الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ أَوَّلًا..


 

 ((الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ أَوَّلًا.. ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- -وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافِ وَالْغِنَى فِي الْعِلْمِ- مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ: أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ الْمَصَالِحَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ؛ يُقَدِّمُونَ مَصْلَحَةَ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْفَرْدِيَّةِ لَا يَعْتَبِرُونَهَا وَلَا يُبَالُونَ بِهَا.

 وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَا نَالَ مِنَ الْأُمَّةِ عَدُوٌّ مِثْلَمَا نَالَتِ الْأُمَّةُ مِنْ نَفْسِهَا؛ بِاخْتِلَافِهَا وَتَدَابُرِ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا.

 وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)).

قَدْ مَنَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ ﷺ هَذِهِ، لَمَّا سَأَلَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- ألَّا يَجْعَلَ بَأْسَ الْأُمَّةِ بَيْنَهَا، قَالَ ﷺ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا».

 وَحَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ فَقَالَ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).

  إِمَّا أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا بِالْمَعْنَى الَّذِي لَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّمَا يُشْبِهُونَ الْكُفَّارَ فِي إِقْبَالِهِمْ عَلَى سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِبَاحَةِ أَجْسَادِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَطَّ مِنْهُمْ أَقْوَامٌ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ تَكْفِيرًا، ثُمَّ يَرْفَعُونَ السُّيُوفَ عَلَى الرِّقَابِ.

النَّبِيُّ ﷺ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُصَلِّى فِيهَا بِالْمُسْلِمِينَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمْ مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا، وَهَادِيًا وَمُعَلِّمًا، يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ: ((أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)).

 يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِوَاءِ؛ حَتَّى يَكُونُ الصَّفُّ كَالْقِدْحِ اسْتِوَاءً وَاعْتِدَالًا، أَبْدَانٌ مُتَرَاصَّةٌ، وَقُلُوبٌ مُتَحَابَّةٌ، مُتَلَاحِمَةٌ مُتَدَاخِلَةٌ مُتَمَازِجَةٌ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، وَيَهْبِطُ وَيَصْعَدُ، وَرَاءَ إِمَامِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ: ((لَا تَخْتَلِفُوا؛ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُم)).

 فَيُحَذِّرُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ اخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُنَبِّهُ إِلَى أَمْرٍ جَلِيلٍ خَطِيرٍ فِي أَثَرِهِ عَلَى الْأُمَّةِ؛ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَالَ فِي الِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَادِيٌّ مَحْضٌ، يُؤَدِّي عَلَى اخْتِلَافٍ بَاطِنِيٍّ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ، ((لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ)). 

الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ دَاعِيَةَ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ.

وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَنْطِقَةَ الَّتِي كَانُوا يَتَحَرَّكُونَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَعَهُمْ، فَإِذَا جَاءَتِ الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ تَرَكُوا خِلَافَاتِهِمْ.

الَّذِي شَجَرَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَنَشِبَ بَيْنَهُمْ، وَأَدَّى إِلَى بَعْضِ الِاقْتِتَالِ بَيْنَ جُنْدِ عَلِيٍّ وَجُنْدِ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَانَ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرَيْهِمَا، بِاجْتِهَادَيْهِمَا؛ وَمِنْهُمْ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ لَهُ أَجْرٌ، وَمُجْتَهِدٌ مُصِيبٌ لَهُ أَجْرَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ-.

 كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ بِسَبَبِ الِاجْتِهَادِ، إِنَّمَا كَانَ فِي الْمَنْطِقَةِ الْمَسْمُوحِ بِهَا.

 لَمَّا أَرْسَلَ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خِطَابًا يَعْرِضُ فِيهِ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّهُ بِمَدَدٍ يُقَوِّيهِ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَجُنْدِهِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَلَا يَا ابْنَ الْكَافِرَةِ! أَمَا وَاللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُفَّ، فَإِنِّي سَأَصِيرُ إِلَى ابْنِ عَمِّي حَتَّى أَكُونَ مَعَهُ بِجُنْدِي، ثُمَّ نَسِيرُ إِلَيْكَ؛ حَتَّى نُرِيَكَ أَمْرَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- )). بِمَعْنَى مَا قَالَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

كَانُوا يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ..

يَحْرِصُونَ عَلَى الْأَرْضِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ!

يُقَاتِلُونَ دُونَهُ!

وَيُجَاهِدُونَ مَنْ أَرَادَ اغْتِصَابَهُ وَالِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ!

وَلَا يُحْدِثُونَ الْفَوْضَى وَلَا الشَّغْبَ فِيهِ!

وَلَا يَكُونُونَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا وَلَوْ بِكَلِمَةٍ!

فَعُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ الرَّاشِدُ الثَّالِثُ مِنَ الرَّاشِدِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ظَلَّ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ يَقْصِرُ الرُّبَاعِيَّةَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ كَانَ يُتِمُّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ.

 وَوَقَعَ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَسُنَّةُ النَّبِيُّ ﷺ مَاضِيَةٌ بِقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ -بَلِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَالْمُحَقِّقُونَ-.

 وَلَكِنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ مِنَ الرَّاشِدِينَ بِنَصِّ كَلَامِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ: ((الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ عَامًا)) ، فَكَانَتْ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ خِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا- فَتَمَّتْ ثَلَاثِينَ عَامًا، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--.

 عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَدَا لَهُ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ أَنْ يُتِمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ، وَلَا أَثَرَ، وَلَكِنَّهُ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ  كَمَا وَرَدَ عَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

 فَلَمَّا حَجَّ بِالنَّاسِ، وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فِي عَامِهِ، أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ، فَتَكَلَّمَ نَاسٌ كَثِيرُونَ، وَصَلَّى الْحَبْرُ الْجَلِيلُ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَلْفَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُتِمًّا لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ الْحُكْمَ، فَقِيلَ لَهُ:  أَمَا عَلِمْتَ مَا صَنَعَ صَاحِبُكَ؟!!

 قَالَ: عَلِمْتُ.

 قَالُوا: فَمَا صَنَعْتَ؟

 قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَهُ.

 قَالُوا: كَيْفَ تُصَلِّى خَلْفَهُ وَقَدْ خَالَفَ الرَّسُولَ ﷺ فِي هَدْيِهِ؟

  قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ.

وَهَذَا أَمِيرُ الْعَامَّةِ، وَلَهُ اجْتِهَادٌ فِي الْأَمْرِ.

 مَاذَا كَانَ اجْتِهَادُهُ؟

 قَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((إِنِّي أَمِيرُ عَامَّةٍ، وَيُصَلِّي وَرَائِي فِي الْمَوْسِمِ الْبَدَوِيُّ وَالْآفَاقِيُّ وَمَنْ لَيْسَ بِذِي عِلْمٍ، فَإِذَا دَاوَمُوا عَلَى صَلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَرَائِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ عَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَضَارِبِهِمْ، وَأَقْوَامِهِمْ، وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَمَقَارِّهِمْ، قَالُوا جَاهِلِينَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ كَمَا تُصَلُّونَ -يَقُولُونَ لِأَقْوَامِهِم- وَلَقَدْ صَلَّيْنَا وَرَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ ذُو النُّورَيْنِ وَكَذَا  وَكَذَا، صَلَّيْنَا وَرَاءَهُ الرُّبَاعِيَّةَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، فَيَقَعُ خَلَلٌ عَظِيمٌ.

 فَاجْتَهَدَ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ- فَكَانَ مَاذَا؟!!

 الصَّحَابَةُ يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، لَا يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّمَا حَتَّى إِذَا مَا وَقَعَ أَمْرٌ كَبِيرٌ فَإِنَّهُمْ يَسْلُكُونَ إِلَيْهِ سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَلَا يَفْتَاتُونَ.

 كَمَا رُوجِعَ فِي ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ قِبَلِ الْحِبِّ بْنِ الْحِبِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ- لِأَنَّهُ رُوجِعَ: أَلَا تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتَأْمُرَهُ وَتَنْهَاهُ؟!!

وَقَدْ أَخَذُوا عَلَيْهِ أُمُورًا بَرَأَّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهَا، وَمَنَعُوهُ مِنْ أُمُورٍ مَكَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْهَا.

وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَنْزِيلِ النُّصُوصِ عَلَى غَيْرِ مَنَازِلِهَا، وَبِسَبَبِ الِافْتِئَاتِ عَلَى مَقَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّبَّانِيِّينَ!!

وَبِسَبَبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَنْ لَا كَلَامَ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَصْلًا!!

 أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتَأْمُرَهُ وَتَنْهَاهُ؟

 قَالَ: ((أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي لَا آمُرُهُ وَلَا أَنْهَاهُ إِلَّا أَنْ أُعْلِمَكُمْ، فَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَكَلَّمْتُهُ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْتَحُ بَابَ فِتْنَةٍ)).

 لَا يَقُومُ  إِلَيْهِ فِي مَحْفِلٍ، وَيَقُولُ: افْعَلْ كَذَا، وَلَا تَفْعَلْ كَذَا، وَاتَّقِ اللهَ،  وَكَلِمَةٌ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللهِ!! وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ ((الظُّلْمَ مِنْ مَلِيكٍ غَشُومٍ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ))، هَذَا كَلَامُ سَلَفِكُمْ، وَالْأَمْرُ لَا يَأْتِي مِنْ هَا هُنَا -مِنَ الْأَرْضِ-، وَإِنَّمَا يَأْتِي مِنْ هَا هُنَا -مِنَ السَّمَاءِ-.

وَإِنَّمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ الْعِقَابِ إِنَّمَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، فَغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِكُمْ حَتَّى يُغَيِّرَ لَكُمْ، فَلَوْ وَقَفْتُمْ أَمَامَ مِرْآتِكُمْ شَعْبًا مَصْفُوفًا، فَنَظَرْتُمْ لَرَأَيْتُمْ صُوَرَكُمْ صُوَرَ حُكَّامِكُمْ وَأُمَرَائِكُمْ.

 فَإِنِ ارْتَبْتُمْ  فِي شَيْءٍ فَأَصْلِحُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُصْلِحُ اللهُ لَكُمْ.

هَذَا سَبِيلُ السَّلَفِ، وَهُوَ مَدْعَاةُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَصِلُ إِلَى حَقِيقَتِهِ إِلَّا بِتَعَلُّمِ حَقِيقَةِ الدِّينِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ وَمُبِينٌ، كيف؟

كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ بِفَهْمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

أَمَّا أَنْ تَتْبَعَ آرَاءَ الرِّجَالِ! إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ سَتَضِلُّ بِكُلِّ سَبِيلٍ، فَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا تُقَامِرُ بِآخِرَتِكَ، وَلَيْسَ لَكَ بَعْدَهَا مِنْ بَعْدٍ.

 فَاتَّقِ اللهَ فِي مُسْتَقْبَلِكَ الْحَقِّ، وَإِيَّاكَ وَتَحَزُّبَاتِ الْخَلْقِ، وَأَقْبَلْ عَلَى دِينِكَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَصُّبَ لِلرِّجَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ أَيَّمَا إِهْلَاكٍ.

 الدِّينُ وَاضِحٌ وَمُبِينٌ، وَعَلَيْهِ نُورٌ وَلَأْلَاءٌ، وَفِي السُّنَّةِ بَرْدُ الْيَقِينِ، وَطُمَأْنِينَةُ الْإِيمَانِ.

 اتَّقُوا اللهَ!

أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ! تَمَسَّكِي بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ وَفَهْمِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

تَعُودِي إِلَى الْأَمْرِ الْعَتِيقِ، إِلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنَ الْخِلَافِ، تَتَآلَفُ الْقُلُوبُ، وَتَتَوَحَّدُ الْوِجْهَةُ، وَتَتَآزَرُ الْقُوَى، وَتَتَسَانَدُ الْأَبْدَانُ، وَتَتَعَاظَمُ السَّوَاعِدُ بِنَاءً فِي هَذَا الْوَطَنِ.

 نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الْفِتَنِ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكَذَلِكَ فِي أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْعِلْمُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ كُلُّ جَهُولٍ، قَدْ أَوْصَلَ أَبْنَاءَ الْأُمَّةِ -إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ- إِلَى حَدِّ التَّفْرِيطِ فِي تُرَابِ أَوْطَانِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَأَنَّهَا لَا شَيْءَ!!

 بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَسْعَى جَاهِدًا، وَيَعْمَلُ دَائِبًا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مَنْ هُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ، مُكَذِّبٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ!!

 وَالْخَوَارِجُ القَعَدُ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْمُهَيِّجَةِ الثُّوَّارِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ، وِإِنَّمَا يُهَيِّجُونَ وَيُثَوِّرُونَ، هَؤُلَاءِ جَاهِدُونَ دَائِبُونَ فِي الْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ النَّتِيجَةِ، لَا تُسَلِّمْ زِمَامَ قَلْبِكَ لِغَيْر دِينِ رَبِّكَ، وَلَا تَتْبَعْ غَيْرَ نَبِيِّكَ ﷺ.

 كُنْ عَاقِلًا! وَنَزِّلْ عَمَلَكَ فِي دِينِكَ، عَمَلَكَ فِي بَدَنِكَ، كُنْ عَاقِلًا!

لَا تَكُنْ ظَالِمًا وَلَا جَاهِلًا؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا أُصِيبَ بِوَعْكَةٍ فِي بَدَنِهِ، نَظَرَ الْحُذَّاقَ مِنَ الرُّفَقَاءِ، وَبَذَلَ الْمَالَ وَالْمَجْهُودَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُدَاوِيَ الْخَلَلَ، وَأَنْ يُصْلِحَ الْفَاسِدَ، هَذَا فِي بَدَنِهِ، وَبَدَنُهُ إِلَى التُّرَابِ.

 وَأَمَّا قَلْبُهُ وَدِينُهُ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي فِيهِ كُلَّ جَهُولٍ مِمَّنْ لَمْ يُشْهَدْ لَهُ بِالْعِلْمِ الْأَصِيلِ!!

 وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْخُطُورَةِ بِمَكَانٍ!!

فَاتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَوْطَانِكُمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-؛ فَإِنَّهَا  مُسْتَهْدَفَةٌ مُرَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ، تَآزَرُوا، وَتَعَاوَنُوا، وَنَمُّوا الْمَوْجُودَ حَتَّى تُحَصِّلُوا الْمَفْقُودَ، وَلَا تَتَّبِعُوا السَّرَابَ؛ فَإِنَّهُ هَبَاءٌ يُفْضِي إِلَى يَبَابٍ.

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

 

المصدر:تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَأَثَرُهَا فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَبِنَاءِ الدُّوَلِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  النَّبِيُّ ﷺ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ صِحِّيًّا
  أَفْضَلُ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ الْمُسْلِمِ: حَقُّهُ فِي الْحَيَاةِ
  أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا
  فِقْهُ الْمَقَاصِدِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَاتِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ نِظَامٍ وَالْتِزَامٍ
  انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
  الْعَمَلِ بِأَمَانَةٍ وَاجْتِهَادٍ مِنْ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ
  صِدْقُ الْعَزِيمَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
  الْمَوْعِظَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعُشْرُونَ : ((الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ))
  شِدَّةُ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ
  الدرس التاسع والعشرون : «التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى»
  الْآثَارُ الْخَطِيرَةُ وَالثَّمَرَاتُ الْمُرَّةُ لِلتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  الْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَرَحِمُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان