلِكَ عِنْدَمَا جَاءَ (الْإِغْرِيقُ) وَحَكَمُوا (أُورشَلِيمَ)، جَاءَ (الْإِسْكَنْدَرُ الْمَقْدُونِيُّ) أَوَّلًا، وَكَانَ شَابًّا تَتَلَمَذَ عَلَى (أَرِسْطُو) وَفَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ، وَكَانَ يَحْلُمُ بِأَنْ يَنْشُرَ حَضَارَةَ الْيُونَانِ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ؛ وَلِهَذَا اسْتُقْبِلَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحَهَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّرْحِيبِ حَدَثَ عِنْدَمَا جَاءَ إِلَى مِصْرَ، وَحَدَثَ مِثْلُهُ عِنْدَمَا وَصَلَ جَيْشُهُ إِلَى (أُورشَلِيمَ)، فَوَجَدَ أَحْبَارَ الْيَهُودِ فِي انْتِظَارِهِ مُرَحِّبِينَ وَأَسْرَفُوا فِي التَّرْحِيبِ، فَأَعْلَنُوا أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يَهُودِيٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ يُسَمَّی بِالْإِسْكَنْدَرِ.
وَلَمْ يَدُمِ الْوُدُّ بَيْنَ الْيُونَانِ وَالْيَهُودِ طَوِيلًا، فَجَاءَ أَحَدُ خُلَفَاءِ الْإِسْكَنْدَرِ وَأَذَلَّ الْيَهُودَ؛ هَدَمَ الْهَيْكَلَ، وَأَقَامَ مَكَانَهُ تِمْثَالًا لِرَئِيسِ آلِهَةِ الْيُونَانِ، وَأَمَرَ بِأَنْ تُذْبَحَ فِي هَذَا الْمَعْبَدِ الْخَنَازِيرُ، وَحَظَرَ عَلَى الْيَهُودِ الِاخْتِتَانَ، وَأَجْبَرَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَتْ عُقُوبَةُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا هِيَ الْإِعْدَامَ.
ظَلَّ الْأَمْرُ هَكَذَا حَتَّى دَخَلَ الرُّومَانُ مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَكَانَ هَذَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَبْلَ الْمِيلَادِ (63ق.م)، وَرَحَّبَ الْيَهُودُ بِالرُّومَانِ مِثْلَمَا رَحَّبُوا مِنْ قَبْلُ بِالْيُونَانِ.
فَأَقَامَ الْحَاكِمُ الرُّومَانِيُّ (هِيرُودس) مَعْبَدًا كَبِيرًا يُسَمُّونَهُ هُمْ (الْهَيْكَلَ الثَّالِثَ)، وَلَمْ يَكُنْ مَعْبَدًا يَهُودِيًّا وَإِنْ كَانَ يُسْمَحُ لِلْيَهُودِ بِدُخُولِ بَعْضِ أَرْجَائِهِ، كَانَ مَعْبَدًا رُومَانِيًّا، بُنِيَ عَلَى الطِّرَازِ الرُّومَانِيِّ، وَعَلَى مِسَاحَةٍ تَبْلُغُ عِشْرِينَ فَدَّانًا، وَكَانَتِ الْأَلْعَابُ الْأُولِمْبِيَّةُ وَمُسَابَقَاتُ الْأُولِمبِيَّاتِ تُقَامُ بِهِ، وَكَانَتِ الْحَفَلَاتُ السَّاهِرَةُ تُقَامُ بِهِ أَيْضًا تَكْرِيمًا لِضُيُوفِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْكُبَرَاءِ.
ثُمَّ سَاءَتِ الْعَلَاقَاتُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالرُّومَانِ، فَأَمَرَ الْإِمْبِرَاطُورُ الرُّومَانِيُّ (نِيرُون) بِأَنْ تُحْرَقَ (أُورشَلِيمُ) كَمَا أُحْرِقَتْ رُومَا نَفْسُهَا، وَتَمَّ هَذَا عَلَى يَدِ أَحَدِ الْقُوَّادِ الرُّومَانِ، الَّذِي أَشْعَلَ النَّارَ فِي الْمَدِينَةِ، فَظَلَّتْ مُشْتَعِلَةً شَهْرًا كَامِلًا، وَأَمَرَ بِهَدْمِ ذَلِكَ الْهَيْكَلِ -وَمَا كَانَ هَيْكَلًا وَإِنَّمَا كَانَ مَعْبَدًا وَثَنِيًّا رُومَانِيًّا- فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حَائِطٌ، يَقُولُونَ هُمْ عَنْهُ هُوَ (حَائِطُ الْمَبْكَى)، وَذَبَحَ جُنُودُهُ كُلَّ مَنْ وَجَدُوهُ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَبْعِينَ (70) بَعْدَ الْمِيلَادِ.
وَقَرَّرَ الْحَاكِمُ الرُّومَانِيُّ إِلْغَاءَ اسْمِ (أُورشَلِيمَ) وَأُطْلِقَ عَلَى الْمَدِينَةِ اسْمًا جَدِيدًا فَسَمَّاهَا (إِيليَا كَابِيتُولِينَا)، وَظَلَّتْ تُعْرَفُ بِهَذَا الِاسْمِ حَتَّى دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدِينَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ (636م) مِنَ الْمِيلَادِ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ فِي الْعَهْدِ الْعُمْرِيِّ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ عَهْدُ أَمَانٍ لِأَهْلِ إِيليَّا -وَهُوَ الِاسْمُ الْجَدِيدُ الَّذِي غُيِّرَ اسْمُ الْمَدِينَةِ الْقَدِيمَةِ إِلَيْهِ-.
هَذِهِ إِلْمَامَةٌ سَرِيعَةٌ جِدًّا بِتَارِيخِ مَدِينَةِ الْقُدْسِ أَوْ بِعَلَاقَةِ الْيَهُودِ بِالْقُدْسِ، وَمِنْهَا تَتَبَيَّنُ أَنَّ آخِرَ مَعْبَدٍ يَهُودِيٍّ، أَوْ إِنْ شِئْتَ الدِّقَّةَ فَقُلْ: تَتَبَيَّنُ أَنَّ آخِرَ مَعْبَدٍ سُمِحَ لِلْيَهُودِ بِدُخُولِهِ –وَكَانَ مَعْبَدًا رُومَانِيًّا وَثَنِيًّا-، فَسُمِحَ لَهُمْ بِدُخُولِهِ وَمُمَارَسَةِ طُقُوسِهِمْ فِي بَعْضِ أَرْجَائِهِ هُوَ مَا سَمَّوْهُ بِالْهَيْكَلِ الثَّالِثِ الَّذِي أَحْرَقَهُ الرُّومَانُ وَهَدَمُوهُ، وَنَهَبَ جُنُودُهُمْ مَا فِيهِ فِي سَنَةِ سَبْعِينَ (70م) مِنَ الْمِيلَادِ؛ أَيْ قَبْلَ دُخُولِ الْمُسْلِمِينَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ قُرُونٍ وَنِصْفِ قَرْنٍ.
*دُخُولُ الْمُسْلِمِينَ مَدِينَةَ الْقُدْسِ، وَفِرْيَةُ الْهَيْكَلِ الْيَهُودِيِّ:
لَمَّا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْمَدِينَةَ؛ تَجَوَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعَ أَسْقُفِ الْمَدِينَةِ (صفرنيوس) –وَهُوَ أَسْقُفُ الْمَدِينَةِ-؛ لِيَرَى مَعَالِمَ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْبَدٌ وَلَا هَيْكَلٌ يَهُودِيٌّ وَاحِدٌ، انْدَثَرَ هَذَا كُلُّهُ مُنْذُ قُرُونٍ وَقُرُونٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَعَلَى رَأْسِهِمْ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَقَرُّوا النَّصَارَى عَلَى مَا كَانَ هُنَالِكَ مِنْ مَعَابِدِهِمْ وَلَمْ يَمَسُّوهَا بِسُوءٍ، فَلَمْ يَهْدِمُوا مِنْهَا شَيْئًا وَلَمْ يَسْتَوْلُوا مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ.
فَلَوْ كَانَ لِلْيَهُودِ مَعْبَدٌ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ عِنْدَمَا فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَدَخَلَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ- وَدَخَلَهَا بَعْدُ لَأَبْقَى ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَبْقَ هُنَالِكَ شَيْءٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ يَدَّعُونَ الْحَقَّ التَّارِيخِيَّ فِي الْمَدِينَةِ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَأَنَّهَا مِلْكٌ خَالِصٌ لَهُمْ، يُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا، إِذْ هِيَ مَوْعُودُ الرَّبِّ بِزَعْمِهِمْ، وَهُمْ كَذَبَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِرْهَابَهُمُ الصُّهْيُونِيَّ يَرْتَكِزُ عَلَى عَقِيدَةٍ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ.
((هَدَفُ الْيُهُودِ الْخَبِيثُ: هَدْمُ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى))
إِنَّ مُؤَامَرَةَ الْحَفْرِيَّاتِ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَتَحْتَهُ مُؤَامَرَةٌ قَدِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَالْيَهُودُ مُنْذُ احْتَلُّوا فَلَسْطِينَ يُحَاوِلُونَ جَاهِدِينَ أَنْ يَعْثُرُوا عَلَى أَثَرٍ؛ يَقُولُونَ: هَا هُنَا هَيْكَلُ سُلَيْمَانَ!!
وَهُمْ قَدْ أَعَدُّوا لِلْهَيْكَلِ نُمُوذَجًا، وَقَدْ مَضَتِ الدِّرَاسَاتُ حَثِيثَةً فِي أَمْرِ إِعَادَةِ بِنَاءِ الْهَيْكَلِ، وَمَا يُنْتَظَرُ وَقَدْ فُرِّغَ مَا تَحْتَ الْأَقْصَى بِحَيْثُ لَوْ مَرَّتْ فَوْقَهُ طَائِرَةٌ تَخْتَرِقُ حَاجِزَ الصَّوْتِ لَانْهَدَمَ عَلَى مَنْ فِيهِ، لَا يُنْتَظَرُ إِلَّا أَنْ يُهْدَمَ الْأَقْصَى –أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَهُ مِنْ عَوَادِي السُّوءِ وَمِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ-، ثُمَّ يَقُولُونَ بَعْدُ هَا هُنَا كَانَ هَيْكَلُ سُلَيْمَانَ!! فَنُعِيدُ بِنَاءَ الْهَيْكَلِ، وَهَذَا هُوَ الْهَيْكَلُ الثَّالِثُ!!
الْيَهُودُ قَوْمٌ بُهُتٌ أَهْلُ خِدَاعٍ وَمَكْرٍ، وَلَهُمْ أَهْدَافٌ أَبْعَدُ، وَلَهُمْ خُطَطٌ أَشْمَلُ، فَمُؤَامَرَةُ الْحَفْرِيَّاتِ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قَدِيمَةٌ, وَالهَدَفُ مِن ذَلِكَ أَنْ يَنهَارَ بُنيَانُ المَسجِدِ الأَقصَى ثُمَّ لَا يُعَادُ بِنَاؤُهُ بَعدُ قَطّ -نَسأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحفَظَهُ مِن كُلِّ سُوءٍ-.
فَالْيَهُودُ يُرِيدُونَ تَقْوِيضَ الْأَقْصَى مِنْ أَجْلِ إِنْشَاءِ الْهَيْكَلِ انْتِظَارًا لِمَسِيحِهِمُ الْمَكذُوبِ الدَّجَّالِ, كَمَا هِيَ عَقِيدَتُهُمْ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَامٍ بِتِلْكَ الْعَقِيدَةِ الْمُزيَّفَةِ, فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُشْغَلُ فِيهِ الْأُمَّةُ بِهَذا الْأَمْرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُهَا لَا يَمْلِكُ سِوَى الدُّعَاءِ, وَأَكْثَرُ الْأُمَّةِ يَقِفُ مَكتُوفَ الْأَيْدِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا إِزَاءَ هَذَا الْخَطْبِ الْجَسِيمِ وَالْأَمْرِ الْعَظِيمِ, وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ!!
((الْأَهْدَافُ السِّيَاسِيَّةُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ فِي الْقُدْسِ))
أَهْدَافُ السِّيَاسَةِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ فِي الْقُدْسِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ:
*الْأَهْدَافُ الْأَمْنِيَّةُ: تَوْفِيرُ حِزَامٍ أَمْنِيٍّ أَكْثَرَ قُرْبًا مِنْ مَنَاطِقِ الْقُدْسِ الْآهِلَةِ بِالسُّكَّانِ وَمِنَ السَّاحِلِ.
*تَكْثِيفُ دِفَاعَاتِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْقُدْسِ مِنْ جِهَةِ السَّاحِلِ.
*حِمَايَةُ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْقُدْسِ مِنْ جِهَةِ نَهْرِ الْأُرْدُن؛ فَالْحِزَامُ الْأَمْنِيُّ الرَّئِيسُ عَلَى امْتِدَادِ نَهْرِ الْأُرْدُن يُعَدُّ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ عَسَكَرِيَّةٍ اسْتَرَاتِيجِيَّةٍ أَفْضَلَ وَأَهَمَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ مُسْتَوْطَنَاتِ الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ وَمَمَّرِ الْقُدْسِ، كَمَا اسْتَمَرَّتْ إِسْرَائِيلُ فِي بِنَاءِ الْمُسْتَوْطَنَاتِ رَغْمَ مُفَاوَضَتِهَا مَعَ الطَّرَفِ الْفِلِسْطِينِيِّ مَعَ بَدْءِ الْعَمَلِيَّةِ السِّلْمِيَّةِ بَعْدَ تَوْقِيعِ (اتِّفَاقِيَّةِ أُوسْلُو) وَغَزَّةَ - أَريِحا) فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ مَارِس سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْف (13/3/1993م).
* الْأَهْدَافُ الدِّيمُوغْرَافِيَّةُ:
*اعْتَمَدَ قَادَةُ إِسْرَائِيلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ مَبْدَأَيْنِ أَسَاسَيْنِ فِي سِيَاسَتِهِمْ التَّهْوِيدِيَّةِ لِلْقُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ.
*زِيَادَةُ عَدَدِ السُّكَّانِ الْيَهُودِ، وَعَرْقَلَةُ نُمُوِّ السُّكَّانِ الْعَرَبِ، وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَنَازِلِهِمْ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْف قَامَ جِنَرَالَانِ إِسْرَائِيلِيَّانِ (شلُومُو لَاهِط وَرَحْبَعَان زِئيفِي) بِرَسْمِ الْحُدُودِ الْجَدِيدَةِ لِبَلَدِيَّةِ الْقُدْسِ وَفْقًا لِمَبْدَأَيْنِ:
- ضَمُّ الْجُزْءِ الْأَكْبَرِ مِنَ الْأَرَاضِي الْفِلِسْطِينِيَّةِ، وَتَخْصِيصُهَا لِبِنَاءِ الْمُسْتَوْطَنَاتِ.
- وَإِقْصَاءُ التَّجَمُّعَاتِ الْفِلِسْطِينِيَّةِ الْكُبْرَى عَنْ نِطَاقِ الْبَلَدِيَّةِ؛ تَقْلِيصًا لِعَدَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ قَامَتْ سُلُطَاتُ الِاحْتِلَالِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ فِعْلًا بِمُصَادَرَةِ ثُلُثِ أَرَاضِي الْقُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ؛ لِبِنَاءِ مُسْتَوْطَنَاتِهَا الْكَثِيفَةِ وَمُسْتَلْزَمَاتِهَا مِنْ بِنًى تَحْتِيَّةٍ وَغَيْرِهَا.
كَمَا مَنَعَتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى ثَمَانِينَ بِالْمِئَةِ (80%) مِنَ الْأَرَاضِي الْمُتَبَقِيَةِ وَهِيَ تِسْعْةٌ وَثَلَاثُونَ كِيلُو مِتْر مُرَبَّعٍ مِنْ مَجْمُوعِ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ كِيلُو مِتْرٍ مُرَبَّعٍ بِحُجَّةِ وُقُوعِهَا خَارِجَ الْمُخَطَّطَاتِ الْهَيْكَلِيَّةِ الْحَصْرِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْقُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ.
* الْأَهْدَافُ الِاقْتِصَادِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ:
عُدَّ تَحْوِيلُ الْقُدْسُ الْكُبْرَى مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَنْطَقَةٍ فَصْلًا بَيْنَ الْمَنَاطِقِ الشَّمَالِيَّةِ وَالْجَنُوبِيَّةِ مِنَ الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَسَاعَدَ فِي تَفْكِيكِ التَّوَاصُلِ الْجُغْرَافِيِّ، وَتَحَكَّمَ فِي حَرَكَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ بِحَيْثُ جَعَلَ الدَّوْلَةَ الْمُرْتَقَبَةَ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْحَيَاةِ، وَجَعَلَ سِيَادَتَهَا مُصْطَنَعَةً وَمُخَلْخَلَةً.
وَجَاءَ الْإِعْدَادُ لِإِقَامَةِ الْقُدْسِ الْكُبْرَى بِكَثَافَةٍ سُكَّانِيَّةٍ يَهُودِيَّةٍ؛ لِشَلِّ الْحَيَاةِ الْفِلِسْطِينِيَّةِ اقْتِصَادِيًّا وَثَقَافِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا؛ لِأَنَّ أَرْبَعِينَ بِالْمِئَةِ (40%) مِنْ الِاقْتِصَادِ الْفِلِسْطِينِيِّ يَدُورُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِلَالِ السِّيَاحَةِ وَالْحَيَاةِ التِّجَارِيَّةِ وَالصِّنَاعَةِ.
كَمَا أَنَّ انْتِزَاعَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ مِنَ الْحَيِّزِ الْفِلِسْطِينِيِّ يَقْضِي نِهَائِيًّا عَلَى قَابِلِيَّةِ الدَّوْلَةِ الْفِلِسْطِينِيَّةِ لِلْحَيَاةِ، إِضَافَةً إِلَى خَطَرِ أَنْ يَعْتَرِفَ الْعَالَمُ بِالْقُدْسِ عَاصِمَةً مُوَحَدَّةً وَأَبَدِيَّةً لِإِسْرَائِيلَ، وَمَا يَعْنِيهِ مِنْ اعْتِرَافِ دُوَلِ الْعَالِمِ بِسِيَاسَةِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ.
*الْأَهْدَافُ الدِّينِيَّةُ:
*طَمْسُ مَعَالِمِ الْحَضَارَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْقُدْسِ مِنْ خِلَالِ هَدْمِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَقُبَّةِ الصَّخْرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رُمُوزِ الْحَضَارَةِ، وَتَقَاسَمُهُمَا مَعَ الْعَرَبِ وَالْمُسْلِمِينَ.
*إِقَامَةُ الْهَيْكَلِ الْمَزْعُومِ مَكَانَ الْأَقْصَى؛ لِيَكُونَ مَحَلًّا جَذْبٍ لِلْيَهُودِ مِنْ شَتَّى أَنْحَاءِ الْعَالَمِ.
((عَقِيدَةُ الْيَهُودِ: أَنَّهُمْ شَعْبُ اللهِ الْمُخْتَارُ))
الْعَقِيدَةُ الصُّهْيُونِيَّةُ التَّوْرَاتِيَّةُ التُّلْمُودِيَّةُ تَقُومُ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ هُمْ شَعْبُ اللهِ الْمُخْتَارُ، وَأَنَّ بَاقِيَ الْبَشَرِ جُويِيم –أَيْ هُمْ أُمِّيُّيونَ أَغْيَارٌ- خَلَقَهُمُ اللهُ عَلَى هَيْئَةِ الْبَشَرِ لِيَكُونُوا فِي خِدْمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ!! هَذِهِ عَقِيدَةُ الْيَهُودِ أَنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ وَأَنْتُمْ أَغْيَارٌ عَلَى هَيْئَةِ الْبَشَرِ، لَا تَكْرِيمًا لَكُمْ، وَإِنَّمَا تَكْرِيمًا لِلْيَهُودِ؛ لِكَيْ تَصْلُحُوا أَنْ تَكُونُوا خَدَمًا عِنْدَهُمْ.
هَذَا الْمُعْتَقَدُ دَفَعَ الْيَهُودَ إِلَى الِانْزِوَاءِ وَالِانْغِلَاقِ فِي كَانتُونَاتٍ مُنْعَزِلَةٍ تَحْمِيهِمْ مِنَ الِانْخِرَاطِ وَالذَّوَبَانِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لِحِفْظِ التَّمَيُّزِ الْيَهُودِيِّ، وَصِيَانَةِ مَا يَجْعَلُ الشَّعْبَ الْيَهُودِيَّ شَعْبًا مُخْتَارًا، هَذَا مَا أَكَّدَهُ (التُّلْمُودُ) فِي الْعِبَارَةِ الَّتِي تَقُولُ:
((مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلَ الْيَهُودِيُّ كُلَّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْفِكُ دَمَ الْكَافِرِ يُقَدِّمُ قُرْبَانًا لِلَّهِ)).
هَذَا فِي التُّلْمُودِ، وَالتُّلْمُودُ: مَجْمُوعَةُ التَّعَالِيمِ وَالتَّقَالِيدِ الْيَهُودِيَّةِ الْمَنْقُولَةُ شَفَهِيًّا عَنْ رِجَالِ الدِّينِ مِنْ حَاخَامَاتِهِمْ.
((عَقِيدَةُ الْيَهُودِ التَّوْرَاتِيَّةُ الْقَتْلُ وَالذَّبْحُ))
إِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْجَبُ مِنْ تَفَجُّرِ يَنَابِيعِ الْوَحْشِيَّةِ فِي النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى الْمَدَى الَّذِي لَا يُعْقَلُ وَلَا يُصَدَّقُ، وَالنَّاسُ لَا يَصْدُرُونَ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَتَحَرَّكُونَ حَرَكَةً فِي حَيَاتِهِمْ إِلَّا بِبَاعِثٍ وَدَافِعٍ، وَأَكْبَرُ الْبَوَاعِثِ وَأَجَلُّ الدَّوَافِعِ مَا كَانَ عَقِيدَةً وَدِينًا، فَإِذَا كَانَتِ الْعَقِيدَةُ تَدْفَعُ إِلَى الْوَحْشِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الدِّينُ يَحُضُّ عَلَى الْعُنْفِ وَالْقَتْلِ وَالتَّدْمِيرِ وَالتَّخْرِيبِ؛ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَاوَمَ إِلَّا بِمِثلِهِ، بِعَقِيدَةٍ بَنَّاءَةٍ وَدَافِعَةٍ إِلَى الرُّقِيِّ وَالْعَدْلِ، وَمُقِيمَةٍ لِصَرْحٍ شَامِخٍ مِنَ الْفَضْلِ.
*دَافِعٌ عَقَدِيٌّ دِينِيٌّ تَوْرَاتِيٌّ وَرَاءَ وَحْشِيَّةِ الْيَهُودِ:
لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَوَّرَ هَذَا الْكَمَّ الْفَظِيعَ مِنَ الْوَحْشِيَّةِ، تَنْطَلِقُ عَقَارِبُهَا، وَتَنْسَابُ حَيَّاتُهَا وَأَفَاعِيهَا تَدْمِيرًا وَتَخْرِيبًا وَقَتْلًا، لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادٍ رَاسِخٍ فِي النَّفْسِ أَنَّ مَا يُفْعَلُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَرْضَاةِ الرَّبِّ، وَفِي تَحْصِيلِ رِضَاءِ الْإِلَهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَنْ وَهْمٍ أَمْ عَنْ خَدِيعَةٍ، أَمْ عَنْ خِدَاعٍ وَطَمَعٍ، أَمْ عَنْ تَحْرِيضٍ وَفَزَعٍ، فَالْمُحَصِّلَةُ وَاحِدَةٌ، وَالنَّتِيجَةُ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَلَا مُسَاوَمَةَ عَلَيْهَا.
لَوْ نَظَرَ الْإِنْسَانُ فِي ((الْعَهْدِ الْقَدِيمِ)) وَنَظَرَ فِي ((سِفْرِ حِزْقِيَالَ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِن رَقْمِ 15 إِلَى 17))؛ لَعَرَفَ الدَّافِعَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْبَاعِثِ، وَلَمْ يَعُدْ بَعْدُ مَجَالٌ لِلْعَجَبِ، وَلَا مَسَارٌ لِلدَّهَشِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مُنَظَّمٌ فَاعِلٌ مُتَحَوِّلٌ فِي دُنْيَا اللهِ لِأَسَاطِيرَ مَكْتُوبَةٍ، وَلِأَسْفَارٍ مَعْلُومَةٍ يُحَوِّلُهَا الْقَوْمُ بِعَقِيدَتِهِمْ فِيهَا، وَإِيمَانِهِمْ بِهَا إِلَى وَاقِعٍ مَفْرُوضٍ.
يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ -كَذَا يَزْعُمُونَ- فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ: ((هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَدْ عَمِلُوا بِالِانْتِقَامِ، وَانْتَقَمُوا نَقْمَةً بِالْإِهَانَةِ إِلَى الْمَوْتِ لِلْخَرَابِ مِنْ عَدَاوَةٍ أَبَدِيَّةٍ)).
فَلِلْفِلِسْطِينِيِّينَ فِي ((الْعَهْدِ الْقَدِيمِ)) مِنْ كَلَامِ الرَّبِّ -كَمَا يَزْعُمُونَ- الْعَدَاوَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَالْمَذْبَحَةُ الْجَمَاعِيَّةُ، بِكَلَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ لَدُنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَكَذَبُوا، وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا ائْتَفَكُوهُ وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ.
((فَلِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا أَنَا ذَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَسْتَأْصِلُ الْكَرِيتِيِّينَ، وَأُهْلِكُ بَقِيَّةَ سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ نَقْمَاتٍ عَظِيمَةً بِتَأْدِيبِ سَخَطٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، إِذْ أَجْعَلُ نَقْمَتِي عَلَيْهِمْ)).
هَذِهِ عَقِيدَتُهُمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ، وَهَذَا دِينُهُمُ الَّذِي بِهِ يَدِينُونَ، وَهَذَا هُوَ الْوَحْيُ الْمَكْذُوبُ الَّذِي ائْتَفَكُوهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا قَدْ حَوَّلُوهُ إِلَى وَاقِعٍ مَنْظُورٍ مَفْرُوضٍ بِمَذلَّةٍ مُهِينَةٍ نَازِلَةٍ عَلَى كُلِّ مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَخَالَفَ شَرِيعَةَ نَبِيِّهِ ﷺ.
* عَلَى مَدَارِ التَّارِيخِ لَيْسَ لِلْيَهُودِ إِسْهَامٌ يُذْكَرُ فِي الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ:
الْعَجِيبُ الْغَرِيبُ أَنَّ أُمَّةً بِهَذِهِ الضَّعَةِ بِهَذَا الْهَوَانِ، وَلُغَتُهَا مَيِّتَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا، الْعَجِيبُ الَّذِي لَا يَفْرُغُ مِنْهُ الْعَجَبُ أَنَّ أُمَّةً عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْعَلَ لُغَتَهَا لُغَةَ الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ، صَحِيحٌ أَنَّ الْيَهُودَ كَمَا قَرَّرَ الْغَرْبِيُّونَ مِنْ مُنْصِفِيهِمْ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، كَمَا قَالَ (جُوستَاف لُوبُون) فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ: عَلَى مَدَارِ التَّارِيخِ لَيْسَ لَهُمْ إِسْهَامٌ يُذْكَرُ فِي الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
بَلْ هُمْ أَهْلُ الدَّسَائِسِ وَالْمِحَنِ، وَأَهْلُ الْفِتَنِ وَالْإِحَنِ، وَلَمْ يُسْهِمُوا قَطُّ فِي تَرْقِيَةِ الْحَيَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَطُّ مُسَاهَمَةٌ فِي فِكْرٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا يَبْنِي صَرْحَ مَدَنِيَّةٍ، أَوْ يَشِيدُ حَضَارَةً إِنْسَانِيَّةً، بَعِيدًا عَنِ الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ، لَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا.
إِنَّمَا عَلَّمُوا الْعَالَمَ الدَّسَائِسَ وَالْفِتَنَ، يُشْعِلُونَ الْحَرَائِقَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيُثِيرُونَ الْحُرُوبَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَلَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً.
((وَاجِبُ الْعُلَمَاءِ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ طَبِيعَةَ عَدُوِّهِمْ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ يَدَّعُونَ الْحَقَّ التَارِيخِيَّ فِي الْمَدِينَةِ, وَيَقُولُونَ: إِنَّهُم أَحَقُّ بِهَا وَأَهلُهَا, وَأَنَّهَا مِلْكٌ خَالِصٌ لَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ إِذْ هِيَ مَوعُودُ الرَّبِّ -بِزَعمِهِم-, فَهُمْ كَذَبَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِرهَابَهُمُ الصُّهِيُونِيَّ يَرتَكِزُ عَلَى عَقِيدَةٍ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ.
فَحَرِيٌّ بِالشُّيُوخِ أَنْ يُعَلِّمُوا الْمُسْلِمِينَ طَبِيعَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَنْ يَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْعَدَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمُ الْأَكْبَرِ؛ إِذْ هُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بَلْ إِنَّهُمْ لَيَأْتُونَ بِالْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي كُلِّ حِينٍ، وَيُثِيرُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا يُثِيرُونَهُ، وَيَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ وَعْدَ الرَّبِّ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَمْتَلِكُونَ مَا تَحْتَ أَقْدَامِ الشُّيُوخِ، وَعْدًا مِنَ الرَّبِّ غَيْرَ مَكْذُوبٍ عِنْدَ أُولَئِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ!! إِذْ إِنَّهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ لَهُمْ بِوَعْدِهِ إِيَّاهُمْ، وَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَ رَبَّهُمْ بِزَعْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَقُوا مَا اخْتَلَقُوهُ وَأَفِكُوا مَا أَفِكُوهُ ثُمَّ صَدَّقُوهُ وَعَاشُوا بِهِ عَقِيدَةً يَتَحَرَّكُونَ بِهَا فِي النَّاسِ، وَيُنَفِّذُونَهَا فِي دُنْيَا النَّاسِ.
عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِمْ وَأَنْ يَحْرِصُوا عَلَى عَقِيدَتِهِمْ، وَأَنْ يَعْرِفُوا عَدُوَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ ذَكَرَ الْيَهُودَ بِصِفَاتِهِمْ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ.
حَرِيٌّ بِمَنْ يَقُولُ عَدُوُّهُ إِنَّ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ إِنَّمَا هُوَ وَعْدُ الرَّبِّ لِعَدُوِّهِ؛ حَرِيٌّ بِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ يُنَبِّهَ شَعْبَهُ وَمُوَاطِنِيهِ وَإِخْوَانَهُ، وَأَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ فِي الْقَضِيَّةِ وَأَنْ يُنَبِّهَهُمْ إِلَى خُطُورَةِ هَذَا الْعَدُوِّ الرَّابِضِ الْجَاثِمِ عَلَى الْبَوَّابَةِ الشَّمَالِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ، يَنْتَظِرُ الْفُرْصَةَ تَسْنَحُ حَتَّى يَنْقَضَّ كَاسِرًا.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((دَاءُ الْأُمَّةِ وَدَوَاؤُهَا وَحَلُّ قَضِيَّةِ الْأُمَّةِ))
فَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ أُمَّةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَتَمَكَّنُ مِنْ رِقَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَبُّهَا الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سُوءٍ، الْمُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَنَبِيُّهَا مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، النَّبِيُّ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ الدِّينَ، وَكَمَّلَ لَهُ خُلُقَهُ، وَأَحْسَنَ لَهُ خَلْقَهُ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَأَفْضَلَ إِلَيْهِ، وَآتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ كَرَامَةً وَرِفْعَةً، وَعَطَاءً وَإِكْرَامًا.
وَكِتَابُهَا الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، الَّذِي لَمْ يَأْتَمِنِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، فَحَفِظَهُ بِنَفْسِهِ، وَكُتُبُ الْأَقْدَمِينَ كَانُوا مُسْتَحْفَظِينَ عَلَيْهَا، فَبَدَّلُوهَا وَحَرَّفُوهَا، وَمَسَخُوهَا وَسَلَخُوهَا مِنْ سِيَاقَاتِهَا حَتَّى وَضَعُوهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا.
سَلَامُهُمْ حَرْبٌ، وَعَطَاؤُهُمْ مَنْعٌ، وَإِكْرَامُهُمْ إِذْلَالٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَهِينُونَ، أَهَانَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، هَؤُلَاءِ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ رِقَابِ أَبْنَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟!!
إِنَّ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي الْأُمَّةِ إِذَنْ لَعَظِيمٌ.
*أَمْرَاضٌ خَطِيرَةٌ فِي الْأُمَّةِ الْيَوْمَ هِيَ سَبَبُ الْهَزِيمَةِ وَالذِّلَّةِ!!:
*دَاءُ النِّسْيَانِ!!
يَنْسَى النَّاسُ، وَيَعُودُونَ إِلَى سَالِفِ حَيَاتِهِمْ وَوَقَائِعِ أَحْوَالِهِمْ، وَسُرْعَانَ مَا يَذْهَبُ الْحَدَثُ فِي خِضمِّ الْأَحْدَاثِ، وَكُلَّمَا جَاءَتْ فِتْنَةٌ رَقَّقَتْ سَابِقَتَهَا، وَسَارَ النَّاسُ إِلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ، وَانْفِعَالٌ مُؤَقَّتٌ، وَهُتَافٌ وَصُرَاخٌ، وَتَخْوِينٌ وَتَفْرِيقٌ، ثُمَّ مَاذَا بَعْدُ؟!!
لَا شَيْءَ، وَيَعُودُ النَّاسُ إِلَى سَالِفِ حَيَاتِهِمْ وَوَقَائِعِ أَحْوَالِهِمْ، يُقْبِلُونَ عَلَى الْمَلَذَّاتِ، هَلِ انْقَطَعَتْ مُوَاقَعَةُ الشَّهَوَاتِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَتَّلُونَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقْصَفُونَ؛ لِأَنَّ الْأَطْفَالَ يُهَدَّدُونَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُشَرَّدُونَ؟!!
*دَاءُ الِاسْتِهَانَةِ بِآلَامِ الْأُمَّةِ، وَالْمُسَانَدَةُ الْوَهْمِيَّةُ الْخَائِبَةُ لِقَضِيَّةِ الْأُمَّةِ:
النَّاسُ يَبْكُونَ وَهُمْ يَتَلَهُّونَ يَتَفَرَّجُونَ!! صَارَ أَمْرًا عَادِيًّا مَأْلُوفًا، وَصَارَ الْحَدَثُ الْمُتَكَرِّرُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَنْفُسِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى عَلَى الْحِسِّ الْإِيمَانِيِّ الصَّحِيحِ، النَّاسُ يَتَفَرَّجُونَ، وَقَدْ تَنْهَمِرُ مِنْهُمُ الدُّمُوعُ لِمَا يَرَوْنَ وَلِمَا يُشَاهِدُونَ، ثُمَّ مَاذَا بَعْدُ؟!! لَا شَيْءَ.
أَلَمْ تَنْفَعِلُوا قَبْلُ؟!!
أَلَمْ تَخْرُجِ الْمُظَاهَرَاتُ؟!!
أَلَمْ يَعْلُ الْهُتَافُ؟!!
أَلَمْ يَرْتَفِعِ الصُّرَاخُ؟!!
أَلَمْ نُرِقْ أَنْهَارًا مِنَ الْمِدَادِ عَلَى أَطْنَانٍ مِنَ الْأَوْرَاقِ؟!!
أَلَمْ تَمُرَّ تِلْكَ الذِّكْرَيَاتُ؟!!
ثُمَّ أَلَمْ تُطْمَرْ بَعْدُ فِي خِضَّمِ بَحْرِهَا ثُمَّ عَفَّى عَلَيْهَا الزَّمَانُ، وَعَادَ الْقَوْمُ لِلَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ، وَالْقِتَالِ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ!! نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْمِ الشَّعْبِ الْمُحَاصَرِ!!
لَا بَأْسَ مِنْ إِقَامَةِ مُبَارَاتَيْنِ تُحْشَدُ فِيهِمَا الْجُمُوعُ الْهَاتِفَةُ مُتَعَصِّبَةً صَاخِبةً، ثُمَّ نَأْخُذُ الْأَمْوَالَ لِنَدْعَمَ الشَّعْبَ الَّذِي تُرَاقُ دِمَاؤُهُ وَيُهْتَكُ عِرْضُهُ، وَيُرَوَّعُ فِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ، لَا يَطْعَمُ جَفْنُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَحْظَةً مِنْ غُمْضٍ، يَا لَهَا مِنْ أَعْصَابٍ مَحْرُوقَةٍ كَالْأَرْضِ الْمَحْرُوقَةِ!!
وَلَا بَأْسَ أَيْضًا مِنْ دَعْمِ الْقَضِيَّةِ؛ بِإِقَامَةِ حَفْلَةٍ أَوْ حَفْلَتَيْنِ لِمُغَنِّيَةٍ أَوْ مُغَنِّيَتَيْنِ، أَوْ لِرَاقِصَةٍ أَوْ رَاقِصَتَيْنِ، ثُمَّ تُجْمَعُ الْأَمْوَالُ مِنَ الشَّعْبِ الَّذِي يَرَى وَيَرْقُبُ، وَتَتَحَرَّكُ فِيهِ الْغَرَائِزُ، فَتُجْمَعُ الْأَمْوَالُ بَعْدُ لِكَيْ تُصَبَّ فِي الْأَيْدِي الْمَمْدُودَةِ، وَالْأَفْوَاهِ الْفَاغِرَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وَلِكَيْ تَذْهَبَ إِلَى الْمَعِدَاتِ الَّتِي قَتَلَهَا الْجُوعُ وَمَزَّقَهَا.
لَا بَأْسَ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ بِغَاءٍ!! لَا بَأْسَ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ حَرَامٍ وَاغْتِصَابٍ!!
لَا بَأْسَ!! ثُمَّ لِنَنَمْ بَعْدُ وَقَدْ قَرَّتْ مِنَّا الْعُيُونُ، وَهَدَأَتْ مِنَّا النُّفُوسُ، أَلَمْ نَدْعَمِ الْقَضِيَّةَ؟!!
لَا يُمْكِنُ أَنْ تَدْعَمَ الْقَضِيَّةَ أُمَّةٌ مُؤَخِّرَةُ فُلَانَةَ مِنَ الرَّاقِصَاتِ عِنْدَهَا –أُمَّةٌ مُؤَخِّرَةُ الرَّاقِصَةِ فُلَانَةَ عِنْدَ جُمُوعِ أَبْنَائِهَا- أَهَمُّ مِنْ مُقَدِّمَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ!! لَا يَكُونُ.
*مِنْ أَخْطَرِ أَمْرَاضِ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ: دَاءُ التَّحَزُّبِ وَالْفُرْقَةِ:
وَمِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي أَصَابَتِ الْأُمَّةِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ مُدَمَّرٌ مَنْسُوفٌ، وَالدِّينَ مُغَيَّبٌ فِي زُيُوفٍ، وَالنَّاسُ فِي حَيْرَةٍ يَتَلَدَّدُونَ، نُرِيدُ أَنْ نَعُودَ إِلَى الدِّينِ، عَلَى أَيِّ طَرِيقَةٍ؟ وَمَعَ أَيِّ جَمَاعَةٍ؟
دِينُ مَنْ؟
دِينُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ أَمْ دِينُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ؟
مَا الْأُصُولُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهَا؟
وَمَا الْعَقَائِدُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ نَصْدُرَ عَنْهَا؟
مَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ؟
قَدْ شَوَّهَتْهُ النَّزْعَاتُ!!
وَذَهَبَت بِبَهْجَتِهِ الْجَمَاعَاتُ!!
وَصَارَ بَدَدًا وَبِدَدًا!!
وَصَارَ مُمَزَّقًا مِزَقًا!!
وَالْيَومَ مِنْ تَحْتِ الرُّكَامِ يَبْحَثُ الْقَوْمُ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ!!
وَدِينُ مُحمَّدٍ قَائمٌ فِي نُصُوعِهِ لَا يَزُولُ، وَلَكِنْ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَهْمِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
النَّاسُ فِي حَيْرَةٍ يَتَلَدَّدُونَ!!
تَشَعَّبَتِ السُّبُلُ، وَتَفَرَّقَتِ الطُّرُقُ، وَخَرَجَتْ أَقوَامٌ -أَجيَالٌ مُشَوَّهَةٌ- شَائِهَةٌ؛ تَحْسَبُ أَنْفُسَهَا طَلِيعَةً لِجُنْدِ مُحَمَّدٍ، الَّذِينَ يُحَرِّرُونَ الْأَرْضَ وَالَّذِينَ يَصُونُونَ الْعِرْضَ؛ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَهُمْ يُجَانِبُونَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ!! قُسَاةُ الْقُلُوبِ، غِلَاظُ الْأَكْبَادِ، لَهُمْ عِبَادَاتٌ وَلَا عَقِيدَةَ لَهُمْ تَقُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ أَصْحَابُ مُحمَّدٍ الْمَأمُونِ.
غَامَتِ الرُّؤَى، وَانْبَهَمَتِ السُّبُلُ وَضَلَّتِ الْأَقدَامُ سَوَاءَ الطَّرِيقِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-.
*أُمَّةٌ مُخْتَرَقَةٌ إِلَى الْقُرَى وَالنُّجُوعِ مِنْ شَيَاطِينِ الْيَهُودِ وَالْمَاسُونِ:
أُمَّةٌ مُخْتَرَقَةٌ إِلَى الْقُرَى وَالنُّجُوعِ، اخْتَرَقَتْهَا جَحَافَلُ يَهُودَ، وَالْمَاسُونِيَّةُ مِنْ أَعْتَى صُوَرِ الصُّهْيُونِيَّةِ، وَمِنْ مَحَافِلِهَا يَخْرُجُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْخُطَطِ، مِنْ أَجْلِ مَا يُسَمُّونَهُ بِـ(مَمْلَكَةِ صُهْيُونَ الْكُبْرَى)، وَهِيَ وَعْدُ الرَّبِّ الْإِلَهِ مُتَرْجَمًا إِلَى لُغَةِ الْعَصْرِ عِنْدَهُمْ.
وَمِنْ فُرُوعِ الْمَاسُونِيَّةِ (أَنْدِيَةُ الرُّوتَارِي) وَ(اللِّيُونز)، وَهِيَ تَتَسَلَّلُ بَيْنَكُمْ فِي دِيَارِكُمْ؛ بِسَبَبِ رِجَالٍ مِنْ جِلْدَتِكُمْ، يَتَمَسَّكُونَ بِدِينِكُمْ ظَاهِرًا، وَلَا يَعْلَمُونَ خَبِيئَةَ الْأَمْرِ، وَهِيَ جَمْعِيَّةٌ خَيْرِيَّةٌ ظَاهِرًا، مُخَرِّبَةٌ تَسِيرُ عَلَى قَوَاعِدِ الصُّهْيُونِيَّةِ بَاطِنًا، مَعْلُومٌ هَذَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى الْقُرَى وَالنُّجُوعِ، وَالنَّاسُ فِي بَلَاهَةٍ يَنْظُرُونَ.
((سَبَبُ النَّصْرِ الْأَعْظَمُ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّبَاعِ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَجْعَلْ لِكَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ سَبِيلًا، لَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- لِكَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ اسْتِعْلَاءً، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ بُرْهَانُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْإِنْسَانِيُّ وَحُجَّتُهُ الْقَائِمَةُ فِي الْأَرْضِ عَلَى كُلِّ مَنِ انْحَرَفَ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ.
وَالْمُسْلِمُ هُوَ الْعَلَامَةُ الْإِيمَانِيَّةُ السَّاطِعَةُ، الْمُسْلِمُ الَّذِي حَقَّقَ التَّوْحِيدَ وَأَكْمَلَ الِاتِّبَاعَ هُوَ حُجَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي عَصْرِهِ عَلَى خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُقِيمُ دِينَ اللهِ، وَيَتَمَسَّكُ بِأَمْرِ اللهِ، وَيَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، إِنَّ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي الْأُمَّةِ إِذَنْ لَعَظِيمٌ، فَأَيْنَ هُوَ؟
غَفْلَةٌ مَعِيبَةٌ، وَسَهْوٌ عَنْ كَرَائِمِ الْأُمُورِ وَمَعَالِيهَا، وَحُيُودٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ؛ مِنْ تَطْهِيرِ الْجَنَانِ مِنْ دَرَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَمِنْ تَجْمِيلِ الْأَرْكَانِ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْعَدْنَانِ.
النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمَرْحُومَةَ لَا تَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ حَارَبَهَا وَعَادَاهَا، وَلَا مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَخَذَلَهَا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ هُمُ الْمُوَحِّدُونَ الَّذِينَ أَخْلَصُوا التَّوْحِيدَ لِلْعَزِيزِ الْمَجِيدِ وَجَرَّدُوهُ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَأَحْكَمُوا الِاتِّبَاعَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ الْعَظِيمِ ﷺ، هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ عَصْرٍ هُمْ مَنْ كَانُوا عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
إِنَّ الْوَاقِعَ الَّذِي نَعِيشُ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْأُمَّةِ، وَعَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْخَلَلِ، وَلَنْ يَمُرَّ بِهِ طَوِيلُ زَمَانٍ حَتَّى يَضَعَ الْيَدَ عَلَيْهِ، مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُتَجَرِّدًا وَلِلنَّبِيِّ مُتَابِعًا، يَنْفِي الْهَوَى جَانِبًا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأُمُورِ بِفَرْضِيَّاتٍ قَدْ أَتَى بِهَا قَبْلُ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ وَقَدْ أَلْقَى زِمَامَ قَلْبِهِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ، فَأَيْنَمَا قَادَهُ الشَّرْعُ انْقَادَ لَهُ، وَأَيْنَمَا مَالَتْ بِهِ النُّصُوصُ مَالَ مَعَهَا، وَلَنْ تَمِيلَ بِهِ إِلَّا عَاطِفَةً عَلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، هَادِيَةً لَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَارَبَتْهُ يَهُودُ، وَأَظْفَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا، وَمَكَّنَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهَا، وَأَذَلَّهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْهِ، نَبِيُّكُمْ ﷺ نَبِيُّ الْعِزَّةِ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
بِمَاذَا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَصَحْبَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-؟
النَّبِيُّ ﷺ دَعَا إِلَى اللهِ، وَاسْتَمَرَّ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا فِي مَكَّةَ، يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، لَمْ تُفْرَضْ صَلَاةٌ عَلَى النَّحْوِ الْمَعْرُوفِ إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَذَانٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، بَلْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ خَائِفِينَ، لَمْ تُفْرَضْ زَكَاةٌ، لَمْ يُفْرَضْ صِيَامٌ، لَمْ يُفْرَضْ حَجٌّ، لَمْ يُفْرَضْ قِتَالٌ، بَلْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِكَفِّ الْأَيْدِي فِي مَكَّةَ، فَمَاذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ؟
كَانُوا لِرَبِّهِمْ يُوَحِّدُونَ، وَفِي عِبَادَتِهِ يُخْلِصُونَ، يُخَلِّصُونَ الْعَالَمَ مِنْ شِرْكِهِ، وَيَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَمْأَةِ كُفْرِهِ، وَيُقِيمُونَهُ عَلَى الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ظَلَّ يَدْعُو إِلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَيُعَلِّمُ التَّوْحِيدَ، وَيَدْعُو إِلَى صِدْقِ الِاتَّبَاعِ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ، فِي السَّفَرِ وَالْحَلِّ، وَفِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، فِي الْمَسْجِدِ وَفِي السُّوقِ، قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبٍ يُعَلِّمُ مَا يُعَلِّمُ مِنْ سُنَنِ الْمَنَامِ وَأَذْكَارِهِ ﷺ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.
وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَفِي آخِرِ مَا قَالَ نَبِيُّكُمُ الْمُخْتَارُ ﷺ وَعَلَى وَجْهِهِ قَطِيفَةٌ قَدْ تَخَمَّرَ بِهَا، وَكَانَ يَرْفَعُهَا وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ وَيُرَهِّبُ مِنَ الشِّرْكِ، يَقُولُ -إِذْ يَرْفَعُ الْقَطِيفَةَ عَنْ وَجْهِهِ-: ((لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ -يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا-)).
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ.
هَذِهِ وَصِيَّتُهُ لِأُمَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَمَنْطِقِهِ وَلَفْظِهِ، يُحَذِّرُ مِنَ الشِّرْكِ وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ.
لَا عِزَّ لَكُمْ إِلَّا بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ وَاتِّبَاعِ نَبِيِّكُمْ، إِنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُؤيِّدُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَمُدُّ الْمُشْرِكِينَ بِمَدَدٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنَّمَا يَنْصُرُ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَّبِعِينَ، وَإِنْ كَانُوا قِلَّةً قَلِيلِينَ، يَأْتِيهِمْ تَأْيِيدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نُصْرَتُهُ، يُثَبِّتُ أَقْدَامَهُمْ، وَيُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ، وَيُنْزِلُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ، وَيُؤْتِيهِمُ الْإِنَابَةَ، إِذْ حَفِظُوا الْأَمَانَةَ –أَمَانَةَ الدِّينِ-.
تَعَلَّمُوا تَوْحِيدَ رَبِّكُمْ، اعْتَقِدُوهُ، وَنَفِّذُوهُ، وَادْعُوا إِلَيْهِ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى دُونَهُ، أَمَّا الِانْفِعَالَاتُ الثَّائِرَةُ فَسَرْعَانَ مَا تَخْبُو، وَسَرْعَانَ مَا تَزُولُ، وَتَتَبَّعْ مُخْلِصًا غَيْرَ مَأْمُورٍ تَارِيخَ خُرُوجِ الشُّعُوبِ، تَخْرُجُ تَهْتِفُ، تَهْتِفُ بِمَاذَا؟
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى
وَقَدْ رَاجَ الزُّورُ عَلَيْهِ
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى يَهْتِفُ بِحَيَاةِ قَاتِلَيْهِ
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى
يَا لَهُ مِنْ بَبَّغَاءٍ عَقْلُهُ فِي أُذُنَيْهِ
رَاجَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ وَانْطَلَى الزُّورُ عَلَيْهِ
((مَتَى تَعُودُ إِلَيْنَا الْقُدْسُ وَنَسْتَرِدُّ الْأَقْصَى السَّلِيبَ؟!!))
*وَالسُّؤَالُ الْآنَ: مَتَى تَعُودُ إِلَيْنَا فِلَسْطِينُ؟
فِي لِقَاءٍ بَيْنَ الْمُفْتِي الْأَسْبَقِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الْحُسَيْنِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ وَطَنِهِ فِلَسْطِينَ، سُئِلَ -رَحِمَهُ اللهُ- كَمَا هِيَ الْعَادَةُ إِذَا مَا الْتَقَى بِهِ بَعْضُ أَبْنَاءِ وَطَنِهِ السَّلِيبِ: مَتَى نَعُودُ إِلَى فِلَسْطِينَ؟
قَالَ: إِذَا عُدْتُمْ إِلَى اللهِ عُدْتُمْ إِلَى فِلَسْطِينَ.
وَإِذَا سَأَلَ مُسْلِمٌ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ مَتَى تَعُودُ إِلَيْنَا فِلَسْطِينُ؟
فَالْجَوَابُ هُوَ الْجَوَابُ: إِذَا عُدْتُمْ إِلَى اللهِ عَادَتْ إِلَيْكُمْ فِلَسْطِينُ.
وَهَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقًى مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: ((تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)).
قَالُوا: أَوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟
فَقَالَ ﷺ: ((لَا، إِنَّكُمْ يَؤْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ الرَّهْبَةَ مِنْكُمْ مِنْ قُلُوبِ أَعْدَائِكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)).
قَالُوا: وَمَا الْوَهْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) .
فَإِذَا عُدْنَا إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَعَادَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْنَا وَإِلَيْنَا مَا سُلِبَ مِنَّا، وَإِذَا مَا لَجَّ بِنَا بُعْدُنَا عَنْ رَبِّنَا فُقِدَ مِنَّا مَا فِي أَيْدِينَا.
وَقَدْ قَضَى رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
فَبَيَّنَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ يُزِيلُهَا، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ بِنِعْمَتِي فَلَمْ تَشْكُرُوهَا، وَلَمْ تُقَيِّدُوهَا لَدَيْكُمْ وَعِنْدَكُمْ بِالشُّكْرِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ، وَكَمَا بَيَّنَ عُلَمَاؤُنَا –عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ- أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ الشَّرِيفِ: النِّعْمَةُ صَيْدٌ، وَالشُّكْرُ قَيْدٌ.
فَإِذَا أَنْعَمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ، فَأَحَبَّ اسْتِدَامَتَهَا، وَأَرَادَ عَدَمَ زَوَالِهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَيْهَا، فَإِذَا مَا فَرَّطَ فِيهَا سُلِبَتْ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْخِزْيِ وَالْمَهَانَةِ مَا وَقَعَ، وَهَذَا مِمَّا قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَهُ فِي سُنَنِهِ فِي كَوْنِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هَذَا السُّؤَالَ:
كَيْفَ يَسْتَرِدُّ المُسْلِمُونَ فِلَسْطِينَ؟
فَأَجَابَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَرِدُّوهَا إِلَّا بِاسْمِ الإِسْلَامِ، عَلَى مَا كَانَ عَلَيِّهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف: 128].
وَمَهْمَا حَاوَلَ الْعَرَبُ، وَمَهْمَا مَلَئُوا الدُّنْيَا مِنَ الأَقْوَالِ وَالْاِحْتِجَاجَاتِ، فَإِنَّهَمْ لَنْ يُفْلِحُوا أَبَدًا حَتَّى يُنَادُوا بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْهَا بِاسْمِ دِينِ الإِسْلَامِ، بَعْدَ أَنْ يُطَبِقُوهُ فِي أَنْفِسِهِمْ، فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَسَوْفَ يَتَحَقَّقُ لَهُمْ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ)) . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رَوَايَةِ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
فَالشَّجَرُ وَالْحَجَرُ يَدُلَّانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ يَقُولُ: ((يَا عَبْدَ اللَّهِ)) بِاسْمِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ، وَيَقُولُ: ((يَا مُسْلِمُ)) بِاسْمِ الْإِسْلَامِ، والرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ: ((يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ))، وَلَمْ يَقُلْ: يُقَاتِلُ الْعَرَبُ.
وَلِهَذَا أَقُولُ: إِنَّنَا لَنْ نَنْتَصِرَ عَلَى الْيَهُودِ بِاسْمِ الْعُرُوبَةِ أَبَدًا؛ لَنْ نَنْتَصِرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِاسْمِ الإِسْلَامِ؛ وَمَنْ يَشَاءُ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
فَجَعَلَ المِيرَاثَ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمَا عُلِّقَ بِوَصْفٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِوُجُودِهِ، وَيَنْتَفِي بِانْتَفَائِهِ؛ فَإِذَا كُنَّا عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ وَرِثْنَاهَا بِكُلِّ سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، وَبِدُونِ هَذِهِ الْمَشَقَّاتِ، وَالْمَتَاعِبِ، وَالْمَصَاعِبِ، وَالْكَلَامِ الطَّوِيلِ الْعَرِيضِ الَّذِي لَا يَنْتَهِي أَبَدًا!! نَسْتَحِلُّهَا بِنَصْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَبِكِتَابَةِ اللهِ لَنَا ذَلِكَ، وَمَا أَيْسَرَهُ عَلَى اللهِ!
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا مَلَكُوا فِلَسْطِينَ فِي عَهْدِ الْإِسْلَامِ الزَّاهِرِ إِلَّا بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَا اسْتَوْلَوْا عَلَى (الْمَدَائِنِ) عَاصِمَةِ الْفُرْسِ، وَلَا عَلَى عَاصِمَةِ الرُّومِ، وَلَا عَلَى عَاصِمَةِ الْقِبْطِ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ؛ وَلِذَلِكَ لَيْتَ شَبَابَنَا يَعُونَ وَعْيًا صَحِيحًا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ، لَا إِسْلَامِ الهُوِيَّةِ بِالْبِطَاقَةِ الشَّخْصِيَّةِ!
وَأَقُولُ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ-: لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَرَدَّ الشَّامُ -وَأَخُصُّ بِذَلِكَ فِلَسْطِينَ- إِلَّا بِمَا اسْتُرِدَّتْ بِهِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بِقِيَادَةٍ كِقِيَادَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَبِرِجَالٍ كَجُنُودِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ سَيُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ خَلْفَ الشَّجَرَةِ فَتُنَادِي الشَّجَرَةُ: يَا مُسْلِمُ! يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ.
أَمَّا مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْيَهُودِ عَلَى أَنَّهَا عَصَبِيَّةٌ قَوْمِيَّةٌ فَلَنْ نُفْلِحَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ اللهَ لَنْ يَنْصُرَ إِلَّا مَنْ يَنْصُرُهُ، كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40-41].
فَنَحْنُ إِذَا رَأَيْنَا صَدْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، نَجِدُ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ عَلَى أَسَاسِ التَّوْحِيدِ؛ الْإِخْلَاصِ للهِ وَالِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالْبُعْدِ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، وَعَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَعَنْ تَقْلِيدِ الْأَعْدَاءِ.
وَالْمُشْكِلُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ مَنْ يَرَى أَنَّ تَقْلِيدَ الْكُفَّارِ عَزٌّ وَشَرَفٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ وَأَصْحَابُهُ تَأَخُّرٌ وَتَقَهْقُرٌ، طِبْقَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] .
فَعَلَيْنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَنْ نَرْجِعَ؛ لِنَقْرَأَ وَنَتَأَمَّلَ فِيمَا سَبَقَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، حَتَّى نَأْخُذَ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَمَسُّكٍ وَعُبُودِيَّةٍ، وَحِينَئِذٍ يُكْتَبُ لَنَا النَّصْرُ.
وَإِنِّي أَقُولُ وَأُكَرِّرُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ نَحْذَرَ مِنْ شُرُورِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَنَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ لَنَا وَلَكُمُ النَّصْرَ لِدِينِهِ، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِهِ وَأَنْ يَنْصُرَهُ بِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ)).
اِنْتَهَى جَوَابُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمُسَلَّمَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ؛ وَهِيَ أَنَّ الْحُرُوبَ الَّتِي اسْتَعَرَتْ وَتَسْتَعِرُ نَارُهَا فِي طِبَاقِ الْأَرْضِ حُرُوبٌ أَيْدُولُوجِيَّةٌ عَقِيدِيَّةٌ، حَتَّى الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِإِلَهٍ وَيَقُولُونَ: لَا إِلَهَ، وَالْكَوْنُ مَادَّةٌ؛ يُحَارِبُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِلَهِ حَقًّا كَانَ أَمْ بَاطِلًا، يُحَارِبُونَهُمْ حَرْبًا عَقِيدِيَّةٍ، وَالْمُتَقَاتِلُونَ فِي بِقَاعِ الْأَرْضِ يَتَقَاتَلُونَ بِسَبَبِ مَا يَعْتَقِدُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ وَحْدَهُمْ يُرَادُ لَهُمْ وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ وَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا دُونَ خَلْقِ اللهِ جَمِيعًا بِلَا عَقِيدَةٍ وَلَا دِينٍ.
عِبَادَ اللهِ؛ فَلْتَكُنْ بِدَايَةً مُوَفَّقَةً فِي الْعَوْدَةِ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِين بِمُرَاجَعَةِ الْمَعْلُومِ وَطَرْحِهِ تَحْتَ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ، تَحْتَ ضَوْءِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي ضَوْئِهِمَا تَتَبَيَّنُ الْحَقَائِقُ وَتَنْتَفِي الزُّيُوفُ، فَلْتَكُنِ الْبِدَايَةُ عَوْدَةً إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَالطَّرِيقُ وَاحِدٌ لَا يَحْتَمِلُ الِاخْتِلَافَ الْقَائِمَ، فَإِنَّهُ اخْتِلَافُ تَضَادٍّ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ تَنَوَّعٍ، وَلَيْسَ بِالْخِلَافِ السَّائِغِ، مَا هُوَ وَاقِعٌ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي جُمْلَتِهِ وَفِي تَفَاصِيلِهِ عَلَى السَّوَاءِ.
الطَّرِيقُ وَاضِحٌ، مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَلَى مُرَادِ اللهِ، وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
أَمَّا الْمُمَارَسَاتُ فَإِنَّهَا لَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى شَيْءٍ، وَأَمَّا الِانْفِعَالَاتُ فَسَرْعَانَ مَا تَخْبُو مَعَ مَزِيدٍ مِنْ حِقْدٍ لِقَمْعٍ وَكَبْتٍ، أَوْ تَجَاوُزٌ لِعُنْفٍ مَعَ إِرَاقَةٍ لِلدِّمَاءِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُؤَخِّرُ الْمَسِيرَةَ، وَأَعْدَاؤُكُمْ لَا يَنَامُونَ عَنْكُمْ.
قَضِيَّةُ الْعَقِيدَةِ، مَعْرَكَةُ الِاعْتِقَادِ، طَهِّروا اعْتِقَادَكُمْ مِنْ أَدْرَانِ الْبِدْعَةِ وَالْإِشْرَاكِ، كُونُوا جُنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْصُرُكُمُ اللهُ.
يَا أَصْحَابَ دِينِ الْعَدْلِ؛ يَا أَصْحَابَ دِينِ الْفَضْلِ، يَا مَنْ تَتْبَعُونَ خَيْرَ الرُّسُلِ، يَا مَنْ تَتْبَعُونَ سَيِّدَ الْبَشَرِ، أَيْنَ تَمَسُّكُكُمْ بِدِينِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ؟!!
إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا *** وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْ *** وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ
وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: الْقُدْسُ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَسَتَظَلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى..