مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: اجْتِنَابُ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ


((مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ:

اجْتِنَابُ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ اقْتِصَادٍ قَوِيٍّ: الْبُعْدَ عَنْ كُلِّ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ؛ فَإِنَّ فَسَادَ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ سَبَبُ تَدْمِيرِ الِاقْتِصَادِ وَهَلَاكِ الْمُجْتَمَعِ.

((وَالْمُعَامَلَاتُ الْمُحَرَّمَةُ تَرْجِعُ إِلَى ضَوَابِطَ؛ أَعْظَمُهَا الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ:

*الرِّبَا بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ؛ رِبَا الْفَضْلِ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَرِبَا الْقَرْضِ، فَالرِّبَا بِأَنْوَاعِهِ مُحَرَّمٌ.

*الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ.

*الْخِدَاعُ وَالتَّغْرِيرُ)) .

الْمُعَامَلَاتُ الْمُحَرَّمَةُ تَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ الضَّوَابِطِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا تَحْرِيمُ الْعُقُودِ.

 ((فَأَعْظَمُ الْمَحَاذِيرِ الْمَانِعَةِ مِنْ صِحَّةِ الْمُعَامَلَاتِ: الرِّبَا، وَالْغَرَرُ، وَالظُّلْمُ.

فَالرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ يَدْخُلُ فِيهِ (رِبَا الْفَضْلِ)، وَهُوَ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَبَيْعُ الْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ فِي حِلِّهِ مَا شَرَطَ الشَّارِعُ، وَهُوَ التَّمَاثُلُ بَيْنَ الْمَبِيعَيْنِ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ، مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا، وَالْقَبْضُ لِلْعِوَضَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.. مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ.

وَ(رِبَا النَّسِيئَةِ): وَهُوَ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ -وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ-، وَبَيْعُ الْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بِلَا قَبْضٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا السَّلَمُ.

وَأَشَدُّ أَنْوَاعِ هَذَا النَّوْعِ قَلْبُ الدُّيُونِ فِي الذِّمَمِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [آل عمران: 130].

وَذَلِكَ إِذَا حَلَّ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ قَالَ لَهُ الْغَرِيمُ: ((إِمَّا أَنْ تَقْضِيَنِي دَيْنِي، وَإِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي ذِمَّتِكِ))؛ فَيَتَضَاعَفُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً بِلَا نَفْعٍ وَلَا انْتِفَاعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْسِرَ قَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَلَى غَرِيمِهِ إِنْظَارَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].

وَسَوَاءٌ كَانَ قَلْبُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورُ صَرِيحًا أَوْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّوَصُّلُ إِلَى مُضَاعَفَةِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ؛ فَهَذَا الَّذِي قَدْ تَوَعَّدَهُ اللهُ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَأَنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى بَعْثِهِمْ وَنُشُورِهِمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ؛ أَيْ: مِنَ الْجُنُونِ، فَيَقُومُونَ مَرْعُوبِينَ مُنْزَعِجِينَ قَدِ اخْتَلَّتْ حَرَكَاتُهُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْقَلَاقِلِ وَالْأَهْوَالِ الْمُزْعِجَةِ وَالْعُقُوبَاتِ لِأَكَلَةِ الرِّبَا.

وَقَدْ آذَنَهُمُ اللهُ بِمُحَارَبَتِهِ وَمُحَارَبَةِ رَسُولِهِ إِذَا لَمْ يَتُوبُوا، وَمَنْ كَانَ مُحَارِبًا لِلهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ مَخْذُولٌ، وَإِنَّ عَوَاقِبَهُ وَخِيمَةٌ، وَإِنِ اسْتُدْرِجَ فِي وَقْتٍ فَآخِرُ أَمْرِهِ الْمَحْقُ وَالْبَوَارُ، قَالَ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} [الروم: 39].

فَالْمُرَابِي يَأْخُذُهُ الْأَمْنُ وَالْغُرُورُ الْحَاضِرُ، وَلَا يَدْرِي مَا خُبِئَ لَهُ فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِ، وَأَنَّ اللهَ سَيَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِلَّا إِنْ تَابَ وَأَنَابَ، فَإِذَا تَابَ فَلَهُ مَا سَلَفَ، وَأَمَّا الْعُقُودُ الْحَاضِرَةُ فَالزِّيَادَةُ لَا تَحِلُّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} بِأَخْذِ الزِّيَادَةِ، {وَلَا تُظْلَمُونَ} بِأَخْذِ بَعْضِ رُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ.

وَمِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا: الْقَرْضُ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا; فَإِنَّ الْقَرْضَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْمَرَافِقِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْمُعَاوَضَةُ وَشَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضُ رَدَّ خَيْرٍ مِنْهُ بِالصِّفَةِ أَوِ بِالْمِقْدَارِ، أَوْ شَرَطَ نَفْعًا أَوْ مُحَابَاةً فِي مُعَاوَضَةٍ أُخْرَى فَهُوَ مِنَ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ مُؤَخَّرَةٍ، وَالرِّبْحُ ذَلِكَ النَّفْعُ الْمَشْرُوطُ.

فَاللهُ -تَعَالَى- وَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ تَعَاطِي الرِّبَا كُلِّهِ وَالْمُعَامَلَةِ بِهِ، وَأَنْ يَكْتَفُوا بِالْمَكَاسِبِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي فِيهَا الْبَرَكَةُ وَصَلَاحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفِيهَا تَزْكُو الْأَخْلَاقُ، وَيَحْصُلُ الِاعْتِبْارُ، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ، وَالصِّدْقُ، وَالْعَدْلُ، وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ التَّبِعَاتِ.

وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَحْذُورُ الْمَيْسِرِ وَالْغَرَرِ؛ فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ فِي كِتَابِهِ الْمَيْسِرَ، وَقَرَنَهُ بِالْخَمْرِ، وَذَكَرَ مَضَارَّ ذَلِكَ وَمَفَاسِدَهُ.

وَالْمَيْسِرُ يَدْخُلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْمُغَالَبَاتِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُرَاهَنَاتِ وَالْمُقَامَرَاتِ وَتَوَابِعَهَا مِنَ الْمَيْسِرِ؛ فَالْبُيُوعُ الَّتِي فِيهَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَاتٌ وَجَهَالَاتٌ دَاخِلَةٌ فِي الْمَيْسِرِ.

وَلِهَذَا قَالَ ﷺ كَلِمَةً جَامِعَةً: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَبَيْعُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ، وَالشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يُرَ وَلَمْ يُوصَفْ، وَدَخَلَ فِيهِ بَيْعُ الْمَلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَجَمِيعُ الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا جَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ -أَيْضًا-؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَامِلَيْنَ إِمَّا أَنْ يَغْنَمَ، وَإِمَّا أَنْ يَغْرَمَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقَاصِدِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَوَّضِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ، فَإِذَا جُهِلَ الثَّمَنُ أَوِ الْمُثَمَّنُ، أَوْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الدُّيُونِ غَيْرَ مُسَمًّى وَلَا مَعْلُومٍ دَخَلَ هَذَا فِي بَيْعِ الْغَرَرِ وَالْمَيْسِرِ الَّذِي زَجَرَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ: الظُّلْمُ، وَالْغِشُّ، وَالتَّدْلِيسُ، وَبَخْسُ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَبَخْسُ الْحُقُوقِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً؛ بِأَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ، أَوْ يُعْطِيَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَهْلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْخَبِيثَةِ، وَهَذِهِ الْمُعَامَلَاتُ الْمُحَرَّمَةُ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ وَنَحْوُهُمَا)) .

عِبَادَ اللهِ! ((إِنَّ مَعْصِيَةَ اللهِ -تَعَالَى- تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، وَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ»» .

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي ((سُنَنِهِ))  مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ))، وَفِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ))، وَفِي غَيْرِهِمَا.

((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ)): وَهِيَ السِّلْعَةُ تَدْخُلُ بَيْنَ أَخْذٍ وَعَطَاءٍ، ثُمَّ تَخْرُجُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي نَظِيرِ الْأَجَلِ بِلَا مُقَابِلٍ، وَهِيَ حِيلَةٌ مِنَ الْحِيَلِ يَأْخُذُ بِهَا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، يَشْتَرِي سِلْعَةً بِأَلْفٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ بَاعَهَا لَهُ بِثَمَانِمِائَةٍ -مَثَلًا- نَقْدًا فِي الْحَالِ، فَيَأْخُذُ ثَمَانِمِائَةٍ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ أَلْفٌ، فَدَخَلَتِ السِّلْعَةُ وَخَرَجَتْ -حِيلَةً- مِنْ أَجْلِ تَحْلِيلِ الرِّبَا، وَهَيْهَاتَ!!

إِذَا فَسَدَتْ حَيَاتُكُمْ الِاقْتِصَادِيَّةُ، ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ))..

((وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ)): فَصِرْتُمْ تَابِعِينَ حَتَّى لِلْبَقَرِ، وَانْحَطَّتْ هِمَمُكُمْ، ((وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).

فَجَعَلَ رَفْعَ الذُّلِّ مَرْهُونًا بِالرُّجُوعِ إِلَى الدِّينِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الدِّينِ الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ، وَمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ.

قَدْ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ الدِّينَ الْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْلُكُ إِلَى هَذَا الدِّينِ السَّبِيلَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مُحْسِنًا وَلَا يُرْفَعُ الذُّلُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا بُدَّ مْنْ مَعْرِفَةِ الدِّينِ الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ السَّبِيلِ الْمُوصِلَةِ إِلَيْهِ.

فَإِذَا تَحَصَّلَ الْمُجْتَمَعُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ رَفَعَ اللهُ مَا سَلَّطَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ حَتَّى يَعُودَ إِلَى عِزِّهِ وَعِزَّتِهِ، وَرِفْعَتِهِ وَسُؤْدُدِهِ وَمَجْدِهِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53].

فَأَخْبَرَ -تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَ اللهِ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ -تَعَالَى- بِأَسْبَابِ سَخَطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غُيِّرَ عَلَيْهِ جَزَاءً وِفَاقًا -وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ-.

فَمَنْ صَفَّى صُفِّيَ لَهُ، وَمَنْ كَدَّرَ كُدِّرَ عَلَيْهِ، وَمَنْ شَابَ شِيبَ لَهُ، فَمَنْ أَحْسَنَ أُحْسِنَ إِلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ أَسَاءَ السُّوأَى -وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ-.

 

 

المصدر: الْبِنَاءُ الِاقْتِصَادِيُّ السَّدِيدُ وَأَثَرُهُ فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الْمُسَارَعَةُ فِي الْخَيْرَاتِ وَالسَّعْيُ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ
  مَاذَا يَصْنَعُ الْمُسْلِمُونَ لَوْ هُدِمَ الْأَقْصَى؟!!
  المَوْعِظَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : ((جُمْلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ(1) ))
  شِدَّةُ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالصِّغَارِ
  حَثُّ السُّنَّةِ عَلَى الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ وَالْعَمَلِ الْجَادِّ
  الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ
  هَلْ عَرَفْنَا النَّبِيَّ ﷺ حَقًّا وَاتَّبَعْنَاهُ صِدْقًا؟!!
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الْعَمَلُ عَلَى رِفْعَتِهَا وَإِعْمَارِهَا وَتَقَدُّمِهَا
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: بَيَانُ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ
  تُوبُوا وَأَنِيبُوا وَأَسْلِمُوا إِلَى رَبِّكُمْ!
  وَظِيفَةُ دِينِ اللهِ فِي الْحَيَاةِ
  نِعْمَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  عِزُّ المُؤْمِنِ فِي اِسْتِغْنَائِهِ عَنِ النَّاسِ
  فِقْهُ الْمَقَاصِدِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَاتِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان