نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَاسْتِقْبَالِ آخَرَ


((نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَاسْتِقْبَالِ آخَرَ))

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ! اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاشْكُرُوهُ، وَاسْأَلُوهُ أَنْ يُعِينَكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ لَكُمُ الْمُسْتَقْبَلَ وَالْخِتَامَ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَبْنَ كُلَّ الْغَبْنِ فِي خُسْرَانِ الْعُمُرِ وَالْأَوْقَاتِ، وَأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يَمُرُّ عَلَيْكَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ فَإِنَّهُ خَسَارَةٌ وَنَدَامَةٌ، فَالرَّابِحُ مَنِ اغْتَنَمَ عُمُرَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَتَزَوَّدَ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِيَسْعَدَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالْخَاسِرُ مَنْ فَرَّطَ فِي الْأَوْقَاتِ، وَأَهْمَلَهَا وَتَهَاوَنَ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ وَضَيَّعَهَا.

فَاعْرِفُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- قَدْرَ الْأَوْقَاتِ وَاغْتَنِمُوهَا، وَانْظُرُوا إِلَى سُرْعَةِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَانْقِضَائِهَا فَأَدْرِكُوهَا، تَرَوْا أَنَّ الْأَوْقَاتَ تُطْوَى خَلْفَكُمْ طَيًّا، وَأَنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ تُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا.

فَهَذَا الْعَامُ الَّذِي تُوَدِّعُوهُ قَدْ قَارَبَ عَلَى الِانْتِهَاءِ كُلُّهُ بِأَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، وَخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَسُرُورِهِ وَأَحْزَانِهِ، وَقَدْ مَرَّ عَلَيْكُمْ وَكَأَنَّهُ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْحَيَاةِ سَتَنْقَضِي عَلَى وَقْتِ مَا مَضَى مِنَ الْأَيَّامِ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ تَقْصِدُونَ بِهِ وَجْهَ اللهِ، مُتَّبِعُونَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ صَالِحٌ تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ، حَتَّى الْأُمُور الْعَادِيَّة إِذَا قَصَّدْتُمْ بِهَا وَجْهَ اللهِ صَارَتْ عِبَادَةً للهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

فَإِذَا أَنْفَقَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا أَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَانَ ذَلِكَ أَجْرًا لَهُ عِنْدَ اللهِ.

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ))  مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)).

وَقَالَ: ((إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ))؛ يَعْنِي إِتْيَانَ زَوْجَتِهِ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟

قَالَ ﷺ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)) . وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَأَبْوَابُ الْخَيْرِ -وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ- كَثِيرَةٌ كَثِيرَةٌ، وَالْفَضَائِلُ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَافِرَةٌ غَزِيرَةٌ.

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَتَبَصَّرُوا أَمْرَكُمْ، وَتَفَكَّرُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي كُلُّ شَيْءٍ فِيهَا آيَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ!

تَفَكَّرُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي تَسِيرُونَ بِهَا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ سَفَرُكُمْ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ انْتَهَزَ فُرَصَهَا بِمَا يُقَرِّبُ إِلَى مَوْلَاهُ!

طُوبَى لِعَبْدٍ اتَّعَظَ بِمَا فِيهَا مِنْ تَقَلُّبَاتِ الْأُمُورِ وَالْأَحْوَالِ، وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَا للهِ فِيهَا مِنْ حِكَمٍ بَالِغَةٍ وَأَسْرَارٍ!

أَلَمْ تَرَوْا إِلَى هَذِهِ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنْ مَشْرِقِهَا ثُمَّ تَغِيبُ فِي مَغْرِبِهَا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 44].

وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَيْسَتْ دَارَ بَقَاءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ طُلُوعٌ ثُمَّ غُيُوبٌ وَزَوَالٌ، أَلَمْ تَنْظُرُوا إِلَى الشُّهُورِ يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ كَمَا يُولَدُ الْأَطْفَالُ، ثُمَّ يَنْمُو رُوَيْدًا رُوَيْدًا كَمَا تَنْمُو الْعُقُولُ وَالْأَجْسَامُ حَتَّى إِذَا تَكَامَلَ نُمُوُّهُ انْحَطَّ إِلَى النَّقْصِ وَالِاضْمِحْلَالِ، وَهَكَذَا الْإِنْسَانُ فِي حَيَاتِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.

أَلَمْ تَتَفَكَّرُوا فِي هَذِهِ الْأَعْوَامِ الَّتِي خَلَّفْتُمُوهَا؟! إِذَا أَدْرَكْتُمْ أَوَّلَهَا تَطَلَّعْتُمْ إِلَى آخِرِهَا تَطَلُّعَ الْبَعِيدِ، ثُمَّ تَمُرُّ بِكُمْ أَيَّامُهَا سِرَاعًا، فَتَنْصَرِمُ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، فَإِذَا أَنْتُمْ فِي آخِرِ الْعَامِ، وَهَكَذَا أَعْمَارُكُمْ تَسْتَقْبِلُونَهَا غَضَّةً طَرِيَّةً، فَتَنْقَضِي عَلَيْكُمْ فِي شَيْبُوبَةٍ وَإِدْبَارٍ.

إِنَّكُمْ تُوَدِّعُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَامًا مَاضِيًا شَهِيدًا، وَتَسْتَقْبِلُونَ عَامًا مُقْبِلًا جَدِيدًا، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا أَوْدَعَ الْإِنْسَانُ فِي عَامِهِ الْمَاضِي الشَّهِيدِ، وَمَاذَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ هَذَا الْعَامَ الْجَدِيدَ؟!!

لَقَدْ مَضَتِ الْأَعْوَامُ وَكَأَنَّهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، كَأَنَّنَا لَمْ نُوجَدْ إِلَّا فِي هَذَا الْأَوَانِ، مَضَتْ بِمَا فِيهَا مِنْ خَيْرَاتٍ وَشُرُورٍ، وَأَحْزَانٍ وَسُرُورٍ، وَعَمَلٍ وَكَسَلٍ، وَعِلْمٍ وَجَهْلٍ، وَفَقْرٍ وَغِنًى، مَضَتْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَكَأَنَّ شَيْئًا مَا مَضَى، وَلَكِنْ مَنْ هُوَ الْكَاسِبُ فِي هَذِهِ الْغَمَرَاتِ؟!!

إِنَّ الْكَاسِبَ حَقًّا هُوَ مَنْ أَمْضَاهَا فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاجْتَنَبَ فِيهَا مَعَاصِيَ اللهِ، وَسَارَ مُخْلِصًا للهِ مُتَّبِعًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَحْرِصُونَ جُهْدَهُمْ عَلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ، يَحْرِصُونَ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَنْمِيَتِهَا، ثُمَّ يَحْرِصُونَ عَلَى تَصْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا، فَلَا يُضَيِّعُونَ مِنْهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَلَا يُفَوِّتُونَ فُرْصَةً يَظُنُّونَ أَنَّ بِهَا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ وَلَوْ يَسِيرًا.

وَلَكِنَّهُمْ فِي أَعْمَارِهِمُ النَّفِيسَةِ مُفَرِّطُونَ مُهْمِلُونَ! تَمُرُّ بِهِمُ السَّاعَاتُ وَالْأَيَّامُ، بَلِ الشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ وَقَدْ ضَيَّعُوا أَكْثَرَهَا هَمَلًا، وَلَمْ يُودِعُوهَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100]، فَيَنْدَمُ حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَيَتَمَنَّى حِينَ لَا يَنْفَعُ التَّمَنِّي.

وَعَظَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا فَقَالَ: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)). أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي ((الشُّعَبِ)) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

فَالشَّبَابُ قُوَّةٌ وَعَزِيمَةٌ وَإِقْدَامٌ، فَإِذَا شَابَ الْإِنْسَانُ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَوَهَنَتْ عَزِيمَتُهُ، وَعَجَزَ إِقْدَامُهُ.

وَالصِّحَّةُ قُوَّةٌ وَانْبِسَاطٌ، فَإِذَا مَرِضَ الْإِنْسَانُ وَهَنَ جِسْمُهُ، وَضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ.

وَالْغِنَى رَاحَةٌ وَفَرَاغٌ، فَإِذَا افْتَقَرَ الْإِنْسَانُ تَعِبَ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَانْشَغَلَ بِذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ.

فَبَادِرُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَعْمَارَكُمْ، وَاعْتَبِرُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْهَا بِمَا مَضَى، فَإِنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ وَكُلَّ حَاضِرٍ ذَاهِبٌ.

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ هُوَ الَّذِي فَطَرَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ بِقُدْرَتِهِ، وَأَوْدَعَ فِيهَا مَصَالِحَهَا بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَلَقَدْ خَلَقَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 33-34].

لَقَدْ سَخَّرَ اللهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِمَصَالِحِنَا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَرَتَّبَهُمَا اللهُ تَعَالَى يَجْرِيَانِ فِي فَلَكِهِمَا بِانْتِظَامٍ بَدِيعٍ وَسَيْرٍ سَرِيعٍ، فَمُنْذُ خَلَقَهُمَا اللهُ تَعَالَى وَهُمْا فِي فَلَكِهِمَا لَا يَخْرُجَانِ عَنْهُ قِيدَ أُنْمُلَةٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، لَا يَرْتَفِعَانِ وَلَا يَنْخَفِضَانِ وَلَا يَزُولَانِ، حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ تَعَالَى بِفَنَاءِ الْعَالَمِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَخْرُجُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَلَكِنَّهُ {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].

لَقَدْ سَخَّرَ اللهُ تَعَالَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَجَعَلَهُمَا مِيقَاتًا لِلزَّمَانِ، فَعَلَى سَيْرِ الشَّمْسِ يَتَرَتَّبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالْفُصُولُ، فَإِنَّ الشَّمْسَ كُلَّمَا ارْتَفَعَتْ فِي السَّمَاءِ ازْدَادَتْ حَرَارَتُهَا فَصَارَ الْجَوُّ حَارًّا، وَكُلَّمَا انْحَدَرَتْ إِلَى الْجَنُوبِ مِنَّا وَبَعُدَتْ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ انْخَفَضَتْ دَرَجَةُ حَرَارَتِهَا بِسَبَبِ بُعْدِهَا عَنْ مُسَامَتَةِ الرُّؤُوسِ فَصَارَ الْجَوُّ بَارِدًا، وَمَا سَيْرُهَا هَذَا إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا وَخَالِقِهَا.

أَمَّا الْقَمَرُ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ مَنَازِلَ، كُلَّ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلٍ، وَعَلَى اخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ يَخْتَلِفُ نُورُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ دَقِيقًا خَفِيًّا، لَا يَزَالُ يَكْبُرُ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى يَكُونَ فِي نِصْفِ الشَّهْرِ بَدْرًا جَلِيًّا، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي النَّقْصِ حَتَّى يَعُودَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].

 

المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  فَوَائِدُ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتُهُ عَلَى الْفَرْدِ
  خَوْفُ السَّلَفِ مِنَ النِّفَاقِ
  النَّبِيُّ ﷺ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ
  سُوءُ عَاقِبَةِ أَكْلِ السُّحْتِ فِي الدُّنْيَا
  مَتَى فُرِضَتِ الزَّكَاةُ؟
  قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ فِي تَقْيِيدِ النِّعَمِ عِنْدَ الْعَبْدِ
  عُذْرًا فِلَسْطِينَ!!
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
  سُبُلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَثَمَرَتُهُ
  أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
  مَعْنَى الْجِهَادِ وَنَوْعَاهُ وَشُرُوطُهُ
  نَصِيحَةُ مُشْفِقٍ لِمُرَوِّجِي الشَّائِعَاتِ فِي هَذَا الْعَصْرِ
  رِسَالَةٌ إِلَى الْمُنَادِينَ بِالْخُرُوجِ وَإِحْدَاثِ الْفَوْضَى
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان