تفريغ مقطع : احذر أهل زمانك

((احْذَر أَهْلَ زَمَانِكَ))

فَاحْذَر أَهْلَ زَمَانِكَ، وَأَقْلِل مِن المُخَالَطَةِ عَلَى قَدْرِ وسْعك؛ إلَّا أنْ يَكُونَ حَقًّا تُؤدِّيه؛ مِن رَحِمٍ تَصِلُهُ أَو برٌّ تَصِلُ به إلى مُسْتَحِقِّيه، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْزَم قَعْرَ بَيْتِكَ وَأَقْبِل عَلَى رَبِّكَ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ نَبيِّكَ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّم-، وَعَليكَ بِخَاصةِ نَفْسِكَ وَدَع عَنْكَ أَمْرَ عَامَّتِهِم، فَإِنَّهُم مِن أَضَرِّ مَا يَكُونُ مِن أَمْرٍ عَليك.

وَهَذِهِ الْخُلْطَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى نَوْعِ مَوَدَّةٍ فِي الدُّنْيَا، وَقَضَاءِ وَطَرِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، هَذِهِ الْخُلْطَةُ تَنْقَلِبُ إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ عَدَاوَةً، وَيَعَضُّ الْمُخالِطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ نَدَمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27 - 29].

 وَقَالَ جل وعلا-:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

 وَقَالَ خَلِيلُهُ -عليه السلام- لِقَوْمِهِ: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25].

وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُشْتَرِكِينَ فِي غَرَضٍ هذا شأنهم-، أولئك المشتركون في غرض- يَتَوَادُّونَ مَا دَامُوا مُتَسَاعِدِينَ عَلَى حُصُولِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الْغَرَضُ، أَعْقَبَ نَدَامَةً وَحُزْنًا وَأَلَمًا، وَانْقَلَبَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بُغْضًا وَلَعْنَةً وَذَمًّا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لَمَّا انْقَلَبَ ذَلِكَ الْغَرَضُ خِزْيًا وَعَذَابًا، كَمَا يُشَاهَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ أَحْوَالِ المختلفين -وحدَّهم غرض دنيوي؛ من الاستئثار بالثروة ومن بعض ظلمٍ وقع على بعضهم، ومن ضيقٍ في المعاش وإن كان ضيقًا موهومًا، فخرجوا يؤزُّهُم هذا الهدفُ وَحْدهُ، ثم هُم اليوم يلعنُ بعضُهُم بعضًا، ويخوِّنُ بعضُهُم بعضًا، ويحاربُ بعضهم بعضًا، ويعادي بعضهم بعضًا، وسيقتلُ بعضُهُم بَعْضًا، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون- فَكُلُّ مُتَسَاعِدِينَ عَلَى بَاطِلٍ،مُتَوَادِّينَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَدَّتُهُمَا بُغْضًا وَعَدَاوَةً.

وَالضَّابِطُ النَّافِعُ فِي أَمْرِ الْخُلْطَةِ: أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ فِي الْخَيْرِ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْأَعْيَادِ وَالْحَجِّ، وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَالنَّصِيحَةِ، وَيَعْتَزِلَهُمْ فِي الشَّرِّ، وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ لا يُمَضِّي العُمر في تزجيةِ الأوقاتِ في سوقِ المُسامرات، فإنَّ العُمُرَ أَشْرَفُ مِن أنْ يضيعَ في أمثالِ هذه التَّفَاهَات-.

 فَإِذا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي الشَّرِّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اعْتِزَالُهُمْ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ يُوَافِقَهُمْ، وَلْيَصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْذُوهُ؛ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَا نَاصِرٌ، وَلَكِنْ أَذًى يَعْقُبُهُ عِزَّةٌ وَمَحَبَّةٌ لَهُ، وَتَعْظِيمٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمُوَافَقَتُهُمْ يَعْقُبُهَا ذُلٌّ وَبُغْضٌ لَهُ، وَمَقْتٌ وَذَمٌّ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً، وَأَحْمَدُ مَآلًا، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى خُلْطَتِهِمْ فِي فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ، فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ يَقْلِبَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ طَاعَةً لِلَّهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَيُشَجِّعَ نَفْسَهُ وَيُقَوِّيَ قَلْبَهُ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَى الْوَارِدِ الشَّيْطَانِيِّ الْقَاطِعِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، بِأَنَّ هَذَا رِيَاءٌ وَمَحَبَّةٌ لِإِظْهَارِ عِلْمِكَ وَحَالِكَ،وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلْيُحَارِبْهُ، وَلْيَسْتَعِنْ بِاللَّهِ تعالى، وَيُؤَثِّرْ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَمْكَنَهُ.

فَإِنْ أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِيرُ عَنْ ذَلِكَ، فَلْيَسُلَّ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ كَسَلِّ الشَّعْرَةِ مِنَ الْعَجِينِ، وَلْيَكُنْ فِيهِمْ حَاضِرًا غَائِبًا، قَرِيبًا بَعِيدًا، نَائِمًا يَقْظَانًا، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُبْصِرُهُمْ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَلَا يَعِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ قَلْبَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَرَقَيَ بِهِ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى، يُسَبِّحُ حَوْلَ الْعَرْشِ مَعَ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ الزَّكِيَّةِ، وَمَا أَصْعَبَ هَذَا وَما أَشَقَّهُ عَلَى النُّفُوسِ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ؛ أَنْ يَصْدُقَ اللَّهَ رَبَّه، وَيُدِيمَ اللُّجْأَ إِلَيْهِ، وَيُلْقِيَ نَفْسَهُ عَلَى بَابِهِ طَرِيحًا ذَلِيلًا،وَلَا يُعِينُ عَلَى هَذَا إِلَّا المَحَبَّةٌ الصَادِقَةٌ، وَالذِّكْرُ الدَّائِمُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَتَجَنُّبُ الْمُفْسِدَاتِ الْأَرْبَعِ التي ينبغي على الإنسانِ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، مِن مُفسداتِ القلبِ جميعِهَا، وهو أَمْرٌ كالبحرِ الذي لا سَاحِلَ له، مَعَ أنهُ البحرُ الذي يَرْكَبُهُ مَفَالِيسُ العَالَمِ، يُضيِّعونَ أَعْمَارَهُم وَيُبَدِّدُونَ رَأْسَ مَالِهِم وَيُزجُونَ أوقاتَهُم في أمورٍ لا تَنْفعُهُ؛ لا في دُنياهُم ولا في أُخْراهُم.

أسألُ اللهَ أنْ يجمعَ قلوبَنَا عَلَى طاعتِهِ وَأَنْ يجمعَ أفئدتَنَا عَليهِ، حَتَّى يَكونَ أَحَبَّ مَا يكونُ إليْنَا ويكونَ أَحَبَّ إلينا مِن كلِّ شيءٍ، إنهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كَلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ، وبالإجابةِ جَدِير.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  كُلٌّ يَطْلُبُ مَا لَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ
  رسالة الرسلان للذين يطعنون فيه....!
  قولوها واستحضروها واجعلوها دائمًا في قلوبكم
  إياك أن تظلم
  الذين يعبدون الصنم والبقر... يعظمون معابدهم!! ويحكم أيها المسلمون أين تعظيم مساجدكم؟
  ((1))...((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  رأيتم كيف زال ملك الملوك فكيف تظلمون
  أفق يا رجل لا تكونن وليًّا لله في العلن عدوًا لله في السر
  بدعة ربط الدعوة بالحزب
  تحذيرٌ هَامٌّ للنِّسَاءِ اللاتِي تُرْضِعْنَ أَطْفَالًا غَيْرَ أَطْفَالِهِنَّ
  طَرَفٌ مِن سِيرَةِ الإِمَامِ العَظِيمِ إِمَامِ الدُّنْيَا فِي الحَدِيثِ –البُخَارِي المُظْلُوم-
  لا تتكلم فيما لا يعنيك، وَفِّر طاقةَ عقلِك وطاقةَ قلبِك, واحفظ على نفسِك وقتَك
  أفضل أيام الدنيا أيام العشر فاجتهد في اقتناصها
  شيخ الحدادية المصرية يصف علماء الممكلة بأنهم لا يحسنون قراءة القرآن !
  احذر ثم احذر هذه البدع الكبيرة!!
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان