أَمْرُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالصِّدْقِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّادِقِينَ


((أَمْرُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالصِّدْقِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّادِقِينَ))

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا بِأَرْكَانِ الْإِيمَانِ وَاتَّبَعُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ! الْتَزِمُوا طَاعَةَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا تَعْصُوا بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِتَتَّقُوا عِقَابَ اللهِ الْعَاجِلَ وَالْآجِلَ.

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانِهِمْ، وَإِسْلَامِهِمْ، وَأَقْوَالِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمُ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ إِيمَانِهِمْ تَعْبِيرًا صَادِقًا لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةَ.

وَكُونُوا مَعَ مَنْ صَدَقَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ فِي الْغَزَوَاتِ، وَلَا تَكُونُوا مَعَ الْمُتَخَلِّفِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَعَدُوا فِي الْبُيُوتِ وَتَرَكُوا الْغَزْوَ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَقَدْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ وَمِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ حِينَ رَجَعَ النَّبِيُّ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.. كَانُوا قَدْ تَخَلَّفُوا عَنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَخْبَرُوا النَّبِيَّ ﷺ بِأَنَّهُمْ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَخَلَّفَهُمْ؛ أَيْ: تَرَكَهُمْ.

فَمَعْنَى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]؛ أَيْ: تُرِكُوا، فَلَمْ يُبَتَّ فِي شَأْنِهِمْ، وَلَمْ يُفْصَلْ فِي أَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، جَاءُوا إِلَيْهِ يَعْتَذِرُونَ وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْآيَةَ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ فَصَدَقُوا النَّبِيَّ ، وَأَخْبَرُوهُ بِالصِّدْقِ بِأَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ بِلَا عُذْرٍ؛ فَأَرْجَأَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ خَمْسِينَ لَيْلَةً، {حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118].

ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- بَعْدَ ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

 فَأَمَرَ اللهُ -تَعَالَى- الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَتَّقُوا اللهَ، وَأَنْ يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، لَا مَعَ الْكَاذِبِينَ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب:35]، وَهَذِهِ فِي جُمْلَةِ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ؛ وَهِيَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}... إِلَى أَنْ قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}... إِلَى أَنْ قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]؛ فَذَكَرَ اللهُ الصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ فِي مَقَامِ الثَّنَاءِ، وَفِي بَيَانِ مَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد:21]؛ أَيْ: لَوْ عَامَلُوا اللهَ بِالصِّدْقِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَلَكِنْ عَامَلُوا اللهَ بِالْكَذِبِ فَنَافَقُوا وَأَظْهَرُوا خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَعَامَلُوا النَّبِيَّ ﷺ بِالْكَذِبِ؛ فَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لَهُ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ بِقُلُوبِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَذَبُوا اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- فَكَانَ شَرًّا لَهُمْ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب:24]؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ}؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصِّدْقَ أَمْرُهُ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْجَزَاءِ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

إِذَنْ؛ عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ صُرَحَاءَ، عَلَيْنَا أَلَّا نُخْفِيَ الْأَمْرَ عَنْ غَيْرِنَا مُدَاهَنَةً وَمُرَاءَاةً؛ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا حَدَثَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ حَدَّثَ عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ وَكَانَ لَا يُرْضِيهِ؛ كَذَبَ وَقَالَ: مَا فَعَلْتُ!

لِمَاذَا؟!!

يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَلَّا تَسْتَحْيِيَ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَلَّا تُبَارِزَ الْخَالِقَ -جَلَّ وَعَلَا- بِالْكَذِبِ، قُلِ الصِّدْقَ وَلَا تُبَالِ بِأَحَدٍ، وَأَنْتَ إِذَا عَوَّدْتَ نَفْسَكَ الصِّدْقَ؛ فَإِنَّكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوْفَ تُصْلِحُ حَالَكَ.

أَمَّا إِذَا أَخْبَرْتَ بِالْكَذِبِ وَصِرْتَ تَكْتُمُ عَنِ النَّاسِ وَتَكْذِبُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّكَ سَوْفَ تَسْتَمِرُّ فِي غَيِّكَ، وَلَكِنْ إِذَا صَدَقْتَ؛ فَإِنَّكَ سَوْفَ تُعَدِّلُ مَسِيرَكَ وَمِنْهَاجَكَ.

فَعَلَيْكَ بِالصِّدْقِ فِيمَا لَكَ وَفِيمَا عَلَيْكَ؛ حَتَّى تَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ أَمَرَكَ اللهُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

 

المصدر: الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ أَسْرَارِ الْحَجِّ الْعَظِيمَةِ
  سِيرَةُ النَّبِيِّ ﷺ كَامِلَةٌ شَامِلَةٌ
  ضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَى نَظَافَةِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ
  وَقْفَةٌ مَعَ النَّفْسِ فِي غَمْرَةِ الْفِتَنِ الْحَالَّةِ
  مَبْنَى الشَّرِيعَةِ وَقِيَامُ السُّنَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ
  الْجَزَائِرُ مِنْ بَعْدِ الِاحْتِلَالِ حَتَّى الْعَشْرِيَّةِ السَّوْدَاءِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  التَّرْغِيبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  لَنْ تُوَفِّيَ أَبَوَيْكَ حَقَّهُمَا!!
  حَثُّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الزَّوَاجِ فِي سُنَّتِهِ الْمُطَهَّرَةِ
  أَكْلُ الْحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاطِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ
  مُرَاعَاةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  حَنَانُ الْأُمِّ وَشَفَقَتُهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  الْأَمَلُ الْمَذْمُومُ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ
  سُبُلُ مُقَاوَمَةِ الشَّائِعَاتِ شَرْعِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان