نِعْمَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ


((نِعْمَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، لَا يَقْبَل اللهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ؛ {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عِمْرَانَ: 19]، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عِمْرَانَ: 85].

وَدِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.

لَا يَكُونُ الْمَرْءُ مُحَقِّقًا لِهَذَا الدِّينِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، حَتَّى يَنْقَادَ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مُسْتَسْلِمًا، فَيَأْتِيَ بِتَوْحِيدِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيَكُونَ مُذْعِنًا لِأَمْرِ رَبِّهِ الَّذِي بَلَّغَهُ نَبِيُّهُ ﷺ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَكْفِي، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.

عِبَادَ اللهِ؛ إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اصْطَفَاكُمْ لَمَّا اخْتَارَ لَكُمْ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ، فَهَذِهِ النِّعْمَةُ هِيَ أَعْظَمُ نِعَمِ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَفْهَمُوا دِينَ رَبِّكُمْ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَدْعُوا إِلَيْهِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهِ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَّقَ الْفَلَاحَ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [الْعَصْر: 1-3].

فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ رَبِّ الَعْالَمِينَ؛ مِنَ الْإِيمَانِ بِوُجُودِهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِأُلُوهِيَّتِهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا إِيمَانَ بِدُونِ عَمَلٍ.

إِنَّ الْإِيمَانَ الْحَقَّ هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ اللِّسَانُ، وَقَامَت الْجَوَارِحُ بِمَا أَلْزَمَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ: عَقْدُ الْقَلْبِ، وَنُطْقُ اللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ.

عِبَادَ اللهِ؛ إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ أَعْظَمُ دِينٍ، هُوَ الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، هُوَ الدِّينُ الَّذِي خَلَقَ اللهُ لِأَجْلِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنْزَلَ الْكُتَبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَقَامَتْ بِسَبَبِهِ مَعْرَكَةُ الْجِهَادِ بَيْنَ جُنْدِ الرَّحْمَنِ وَجُنْدِ الشَّيْطَانِ.

وَهَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ أَعْظَمُ مِنَّةٍ مَنَّ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا عَلَى عَبْدٍ، الدِّينُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، يَأْمُرُ بِالْبِرِّ وَيَنْهَى عَنِ الْعُقُوقِ، يَأْمُرُ بِالْأَمَانَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْخِيَانَةِ، يَأْمُرُ بِالصِّلَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْقَطِيعَةِ، يَأْمُرُ بِالِائْتِلَافِ وَيَنْهَى عَنْ الِاخْتِلَافِ.

هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَأْمُرُ بِالتَّوْحِيدِ وَيَنْهَى عَنِ الشِّرْكِ، يَأْمُرُ بِالسُّنَّةِ وَيَنْهَى عَنِ البِدْعَةِ، يَأْمُرُ بِالْحَقِيقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْخُرَافَةِ، هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ تَعَالَى لَنَا؛ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ.

إنَّ أَعْظَمَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا عَلَى عَبْدٍ قَطُّ هِيَ نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَنْ يَلْتَفِتُ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ الْتِفَاتًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ إِلْفَ الْعَادَةِ، وَلِأَنَّ إِلْفَ النِّعْمَةِ.. يَجْعَلُهَا كَلَا نِعْمَةٍ؛ بَلْ يَجْعَلُهَا نِقْمَةً فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَايِينِ، فَلَا يَلْتَفِتُ الْعَبْدُ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ فَقْدِهَا!!

إِذَا تَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَنَظَرَ إِلَى حَالِ دُوَلِ الْكُفْرِ فِي بُعْدِهِمْ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَجُحُودِهِمْ لَهُ، وَمُحَارَبَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَغَلَبَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهِمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَحْيَوْنَ بَيْنَ أَظْهُرِ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ؛ وَجَدَ مَا يُعَانُونَ وَمَا يُلَاقُونَ مِنَ الْعَنَتِ وَمِنَ المَشَقَّةِ، مِنْ أَجْلِ الْإِتْيَانِ بِفَرَائِضِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.. عَلِمَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ، هَذَا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَجْزَلَ لَهُ الْعَطِيَّةَ، وَأَضْعَفَ لَهُ الْمِنَّةَ لَمَّا جَعَلَهُ مُسْلِمًا.

فَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ.

إِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا وَأَنْشَأَنَا فِي بِيئَةٍ مُسْلِمَةٍ، نَسْمَعُ فِيهَا آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تُتْلَى فِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ، وَيُقْبِلُ عَلَيْهَا الصِّغَارُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ مُتَعَلِّمِينَ قَبْلَ كِبَارِهِمْ.

وَيُرْفَعُ فِيهَا الْأَذَانُ بِأَعْلَى الْأَصْوَاتِ فِي جَمِيعِ الْمَحَالِّ، وَفِي شَتَّى الْأَمَاكِنِ، وَفِي جَمِيعِ الرُّبُوعِ، فَيُرْفَعُ الْأَذَانُ، وَهُوَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْغَلَبَةَ لِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْبِيئَةِ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الْأَنْحَاءِ.

وَالْعَبْدُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَلَّا يَعِيبَ نُورًا وَلَوْ كَانَ ضَئِيلًا إِلَّا إِذَا أَتَى بِنُورٍ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.

فَهَذَا الَّذِي جَعَلَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ؛ مِنْ إِنْشَائِنَا فِي هَذِهِ الْبِيئَةِ الَّتِي يُتْلَى فِيهَا كِتَابُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتُسْمَعُ فِيهَا أَحَادِيثُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْأَذَانُ، وَيَتَحَرَّكُ فِيهَا الْإِنْسَانُ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ مَا عُقُوبَةٍ لَهُ عَلَى إِسْلَامِهِ وَلَا مُؤَاخَذَةٍ.. يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ تُشْكَرَ، وَإِلَّا فَإِنَّهَا إِنْ كُفِرَتْ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ حَذَّرَ مَنْ كَفَرَ بِنِعْمَتِهِ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [مُحَمَّد: 38].

 

المصدر:الْإِسْلَامُ مَصْدَرُ السَّعَادَةِ وَالصَّلَاحِ لِلْعَالَمِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
  أَمَرَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ
  مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  تَرْغِيبُ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ
  تزكية النفس سبيل الفلاح والنجاح
  حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ!!
  سُنَّةُ التَّكْبِيرِ مُنْفَرِدًا فِي الطَّرِيقِ وَالْمُصَلَّى بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ
  الْأَثَرُ الْمُدَمِّرُ لِأَكْلِ الْحَرَامِ في الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  مِنْ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ الْإِدْمَانِ: تَطْبِيقُ وَلِيِّ الْأَمْرِ حَدَّ الْحِرَابَةِ عَلَى مُرَوِّجِي الْمُخَدِّرَاتِ
  فَضَائِلُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ
  حَثُّ السُّنَّةِ عَلَى الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ وَالْعَمَلِ الْجَادِّ
  الْحَثُّ عَلَى رِعَايَةِ الْأَيْتَامِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  الدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان